Skip to main content

Full text of "ktp2019-bk5511"

See other formats


00 





ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 





لكر ! أددك© شن الاك ذ: اعت لتيل 1 





تحطيم الآامة 


قصة حرب يونية 1١951/‏ 





أشرف على إصدار الكتاب 
(/؟ إسذا عبت المعغليةم 


تصميم الغلاف للفئان 
5 ' 


الناشسر 


تليفرن ١457٠هل7؛‏ 


الطمعة الثانية ممو١‏ 


المطبعة العالمية 
كا ء/١1‏ شارع ضريح سعد بالقاهرة 
تليفون /11 797 تلكس /1ة/اة لذرا مالاعا/ا 





د.عبد العظعم رمضان 


تحطيم الآاهة 


قصة حرب يونية ١871‏ 





اولي 


المكتامترة 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 








الافداء 


وإلى الأمة العربية والشعب الفلسطينى » اعتذارا عن 
هزيمة يونية 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 








« اننا نشعر وكأننا فى حلم إكابوس رهيب ! هل يدمر سلاحنا ا جوى 
فى يوم » وتدمر قواتنا الأرضية فى يوم واحد اخر ؟ . هل هذه القوة 
الضخمة لاتصمد أكثر من * ساعة ؟ . وأنخذنا نعود بذاكرتنا الى 
التصرفات ف ا جيش » وأسلوب ا حكم . . فرب) أراد الله مهذه الأمة أن 
نصحو من غفوتها 3 ونحطم الآلهة ! )0 . 

كانت هذه الفقرة من مذكرات عبد اللطيف البغدادئ , عضو مجلس قيادة الثورة السابق 
ورفيق عبد الناصر ونائب رئيس الجمهورية السابق ( الجزء الثانى . ص 55١‏ ) . وقد اخترنا 


عباراتها بعناية » ونحتنا منها عنوان هذه الدراسة عن حرب يوني و ١9551/‏ 2 وهو: و تحطيم 
الآهة » . 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 








نفدت يدهم 


لم تكن هزيمة يونية 1451 هزيمة عادية فى تاريخ مصر » بل كانت 
هزيمة شائنة ومخجلة لم يسبق لها مثيل . ومع ذلك » ولاعتبارات 
كثيرة » بعضها قومى وبعضها ايديولوجى » أفلتت هذه الحرب من 
الحساب التاريخى الصادق » وأفلت المسئولون الحقيقيون عنها من 
العقاب الأدبى . فقد كانت المعركة مع العدو الاسرائيل والامبريالى 
لاتزال قائمة » وكان النظام الذى أفرز الهزيمة مازال يمسك فى يده 
بأعنة الحكم » وجول دون إجراء نحقيق تاريخى علمى يكشف عن 
أسرارها ويتناول أبعادها . وحين انتهى هذا النظام » ظهرت اتجاهات 
فى الدوائر الوطنية التقدمية ترى فى الكشف عن أسرار هذه الحرب » 
سواء فى شكل مذكرات يكتبها عسكريون » أوفى شكل دراسات 
تاريخية » هجمما على الناصرية ومحاولة لتلطيخها » وإضرارا بالفلسفة 
الاجتماعية التى كانت تحكم اتجاهات النظام الذى أفرز ال هزيمة » وهى 
الاشتراكية العلمية » ورغبة فى تحميلها مسئولية ال هزيمة . 


وقد كانت هذه هى الاعتبارات التى وجدتها حين اقترح على بعض 
الأصدقاء . الذين أثق فى حكمتهم وفى حسهم الوطنى والقومى » فكرة 
دراسة هذه الحرب . وقد وجدت » بعد إمعان الفكر » أن الناصرية 
ليست حرما مقدسا يجب على المؤرخين أن يتحاشوا الاقتراب منه خحوفا 
على أنفسهم من تهمة انتهاك المقدسات » وانما هى مجرد نظام حكم مر 


5 





فى تاريخ بلادنا الطويل » فأصاب وأخطأ ٠‏ وقام بإنجازات عظيمة » 
وارتكب أخطاء فظيعة » وحقق انتصارات مدوية » ومنى مهزائم مدوية 
أيضا ‏ وبالتالى فلا يوجد سبب وطنى أو قومئ يحول دون دراسة هذه 
التجربة فى حياة شعبنا ٠‏ وإخخضاعها لمنهج البحث التاريخى العلمى , 
ويحرم شعبنا من الاستفادة من ثار تلك الخيرة » بحلوها ومرها » فى 
تطوير مسيرته وتعميق خيراته النضالية . 


كذلك رأيت أنه لايوجد سبب أيديولوجى يلزم مدرسة التفسير 
المادى للتاريخ بالامتناع عن دراسة هذه الحرب . والكشف عن 
سلبياتها الحزينة » خوفا من تحميل الفلسفة الاجتاعبة التتى كانت 
تحكم النظام الناصرى فى سنواته السبع الأخيرة بمسئولية 
هزيمة /1951 » لأنه لا يوجد ‏ فى رأيى - شىء أضر ببذه الفلسفة 
الاجتماعية أكثر من الربط الخاطىء من جانب بعض فرق اليسار بين 
الناصرية والاشتراكية العلمية » مع أن اليسار ‏ بالذات ‏ هو أول من 
يعرف الفرق الطائل بين الاشتراكية العلمية الحقة » وبين التطبيقات 
الانتقائية التى طبقها النظام الناصرى تحت اسم الاشتراكية . كما 
يعرف كم أضرت هزيمة يونية بمعسكر الأمم الاشتراكية وأساءت إلى 
سمعتها . وفى الوقت نفسه أفقدت ثقة اللاهير المصرية مبذا المعسكر 
وبالأيديولوجية الاجتاعية التى ينتمى اليها . 


1 





لله الأسباب , ولأن الدراسة التاريخية الحقة » التى تستخدم منبج 
البحث التاريخى وأدواته العلمية . وتنطلق من موقع فكرى تقدمى يؤمن 
بحركة التاريخ الجدلية » لايمكن ‏ فى رأيى - أن تتناقض مع مصالح 
الجماهير» بل هى ‏ على العكس من ذلك تماما ‏ تعمل فى خدمتها وفى 
تكوين ضميرها الوطنى والقومى تكوينا صحيحا ‏ لذلك قبلت هذه 
المهمة الجسيمة » وشرعت فى نشرها فى حلقات أسبوعية فى مجلة 
اتوي 


ومن الغريب أن قصارى ماكنت أطمع فى كتابته من حلقات هذه 
الدراسة لم يكن يتجاوز اثنتى عشرة حلقة , وم أكن أتصور اطلاقا أن 
يتجاوز عدد هذه الحلقات السبعين . ويرجع هذا الخطأ الكبير فى 
التقدير إلى أن تصورى لكتابة تاريخ هذه الحرب كان يقف عند وصول 
القوات الاسرائيلية إلى الضفة الشرقية للقناة دون أى شىء اآخر . 
ولذلك فقد استعنث بأحد فصول كتابى ١:‏ المواجهة المصرية 
الاسرائيلية فى البحر الأحمر ) كمقدمة للحرب » ومضيت بها إلى نهايتها 
المريرة . على أنى لم ألبث أن أدركت أن الصراع بين المشير عامر وعبد 
الناصر يمثل جزءا لايتجزأ من قصة هذه الحرب . لأن هذا الصراع هو 
الذى صفى النظام الذى أفرز الهزيمة » والذى كان يقوم على ثنائية 


لحل 





الحكم . وأقام نظاما آخر انفرد فيه عبد الناصر بالحكم لاشريك له 
فيه 

ومع ذلك فقد تصادف فى ذلك الحين أن كنت فى تونس لحضور مؤقمر 
عقد قَّ الفترة من م١‏ سبتمير ١9/875‏ » عن الولايات العربية 
ومصادر وثائقها فى العصر العثانى » ورأيت أن أستشير بعض زملائى 
المؤرخين العرب » خاصة زميلى الدكتور عبد الحليل التميمى أستاذ 
التاريخ الحديث ا التونسية » والدكتورة ليل الصباغ » أستاذة 
التاريخ الحديث بكلية الآأداب بجامعة دمشق . كما استشرت صديقى 
البروفسور فاتيكيوئيس فى زيارتى له بمكتبه بمعهد الدراسات الشرقية 
والافريقية بجامعة لندن » حين زرت لندن فى ذلك الصيف - وقد أجمع 
الجميع على ضرورة دراسة الصراع بين عبد الناصر والمشير عامر كجزء 
من دراسة حرب يونية . 

ومالبثت أن تبينت أن عملية اعادة بناء اليش المصرى وحرب 
أكتوبر ‏ لأن صفحة حرب أكتوبر لم تفتح فى الحقيقة ‏ إلا بعد بناء 
حائط الصواريخ والوصول به إلى شاطىء القناة » وإلا بعل فقدان 
الأمل تماما فى ازالة آثار العدوان ‏ أى ازالة آثار حرب يونية - عن طريق 


١ 





الحل السلمى . فكان على أن أتناول هذه الحرب أيضا بكل أبعادها 
وتكاليفها الفادحة وتأثير: ها على نضالنا المسلح ضد العدو الاسرائيل . 


وما كانت مبادرة روجرز هى التى أنبت حرب الاستنزاف . فقد كان 
على أن أتناولها أيضاء بكل تأثيراتها على علاقات مصر السياسية 
والعسكرية مع الاتحاد السوفيتى » وانهاء مرحلة الاستقطاب السوفيتى 
فى تاريخ الدبلوماسية المصرية » فضلا عن الظروف التى أتاحتها 
للوصول بحائط الصواريخ المصرى إلى شاطىء القناة » وإعادة التوازن 
العسكرى بين مصر واسرائيل » الذى كان قد اخختل بغارات العمق 
الاسرائيلية وعسجز الطيران المصرى عن وضع حد لما . 


كذلك لا كان قبول عبد الناصر مبادرة روجرز نقطة. تحول هامة فى 
علاقات مصر بحركة المقاومة الفلسطينية » وكان أيضا نقطة تحول فى 
علاقة المقاومة بالملك حسين » الذى قبل بدوره هذه اللمبادرة ‏ فقد كان 
من الضرورى التعرض بالفحص التاريخى لحركة المقاومة الحامة فى 
تاريخ نضال الشعب الفلسطينى » والأسباب التاريخية التى أدت إلى 
مذبحة أيلول » التى أخمت صفحة المقاومة الفلسطينية فى الأردن . 
وأعتقد أن الموقع التاريخى » الذى كتبت منه هذه الدراسة لحركة 


1 





المقاومة » قد أتاح لى رؤية أفضل لم تتح لأحد من الباحثين من قبل 
على الرغم من مأساوية هذا الموقع » حيث كانت تجرى فى ذلك الحين 
الحرب الأهلية المخجلة بين فريق المقاومة الفلسطينية المدعوم من سوريا 
وليبيا » وفريق الشرعية الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات . وبالتالى 
فأستطيع أن أزعم أن الرؤية التى قدمتها فى هذه الدراسة لمذبحة أيلول 
تختلف بالضرورة عما تقدم من رؤى سابقة » لاختلاف الموقع التاريخى 
لكتابة الأحداث . 


وعندما عنونت هذه الرسالة بعنوان :( تحطيم الآلحة » . لم يكن فى 
أهدافى مطلقا مهاجمة أى زعيم أو قائد سياسى أو عسكرى . بل كان 
هدفى أسمى من ذلك بكثير» وهو تحطيم عبادة الأبطال » التتى يرسيها 
عادة نظام الحكم الدكتاتورى ! ٠‏ نعم كان هدثى ابراز الالهة الذين 
حكموا شعبنا قرابة عشرين عاما فى صورتهم الحقيقية - أى صورتهم 
البشرية ‏ يخطئون ويصيبون » ويتعثرون ويهبضون . ويكرهون 
ويحبون » ويضعفون كثيرا » ويتغلبون على الضعف أحيانا » وتسوقهم 
مصالحهم الشخصية فى كثير من الظروف على حساب المصلحة القومية 
العليا » ويحققون لبلادنا الفوز والانتصارات فى معارك » ويلحقون بها 
أفدح المزائم والنكبات فى معارك أخرى ! . 


١ 





وكل ذلك من خلال الحقائق التاريخية المجردة من زيف التزويق 
والشعارات . وباستخدام أدوات منبج البحث التاريخى العلمى فى 
استرداد الحدث التاريخى من الماضى »؛ وبالاستعانة بفلسفة التاريخ فى 
بث روح الحياة فيه وبعثه الى الوجود بعد أن كان رفات . 


نعم كان هدفى تحطيم أمثال النظم التى أفرزت هزيمة 
يونية ل1 1١95‏ .» من خلال الرؤية العلمية الصحيحة للأحداث 
التاريخية » وبعرض الحقائق عرضا نزيها لايحركه ال هوى الشخصى أو 
الانحياز أيا كان . 


وليس لأحد أن يزعم أن انطلاقى من موقف فكرى فلسفى فى 
دراستى التاريخية » من شأنه أن ينحرف بى عن ال حياد التاريخى الواجب 
فيمن يتصدى لكتابة التاريخ . فلا يوجد مؤرخ منذ بدء الخليقة ينطلق 
من فراغ أيديولوجى مهم| تصور ذلك . وإنما لكل مؤرخ نافذته 
ألشقرافة والقتصارية:والاجتراغية والأبديوارجية والتقاقية + النى ليله 
من خلالها رؤيته للأحداث ‏ وهى مانطلق عليها أسم « المنظور 
التاريخى » وهذه النافذة لاتزيف الحدث التاريخى » وإنما تعدد رؤيته 
فقط. أى تعدد الزوايا التى يقدم منبا الحدث التاريمخى . واختلاف 


1١ه‎ 





الرؤى التى تقدم المحدث التارينيجى لاينقص منه ( وانما يستكمل صورته 
فى النباية . 


نالعال عدناة دانع الؤرع كوخ هل انفد العلمية + وتخصرن 
استخدامه للأدوات العلمية التى يتيحها له منبج البحث التاريخى » 
وقدرته على استرداد الحدث التاريخى من الماضى كىم| كان أو قريبا ما 
كان » ومقدرته على استجماع بقايا الحدث التاريخى من مصادرها 
المختلفة المتفرقة والمشتتة فى الوثائق » ماظهر منها وما خفى » ومههما كلفه 
ذلك من عناء ومشقة أو تكاليف , وأن يكون محركه الأعظم ذلك 
السؤال الذى كان دائ) يتردد فى ذهن المؤرخ الألمانى الكبير ليوبولد 
رانكه » وهو: كيف حدث التاريخ بالفعل ؟ . 


مصر الجديدة فى " فبراير ١9/5‏ 


لك م عبل العظيم رمضان 
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصسر 
ورئيس قسم التاربيخ 
وعميد كلية التربية ‏ جامعة المنوفية 





ف أعقاب هزيمة يونية /1951 » وى جو الصدمة والذهول والأم 
الممض . كنت أستمع إلى إذاعة لندن . بحثا عن الأنباء 
والتحليلات » حين استمعت الى إجابة عن سؤال يقول : ماهو مدى 
مسئولية جمال عبد الناصر عن هزيمة الجيش المصرى فى حرب الأيام 
الستة ؟ . وكانت الاجابة التى قدمها أحد العلماء المختصين . هى أن 
مسئولية عبد الناصر تنحصر فى إطار المسئولية السياسية وحدها ء لأنه 
على الرغم من كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة » إلا أنه من الناحية 
العملية لا يقود الجيش » وإنما بقود الجيش قائدل عام القوات المسلحة 
تقع عيه مسئولية الهزيمة أو النصر . 


وقد تذكرت على الفور أزمة الجيش فى عام /1971 بين حكومة الوفد 
برياسة مصطفى النحاس وبين الملك فاروق . فقد عمدت حكومة 
الوفد فى أعقاب معاهدة 1985 إلى تجميع السلطة فى يد الأمة » وسلب 
الملك أية سلطة لايبيحها له دستور 197 . ولا كانت صيغة يمين 
اليش قد وضعت قبل الدستور . وكانت تخلو بالتالى من أية 
اشارةاليه » حيث كانت تتضمن حلف الضابط بأن يكونم خادما 
مخلصا أمينا)للملك » ( مطيعا ) لأوامره الكريمة ‏ فقد رأت تعديل هذه 
اليمين بإدخال الدستور عليها » وحذف العبارة المذكورة » وجعلت 
الاخخلاص » للوطن والملك . وه الطاعة » للدستور وقوانين الأمة 


17 





المصرية . وبذلك جعلت الحيش فى نخدمة حقوق الشعب لاحقوق 
العرش . 


وكانت وجهة نظر حكومة الوفد أنه على الرغم من أن حق قيادة قوات 
الدولة هو بطبيعته من اخمتصاص رئيس السلطة التنفيذية » مادام هو 
المكلف باستتباب النظام والأمن فى الداخل » والمحافظة على استقلال 
الوطن وسلامة أراضيه فى الداخل والخارج . وبالرغم من أن الدستور 
ينص على أن « الملك هو القائد الأعلى للقوات البرية والبحرية » » إلا 
أن استعمال حق قيادة الجبش على هذا الوجه » أى قيام الملك بقيادة 
اليش بنفسه . وإصدار الأوامر اليه ووضع خطط الدفاع واطءجوم 3 
كان أمرا غير مستطاع فى عصر الحروب الحديثة التى تتطلب اختصاصا 
فى فن الحرب » وأن بعض الدول مثل فرئسا فى الحرب العالمية الأولى ‏ 
قد تنحى رؤساؤها عن استعمال هذا الحق . ليس فقط من الناحية 
الفعلية » بل ومن الناحية الشكلية أيضا . فبعد أن كانت الحكومة 
تصدر الأوامر للجيش باسم رئيس الجمهورية » مالبثت أن تنحت عن 
هذا الجانب الشكلى من القيادة » وتركت إصدار الأوامر كلية لقائد عام 


او 
حدثت هذه الأزمة فى عام /191 » وهى تصور من أأحد جوانبها 


18 





مسئولية رئيس الدولة عن قيادة الجيوش فُْ أثناع الحرب ١‏ وبالتالى 


فهل يصلح هذا الأنموذج لتحديد مسئولية جمال عبد الناصر عن 
هزيمة يونيو/19717 ؟ . فى الواقع أن المسألة فى عام ١4517‏ كانت أعقد 
بكثير من هذا الأنموذج ومن النماذج التى سبقت عن ارب العالمية 
الأولى ١‏ فكلها قد استقيت من نظم كانت تنتهج النظام الليرالى الذى 
يلقى مسئولية الحكم كلية على عاتق الحكومة المنتخبة بارادة الشعب » 
ويرفع هذه المسئولية عن عاتق رئيس الدولة . ولم يكن الأمر كذلك فى 
النظام المصرى الذى أرسته ثورة ” يوليوء والذى كان قد تعرض 
لتطورات كثيرة عندما وقفعت حرب يونية /1951 . 


فمنئذ أن نجحت الثورة فى طرد الملك فاروق فى 756 يوليو؟ 1565 »2 
سقطت السلطة فى يد تنظيمين : الأول » تنظيم الضباط الأحرار, 
الذى أنشأه عبد الناصر فى بداية عام 0 ., والذى قامت على أكتافه 
الثورة » ولم يكن يزيد عدد أفراده عن مائة ضابط . والثانى » مجلس 
قيادة الثورة » المنبئق عن تنظيم الضباط الأحرار . 


ولم تكن قد استفرت بعد سلطة الفرد فى يد أحد , لافى يد محمد 


19 





نجيب » القائد الذى اختاره تنظيم الضباط الأحرار لتصدر الثورة . 
ولا فى يد جمال عبد الناصر ء الرئيس الفعلى للهيئة التأسيسية للضباط 
الأحرار . فمن ناحية كانت القرارات تتخذ داخمل مجلس قيادة الثورة 
بالأغلبية . ومن ناحية أخرى » كان تنظيم الضباط الأحرار يمثل 
بالنسبة لمجلس قيادة الثورة أداة حساب ومراقبة . فكان عبد الناصر 
يعقد له الاجتماعات دوريا فى البداية للاستماع لآراء الضباط » حتى 
اعتيره البعض بمثابة برللان صغير لمجلس قيادة الثورة . 


على أن الأمور أخذت تسيرفى طريق ردع رقابة هذا البررلان الصغير . 
فقد أحذت الاجتناعات التى تعقد له تتباعد تدريجيا » حتى صدرت 
الأوامر بإيقافها تماما , فتوقفت . ثم لم تلبث أن وجهت إليه ضربتان 
متتاليتان : الأولى » فى يناير ١987‏ حين استقر الرأى بين ضباط 
المدفعية على أن حل مشكلة استثثار مجلس قيادة الثورة بالسلطة يتمثل 
فى ضرورة أن يكون ثيل الجيش فى مجلس قيادة الثورة بالانتتخاب . 
فكانت نتيجة هذا الرأى اعتقال ه” ضابطا من ضباط المدفعية , 
وحاكمة قائدهم البكباشى حسنى الدمنبورى أمام محكمة من مجلس 
قبادة الشورة برياسة عبد الناصر . لم يحضرها خالد محبى الدين ولا 
يوسف صديق أو أنور السادات . وأصدرت حكمها عليه بالاعدام . 


و 





كا تم الحكم بالسجن المؤبد على رشاد مهنا وسجن تسعة من الضباط 
بمدد مختلفة . 


أما الضربة الثانية » فقد وجهت إلى سلاح الفرسان بعد عام 
واحدء أى فى فيراير ‏ مارس ١904‏ . ففى تلك الاثناء تصاعدت 
المفاومة ضد الحكم العسكرى فى مصر تحت قيادة الوفد والاخوان 
المسلمين والشيوعيين » وتفاقم الخلاف داحل مجلس قيادة الثورة بين 
محمد نجيب وبقية الضباط » فقدم محمد نجيب استقالته ا مشهورة فى 
3 فبراير 165 . التى فجرت قضية الديموقراطية . وقد اجتمع 
قاط المدرستانة واقدوا قزر يطلب بعودة امسا اسشدوري1 عرد 
نجيب » كرئيس بلا سلطات لحمهورية برلانية . ولكن وقفت بقية 
الأسلحة الأخرى فى الجيش ضد هذا القرار وطالبت ببقاء الثورة » 
وقاومت سلاح الفرسان بشوة السلاح . ووجل خالد حبى الدين نفسه 
يواجه بالاعتداء والتهديد بالاعتقال » لم لم استبعاده من السلاح بعل 
استقرار الأمر فى يد مجلس الثورة فى أحداث 76 719 مارس ١464‏ 
وأعقب ذلك احماد حركة انقلاب من جانب السلاح فى 74 ابريل . 
وتم اعتقال جميع الضباط الذين كانوا قد طالبوا فى فيراير بعودة محمد 
جيب » وتمت محاكمتهم أمام محكمة ثورية » وصدرت ضدهم أحكام 
بالسجن مددا مختلفة . 


ا 





وعلى هذا النحو تمت تصفية تنظيم الضباط الأحرار كأداة رقابة 
. وتحاسبة » ورؤى تعويض أعضائه بالوظائف فى شتى المجالات 
الحكومية والادارية » وانفرد مجلس قيادة الثورة بالسلطة فى غياب أية 
لكل ل 1 5 


وقد حمل عبء المقاومة الشعبية فى ذلك اللحين جماعة الاخوان 
المسلمين » التى كانت هى التنظيم السياسى الوحيد الذى نجا من 
التصفية فى أزمة مارس ١9884‏ . وبلغت هذه المقاومة ذروتها حين عقد 
عبد الناصر أتفاقية الحلاء مع بريطانيا فى ١9‏ اكتوبر ه98١‏ » وفيها 
حق القوات البريطانية فى العودة إلى مصر فى حالة وقوع هجوم مسلح 
عل أى بلد يكنون طرفا فى معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة 
العربية أو تركيا ‏ فقد اعلنت الماعة معارضتها لهذا الاتفاق » وتم 
تدبير حادث اغتيال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالاسكندرية فى 5 
اكتوبر من جانب التنظيم السرى . وأعقبت هذه المحاولة تصفية واسعة 
النطاق للججاعة » تخلصا من خطرها 1 

وم تلبث خيوط السلطة فى مجلس قيادة الثورة أن أخذت تتجمع 
تدريجيا فى يد جمال عبد الناصرء بحكم رئاسته لمجلس الوزراء 
وسيطرته على شثون الحكم . مما أثار ضده تحالفا من عبد اللطيف 


" 





البغدادى وحسن ابراهيم وحمال سالم وصلاح سالم . وكانت وجهة نظر 
عبد اللطيف البغدادى أنه« يجب علينا أن نخرج بكرامتنا » وأن نعمل 
على إضعاف جمال عبد الناصر » لأن غروره بقوته سيضر هذه البلاد فى 
المستقبل » ولابد أن يشعر بأن هناك قوى أخرى تناوثه حتى لايشتط 
فى تصرفاته ) . 


على أن إنتهاء فترة الانتقال نقلت السلطة إلى مستوى جديد . 
وكانت فترة الانتقال هذه قد أعلنت فى 5 يثاير ه9١‏ بمرسوم فضى 
بحل الأحزاب 3 وقيام فترة انتقال لمدة ثلاث سئوات . وقد انتهت هذه 
الفترة فى يناير ١196‏ » وأعلن عبد الناصر يوم ١6‏ منه قواعد الدستور 
الجحديد » الذى جعل الجمهورية المصرية لاهى جمهورية رئاسية ولاهى 
برلمانية ليبرالية » ولكنها خليط من الاثنين . ووضع فى يد رئيس 
الجمهورية ٠‏ بوصفه رئيس السلطة التنفيذية » سلطات واسعة بغرض 
ضان السيطرة . وقضى بتعيين قائد الثورة » أى حمال عبد الناصر » 
رئيسا للجمهورية فى الفترة الأولى لضمان استمرار النظام والثورة . ثم 
جرى الاستفتاء على الدستور المقترح وعلى رئاسة عبد الناصر فى 
يونيو 1497 » وكان هوالمرشح الوحيد وم يسمح لغيره بالرشيح » 
فانتخب بأغلبية 9ر44 فى المائة ( وهى النسبة التى ظلت بعد ذلك مثلا 
يحتذى ! ) » وأصبح رئيس الجمهورية الشرعى المنتخب . 


بوفلا 





ومنذ ذلك الحين انتهت سلطة مجلس قيادة الشورة من الناحية 
الشرعية » ولكنه لم يختف من الحياة السياسية . فقد عين عبد الناصر 
خمسة من أعضائه » هم : عبد اللطيف البغدادى وزكريا محيى الدين 
وحسين الشافعى وعبد الحكيم عامر وكهال الدين حسين . كأعضاء فى 
الوزارة الجديدة التى ألفها يوم 5١‏ يونيو . وأعطوا أسبقية على الوزراء 
المدنيين السابقين لمم فى التعيين . فكان ذلك تأكيدا لسلطة الحكم 
العسكرى عل اللدكم المذلوود.د 


وجاءت حرب السويس فى 79 اكتوبر 1585 لتبرز دور اليش » 
ودور عبد الحكيم عامر بالذات . ومن الغريب أن ذلك لم يحدث بسبب 
أداء الجيش مهامه على الوجه الأكمل » بل بسبب الأخطاء التى 
ارتكبتها قياداته أثناء المعركة » والتى كان مفروضا أن يحاسب عليها عبد 
الحكيم عامر عسكريا . فقد( عاب عبد الناصر على قيادات اليش 
وعلى عبد الحكيم عامر روح الاستسلام التى كانت قد انتابتهم » 
والشلل الذى حدث لهم بعد دخول الانجليز والفرنسيين المعركة , 
وعدم إطاعة الجيش لأوامره رغم تكرار الاتصال بهم » وأعلن ضباط 
القوات الحوية فى أحاديثهم أهم فقدوا الثقة فى قباداتهم نتيجة للأخطاء 
التى حدثت . وطلب عبد الناصر نقل صدقى محمود رئيس هيئة أركان 


535 





حرب القوات الجوية إلى منصب وكيل وزارة الحربية لشئون الطيران » 
كرا تقرر عزل قادة القوات اليرية والبحرية واخوية . ولكن غيد الحكيم 
عامر رفض » وعرض استقالته . وى الوقت نفسه كان يضغط على عبد 
الناصر بشعبيته لدى ضباط الحيش . ففى يوم تسليم قلادة النيل 
لأعضاء مجلس قيادة الثورة فى حفل نادى الضباط فى الزمالك » كان 
عبك الحكيم عامر هو الوحيد الذى وقف بعد أن تسلم القلادة ؛ ورفععها 
حصو الضباط ؛ فأخصلوا يصفقون له . لذلك رففضض عبد الناصر 
استقالته » لأن عبد الحكيم محبوب من الشعب والجيش » ! : 


كان بقاء عبد الحكيم عامر والابقاء على قادة القوات الثلاثة رغم 
أخطائهم فى حرب 1985 » مقدمة لهزيمة يونية /1951 . ولكن هذه 
القيادة الفاشلة كان عليها أن تثبت عجرا آخر فى ميدان لايقل خخطرا 
وأهمية » وهو ميدان الوحدة مع سوريا » مما ترتب عليه مأسناة الانفصال 
فى 8؟ سبتمير 1151 . فقد كان قادة الانفصال من مكتب عبد الحكيم 
عامر نفسه » اذ كان عبد الكريم النحلاوى مدير مكتب ال مشير وموضع 
ثقته » وعاد عبد الحكيم عامر مطرودا بعد أن كان فى قمة السلطة . 
وعندما تقرر إرسال قوات مظلات لاحماد الانقلاب » تأخرت فى 
الذهاب لبطء الاجراءات » واعتير الفريق محمد صدقى محمود مسئولا 


حكن 





عن هذا التأخير» الذى ترتب عليه انه عندما وصل الفوج الأول » 

كانت المقاومة قد انتهت واعتقل افراد القوة عند نزولهم . وقد تقرر 
اخراج وعزل الفريق محمد صدقى محمود » ولكن المشير عبد الحكيم 
عامر رفض فى محاولة للظهور بمظهر حامى القوات المسلحة » وجرى 
اتفاق ودى بين عبد الناصر والمشير على اخراج قادة القوات البرية 
والبحرية والجوية من الخدمة بعد فترة من الزمن » ولكن ذلك لم ينفذ 
حتى قيام ثورة اليمن فى > سبتمير 1555 » فدخل الاتفاق فى دائرة 
النسيان . 


وقد كان بعد الانفصال أن دخلت السلطة فى مصر فى مرحلة 
جديدة . فقد قرر عبد الناصر مواجهة تسلط الجيش « بمجلس 
رئاسة » مكون منه ومن عبد اللطيف البغدادى وعبد الحكيم عامر 
. وزكريا محبى الدين وحسين الشافعى وكيال الدين حسين وحسن 
ابراهيم وعلى صبرى وكيال الدين رفعت . بالاضافة الى مدنيين اثنين 
هما : الدكتور نور الدين طراف والمهندس احمد عبده الشرباصى . 
وكانت خخطة عبد الناصر الاستعانه بهذا المجلس فى سلب اختصاصات 
المشير. وابعاده عن اليش . 


على أن عبد الحكيم عامر واجه هذه المحاولة بتقديم استقالته فى 


اخ 





٠‏ سبتمبر1457 . وفى الوقت نفسه تضامن قادة القوات اليرية 
والبحرية والجوية وبعض كبار القادة مع المشير فى موقفه , فقدموا 
بدورهم استقالاتهم . وفى ظل هذا الضغط لم بجد عبد الناصر بدا من 
رفض استقالة عبد الحكيم عامر,» خصوصا بعد أن اجتمع قادة 
الأسلحة المقربين من المشير فى القيادة مصرين على عودته . فعاد المشير 
من مرسى مطروح التى ذهب إليها بعد استقالته ( منتصرا » وتدعمت 
سلطاته . 


وفى الفترة التالية » كان عبد الحكيم عامر يتحول ليصبح الحاكم 
الثانى فى مصر . على حساب مجلس الرئاسة . فقد بقى يارس سلطة 
الفائد العام 2 وق الوفت نفسه أحذث سلطة مجلس الرئاسة » وهو 
أعلى سلطة فى البلاد » تتأكل ‏ وتتجمع خيوط السلطة من جديد فى 
يد عبد الناصر » وأخذ اتجاه عبد الناصر إلى تشديد قبضة الدولة على 
وسائل الانتاج يقسم إجماع الضباط داخل مجلس الرئاسة , بعد أن 
اعسترض على هذا الاتجاه كل من كمال الدين حسين وعبد اللطيف 
البغدادى . وى اجتماع عقد بمنزل عبد الناصر فى 
مارس 1457 » وصف عبد اللطيف البغدادى أوضاع السلطة داخل 
مجلس الرياسة » فذكر أن القيادة الجماعية الممثلة فى مجلس الرياسة ‏ 
( أصبحثت لا نجتمع ٠‏ ولايبعرض عليهاأى شىء من الأمور 


و 





الأساسية » ولاتصلها كذلك أية معلومات عن التطورات التى تحدث 
بالبلاد أو مايجرى فيها . ولا نعلم شيئا عن الشئون الخارجية ولا عن 
المشاكل الداخلية ولا عن العهليات التى تجرى فى اليمن . وقد 
أصبحت بذلك معزولة تماما ولا تمارس سلصطاتتها » . وبدأ كيال الدين 
حسين يمتنع عن الذهاب إلى مكتبه منذ أغسطس 1957 إلى 
مارس ١9554‏ » ثم قدم استقالته » وق 15 مارس قدم عبد اللطيف 
بغدادى استقالته أيضا . 


وفى تلك الأثناء جاء التدخل المصرى فى حرب اليمن ليضيف الى 
قوة عبد الحكيم عامر . وكان عبد الحكيم عامر قد حصل على منصب 
رئيس مجلس الدفاع الأعلى » بعد تعديل قانونه بم| يسمح له بتولى قيادة 
القوات المسلحة وبصورة مباشرة » فكان الوحيد من بين أعضاء مجلس 
الرياسة الذى يتولى سلطات تلفيذية مباشرة فى ادارة أمور الجيش » 
دون أن يكون مسئولا عن تصرفاته فيه أمام مجلس الآمة ما نص 
الدستور. كما أصبح رئيسا للجنة الدائمة لمجلس الدفاع . ومع تطور 
العمليات فى اليمن . طلب من عبد الناصر سلطات رئيس الجمهورية 
فى ترقية الأفراد العسكريين وتعيينهم ونقلهم واحالتهم الى المعاش ء 
فحدثت أزمة أخرى فى نوفمبر 194517 . وجه فيها المشير عبد الحكيم 


54 





عامر خطابا الى عبد الناصر طالب فيه بحرية الصحافة ووجوب العمل 
من أجل تحقيق الديموقراطية » وذلك حتى يظهر خروجه أمام الرأى 
العام فى شكل احتجاج على الحكم الدكتاتورى . وفى الوقت نفسه 
كانت تجرى الترتيبات داخل القوات المسلحة بغرض عمل تكتلات بين 
الضباط للوقوف وراء عبد الحكيم عامر ومساندته فى موقفه » وأعدت 
صور بالآلة الكائبة لخطاب المشير السالف الذكر وزعت على الضباط . 
وبلغ الأمر أن داه لسك ل ا 
خاي و للسرت دارا رك ا وأنا ؛ هل يعقل أ 0 
بطريقة سرية حتى أحصل على معلومات عن اليش ) . ؟ 

ا ع تقر عل ادح قل لسن د الا قادة 0 
فوقها من الرتب فقط ! » وألا يوضع قانون مجلس الركاسة فى الترقيات 
والتعبينات وغيرها موضع التنفيذ قبل يوليو 1951 . 


على هذا النحو اختفت فكرة القيادة الجاعية ممثلة فى مجلس 
الرئاسة » ويدا عجز عبد الناصر عن تجريد عبد الحكيم عامر من 
سلطاته بأى وسيلة من الوسائل , ول يبق سوى الاعتراف بسلطته 
رسميا » فعين فى يوم ؟ مارس 1954 نائبا أول لرئيس الجمهورية » 
وعين كل من زكريا محبى الدين وحسين الشافعى وحسن ابراهيم نوابا 
للرئيس » ولم يبق من أعضاء مجلس قيادة الثورة سوى هؤلاء مع أنور 


"4 





السادات . » بعد استقالة حسن ابراهيم فى يناير ١955‏ . ومع أن على 
صبرى قد عين رئيسا للوزراء ووزيرا للتخطيط بدلا من رئاسة المجلس 
التنفيذى فى ظل نظام مجلس الرئاسة , الا أنه لم يوؤخذ مأخذ الحد سواء 
من عبد الحكيم عامر وبطانته » أو من عبد الناصر نفسه . فقد كان 
المشير يعتيره متسللا لمركز السلطة . وكان عبد الناصر يعتيره ما يزال 
سكرتيرا له مهما كان موقعه فى أى منصب ! . 


وفى الفترة التالية حتى نشوب حرب يونيه 14517 » كان المشير عبد 
الحكيم عامر وصنائعه من قادة القوات المسلحة قد استولوا على خيوط 
السلطة فى البلاد . وكان اليش قد أصبح المصدر الرئيسى لتعيين 
الوزراء والمحافظين ورؤساء مجالس الادارات ووكبلاء الوزارات 
والسفراة .كانت مناصب السلطة القليا تكدل بضبباط الميخابراك 
العامة أو الحربية » مثل على صبرى وكيال رفعت وأمين هويدى وعبد 
القادر حاتم وشعراوى جمعه وعبد المحسن أبو النور. ونمت أجهزة 
الأمن والمعلومات وانسعت شبكاتها حتى كادت تستوعب المجتمع 
كله . وازداد العنصر العسكرى بين السفراء حتى أصبح جميع سفراء 
أوروبا خلال عام ؟45١‏ من الضباط عدا " من المانيين ! . وبلغ 
عدد الضباط فى مناصب وزارة الخارجية الكبرى ؟/ من ماثة . وم 
يقتصر الأمر على الوظائف بل سقطت التنظييات الذعبية فى جميع المواقع 


ير 





نحت سيطرة العسكريين » فحين تشكلت أمانة جديدة للاتحاد 
الاشتراكى فى ١7‏ ديسمير ١9514‏ كانت نسبة الضباط ١‏ الى ”١‏ . 
وحتى حين كانت تتساوى نسب الضباط مع المدنيين فى التنظيم 
الطليعى . كانت السيطرة تظل دائا للعسكريين . وكانت أمانة هذا 
التنظيم تتكون من سبعة من الضباط وأربعة من المدنيين » وكان خمسة 
من الضباط السبعة تمن عملوا فى المخابرات . وبروى أحمد حمروش » 
الذى كان عضوا فى التنظيم الطليعى » أن كتابة التفارير عن اتجاهات 
الرأى العام كادت تصبح أهم نشاط الأعضاء , ويرجع ذلك لتولى 
ضباط المخابرات السابقين المسثولية السياسية الجديدة . 


وبلغت الأمور ذروتها بصدور القانون رقم ©؟ لسنة 1455 » الذى 
نص على جعل كافة الجرائم التى ترتكب من العسكريين بسبب تأدية 
وظيفتهم ٠»‏ أو حتى فى الحرائم الخارجة عن نطاق أعمال وظائفهم . اذا 
انفردوا بالاتهام فيها دون أشخاص مدنيين ‏ من اختصاص القضاء 
العسكرى . ومعنى ذلك أن الجيش ورث الامتيازاث الأجنبية التى 
سقطت عن الأجانب فى عام ١911‏ 


كانت الدولة قل تحولت الى دولة بوليسية 2 رغم تمويبات الاتحاد 
الأكتتاكى :والمجالين الشفية ونبية اتسين فى المائة لوال 


"١ 





والفلاحين . وكانت المباحث الحنائية العسكرية قد انتعشث بعد أزمة 
استقالة المشير عبد الجكيم عامر وعودته مظفرا فى نوفمير. 
ديسمبر1957 »2 فبدأت بتشكيل يضم خمسمائة جندى تحت قيادة 
ثلاثين من الضباط تحت قيادة أحد اقباع شمس بدران » الصاغ حسن 
خليل » وركزت نشاطها فى ميدان الخدمة العامة » حتى وصل الى حد 
الاشراف على مرفق النقل العام سئة 1954 . وقد لعبت دورها فى 
اعتقالات الاخوان المسلمين عام ١4565‏ ومؤسسة المطاحن وجريدة 
الجمهورية وشركة سينا للمنجنيز وغيرها » ثم حادث كمشيش ولحنة 
تصفية الاقطاع : 

وأما المشير » فقد كان فى سباق مع نفسه للاستحواذ على المناصب . 
لقد كان رئيسا للجنة الاقتصادية العليا » ورئيسا للجنة السد العالى » 
ورئيسا للجنة تصفية الاقطاع » ورئيسا لاتحاد كرة القدم » بالاضافة 
الى قيادة الجيش ونيابة رئيس الجمهورية . 


وقد كانت تلك أوضاع السلطة فى مصر عشية حرب يونيه ١951/‏ . 


ضن 





الشحسل الأول 





مسفستتساتا تتسزنبا إستالايطا 


ه قصة لحعشود الاسرائيلية 
على حدود سوريا 
ه اغلاق خليج العقبة فى 
ورجه الملاحة الاسرائيلية 
» اسرائيل فى الطريق 
الى قرار المصسرب 
قرار الضرية الاولى بين 
المشير عامر وعيد الناصر 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 








قحمة الحشود الاسرائيلية 
علس كحسدود سوريا 


كالئست أوضساع الصراع المعغسزنسن الاسراثشيل عشية سجرب 
يونبه 1١951/‏ » هى الأوضاع التى رسمتها تسوية فيرايرلاة9١‏ فى 
أعقاب العدوان الثلاثى على مصر . وهى أوضاع لم تعرف عنها اسلتماهير 
المصرية شيئا علد حدوثها أو بعد حدوثها 3 اذ حجبتها وسائل الاعلام 
الخاضعة لرقابة الدولة . وان كانت الدول العربية الأخرى قد عرفتها 3 
وكالت تعير مصر با | , 


وكانث هذه التسوبة قد أعطت لاسرائيل أعظم كسب حه لمث عليه 
مدل بناء دولتها » وهو انهاء الحصار المصرى فى البحر الأحمر عليها , 
والسماح بمرور الملاحة الاسرائيلية فى مضيق تبران ! . ففى يوم 
٠‏ مارس 1948 , وكأخصر مرحلة من مراحل الحسرب العربية 
الاسرائيلية الأولى » كانت اسرائيل قد تمكنث بعملية عسكرية من 
أضرب العملياث العسكرية . وقد عرفت باسم عملية « عرفداه » . 
- أى الأمر الوافع ‏ انتزاع الميناء الفلسطينى الحصين على خليج العقبة 





المععروف بأسم « أم الرشراش » » وأطلقت عليه اسم «ايلات) . وتم 
ذلك بفضل التواطؤ الانجليزى والأمريكى . وبذلك حققت اسرائيل 
الأحلام الصهيونية الاستراتيجية فى الوصول الى البحر الأحمر . 


على أن حكومة الوفسد لم تلبث حين جاءت الى الحكم فى 
يناير 16٠‏ » أن بادرت الى حرمان اسرائيل من ثار هذا الاغتصاب » 
وذلك عن طريق اغلاق المنافذ الشمالية المؤدية الى ميناء ايلات » وهى 
خليج العقبة وقئاة السويس . فاحتلت جزيرتى تيران وصنافير اللتين 
تتحكران فى نخليج العقبة » وأكدت بذلك سيادتها عليهما وأرسلت 
قوات عسكرية الى رأس نصرانى للتحكم فى المضيق تحكم تاما . ثم 
أمرت باغلاق مضيقى تيران فى وجه الملاحة والتجارة الاسرائيلية . 
وبذلك فرضت الحصار البحرى على اسرائثيل فى البحر الأحمر , ول يعد 
قُْ وسصع اسرائيل الاستفادة من اغتصاها غير المشروع ليناء أم 
الرشراش » الذى حولته الى ايلات . 


وقد ظل هذا الحصار المصرى مفروضا حتى عام ١1985‏ . حين 
قررت انجلترا وفرنسا ال هجوم على مصر » بسبب تأميم قناة السويس » 
فاشتركت اسرائيل معهما فى العدوان .هدف فك الحصار على ملاحتها 
وتجارتها فى البحر الأحمر » واستطاعت فى مثل تلك الظروف المواتية 
احتلال كامل سيناء » ووضعت بذلك موضوع الحصار المصرى لأول 
مرة على مستوى جديد . 


وسرعان ما هبت للاستفادة من هذا الوضع . فقد أصدر مجلس 
الأمن قراره فى ؟ نوفمبر بوقف اطلاق النار وبسحب كل القوات الى 
خطوط ماوراء الدنة » ثم وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 
؛ نوفمبر على انشاء قوات الطوارىء الدولية . وعندئذ طرحت اسرائيل 


أضن 





مسألة الملاحة عبر مضيق تيران » كجزء متمم لترتيبات وقف اطلاق 
النار. وأحذت تؤخر انسحابها من شرم الشيخ وقطاع غزة بعد أن 
انسحبت من بقية سيناء . ثم حصلت على مذكرة من جون فوستر 
دالاس » وزير خخارجية الولايات المتحدة , فى ١١‏ فبراير /141 » بأن 
مضيق تيران وخليج العقبة يعتبران مياها دولية . وأعلنت جولدا مايير 
أنها لن تسمح للمدافع المصرية فى مضايق تيران أن تمنع مرة أخرى 
السفن الاسرائيلية من عبور خليج العقبة » وستشق طريقها بالقوة . 
وأنبا سوف تضطر الى خوض الحرب ثانية لو تعرضت لعقوبات 
اقتصادية . 


ولا لم يكن فى وسع مصر اجبار اسرائيل على الانسحاب من شرم 
الشيخ دون الاذعان لوجهة النظر الأمريكية اللتى ترى حرية الملاحة 
لاسرائيل فى خخليج العقبة . فمن هنا سارت الأمور فى طريق الاتفاق 
الشفوى 3 على أن تنسحب القوات الاسرائيلية من شرم الشيخ وقطاع 
غزة » فى مقابل تغاضى مصر عن الملاحة والتجارة الاسرائيلية فى 
مضيق تيران » نحت حماية الآمم السحدة » وعدم عودة الجنود المصريين 
الى قطاع غزة . 

وبفضل هذا «الاتفاق الشفوى» » حصلت اسرائيل على أعظم 
مكسب حققته منذ احتلاها لميناء أم الرشراش » وهو انتهاء الحصار 
المصرى فى مضيق تيران » وتحويل ميناء ايلات الى ميناء عالمى 2 
وممارسة اسرائيل حق الملاحة قَْ البحر الأحمر كدولة من دول البحر 
الأحي وتسرب تقوذها ا افزيتها + 


كانت هذه المقدمة ضرورية لفهم حرب الأيام الستة » وكانت تلك 
التسوية ( التى لم يعرف عنبها الشعب المصرى شيئا طوال تلك الفترة ع 


وفنا 





هى المحرك الرئيسى للأحداث حتى اشتعال الحرب فى © يوليه 
/1 . 


فلقد كان من أثر تزايد استفادة اسرائيل من مرورها فى خليج العقبة 
ومضيق تيران » أن أصبح من الأسباب الواردة فى نظرية الأمن 
الاسرائيل » التى تقضى بشن حرب وقائية ضد مصر » اغلاق خخليج 
العقبة فى وجه الملاحة الاسرائيلية . وقد أوضحت اسرائيل ذلك بصورة 
لا تقبل اللبس » فأعللت أنها « تعتبر استتخدام حقها فى الملاحة فى 
تخليج العقبة ومضيق تبران » مصلحة قومية عليا لا ينطبق علبها أى 
تنازل » ولا يجوز فيها أى مصالحة » , 


وق الوقت نفسه . وفيا يختص بمصر .ء فمنذ مرور الملاحة 
الاسرائيلية فى مضيق تيران 6 واستغلال خصوم النظام المصرى فى 
البلاد العربية الوجود الدولى فى مضيق تيران لتوجيه حملات التشكيك 
ضده والتقليل من ثوريته ‏ أخحعذت تتوق لمارسة حفها القانونى فى 
سحب القوات الدولية » واغلاق خليج العقبة والبحر الأحمر مرة أشرى 
فى وجه الملاحة والتجارة الاسرائيلية . وهكذا كانت الأحداث بين 
البلدين تتجه نحو صدام محتوم . 


وقد سنحت الفرصة لمصر لتجربة قدرتها على سحب قواث 
الطوارىء الدولية من مواقعها . واغلاق نخليج العقبة فى وجه الملاحة 
الاسرائيلية فى مايو/451١‏ . حين أنمذ الوضع يتدهور على الحبهة 
السورية بعد معركة جوية وقعت يوم / ابريل /51ة| فوق الأراضى 
السورية » كانت حصيلتها سقوط ست طائرات ميج سورية أسقطها 
العدو خلال ساعة واحدة . وفى يوم ١‏ ماي أبلغ وزير الدفاع السورى 
حافظ الأسد . المشير عبد الحكيم عامر عن حشود عسكرية اسرائيلية 


بن 





كثيفة على الحدود السورية تبلغ ما ببن أحد عشر الى ثلاثة عشر لواء 
اسرائيليا على جبهتين فى الشمال والجنوب من بحيرة طبرية . 


وكان رد الفعل المصرى أن أصدر المشير عبد الحكيم عامر » نائب 
رئيس الجمهورية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة . أمره برفع 
حالة الطوارىء فى الأراضى المصرية الى الدرجة القصوى . اعتبارا من 
الساعة الرابعة عشرة والنصف من يوم ١8‏ مايو/14717 . وذلك تطبيقا 
لميئاق الدفاع المعقود بين مصر وسوريا . وفى نفس اليوم , أعلن عبد 
الناصر أنه أصدر أوامره بارسال القوات المصرية الى سيناء لتخفيف 
الضغط الاسرائيل عن السوريين . 


وفى أثناء تقدم القوات المصرية فى سيناء يوم 1١‏ مايوء طلب رئيس 
أركان جرت القوات المصرية 3 الفريق محمد فوزى » من اجنرال 
الهمندى أندراجات ريكى » سحب القوات الدولية من خط الهدنة على 
الحدود الشرقية . ولكن رد يوئانت . سكرثير عام الأمم المتحدة ٠‏ بأن 
أى طلب لابعاد القوات الدولية من الحدود ابعادا مؤقنا » يقتضى طلب 
اخعلاء كامل لجميع القوات الدولية من غزة ومن سيناء . فطلبت مصر 
سحب قوات الطوارىء كلية يوم 168 مايو. وفى البوم الشالى وافق 
يوثانت على الانسحاب » وأصدر أمره الى الجنرال ريكى بتجميع القوة 
الدولية وترحيلها . وفى يوم ٠١‏ مايوتم سحب هله القوات من جميع 
مواقعها فى قطاع غزة وسيناء , وتجميعها فى بور سعيد استعدادا 
للرحيل . وفى اليوم التالى ١؟‏ مايو كانت القوات المصرية تحتل مواقعها 
فى شرم الشيخ . وفى يوم ؟؟ مايو أعلن عبد الناصر قراره التاريخى 
باغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الاسرائيلية . وبذلك أصبيحت 
الحرب أمرا محتوما . 


4و 





يتتضح من ذلك اذن ‏ أن التبليغ السورى عن الحشود 
الاسرائيلية » كان هو الفرصة التى انتهزتها مصر لسحب قوات 
الطوارىء الدولية » واغلاق خخليج العقبة فى وجه الملاحة الاسرائيلية 
ومع ذلك ., فان جميع المصادر قد أكدت عدم صحة هذا التبليغ » 
وعدم وجود أية حشود ؟ . فقد أعلنت اسرائيل للأمم المتحدة أن 
المزاعم بشأن وجود حشود عسكرية اسرائيلية غير صحيحة وغير دقيقة . 
ونشر هذا فى صحف العالم . وقد نقلت هيئة الأمم المتحدة هذا البيان 
الى عواصم الشرق الأوسط ؛ با فى ذلك القاهرة . كذلك أعلن 
يوثانت » سكرتير الأمم المتحدة , فى التقرير السنوى عن أعمال 
المنظمة ؛ الذى قدمه الى مجلس الأمن يوم 19 مايو 1451 » أن 
التقارير الواردة من مراقبى هيئة الأمم لمراققة الهدنة » أكدت بالفعل 
عدم وجود حشود أو تحركات هامة على جانبى الهلنة . 


وقد أكد الفريق صلاح الحديدى هذه الحقيقة فى عبارة صريحة . 
فأورد أن أجهزة الحصول على المعلومات فى مصر قد قامت بواجبها فى 
نفى أنباء الحشود الاسرائيلية لغزو سوريا . وهذا الذى ذكره الفريق 
صلاح الدين الحديدى . أكده 00 عبد المحسن مرتجى » قائد 
جيهة سيناء ىق حرب 17 . فقد أورد أن المعلومات التى توصل اليها 
الفريق عبد المنعم رياض» رئيس أركان حرب القيادة الموحدة » عقب 
التحرك المصرى يوم ١6‏ مايوء قد أكدت له عدم وجود هذا وو 
الحشود الاسرائيلية ا 0 شارك 
ف الاستعراض 0-00 الذى أقيم فى القدس احتفالا بعيد انشاء 
دولة اسرائيل . وأورد أنه منذ البداية » أى منذ يوم ١4‏ مايو, ويحلول 
مساء ذلك اليوم » أرسلت المخابرات المصرية تحليلا للموقف الى 
القيادة العليا » شرحت فيه احتمال أن تكون الأزمة وليدة خطة 
مفتعلة » ونصحت بالتريث انتظارا لمعلومات مؤكدة . 


4 





ومن المهم ما ذكره الفريق عبد المحسن مرتجى من أنه « مما يلفت 
النظر أن رئيس شعبة المخابرات بالقيادة العربية الموحدة » وهو سورى 
الجنسية » صرح بأن الحكومة السورية تقوم بحركة سياسية تستهدف 
تدعيم مركزها داخليا . وأنه يستبعد حدوث أى اشتباك بين سوريا 
واسراثيل ») . 


وقد أكد شمس بدران هذه ال حقيقة . فى حديئه مع الكاتب جلال 
كشك الذى نشرته جريدة الجمهورية فى أوائل سبتمير /ا/191 . فقد 
ذكر أنه فى زيارته لروسيا أثناء الأزمة ؛ عقد اجتاعا مع جريشكو. 
« وقلت له : لقد أرسلنا محمد فوزى الى سوريا » وقامت الطائرات 
باستكشاف جوى . ولم نجد عسكريا اسرائيليا واحدا . وقفلت 
لجريشكو. بحضور مراد غالب : سيصلكم وفد سورى برئاسة رئيس 
الوزراء غدا » فاسألوه » . 


وقد أكد الفريق محمد فوزى . رئيس أركان حرب القوات المسلحة 
المصرية فى ذلك الحين + تلك الحفيقة بنفسه ء فذكر أنه حصل له 
تكليف للقيام الى سوريا للتاكد من وجود أو عدم وجود هذه الحشود . 
«وقد سافرت الى سوريا » وسألت عليها حتى أتأكد بنفسى . فقدموا 
لى كل ما طلبته : طلبت الأفلام » وآخر تقارير الاستطلاع الموجودة 
على الخبهة السورية . وشاهدت فيلم تصوير جوى عن الجبهة » فلم 
أجد فيه أى حشد . سألت عناصر الاستطلاع الموجودة على مستوى 
القيادة وعلى مستوى قيادة الجبهة فى سوريا » فلم أتبين أن هذا الحشد 
العسكرى حقيقى ») ! . 


يتضح من ذلك أن الموقف غير المستقر فى سوريا دفع حكومتها الى 
التهويل فى شأن الحشود الاسرائيلية » ولكنه بطبيعة ا حال لم يدفعها الى 


١ 





تصديق هذا التهويل . وهذا يفسر تلك الحقيقة » وهى أنه بينما كانت 
الاستعدادات تجرى فى الجبهة المصرية على قدم وساق » ويجرى تعبئة 
الشعب المصرى للحرب تعبئة حمومة » كانت سوريا قليلة الاهتام با 
يجرى حولما ء وتقابل الموقف بهدوء ‏ ول تتخذ الاجراءات الدفاعية 
التى تتناسب مع ضخامة هذه الحشود المزعومة والخطر المتوقع منها . . 


واذا كان الأمر كذلك . فا هو مصدر المعلومات الأول بوجود 
الحشود الاسرائيلية ؟ . 


تجمع المصادر على أن هذا المصدر هو السوفيت ! . فيذكر الفريق 
الذى أبلغ سوريا بوجود هذه الحشود ١‏ وق الوقت نفسه أرسلت روسيا 


لمصر نفس المعلومات . 


وقد أكد الكتاب السوفييت . الذين ألفوا كتاب : « اطلاق 
الحيامة . ه يونيو) هذه الحقيقة . بأن سخروا « ممن تبجحوا بأن 
الحشود الاسرائيلية على حدود سوريا كانت من صنع خيال موسكو) ! 


وقد روى شمس بدران أنه حين كان فى زيارة موسكوفى أواخر مايو 
أثناء الأزمة . قال له كوسيجن : « نحن ساعدناكم بالسلاح 


وبالمعلومات ٠:‏ فقاطعته قائلا 3 هذه المعلومات هى التى حركتنا لد.خول 
كناف 1 ففهم ماأريد التلميح به » وقال : هذه المعلومات 
صحيحة ! . فلم أرد تأدبا |) . 

وقد ذكر عبد الناصر أنه حين كان الوفد البرلانى المصرى » برياسة 
السأداث » يزور موسكو فى مطلع شهر مايوء )0 أخطره أصدقاؤنا فى 


1 





الاتحاد السوفيتى بأن هناك قصدا مبيتا ضد سوريا » وأن غزو سوريا 
وشيك ) . 


الحشود هى ١‏ أن الروس أعلنوا السوريين بوجود حشود اسرائيلية عل 
حدودهم » فأبلغت سوريا مصر ببذه الحشود . كما قام الروس بابلاغ 
مصر ») . ولذلك فانه حمل الروس مسئولية هذا البلاغ : 


رقد ذكر الملك حسين فى مذكراته أن المعلومات السوفيتية كانت تقول 


ويتهم الفريق مرتجى الاتحاد السوفيتى بالافتعال . فيقول ان 
روسيا » النى لديها جهاز مخابرات على أعلى مستوى . كانت تعلم أنه 
لا توجد مثل هذه الحشود 51 ويسددل على ذلك برفض السفير السوفيتى 
فى اسرائيل الدعوة التى وجهها له وزير الدفاع الاسرائيل » لمصاحبته 
حشود للقوات العسكرية الاسرائيلية . ويفسر افتعال السوفييت هذه 
المعلومات ٠‏ بأنهم خشوا عمليات التقامية اسرائيلية ضد سوريا انتقاما 
للاستفزازات السورية على الحدود » وقد تطبح بحكومة دمشق . فرأوا 
فى اشراك مصر فى الموقف نوعا من الردع لاسرائيل . . 

ومن العدل بالنسبة للسوفييت أن نقرر أن الدراسات الاسرائيلية 
الحديثة » التى تناولت حرب يونيه /1951 » قد أكدت أن اسرائيل 
كانت بالفعل بصدد اتخاذ اجراء ضد سوريا فى ذلك الحين . أى خلال 
شهر مايو . فقد كتب ناداف صفران « يقول : 


« من المقطوع به أن الاسرائيلبين كانوا يعتزمون اتخاذ اجراء ما ضد 


و 





سوريا خلال شهر مايو. ذلك أن نشاط الفدائيين » الذين تساندهم 
سوريا » كان قد تزايد خطره تدريجيا فى الأسابيع السابقة ‏ كنا أشنار الى 
ذلك يوثانت , السكرتير العام للأمم المتحدة . ولهذا رأى الاسرائيليون 
أنه من الضرورى القضاء على هذا الخطر فى مهده قبل استفحاله » عن 
طريق حرمان الارهابيين من أى ملجا لهم فى الدول العربية عبر 
الحدود . وفييا يبدو أن حجم هذا الاجراء لم يكن قد تحدد تماما حتى 
الرابع عشر من مايو . على أنه كان واضحا من تقارير المخابرات الت 
كان يتلقاها الروس ». ومن تصريحات المسئولين الاسرائيليين » أن 
البدائل المطروحة للبحث كانت تتضمن القيام ببجوم جوى » أو شن 
غارة برية واسعة النطاق بشكل غير عادى » تقوم بها القوات البرية على 
القواعد العسكرية السورية . وقد حدد «اشكول) نفسه هذا الاجراء 
بأنه سوف يكون ضربة جوية » بينما أشار الجنرال رابين » رئيس 
الأركان » الى أنه قد يكون اجراء من نوع أخر » ولعله كان يضغط بهذه 
الملاحظة على اشكول » . 


ثم يذكر صفران أن قادة المؤسسة العسكرية كانوا متأكدين من أن 
مصر لن تقوم بأى رد فعل ضد أى اجراء تتخذه اسرائيل . وقد نقلوا 
هذا الاقتناع الى وزير الدفاع (اشكول) الذى لابد أنه نقله بدوره الى 
مجلس الوزراء بوصفه اقتناعه الشخصى ! . وكان تقدير المؤسسة 
العسكرية لموقف مصر مبنيا على أسباب وجيهة كان يشاركهم فيها 
الخبراء فى كل مكان . وتتمثل فى التفاوت النسبى بين قوة مصر وقوة 
اسرائيل » ووجود عدد كبير من القوات الماسرية فى اليمن . فضلا عن 
سوء العلاقات بين البلاد العربية » والموقف المعروف للقوى الكبرى . 
وأخخيرا وليس أخمرا » تصرف عبد الناصر الحذر تجاه اسرائيل طوال 
السئوات الاحدى عشرة السابقة » . 


: 





ل يكن السوفييت - اذن ‏ ينطلقون فى تصورهم عن الحشود 
الاسراثيلية على اللحدود السورية من فراغ . ولكنهم سبقوا هذه الحشود 
بالتحذير » وذلك لردع اسرائيل عن تنفيذ ما تدبره بالفعل من هجوم . 
ولكن السوفييت لم يتصوروا حجم الاجراءات التى اتخلتها مصر : ول 
يكونوا يستهدفون دفع مصر الى الحرب » لتأثيرها الحتمى على الصراع 
العالمى . 


الصورة البليغة التى رسمها شمس بدران » أثناء وجوده فى موسكو . 
فيقول انه حدث أثناء حفل الغداء الذى أقامه جريشكو للوفد 
المصرى ( أن تحمس أحمد حسن الفقى » :وكيل وزارة الخارجية وعضو 
الوفد . فقال فى أحد الأنخاب : أن الشعب المصرى شديد الحماس 
ضد الأمريكيين ! »؛ . وعندئذ ‏ كما يقول شمس بدران  ١‏ دب الفزع 
فى الحفل . وقام الضباط الروس يخطبون محذرين من تصعيد المرقف . 
فوقفت وقلت : نحن لا نريد تصعيد الموقف . ولا نرغب فى أية 
حماية الأسطول الأمريكى » فلن نتعرض لا ) ! . 

والسؤال الآن : اذا كان الأمر كذلك . واذا كان قد اتضح للقيادة 
المصرية عدم وجود حشود اسرائيلية على الحدود السورية » كما اتضح 
لها عدم اهتمام سوريا بالموقف , كى| اتضح لا أيضا أن السوفييت 
يحذرون من تصعيد الموقف . فا هو السبب فى تجاهلها كل هذه 
العوامل » واندفاعها فى حشد القوات المصرية فى شبه جزيرة سيناء ؟ : 


فى الواقع أن السبب فى ذلك بعيد عن الحشود الاسرائيلية » وان 


14 





امحذت هذه الحشود ذريعة للحشود المصرية . ان السبب الحقيقى 
يكمن فى الرغية المشروعة للقيادة المصرية فى الاستفادة من الموقف 
كله اذى يشكيك افيه السترفنيت والسوريين معاء, ل استعادة بق 
مصر الضائع فى السيطرة على مضيق تيران منذ عام /ا16١‏ » وحرماك 
اسرائيل من الملاحة فى خليج العقية » والاستفادة بموقعها الذى 
اغتصبته على البحر الأحمر . وقد عير عبد الناصر عن ذلك يوم 4 يونيو 
بقوله : 


اناما جتة يهو اننا امعد قا ل ليع العق :تقد كانت 
الأمور فى خليج العقبة سنة ١1465‏ كما هى الآن . ولكن نتيجة 
للعدوان البريطانى الفرنسى .» سحبنا قواتنا من سيناء » وحضرت 
قوات الطوارىء الدولية . ومبذا كان علينا أن نستعد لمعركة فاصلة مع 
العدو. وحين شعرنا بأننا على استعداد . استعدنا حقنا : خرجت 
قوات الطوارىء الدولية » ثم عدنا الى خليج العقبة » ثم أغلقنا خلبج 
العقبة ) . 


وهذا الحديث عن استكمال الاستعداد » يعد تكرارا لكلمة ألقاها 
عبد الناصر قبل أيام (9؟ مايو/1951) فى أعضاء مجلس الأمة » قال 
فيها: «قلت قبل الآن اننا سنقرر الوقت . وسنقرر المكان » ولن 
نتركهم ليقرروا الوقت ويقرروا المكان . وقد تمت الاستعدادات , 
ونحن على استعداد لمواجهة اسرائيل » . وفى خطاب النكسة يوم 
فيوليه لا5ة١‏ )2 كرر عبد الناصر ما ذكره عن الاستعدادات » فقال * 
« كانت الحسابات الدقيقة لقوة العدو تظهر أمامنا أن قواتنا المسلحة » 
بها بلغته من مستوى فى المعدات وفى التدريب . قادرة على رده وردعه . 
وكنا ندرك أن احتمال الصراع بالقوة المسلحة قائم » وقبلنا بالمخاطرة ) . 


كع 





لم تكن اذن مسألة الحشود الاسرائيلية » التى ثبت ريفها » هى 
أسباب الحشود المصرية فى سيناء » وانما كانت كها ذكرنا ‏ الرغبة فى 
تجربة قدرة مصر على طرد قوات الطوارىء الدولية » واستعادة حقوق 
تمارسة السيادة المصرية على مضيق تبران . ونرى أن هذا هو السبب 
الذى دعا عبد الناصر لأن يعلن على الجماهير فى ذلك الحين ما لا يتفق 
مع الحقيقة التى زودته بها المخابرات المصرية » وثبتت له بتحريات 
قواده على الحبهة السورية . ففى خطابه يوم "٠‏ يوليو 14717 . ذكر أن 
الجانب المصرى قد قام بتحقيق المعلومات التى وصلت من سوريا عن 
الحشود الاسرائيلية » « وتأكد لنا أن اسرائيل تحشد أمام سوريا ما لا 
يقل عن ١"‏ لواء ) ! . 


هذه الحقيقة ذات أهمية قصوى فى بحثنا , لأمبا مرتبطة بها أوردناه 
فى البداية من دور نخليج العقبة ومرور الملاحة والتجارة الاسرائيلية فيه 
. فى تحريك الأحداث . ومع ذلك فمن الأمور المشوقة تتبع فكرة اغلاق 
هذا الخليج فى وجه الملاحة الاسرائيلية فى ذهن العسكريين والسياسيين 
المصريين » وهو ما نعالحه فى النقطة التالية , 


1 





؟؟ 


إغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الاسرائيلية 


نشأت فكرة إغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الاسرائيلية على 
مرحلتين 3 الأولى 3 سحب قوات الطوارىء الدولية من شرم الشيخ : 
والثانية » إغلاق مضيق تيران فى وجه الملاحة الاسرائيلية . 


وبالنسبة للتقطة الأولى » فييجع أول تفكير فى سحب قوات 
الطوارىء الدولية من شرم الشيخ إلى ديسمبر*195 . أثناء رحلة 
الشرعيك اذكب هافر إل باكنتان ..وكان يصناحيه هذه الوعلة كل 
من شمس بدران وصلاح نصر . 

ففى تلك الاثناء ‏ كما يقول شمس بدران ‏ « تصادف أن مجلس 
دفاع الجامعة العربية كان مجتمعا بناء على توصية مؤتمر القمة » وكان 
الاجتاع فى مصر . وكانت الدول العربية الرجعية » مركزة حملاتها على 
أننا واضعين البوليس الدولى علشان يحمينا . هذه كانت الحملة 
الصحفية المسعورة فى هذه الأيام . فالمشير جاءت له فكرة إننا نعمل 
حاجة من شأنها منع هذه الحملة المسعورة » فقال : .بعث إشارة 


1/8 





للوئسمتن نوضح له هذا الرأى 2 وأنكا تشيضين البوليئن الدوللى ( ونحتل 
شرم الشيخ » وأن هناك كتائب جاهزة ». 


« وقد أرسلت إشارة للريس . ولكن لم يحصل رد عليها , لأنه لم 
يقتلع وقتها . وأنا قلت للمشير ١:‏ أنا فكرت فى موضوع ثانى » لأننا 
إذا سحبنا القوات الدولية من شرم الشيخ . فسيستتبعها قفل الخليج » 
ويمكن تقوم حرب ! : فقال : لا . أنا مش قصدى منع الملاحة » 
وإنما احتلال شرم الشيخ » حتى لانعطى حجة لأى حد يتكلم ! . 
فقلت له : الكلام عندئذ حيبقى عن قفل الخليج . .وإلا فإن الحملة 
المسعورة حتزيد ) . 


وعندما سألته المحكمة ١:‏ مين صاحب الفكرة ؟ » » قال : ٠‏ المشير . 
وقد كلفنى أبعث بها فى برقية للريس . ولا الريس ماردش » قلت له : 
يمكن علشان هذا الاجراء حيؤدى إلى متاعب إحنا موش حملها 
الهاردة . فرد على قائلا : احنا حنحتل شرم الشيخ بس . موش 
حنقفل الخليج . قلت له : لا » دى تبقى نص حل ! » . 


وقد سألته المحكمة عما إذا كان صلاح نصر حاضرا المناقشة ؟ , 
فقال إنه يعتقد أنه كان موجودا » وأن طنطاوى ( وهو العقيد محمد احمد 
طنطاوى الملحق بمكتب المشير) هو الذى أرسل اليرقية للرئيس ) . 


هذه الشهادة تبين مدى الحرج الذى كان يحس به العسكريون 
المصريون من وجود القوات الدولية فى شرم الشيج » ورغبتهم فى 
سحب هذه القوات واسترداد الموقع . ولكنها تظهر عجزا غريبا من 
جانب المشير عبد الحكيم عامر عن فهم وإدراك الارتباط بين سحب 
القوات الدولية واغلاق مضيق تيران فى وجه الملاحة الاسرائيلية فى 


1: 





البحر الأحمر . بينما كان هذا واضحا تماما فى ذهن القيادة السياسية ممثلة 
عليه الفكرة فى ديسمسر95"5١‏ كما ذكرنا » كا كان الشف اق قراره 


وهذا يفسر التطور الذى مرت به مسألة سحب القوات الدولية فى 
مايو/19”1 . فقد كانت الفكرة الأولى تقوم على سحب هذه القوات 
من المنطقة المحصورة بين الكونتلا ورفح فقط » مع استمرارها فى قطاع 
غزه رفح ». وفى شرم الشيخ ! . ويرجع السبب فى ذلك - كم| شرح 
المشير عبد الحكيم عامر فى المؤتمر الذى عقده صباح يوم ؟ امايو إلى 
أن سحب هذه القوات من الأماكن المذكورة كان قد أصبح « ضرورة 
تحدمها التحركات الجارية فى سيناء » . فضلا عن ذلك فإن المفهوم 
العسكرى فى ذلك الوقت كان يقوم - كما ذكر الفريق محمد فوزى ‏ على 
أن شرم الشيخ ليست هى الحدود الشرقية للجمهورية العربية 
المتحدة . 


ومعنى ذلك أن فكرة سحب القوات الدولية من شرم الشيخ لم تكن 
قد ظهرت بعد فى تلك المرحلة . وبالتالى لم تكن قد ظهرت فكرة إغلاق 
خليج العقبة فى وجه الملاحة الاسرائيلية . على أن الأحداث لم تلبث 
أن أحذت تتداعى منذ ذلك الحين لتنتهى إلى قرار إغلاق المضيق . 
فعندما أجريت الاتصالات المبدثية مع قوات الطوارىء الدولية , 
رفضت القيادة الانسحاب الجزئى . وأصرت على تنفيذ مهمتها 
بالكامل » أو التخلى عنبها بالكامل ! . وعندئذ قررت القيادة السياسية 
المصرية سحب القوات بالكامل من جميع المراكز التى تتواجد بها » 
سواء فى القطاع الخاضع للادارة المصرية فى فلسطين » أو فى سيناء . 


د ه86 





وهذا مااستجاب له يوثانت . رغم الضغط المتزايد عليه من حكومات 
الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا واسرائيل . فقد أبلغ الأمم المتحدة 
يوم 14 مايو بانسحاب قوات الطوارىء الدولية من غزة » وانهاء وجودها 
على خطوط الهدنة المصرية الاسرائيلية . وقال إنه لم يكن ليستطيع 
التصرف بشكل آخر بعد أن طلبت الجمهورية العربية سحب هذه 
القوات ». لأنه وضع فى اعتباره سلطة الجمهورية العربية المتحدة فى 
سيادتها على أرضها . 


وكان من الطبيعى أن يعيد إنهاء وجود قوات الطوارىء الدولية 
المواجهة بين مصر واسرائيل . وأخطرمن ذلك . طرح قضية الوجود 
المصرى فى شرم الشيخ » وما يترتب عليه من اغلاق خليج العقبة فى 
وجه الملاحة الاسرائيلية مرة أخرى . 


ففى اليوم التالى » ١٠‏ مايو. طلبت العمليات من المشير عبد 
ستخليها الطوارىء الدولية » حتى تسبق مصر اسرائيل فى أية أطماع لها 
فى تلك المنطقة . وقد أمر المشير عامر بعقد اجتاع من القادة 
العسكريين للنظر فى طلب العمليات . وفى هذا الاجتاع نوقشت 
وجهات النظر المختلفة » ولكن رأى المجتمعين استقر على عدم ضرورة 
إرسال قوات إلى شرم الشيخ !. وكانت الذريعة التتى استندوا إليها فى 
هذا الرأى الغريب هو أن « وجود قوات مصرية فى شرم الشيخ » سوف 

أولم| » أن تمتنع هذه القوات عن مارستها حق مصر الشرعى فى 
السيطرة على مياهها الاقليمية » وبالتالى الامتناع عن قفل خليج العقبة 
ف وجحه الملاحة الاسرائيلية 3 وف هذه الحالة سيوصف موقفنا 


6. 





التى لم تكن علاقتها على مايرام مع مصر . وهو أمر يجب أن نتفاداه 5 


أما الأمر الثانى » فهو استغلال حقنا الشرعى . وقفل خليج العقبة 
بالسيطرة عليه من جانب شرم الشيخ . وهذا معناه قطع خط الرجعة 
على السياسيين » وتصبح الحرب لامفر منها » خصوصا وأن تصريحات 
زعماء اسرائيل كانت تفيد بأن غلق المضيق بمثابة إعلان الحرب عليها . 


ونظرا لأن الظروف المحيطة بالقوات المسلحة ليست هى الظروف 
المواتية أو التى تضعها فى موقف استراتيجى أفضل . « خصوصا وأن 
أحسن قواتنا تحارب فى اليمن  »‏ فالأمر يتطلب الابتعاد عن هذه 
الفكرة . وطالما أن الملاحة مفتوحة فى خليج العقبة » فلا يتوقع من 
اسرائيل أن تبادر باحتلال شرم الشيخ » إذ ليس لذلك أى مبرر أمام 
الرأى الداخلى الاسرائيل أو العام ») . 


وهكذا وصل المجتمعون » وهم قادة القوات الثلاثة ورئيس الأركان 
ومدير المخابرات ». بالاضافة إلى هيئة العمليات » إلى قرارهم بعدم 
إرسال قوات مصرية إلى المنطقة . وإنم!| تخصص ا القوات المناسبة » 
وتستعد للتوجه إليها عندما يطلب منها ذلك حسب تطور الموقف ) . 


وقد وافق المشير عبد الحكيم عامر على هذا الرأى » وأضاف أن فكرة 
إرسال قوات مصرية إلى شرم الشيخ وإغلاق الخليج مستبعدة » وليس 
فى النية تنفيذها . 

على أنه بعد يومين اثنين , كانت القيادة العليا تتجاهل هذا القرار » 
وتصدر أوامرها بإرسال القوات المصرية إلى شرم الشيخ ! . ففى يوم 
9 مايوء فوجىء قادة الجبهة بتحرك كتائب من المظلات إلى شرم 


إن 





الشيخ . وقد جاءت معرفتهم بذلك من القوات الحوية ! . وعندما 
سثل المشير عبد الحكيم عامر عن سبب إرسال هذه القوات » رغم 
سابق الاتفاق بعدم ارساا , أجاب بأنها « عملية تأمينية لاغير » 
بسبب سحب قوات الطوارىء » ولاثبات وجودنا فى المنطقة . وأننا لن 
نتخذ أى قرار بغلق خليج العقبة ) ! . 


على أن الأمور كان لابد أن تمضى إلى ممايتها الطبيعية . ففى يوم 
٠‏ مايو- أى فى اليوم التالى ‏ كان قد تقرر منع الملاحة فى خليج العقبة 
بالنسبة لاسرائيل » وطلب رئيس هيثئة أركان الحرب الاسراع فى 
استكهال طلبات القوات بشرم الشيخ . -خصوصا المدفعية المضادة 
للدبابات » وكذلك اتخاذ بعض الاجراءات الأمنية . 


وعلى هذا النحوى تدرج موضوع شرم الشيخ من عدم احتلاها 
أصلا بقوات مصرية , إلى احتلالها مع عدم إغلاق الملاحة فى وجه 
اسرائيل » إلى القرار الخطير بإغلاق الخليج ومنع الملاحة الاسرائيلية » 
وهو الذى أعلنه عبد الناصر يوم 77 مايو . وأصبحت الحرب بعد ذلك 
أمر محتوما . 


والسؤال الآن : من هو المسئول عن قرار إغلاق مضيق تيران فى وجه 
الملاحة الاسرائيلية ؟ . 


يذكر الفريق عبد المحسن مرتجى أنه كان يرافق المشير عبد الحكيم 
عامر فى زيارة للقوات يوم ٠١‏ مايو. وكان يصاحبهم) وزير الحربية 
شمس بدران » ولم يتعرض المشير من بعيد أو قريب إلى شرم الشيخ » 
وم يخطرنا صراحة أو تلميحا بأن الملاحة ستغلق فى وجه اسرائيل » وما 
قد ينجم عن هذأ الاجراء من أخطار , حتى نستعد له ) . ثم يقول : 


ون 





« من المحتمل أن المشير حتى ذلك الوقت لم يكن يعرف بهذا النبأ » وأن 
القرار بخصوصه اتخل عل مستوىق القيادة السياسية العليا ف هذه 
الليلة ) . 


ويضيف الفريق مرتجى أن الرئيس جمال عبد الناصر أعلن قرار 
إغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الاسرائيلية اعتبارا من يوم *1” مايو 
فى المؤتمر الذى عقده مع ضباط القوات الجوية فى مطار أبو صوير يوم 
3" مايو, وقد بين الرئيس أنه )0 اختار يوم وم مايو موعدا لغلق 
الخليج » حتى يضع يوثانت ( الذى كان قادما إلى مصر للقائه ) أمام 
الآمر الواقع » . 


وقد أورد شمس بدران أن القرار بإغلاق خليج العقبة فى وجه 
الملاحة الاسرائيلية » اتخذ فى جلسة خاصة حضرها جميع أعضاء 
اللجنة التنفيذية . وقال إن تحديد موعد إغلاق الخليج كان قصيرا 
جدا » ١‏ لدرجة استحالة تنفيذه » ! . وأن السبب فى ذلك يرجع إلى 
أن « يوثانت كان قادما لزيارة الرئيس على أساس التراجع فى القرار. 
والريس علشان يضعه أمام الأمر الواقع أعلن هذا القرار» . 


وأضاف شمس بدران أن المشير عامر اضطر إلى إعداد وحدات 
مظلات ووحدات خفيفة ذهبت واحتلت » « يعنى اضطر لعمل عملية 
سريعة كان فيها متاعب كثيرة » وكان متضايقا » فسألته : « ليه انت 
وافقت على هذا ؟ ») فقال : « والله أنا ارتبطت » . فقلت له : ده 
غلط ! . وكان يجب أن تناقش الريس أولا ») . 


تقفل ( الخليج ) فى ظرف كذا ؟ . قال له : أقدر ! » . لكن التنفيذ 


6 





كان صعبا عليه . وقد قلت للمشير : مادام ماتقدرش . موش كنت 
تقول لاريس » وتاخد فرصة أكبر؟ ) . 


وقد علقت المحكمة على هذا الكلام قائلة : إذا كانت الأمور تسير 


هذا الشكل . ولايكون فيه مسئولية , موش كتير اللى حصل لهذا 
البلد ؟ » . 


على أن الفريق محمد فوزى أورد أن صاحب فكرة إغلاق الخليج هو 
المشير عبد الحكيم عامر . وذكر أنه حدث اجتماع فى بيت عبد الناصر » 
دعا إليه أعضاء مجلس الثورة القديم » والمهندس صدقى سليهان » 
رئيس الوزراء فى ذلك الحين . وحصلت مناقشة فى المسألة سياسيا 
وعسكريا . وقد أوضحت هذه المناقشة أن هناك موضوعين منفصلين فى 
هذه القضية : 


الموضوع الأول : السيطرة على الخليج . 

وأن معنى السيطرةعلى الخليج هو وضع قوات مصرية مع استمرار 
الملاحة الاسرائيلية . أماغلق المضيق فمعناه منع الملاحة 
الاسرائيلية . ويستتبعها تأمين عملية الغلق بالسيطرة على الخليج فى 
مواقع شرم الشيخ المختلفة . 

وقد كان رأى المشير عبد الحكيم عامره الذى صمم عليه ) » هو 
الغلق . وقال كلمة فى هذا الشأن : إنه لايمكن لقواتنا المسلحة أن 
تشاهد العلم الاسراثيل يعبر أمامها » . ولم يصوت ضد هذا القرار 


هه 





ولاق شري عنما قرو ان شوانه عن الام له كار 
التاريخ » أن م المطبوع فى ذهنه أن حسابات عبد الناصر كانت تتجه 
إلى ألا يتم شىء فى موضوع الخليج ‏ أى لايغلق ولا يسيطر ولا حاجة 
أبدا » ! . وعندما سثل عن تأثير الضغط الذى كانت تقوم به بعض 
الأذاعات العرية بالنسة العملية غلق: المقديق نودو لمافحة فيه + ربا 
الأهداف السياسية الحقيقية وراء هذا الموضوع كانت تنحصر فى 
يفك + إزالة قراف الطرارق»الدولية بو لطن عل ليع الققيةةء 
وليس غلق المضيق ! . وأن غلق المضيق لم يكن هدفا لغاية تاريخيه ! . 


وهذا الذى أورده الفريق محمد فوزى . لاسند له فيه إلا قصة 
الاجتماع سالف الذكر الذى عقد فى بيت عبد الناصر . وقد سمع هذه 
القصة من عبد الناصر نفسه فى عام ١954‏ - كما يقول . وهذه القصة 
تتعرض للنقض من وجوه عديدة : 


فمن ناحية » فإن أحدا من أعضاء مجلس الثورة القديم » لم يذكر 
شيئا عنها » ومنهم عبد اللطيف البغدادى وكمال الدين حسين . بل 
يذكر عبد اللطيف البغدادى العكس تماما , فقد ذكر أنه وحسن 
ابراهيم كتبا تخطابا إلى عبد الناصر يوم ١7/‏ مايو » ولكنه أهمله وم يرد 
عليه ولو من باب المجاملة ! . وأنه ‏ أى عبد اللطيف البغدادى ‏ كان 
يرى « من الأصوب ألا يعلن جمال عن اعتزامه تهديد الملاحة 
لاسرائيلية فى مضايق تبران » حتى لاندفع اسرائيل إلى حرب نعتقد 
ننا غير مستعدين طها . وألا ميتم جمال بمهاحمة بعض الدول العربية له 
إن اتخل هذا الموقف ) . 


كذلك روى عبد اللطيف البغدادى أن أول اجتماع دار بين عبد 
الناصر وبينه مع زميليه كيال الدين حسين وحسن ابراهيم » كان فى يوم 


65 





4 مايو- أى بعد المؤتمر الصحفى الذى عقده جمال عبد الناصر فى اليوم 
السابق وأبدى فيه تشددا فى موقفه بالنسبة للملاحة الاسرائيلية فى 


ثانيا - أنه حتى لو كان مثل هذا الاجتاع فى بيت عبد الناصر 
صحيحا » فإن قراراته بغلق المضيق تكون غير ملزمة » لسبب بسيط 
هو أن مجلس قيادة الثورة القديم لم يكن يمثل أية سلطة شرعية فى 
البلاد » ولم يكن له أية أهمية فى تقرير مصير البلاد . 


الثا أن مانسب إلى المشير عبد الحكيم عامر من رأى فى ضرورة 
إغلاق المضيق » إنم| هو متعلق بالضرورة بإحلال قوات مصرية مسلحة 
محل قوات الطوارىء الدولية فى شرم الشيخ . فإذا وضعت هذه 
القوات . فإن الخطوة التى ستترتب عليها بالحتم هى إغلاق المضيق » 
وهو ماعبر عنه المشير عامر بكلمته سالفة الذكر التى قال فيها : إنه 
« لايمكن لقواتنا المسلحة أن تشاهد العلم الاسرائيل يعبر أمامها ) . 
وقد ذكرنا من قبل أنه كان يستبعد الفكرتين : أى إرسال القوات 
المصرية » وغلق المضيق . 


رابعا ‏ أن ماذكره الفريق محمد فوزى من أن هدف إغلاق المضيق 
لم يكن هدفا تاريخيا » وأن « الأهداف السياسية الحقيقية وراء هذا. 
الموضوع تنحصر فى نقطتين هما : إزالة قوات الطوارىء الدولية », 
والسيطرة على خليج العقبة » وليس إغلاق المضيق  »‏ هو أمر غير 
صحيح بالمرة » ويعدخطأً تاريخيا جسي) . 


وفى الحقيقة أنه لايمكن الفصل بين عودة القوات المصرية إلى شرم . 
الشيخ بعد إزالة قوات الطوارىء الدولية » وسيطرتها على الخليج - وبين 


/اه 





إغلاق المضيق فى وجه الملاحة الاسرائيلية . فإذا وقع الشرط الأول . 
وقع الشرط الثانى ! . ومن هنا علينا أن نربط بين الرأى المنسوب إلى 
اريم د الك عار يساق اشاح و و1 قرت الفزر ار 
شرم الشيخ . فقد وافق المشيرفى البداية على فكرة عدم إرسال القفوات 
المصرية إلى شرم الشيخ لتحل محل قوات الطوارىء الدولية » حتى 
لايترتب على ذلك إغلاق الخليج » فلا تقرر إرسال هذه القوات 
المصرية إلى شرم الشيخ . أصبح من الضرورى إغلاق المضيق . 


ومن هنا فإن مسئولية إغلاق مضيق تيران مرتبطة بمسئولية إرسال 
قوات مضرية إلى اشرم الشيخ ؛. ومرتبطة قبلا بمسئولية طرد القؤات 
الدولية من شرم الشيخ » ومرتبطة كذلك بمسئولية استمرار حشد 
القوات المصرية فى سيناء رغم تبين عدم وجود حشود اسرائيلية ! . 


وعلى كل حال » فإن هذا العرض يبين مدى الموة التى كانت قائمة 
بين إمكانيات مصر العسكرية » التى كانت تدفع قيادتها العسكرية إلى 
الحذر وتجنب إرسال قوات مصرية إلى شرم الشيخ وإغلاق الخليج ‏ 
حتى لاتنساق إلى حرب ليست مستعدة لها وبين طموح قيادتها 
السياسية - وهو طموح مشروع على وجه التحقيق ‏ لاستعادة حق مصر 
فى العودة إلى شرم الشيخ » وإغلاق مضيق تيران فى وجه الملاحة 
الاسرائيلية . كما يوضح ذلك مدى الخطأ الذى وقعت فيه القيادة 
العسكرية » ليس فقط بقبول هذا القرار الذى يضع مصر على حافة 
حرب محققة » بين هى لا تملك الامكانيات العسكرية الكافية لخوضها 
والانتصار فيها ‏ وإنا أيضا بقبول الموعد الضيق الذى حدد لما لاغلاق 


الخليج . 


مه 





على القيادة السياسية بسبب وجود القوات الدولية فى شرم الشيخ , 
ومرور الملاحة الاسرائيلية فى البحر الأحمر رغم إرادة مصر . حتى دفعها 
فى النهاية إلى اتخاذ قرارات فوق إمكانياتها العسكرية . 


على كل حال » فقد ترتب على قرار إغلاق مضيق تيران أن أخحذ 
الشلل يدب تدريجيا فى خليج العقبة » وتنوقف حركة الملاحة 
الاسرائيلية فى البحر الأحمر . فمن ناحية السفن التى كانت راسية فى 
وايلات ) , فلم تتحرك , وبالنسبة للسفن القادمة إلى الخليج من 
البحر الأحمرء فقد أخذت تبطىء فى سيرها . 


وقد تعدى الأمر ميناء إيلات إلى ميناء العقبة الأردنى ذاته . فوفقا 
لتصريحات المسئولين الأردنيين فى ذلك الميناء » الذى كان يقع على مدى 
البصر من ميناء إيلات » كان من المتوقع أن تصل السفيئة الأمريكية 
« جرين أيلاند » » ولكنها أرسلت إشارة تقول فيها إنها فى طريقها إلى 
إحدى الموانى الأثيوبية . وكان القنصل الأمريكى فى بور سعيد قد 
أبرق إليها بتغيير وجهتها . وفى واشنطن أعلنت الأنباء أن ناقلتى بترول 
ترفعان علم ليبريا كانتا متجهتين إلى اسرائيل بشحنة من البترول 
الايرانى أخذتا تتعمدان التأخيرفى طريقهما إلى ليج العقبة » لتجنب 
القيام باختبار عاجل لحصار الخليج من جانب مصر . وى خلال 
الأسبوع الأول من إعلان عبد الناصر إغلاق المضيق . لم تحاول سفينة 
ما متجهة إلى ميناء إيلات عبور هذا المضيق . 


64 








اسراسيل فى الطريق الى ضرار الحسرب 


حتى اعلان عبد الناصر اغلاق مضيق تيران فى وجه الملاحة 
الاسرائيلية يوم ؟؟ مايو 1951 » كانت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية 
على يقبن من أن مصر لا تريد الحرب . بل كانت تعتقد أن مصر لن 
تقدم على أى رد فعل ازاء أى عمل تتخذه اسرائيل ضد سوريا , 
للأسباب التى ذكرناها . ولذلك يذكر « صفران » أنه و حين أنحذ عبد 
الناصر فى البداية فى حشد قواته فى سيناء » فسرت المؤسسة العسكرية 
الاسرائيلية ذلك بأنه مجرد استعراض أجوف . ومع أنها طلبت الى 
اشكول السماح لها باتخاذ الاجراءات الاختياطية » الا أنها تمسكت بأن 
اسرائيل مازالت مطلقة الحرية فى العمل ضد سوريا ! . 


على أنه حين طلب عبد الناصر من قوات الطوارىء الدولية التمركز 
فى قطاع غزة » ثم طلب سحبها كلية ‏ وقع الافتراق فى وجهات النظر 
ين الؤسسة" العسكرية وامكومة الاسرائيلية + وكان لكلاف سكول 
تقييم الموقف الحديد . والسياسة التى يمليها هذا الموقف . 





فقد أصبحت المؤسسة العسكرية الآن مقتنعة بأن عبد الناصر ينوى 
التدخل فى حالة وقوع هجوم على سوريا » وأحذت تفسر هذا التصرف 
غير المتوقع من جانب عبد الناصر بالعامل السوفيتى ! . وفوق ذلك 
فقد رأوا أنه بانسحاب قوات الطوارىء الدولية » فان الحدود بين مصر 
واسرائيل لن تعود خالية من نشاط الفداثيين » ولذا فمن الضرورى 
بالنسبة لأمن اسرائيل آلا تعيش تحت ظل التهديد . وانما عليها أن ترد 
بالقوة على أى خخطوة تالية يقدم عليها الفداثيون » حتى ولو أدى الأمر 
الى مواجهة واسعة النطاق مع القوات المصرية . 


وقد قبلت الحكومة الاسرائيلية من المؤسسة العسكرية اعادة تقييمها 
لنوايا عبد الناصر » ووافقت على أن سحب قوات الطوارىء الدولية قد 
خلق مشكلة أمن جديدة ‏ ولكنها رفضت الانسياق وراء رأى المؤسسة 
العسكرية . بسبب تقديرها للظروف السياسية . واثرت اتباع الوسائل 
الدبلوماسية لاستعادة الوضع السياسى السابق . 


به الجنرال رابين ليبلغه بالأخبار التى وردت من القاهرة باغلاق مضيق 
تيران فى وجه الملاحة الاسرائيلية . وفى ذلك الصباح أبلغت المؤسسة 
العسكرية اشكول بأن الاقدام على عمل فورى قد أصبح لا مفر منه . 


وقلتكية اكول هل" النور ال امتاعاء مل اللحراك العامة 
للتداول . فالتفى فى تل أبيب بعدد ملحوظ منهم . من بينهم جولدا 
مايبر » وموشيه دايان ومناحم بيجين . وأعضاء اخرون من حزبى 
جاحال ورافى » وقليل من زعماء الماباى1/3081 منهم ‏ الى جانب جولدا 
مايير دافيد هاكوهين 1300060 يا حضر أعضاء الوزارة الاسرائيلية 


5١ 





وقد عالج المجتمعون فكرة تطبيق اسرائيل البند ١ه‏ من ميثاق الأمم 
المتحدة الذى يرون أنه يعطيها حق الدفاع عن النفس فى حالة اصرار 
المصريين على الاستمرار فى اغلاق المضايق . ولكن 0 دار حول 
الوسيلة » وحول المدى الزمنى الذى يمكن أن تنتظره الحكومة 
الاسرائيلية . وقد برزت فكرة ارسال احدى السفن لعبور المضيق 
كتجربة عملية لمعرفة رد الفعل الذى سيحدث . على أن هذه الفكرة 
لقيت الاعتراض من القادة العسكريين » الذين رأوا أنها تدع المبادرة فى 
يد عبد الناصر . لأنها تنيح له الشروع فى هجوم شامل على اسرائيل 
قبل وصول السفينة الى شرم الشيخ بساعات . فضلا عن أن عبد 
الناصر يمكن أن يسمح لتلك الشقيئة بالمرونء ثم لا يلبك أن يتضدى 
لغيرها من السفن بعد أسابيع قليلة 


وقد برزت فى هذا الاجتماع والاجتماع الثانى الذى عقدته الوزارة 
الاسرائيلية فى نفس اليوم ضرورة الاسراع فى اتخاذ اجراء عسكرى ضد 
مصر . فقد نظر الاجتاع الأول طلبا للولايات المتحدة الى اسرائيل 
بتأجيل ارسال السفيئة لمدة ان وأربعين ساعة » فوافق موشيه ديان على 
أساس أن تشرع اسرائيل عقب انتهاء هذه المدة فورا فى توجيه ضربة 
الى مصر تلحق بقواتها المسلحة خسائر فادحة . كما صرح موشيه كارمل 
68117161 1105116 وزير المواصلات فى الاجتاع الثانى بأن كل ساعة تمر 
دون القيام بعمل لاا ستؤدى الى « دعم مركز الدكتاتور 
المصرى ) 1 . 


وفى الوقت الذى كانت الحكومة الاسرائيلية تتناقش احتمالات 
استخدام القوة العسكرية » أخذت تنشط دبلوماسيا . فى منتصف 
ليلة 4؟ مايو. غادر أبا ايبان » وزير الخارجية . البلاد الى باريس 
لمقابلة الجنرال ديجول . وفى هذا الاجتماع أبدى أبا ايبان الرأى بأن 


5 





اغلاق المضيق يعد بمثابة اعلان الحرب على اسراثيل . وأن حكومته 
لا تستطيع أن تخلد الى السكيئة تجاه قضية اغلاق المضيق ٠‏ وأن التأخر 
فى وضع حد لهذه القضية يعجل بخطر اندلاع الحرب . 


على أن ديجول لم يكن مقتنعا بوجهة نظر الاسرائيليين . فقد كانت 
لديه وجهة نظره الخاصة التى ترى أن العالم يقترب لحد كبير من حرب 
عالمية ثالثة . وأن اندلاع الحرب بين اسرائيل والعرب يعجل من وقوع 
الانفجار الكبير . ولهذا السبب لم يكن يرى فى اغلاق مضيق تيران 
مشكلة بالغة الخطورة الى درجة التهديد باندلاع الحرب . 


وتقول جولدا مايير ان ديجول حذر أبا ايبان قاثلا انه مهما حدث فلا 
يجب على اسرائيل أن تبدأ بالخطوة الأولى قبل أن يبدأ المجوم المصرى 
بالفعل , وعندما يقع هذا ال هجوم فسوف تتحرك فرنسا لانقاذ الموقف . 
وقد سأله أبا ايبان عما يكون ا حال لو أن اسرائيل لم تعد موجودة فى ذلك 
الحين ليتسنى انقاذها ؟ . ولم يرد ديجول على هذا السؤال » واكتفى 
بالقول فى وضوح بأن استمرار تأييد فرنسا لاسرائيل يعتمد كلية عل 
ما اذا كانت سوف تستجيب لهذا الكلام أم لا ؟ . 


على أن موقف انجلترا كان أكثر تشجيعا من موقف فرنسا . فقد كان 
هارولد ولسون يرى ضرورة القيام بعمل فى هذا الموضوع يستعيد 
لاسرائيل حرية ملاحتها فى البحر الأحمر والمرور فى المضايق . وقد سافر 
أبا ايبان إلى واشنطن , التتى كان واضحا أن مفتاح الحل فى يدها . 
عشرة صفحة حول هذا الاجتماع : وكان واضحا من الملاحظات التي 


ا 





فى ذلك الحين كانت فكرة الحرب تناقش بين العسكريين 
الاسرائيليين . وكانت وجهة نظر موشيه ديان أن المعركة مع مصر يجب 
أن تستهدف تدمير قوتها العسكرية » وليس إعادة فتح المضيق للملاحة 
الاسرائيلية . ذلك أن خطورة إغلاق عبد الناصر للمضيق لاتنتمثل 
فقط فى الاغلاق نفسه . وإنما فى محاولته إظهار اسرائيل فى مظهر العجز 
أمام العرب . ومن ثم فعلى اسرائيل أن تثبت العكس .وإلا فإن 
وضعها فى المنطقة سوف يتعرض للتدهور باستمرار بعد ذلك . 


على أن موشيه ديان كان يرى أن لا تتعدى القوات الاسرائيلية 
التضفه الكررني لتنا فويضل إل قثاة'السووين نقد كان مسن أن 
يؤدى ذلك إلى إثارة أزمة دولية . بينها كان بعض العسكريين الآخرين » 
مثل إيجال آلون ومايبر أميت يرى ضرورة الوصول إلى قناة السويس 
والتهديد يدلقها للمسارمة ميا عل تقح مضق يزان :1... 


وق بوم 1" مايو.ء عقد مجلس الوزراء الاسرائيل اجتماعا طارئا 
لاتخاذ قرار حاسم فى مسألة الحرب والسلم . وكان أشكول قد تلقى 
مذكرة من الاتحاد السوفيتى تحذره من القيام بأى هجوم » فى الوقت 
الذى كان عبد الناصر يتلقفى بدوره تحذيرا ماثلا من الرئيس الأمريكى 
جونسون . وقد حضر أبا إيبان الاجتماع الوزارى فور وصوله حيث 
عرض رأيه المعارض لفكرة الحرب . 


وكانت وجهة نظر أباإيبان هى أنه طالما أن اسرائيل لاتملك قوة بحرية 
فى مياه العقبة » فستكون عاجزة عن القيام ببجوم عسكرى محدود , 
وإنما سيكون عليها أن تغزو سيناء . فإذا فعلت ذلك وأجبرتها الدول 
على الانسحاب منها مرة أخرى كما حدث فى حرب ١1965‏ . فإن 
الانتصار الاسرائيل فى سيناء سوف يكون بلا ثمرة ! . وقال انه يذكر 


5 





كيف اجبرت الدول بن جوريون يوم نوفمبر 1465 على إصدار الأمر 
بالانسحاب من جميع المواقع التى احتلتها القوات الاسرائيلية . ففيم 
إذن الجهود التى بذلت حينذاك . ولأى شىء ققل الجنود ؟ . إن 
اسرائيل تستطيع أن تحقق النصر فى الحرب . وقد تدفع فى ذلك ثمنا 
أكن ولكتريا ستضطر فى النباية إلى الانسحاب من الأراضى التى 
احتلتها دون أن تحصل على شىء ! . 


على أن وجهة نظر أبا إيبان لقيت الرفض من المؤسسة العسكرية , 
وقد شارك إيجال الون ورفاقه فى حزب « أحدوت أفودا » المؤسسة 
العسكرية فى محاوفها , واتخذوا جانب التدخل العسكرى السريع بدون 
إبطاء » وأن أى تأخير سوف تنجم عنه أخطار كثيرة » وسيترتب عليه 
سقوط ضحايا إسرائيليين كثيرين . وكان معظم وزراء حزب الماباى من 
هذا الرافق: وكذلك كان اشكول 


على أن بعض الوزراء أعربوا عن معارضتهم للتدخل العسكرى . 
وبعضهم لم يرفض التدخل العسكرى كمبدأ » ولكنهم كانوا يرون أن 
اللقروط اللنامية لفهال سسكرى تاجح :1 تقزر بدلا راليعمن الثالرت 
كانوا يرون ضرورة ادخال تعديل وزارى يؤدى إلى تشكيل وزارة قومية , 
وتعيين وزير دفاع جديد كانوا يرشحون له موشى ديان » وذلك قبل 
التاخيل العسكرئ». نينر كات البعقن الأ يفك ل انراز الض 
وقلة منهم كانت تتوقع الأسوأ . والبعض يشك فى قدرة الجيش . لهذا 
السبب كانت نتيجة القرار : تسعة إلى جانب التدخل العكسرى » 
رشع سد انين 1 


وقد اضطر مجلس الوزراء الاسرائيى إلى عقد اجتماع آخر يوم 
مايوء ولكن الأغلبية اتخذت قرارا بالثريث . 





على أن المؤسسة العسكرية فى اسرائيل اعترضت على قرار التريث 
حبن أبلغه لها أشكول . وكانت وجهة نظر القادة العسكريين أنه من 
الصعب البقاء والانتظار فى الصحراء لوقت طويل . وأن معنويات 
الجيش تتدهور سريعا» خصوصا بعد أن صدرت له عدة أوامر 
متعارضة . فبعد أن استعدت كثير من الوحدات للقيام بالحجوم , 
ألغيت هذه الأوامر . ومن المستحيل الاحتفاظ بروح القتال عالية فى 
هؤلاء فى مثل هذه الظروف . وأنه فى أحد المواقع رفض جنود المظلات 
النزول من الطائرة التى أقلتهم رغم تكرار إنذارهم للمرة الثالثة أو 
الرابعة . كما حصلت بعض حالات فردية هرب فيها الجنود . وبالتالى 
فإن الانتظار لأكثر من ذلك يعد خطرا من الوجهة العسكرية . 


وقال القادة العسكريون لأشكول إنه حتى لو حدث أن تدخلت 
القوى الكبرى لحل الأزمة » فإن ذلك سوف يقضى ماما على صورة 
اسرائيل فى عين العرب . وسيحفزهم على القيام بمزيد من الضغط . 
كما أنه من غير المقبول ارسال سفن اسرائيلية عبر خليج العقبة تحت 
الحاية الأجنبية . 


بنرا ل توق ان افر اانا سه عردم رن فق مل 
أصبح يتهدد الوجود الاسرائيل ذاثه ]| . 


وقد غادر القادة العسكريين أشكول وهم يحسولد بالغم 3 ونفوسهم 
تملؤها المواجس والنذر . وأتحل استياؤهم فى الأيام التالية يتزايد . 


بانقللاب عسكرى ) ! , 


55 





ويحرص الكتاب الاسرائيليون والموالون عاطفيا لاسرائيل على إنكار 
فون الرسعة العتكر »نمع الساعة الاسرائيلية عد لض 
عقران ذلك بآن. د هراءغ :كبا يذكر «الاكورع أن اسرائيل لبس 
مصر أو سوريا . لأن « الكولونيلات » فيها لامطامع لديهم فى الحكم . 

ولاهم يرغبون فى أن يلعبوا دورا فى السياسة ! . 1 


وهذا الكلام يتوقف على تحديد المقصود بال « كولونيلات » : هل 
هم الضباط العاملون » أم هم الضباط المحترفون » سواء أكانوا فى 
صفوف الجحيش العامل أم فى صفوف الأحزاب والحكومة - كموشيه 
ديان أو إيجال ألون واسرائيل جاليل وشيمون بيريز- خصوصا إذا عرفنا 
أن حوالى ه؛ فى المائة من رجال السياسة الاسرائيليين على الأقل ‏ وفقا 
لاحدى الدراسات - ارتبطوا بالعمل العسكرى بشكل أو بآخر . فهم 
إما تجندوا فى جيوش أجنبية » أو كانوا يعملون فى المنظمات الارهابية 
قبل 1944 » أو خدموا فى جيش اسرائيل بعد عام /1914 . 


ومع ذلك . فمن الثابت أن دور المؤسسة العسكرية فى صنع 
السياسة الاسرائيلية قد ازداد خلال السنوات السابقة التى تولى فيها 
ليفى اشكول وزارة الدفاع ورئاسة مجلس الوزراء . ويرجع ذلك إلى 
المعارضة التى كان يتلقاها اشكول من خصومه السياسيين فى مجال 
الدفاع . 


فمنذ الخلاف الذى وقع بينه وبين بن جوريون وأدى إلى انقسام 
حزب الماباى عام 6 أخل بن جوريودن وأنصاره نمن هم على 
درجة كبيرة من الخبرة فى شئون الدفاع » مثل موشيه ديان وشيمون بيريز 
وايسر هارل ا13:8 556 » بباجمون اشكول . ويتهمونه بإهمال شئون 
الأمن القومى . وقد عمد أشكول فى مواجهة هذه الاتهامات الى 


1/ 





الاستجابة إلى جميع الطلبات النى كانت تقدم له من المؤسسة العسكرية 
بخصوص اعتمادات الميزانية وأعمال الردع العسكرية المختلفة وغيرها . 


وى خلال السنوات الثلاث التى قضاها اشكول وزيرا للدفاع 2 
كانت القوات الاسرائيلية قد تطورت وتزايد عتادها بدرجة سريعة . 
فقد حصلت ‏ فيها حصلت عليه على صواريخ هوك . و48 قاذفة من 
طراز سكاى هوك . ومئاث من الدبابات من طراز باتون » فضلا عن 


غواصتين » وكثير من المعدات الأخرى . 


وفى الوقت نفسه . أخذت المؤسسة العسكرية فى اتباع أساليب 
جديدة وخطرة من الأعمال العسكرية فى الاشتباكات المتكررة مع سوريا 
- مثل استخدام الطبران فى مهاجمة القواعد السورية ٠‏ وتوغل الطائرات 
الاسرائيلية ى.عمق الأراضى السورية فى تتبعها لطائرات العدو! , 


ورغم ذلك لم يسكت خصوم اشكول . حتى شعر زملاقه فى الوزارة 
أنه قد مضى فى الخضوع لنفوذ قادة المؤسسة العسكرية إلى حد بعيد » 
وأنه قد سلم لحم فى شئون الدفاع ! . بل ذهب بعض خصومه 
السياسيين إلى أنه لم يعد له رأى فى أى أمر من الأمور » بها فيها شئون 
الدفاع ! . 


58 





5 


قرار الضربة الأولى بين المغير عامر وعبد الشاصر 


رأينا كيف أخل دور المؤسسة العسكرية الاسرائيلية فى التزايد عند 
قيام أزمة مايو/19451 » حتى وصل إلى حد إلغاء منصب وزير الدفاع 
من الناحية الفعلية 2 وكيف أخحذت تمارس الضغط على حكومة أشكول 
من أجل اتخاذ قرار الحرب . حتى ذهبت إلى التلويح بالزحف على 
القدس والقيام بانقلاب عسكرى والاستيلاء على السلطة » عن طريق 
إطلاق الاشاعات بذلك . 


وقد جاءت اتفاقية الدفاع المشترك بين عبد الناصر والملك حسين 
بالقاهرة فى يوم "١‏ مايوء لتزود المؤسسة العسكرية بمزيد من وسائل 
الضغط . فقد أورد مراسل اليونايتديرس فى ذلك الحين أن الخبراء 
العسكريين الاسرائيليين قد اعترفوا بالنتائتج السياسية الخطيرة المترتبة 
على الاتفاق المصرى الأردنى . وقال إن الاتفاق يطوق اسرائيل التى 
أصبح ظهرها الآن إلى البحر مباشرة . كذلك أورد مراسل رويتر أن 
الرسميين فى اسرائيل قد عقبوا على اتفاقية الدفاع المشترك بأنها ضربة 


54 





للنفود الغربى » وقال إن ( العناصر العسكرية فى اسرائيل تضغط 
لاتخاذ تدابير سريعة ) . 


وهكذا أدى الضغط من جانب العسكريين العاملين والسياسيين إلى 
تأليف وزارة الحرب يوم أول يونية /1951 » التى أعطت وزارة الدفاع 
لموشيه ديان » الذى كان قد عاد منذ وقت قريب هو وضباط أركان حربه 
من بعثة تدريبية طويلة فى فيتنام » ىا ضمت - فيمن ضمت - مناحيم 
بيجين . الرئيس السابق لمنظمة الأرجون الارهابية » والمسثول عن 
مذبحة دير ياسين . 


وعللى أثر استلام ديان مهام وزارة الدفاع » حصلت تعديلات فى 
صفوف القادة العسكريين . فقد أصبح الخنرال بارليف /8901©0 نائيا 
لرئيس الأركان . وعين الجنرال بن زور 8602101 ( رئيس الأركان 
الأشيق ومن المؤيدين لحزب رافى ) مساعدا خاصا لديان . 


وفى يوم " يونية /1951 تحددت بصفة نهائية خطة العمليات فى 
سيناء . وكانت تقوم على اخحتراق سيناء على طول أربعة محاور : اثنان 
منى| يتوازيان فى منطقة رفح فى الطرف الجنوبى لقطاع غزة . واثنان فى 
وسط سيناء . كا قامت الخطة على ألا تصل القوات الاسرائيلية إلى قناة 
السويس أو إلى مضيق تيران . 


وفى يوم 4 يونية كان على الوزارة أن تتخذ قرارها فى شأن الضربة 
الجوية . وقد أوضح ديان أنه لو أخذت اسرائيل مصر على غرة » 
فسوف تعطل على الأقل مائة طائرة من سلاحها التوى . وهو مايعادل 
ما يمكن أن تحصل عليه اسرائيل فى الشهور الستة التالية من 


ساعدات . إذا قبلت إحدى الدول مدها مذه المساعدات . وأن 





الضربة الأولى سوف تحدد من من الطرفين سوف يتلقى النصيب الأوق 
من الاصابات . وسوف تغير على وجه التحقيق ميزان القوى . فإذا 
أنلحك: الفنوات الاتراكيلية ون ااال متيداء + وسوك تر القواك: 
المصرية على اتخاذ موقف الدفاع . وهو أمر مهم جدا » لأنه مع وجود 
مئات الدبابات المصرية فى سيناء على كل محور من المحاور المؤدية إل, 
اسرائيل فسوف يكون من المخطورة بمكان السماح لهذه الدبابات بشن 
هجومها الذى يمكن أن يهدد اسرائيل . ومن ثم فمن الضرورى؛ 
بالنسبة لاسرائيل أن تبدأ بالضربة الأول . 


فى ذلك الحين كان معظم الوزراء قد أصبحوا على قناعة تامة بأد 
الحرب لم تعد أمرا يمكن تجنبه . وحتى أبا إيبان انضم إلى الصقور منذ 
أول يونية - كبا قال فيم| بعد . وفى يوم 4 يونية وافقت الوزارة على الخطة 
العسكرية بدون أخذ أصوات رسميا . فقد فوض أشكول الجيش فى 
. تحديد الوقت والمكان والطريقة المناسبة لشن الحرب . وقد اختار ديان 
صباح يوم ه يونية /1951 . 


فى الوقت الذى كانت الأمور فى اسرائيل تمضى نحو قرار الحرب 
المجومية . كانت الأمور فى مصر تمضى نحو تفادى القيام مهذه الخرب 
مهما كان الثمن . وكان هذا هو رأى القيادة السياسية ممثلة فى الرئيس 
حمال عبد الناصر » وتلك هى مسئوليتها التاريخية . 


وفى الحقيقة أن رأى المؤسسة العسكرية المصرية كان مماثلا لرأى 
المؤسسة العسكرية الاسرائيلية » وهو أنه إذا كان لامفر من الحرب 2 
فلتكن حربا هجومية . وبمعنى أخر أنه إذا كان الاحتفاظ بالمكاسب 
السياسية الممثلة فى إغلاق ليج العقبة فى وجه الملاحة الاسرائيلية » 
وحرمانها من منفذها إلى البحر الأحمر » من شأنه حتما أن يؤدى إلى 


الا 





الحرب » فلتكن هذه الحرب حربا هجومية تكون المبادرة فيها فى يد 
مر . 


وهذه الحقيقة ربما كانت منشأ القصة التى رويت عن أن المشير عبد 
الحكيم عامر أصدر بالفعل تعليهاته إلى سلاح الحو المصرى بمهاجمة 
القواعد العسكرية الاسرائيلية :يوم /ا,ا مايو» وأن نخبر هذه التعلييات 
وصل إلى اسرائيل عن طريق أحد المطارات المصرية فى سيناء » فأبلغت 
أمريكا التى أبلغت بدورها روسيا » وتدخلت الدولتان لدى عبد 
الناصر » فأوقف الهجوم . وقد أورد الفريق مرتجى هذه القصة » فذكر 
أن القوات الجوية المصرية تلقت أميرا بتوجيه ضربة جوية للعدو 
يوم /1؟ مايوء ثم ألغى الأمر! . 


على أن القصة فى الغالب قد لفقها أنصار المشير عبد الحكيم عامر 
حابس عراس لسار كي 1 
عبد الناصر فى بعض الأمور الحامة . إلا أنه ل لس اك 0 ن 
ل م ا د 01 1 تقع عليه 
المسئولية الأولى عن البلاد . 


وقد خلت المصادر الاسرائيلية من أى ذكر لهذه القصة . ففى صباح 
يوم 1؟ مايوء وهو اليوم الذى يفترض - وفقا للقصة ‏ أن خبر اهجوم 
المصرى المزعوم قد وصل إلى اسرائيل فى اليوم السابق له ١‏ أورد موشيه 
ديان أن عررا وايزمان » رئيس العمليات , جاء لزيارته فى الصباح 
الباكر » وأبدى رأيه بأنه إذا لم تبادر اسرائيل بالهجوم فورا » فستفقد 
فرصتها » لأن مصر ستضرب الضربة الأولى . وقد رد عليه ديان قائلا 
بأنه « ليس متأكدا من النوايا المصرية » » وأنه « يود أن يعرف رأو 


كا 





المخابرات الاسرائيلية فى هذا الشأن . حتى يتسنى له أن يكون رأيه 


بئفسه ) . 


وفى الساعة الثالثة بعد الظهر ‏ كما يروى ديان ‏ « جاء لى نائب 
رئيس المخابرات حاملا التفصيلات التى طلبتها . وقد أظهرت أن 
المصريين قد صار لهم فى سيناء نحو ٠0١‏ دبابة » وأكثر من مائتى 
طائرة » ونحو ثانين ألف جندى . وقد بدا لى من هذه المعلومات ومن 
معلومات إضافية كثيرة » فضلا عن رأيى الشخصى . أنه فيا عدا 
الخطط التى لدى مصر فيها يتصل بقواتها اليرية » فإن لديها خطط 
أخرى لشن هجوم جوى يصاحب هجومها البرى . أو تقوم به كرد فعل 
لأى هجوم من جانبنا . كما أعطانى أيضا تقريرا موجزا عن رد الرئيس 
جونسون على طلبنا يول فيه : اعطونا الوقت الكافى وسوف نفتح 
المضايق ونضمن حرية الملاحة . أما إذا عملتم منفردين عنا فسنكون 
منفردين عنكم 5 وإذا كففتم عن ال هجوم وهاجمكم المصريون فسوف 


نساعدكم . 


ومن هذا الكلام » المستند إلى معلومات المخابرات الاسرائيلية » 
ينضح تلفيق هذه القصة عن صدور تعليرات من المشير عبد الحكيم 
عامر بشن هجوم جوى على القواعد الاسرائيلية يوم 1؟ مايو . 


وفى الحقيقة أن عبد الناصر كان يقف فى ذلك الحين موقف المعارضة 
الصلبة للضربة الأولى » الذى بناه على الأسس الآنية : 


أولا ‏ أن المجتمع الدولى كله معارض لقرار الضربة الأولى من أى 
طرف من الأطراف . وكان حديث الرئيس الفرنسى ديجول واضحا فى 


وف 





أن فرنسا سوف تبنى موقفها على أساس : من يبدأ بإطلاق الرصاصة 
الأول 9 


انيا ‏ مراسلات الرئيس الأمريكى جونسون التى تحدث فيها عن 
ضرورة ضبط النفس » والتعاون مع الأمم المتحدة » واستعداده لايفاد 
نائبه للتباحث مع مصر فى كل هذه الأمور والوسائل التى تخرج العالم 
من الأزمة . وكان أهم هذه الرسائل تلك التتى تسلمها السفير المصرى 
يوم 7١‏ مايو يطلب فيها الرئيس الأمريكى من مصر ألا تكون البادئة 
بإطلاق النار» وإلا فانها سوف تواجه نتائجح خطيرة . وقد ذكر عبد 
الناصر أن مستشار الرئيس الأمريكى طلب السفير المصرى فى وقت 
متأخر من الليل فى واشنطن ٠‏ وأبلغه أن لدى اسرائيل معلومات بأن 
مصر سوف تهاحمها حذره من أن ذلك سوف يعرض مصر لموقف 
خطير ' وناشده ضبط النفس . وقال إنهم « يفعلون نفس الشىء أيضا 
مع اسرائيل ) . 


ولم يكن لهذه المعلومات التى وصلت واشنطن من اسرائيل صلة 
بقصة الهجوم المصرى الجوى المزعوم » وقد أوردها ديان حين ذكر أنه 
قابل مايير أمبت يوم 7١‏ مايوء فروى له تقديره للموقف العسكرى » 
حيث تبدد الدول العربية المجاورة بشن حرب شاملة ضد اسرائيل » 
وتحشد مصر نحو ثاناثة دبابة فى سيناء تواصل تعزيزها » الأمر الذى 
يشير إلى أن الهجوم قد أصبح وشيك الوقوع . ولذلك فقد أرسلت 
اسرائيل هذه المعلومات إلى واشنطن مؤكدة على خطورة الموقف » 
ومطالبة بأن تعلن الأخيرة استعدادها للدفاع عن اسرائيل كما لو كانت 
هى الولايات المتحدة . 


الثا ‏ مطالبة الاتحاد السوفيتى لمصر أيضا بضبط النفس . ويقول 


3” 





لذ ناض انه ل طقن الليلة الى تان لبها اشير الميرى :زمال 
جركرة:: وعللت مستي سوفن ماري بعيقة عاجلة فى السرعة 
الثالئة والتضيف يعد منتضت الليل +.وأبلختى يطلب مل من المكوية 
السوفيتية بألا نكون البادئين بإطلاق النار) . 


وفى الحقيقة أن قرار عبد الناصر بعدم البدء بإطلاق الرصاصة الأولى 
يرجع إلى ماقبل تسلمه رسالة الرئيس الأمريكى أو مقابلة السفير 
السوفيتى ! . ففى يوم 5" مايوء وكما يذكر الفريق مرتجى عن ذكريات 
المؤتمر الذى عقده المشير عبد الحكيم عامر يوم ©؟ مايو» وحضره عبد 
الناصر ‏ فقد ظهرت نوايا عبد الناصر ضد بدء مصر بالضربة الأولى 
بضفة أكتة . إد قال 


و أعتقد أن الضربة الأولى ستوجهها اسرائيل نحو قواتنا الحوية 
مبدف الحصول على السيطرة الجوية . ويجب الاستعداد لها ) . 


وقد رد الفريق أول محمد صدقى محمود » قائد القوات الجحوية فى 
ذلك الوقت » متدخلا قائلا : « أنا أستصوب أن نكون البادثين 
بالضربة لانتزاع السيطرة الجوية منهم » ! . 


سياسيا بألا نكون البادئين بالضرب . وعليكم أنتم تفادى ضربة العدو 
الأولى 1 . 


وقد أورد شمس بدران فى محاكمته ما يؤيد ذلك : فقد ذكر أن 
الفريق محمد صدقى محمود اعترض على الرئيس عبد الناصر وقال له : 
« أنا مااقدرش . دى تبقى عملية تعجزنى وتشلنى ) ! . فرد المشير 


ه07 





عليه قائلا : « تحب تضرب الضربة الأولى وتواجه أمريكا » أو تحب 
تنضرب الضربة الأولى وتواجه اسرائيل بس ؟ » . فقال : « خلاص » 
أنا موافق » . 


وهذا الكلام ينفى تماما أن المشير أصدر تعليماته فى اليوم التالى إلى 
سلاح الحو المصرى بتوجيه الضربة الأولى إلى القواعد العسكرية 
الأسرائيلية :: 


وفنا اعدو أن #قديزالكه القيادة السجك © اليه نات العرقن 
للضربة الأولى من اسرائيل » كانت تقديرات أخاطئة . ففى رد شمس 
بدران على سؤال للمحكمة قال ١:‏ الضربة الأولى ماكانتش تفرق فى 
هذا الموقف . لأنه لو كان حصل أننا ضربنا الضربة الأولى كانت 
خسائرهم تبقى ٠١‏ ف المائة » وبعدين يقوموا الضربة الثانية ويعجزونا 
٠‏ فى الاثة » ! . 


وقد ذكر الفريق محمد فوزى أن تقدير الفريق أول محمد صدقى 
لخسائر الضربة الأولى كانت ١6‏ فى المائة » ولكنه قال إن هناك احتمال 
( تكسيح ) القوات الحوية ! . وقد استخدم فى ذلك التعبير الانجليزى 
وهو كلمة 6امصم00 . 


على كل حال فإن رواية الفريق مرتجى عن نوايا عبد الناصر المبكرة 
بالنسبة لعدم البدء بالضربة الأولى » تشير إلى أن عببد الناصر كان 
يطمع فى تفادى الحرب مع اسرائيل ما أمكن . مع الاحتفاظ فى الوقت 
نفسه بالمكاسب السياسية التى حققها من إغلاق مضيق تيران فى وجه 
الملاحة الاسرائيلية . ولذلك حين برزت فى أثناء المؤتمر العسكرى 
تنالفهة الل كر يوم 55 مايو فكرة احتمال استخدام السفن الاسرائيلية 


كل 





مضيق العقبة من الممز المجاور للأراضى السعودية » ورأى البعض 
تلغيم هذا الممرء رفضن عبد الناصر هذه الفكرة » وأبدى رأيه بأنه إذا 
حاولت السفن الاسرائيلية المرور من مضيق العقبة المجاور للأراضى 
السعودية » فلا نتعرض لا . لأننا سنتخذ من هذا المرور مادة للدعاية 
اللازمة . ويجدر الاشارة فى هذا الصدد إلى أن الممر المجاور للأراضى 
السعودية » وهو الممر الآخر لمضيق تيران » لم يكن عمليا » وكان قليل 
الاستى ال سيك الصحون . 


على أن عرضنا السابق لاتجاهات المؤسسة العسكرية الاسرائيلية » 
يبين أن المشكلة كانت قد تجاوزت فى ذلك الحين قضية المرور من مضيق 
تيران » وأصبحت قضية هيبة اسرائيل فى المدطقة العربية » التى 
حطمتها اجراءات عبد الناصر . وبالتالى كانت المؤسسة العسكرية 
الاسرائيلية ترى فى الحرب إنقاذا للوجود الاسرائيل ذاته . 


والسؤال الذى يطرخ نفسه الآن : إلى أى حد يمكن تحميل قرار 
القيادة السياسية بعدم-البدء بالضربة الأول » مسئولية هزيمة ١951‏ 
بحجمها المعروف ؟ . 


فى الحقيقة أن القوات المسلحة المصرية فى ذلك الحين » بعتادها 
وندريبها وقيادتها العسكرية » كانت فى حالة لاتسمح لها بالتورط فى 
الحرب , لامع اسرائيل وحدها , ولا مع اسرائيل تساندها الولايات 
المتحدة . وهذا الكلام يمكن استخلاصه بسهولة من كتابات 
العسكريين المصريين الذين اشتركوا فى قيادة هله المعركة . وربها كانت 
معرفة المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ببذه الحقيقة هو سر تلهفها عل 
المبادرة بالهجوم والدحول فى مغركة تصفية مع مصر . 


/ا/غ 





ومن المفيد » لوضع قرار عدم البدء بالضربة الأولى فى موضعه 
الصحيح . أن نستعرض - فى إيجاز شديد ‏ أوضاع القوات المسلحة 
المصرية فى اليوم السابق مباشرة على الحرب . أى فى يوم 
؛ يونية ١1951/‏ . وذلك من واقع مذكرات قائد جبهة سيناء فى ذلك 
الحين » وهو الفريق أول عبد المحسن كامل مرتجى » يقول : 


« مضى حتى الآن ‏ أى بنهاية يوم 4 يونيو/19”1 » ثلاثة أسابيع 
على رفع درجات الاستعداد للقوات وفتحها تعبويا فى سيناء ؛ وم تستقر 
الأوضاع بعد . ولم تنته القيادة العليا إلى قرار حاسم محدد وواضح . 
فمرة يركز المجهود الرئيسى للدفاعات فى القطاع الأوسط » وأخرى 
يوجه الاهتمام إلى الغردقة » فترسل لما القوات البرية والبحرية 
والحوية ٠‏ ومرة » وبناء على تدخل الزعامة السياسية 3 يتحول الاهتمام 
إلى شرم الشيخ ( ثم إلى القطاع الشهالى ١‏ ثم تتوهم القيادة العليا » 
بناء على نصيحة تقدم لها » أن القطاع الجنوبى لايقل أهمية عن غيره » 
إن لم يكن يفوقها . فتأخذ بفكرة المجوم المدرع المكثف المعادى من هذا 
الانجاه ! . 


« وفى كل مرة » ترسل القوات » وتعزز » وتجرى تحركات بالعرضص 
وبالطول فى أنحاء سيناء دون توقف ودون هدف ! . واستدعى كل هذا 
تغييرا فى القيادات » وتعديلا فى المهام . والقيادة العليا تتمركز فى 
القاهرة » وقد أخذت على عاتقها التخطيط والتنسيق والمتابعة على 
مستوى .الدول المشتركة - مصر والأردن وسوريا والعراق . رغم اننا 
لاتمتلك العناصر القادرة على القيام بهذه المهمة على الوجه الأكمل ) . 


إنبار دفعت إلى الميدان بمجرد تعبئتها » ووصل تعدادها إلى أكثر من 


ب 





نصف إجمالى أفراد المسرحء» فقد بلغ عدد أفراد 
الاحتياط ٠١9‏ ضابطا . و٠١ه5ر٠١6‏ رتبة أنحرى » من 
جملة ٠٠٠ر ١1:‏ مقاتل » . وكان معظم أفراد الاحتياط تمن لم ينالوا أى 
حظ من التدريب من سنين طويلة » ومع ذلك كانت هذه الوحدات 
الاحتياطية تدخل فى التقديرات كا لو كانت كاملة العتاد والعدة . 
والطريف أن بعضهم لم تتح له الفرصة لارتداء ملابسه العسكرية , 
فرضئل إل الميتان بعلايمه المدانيق 1:., 


أما عن أوضاع القوات البرية » فقد ذكر الفريق مرتجى أنها نعرضت 
لتنقلات لم يكن هناك أى مبرر لها . أثرت على كفاءتها وبددت 
حيويتها )1 وحدات تأخل أوضاعها ف الأماكن المخصصة هاء 
وتتفهم مهامها . وتلم بطبيعة الأرض وبأوضاع القوات المجاورة وموقف 
العدو أمامها .» وتنفذ اجراءات المعركة بالكامل » لكن لاتلبث أن 
تصدر لما الأوامر بترك أماكنها إلى أماكن جديدة غريبة عليها » وتخصص 
أماكنها القديمة لوحدات جديدة بنفس الحجم ! . ووحدات تقطع 
مئات الكيلومترات دون أن تستقر على حال ! . وفضلا عن ذلك فقد 
دفعت القيادة العليا بكل القوات المتيسرة إلى سيناء » دون الاحتفاظ 
باحتياطيات كافية خارج مسرح القتال يمكن استخدامها فى مجابهة 
ا مواقف الطارثة ») . 


أما القنوات البحرية » فقد توزعت على البحر المتوسط والبحر 
الأحمر . وقد أرسل القسم الأكير منها والأكثر فاعلية إلى البحر الأحمر ‏ 
تحت تأثير فكرة نخاطئة وتوهم بأن عمليات اسرائيل سوف توجه ضد 
شرم الشيخ والغردقة . فبقى هذا القسم الرئيسى دون استغلال . بينا 
بقى القسم الآخر, الذى احتفظ به فى البحر المتوسط . يمثل « قطعا 
غير صالحة أساسا للعمل بسبب كفاثتها الفنية » ولاتوفر تفوقا معينا على 


74 





البحرية الاسرائيلية » ما جعلها لاتحرك ساكنا فى مراحل القتال 
الأولى . وبذلك فقدت القوى البحرية تفوقها البحرى الذى كانت 
تمتلكه قبل ارب | . 


ثم يتناول الفريق مرنتجى أوضاع القوات الحوية والدفاع الجوى , 
فيذكر أن عدد الطائرات التى كانت صالحة للقتال من مقاتلات 
ومقاتلات قاذفة , كان يبلغ ١٠/١‏ طائرة » بينم| كان يبلغ عدد 
القاذفات 95 من ممتلف الأنواع . وكان عدد الطيارين أقل من عدد 
الطائرات . 


وكانت وحدات اصلاح المطارات والممرات ينقصها معدات 
الاصلاح الحديئة . والخدمة الأرضية الفنية لم تكن على المستوى 
المطلوب فى جميع الحالات . ولم تسلم وحدات وأطقم التوجيه من 
العجز . ولم يكن الدفاع المضاد للطائرات على المطارات كافيا . وبعض 
المطارات تركت بلا أسلحة مضادة للطائرات »؛ واذا وجدتث تكون 
قاصرة على الرشاشات التى لاتصلح الا للهجوم المنقض 
المنخفض ! . 


أما الرادارات فلم تكن لتكشف عن طائرات معادية تطير عل ارتفاع 
أقل من حمساثة مثر . وكان هناك نقص ى وحدات الدفاع المجوى من 
المدفعية المضادة للطائرات . التى أنيط بها الدفاع عن الأغراض الحيوية 
فى البلاد والقواعد الجوية والمطارات وأماكن تجمع الوحدات 
والدبابات . وكان من المأمول أن تصل الى 1" كتيبة صواريخ نيران 
موزعة على قطاعات القناة والدلتا والقاهرة والاسكندرية وأسوان . 
ولكنها لم تكتمل قبل نهاية شهر ماي و/1951 . 





يضاف الى ذلك أنه كان على رأس القوات المسلحة المصرية من كان 
يشغل أكثر من منصب . ويكلف بأكثر من نشاط من الأنشطة ال حيوية 
فى الدولة » ويشترك فى أعمال سياسية ورقابية أبعدته عن ممارسة القيادة 
العسكترية غل أعن مسقوى 1 . .وكان قادة القوات عل دلت 
المستويات يختارون على أساس الولاء وليس الكفاءة . وقد أعيد النظر 
فى هذا الاختيار عندما أصبحت الحرب وشيكة » ولكن بعد أن سبق 
السيف العزل » ودون أن تتاح للقادة الجدد الفرصة الكافية للدراسة 
واتخاذ اجراءات المعركة ! . 


القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية » الا أن قرار تعيينه للجبهة 
حوى فى اطاره قيدا كاملا على أى تصرف له ! » اذ قضى هذا الأمر 
بألا يتصرف فى شىء قبل الرجوع الى القيادة العليا فى حالة عدم وجود 
نائب القائد الأعلى فى المركز الأمامى . أما فى حالة وجود نائب القائد 
الأعلى فى المركز الأمامى » فيكون هو المسيطر على الأمور ! . 


ويذكر الفريق المرتجى . الذى اختير قائدا للجبهة » مثالا على 
ذلك , فى الاجتماع الذى عقد لقادة فروع القوات المصرية يوم 5" مايو 
ودشر عد الناصر». ققد عر قن المطر ذكزة حطة مرضي لعر لع يتطق 
ايلات والاستيلاء عليها . ولكن عبد الناصر أظهر عدم اقتناعه بالنسبة 
للهدف المرجو من هذه العملية » وتساءل : « هل مثل هذه العملية 
تتساوى من حيث النتائج مع سقوط غزة مثلا فى يد العدو؟ ) . ثم 
أشار على المدريطة الى شرم الشيخ » وأبدى ملاحظة بأنه تتقصها 
القوات . خصوصا الأسلحة المضادة للدبابات . وسأل الفريق المرنهى 
عن سبب سكوته . وهو قائد الجبهة . عن شرم الشيخ » قائلا : 
« أليست تحت قيادتك ؟ » . فرد عليه قائلا : «أنا جزء من القيادة 


م١‎ 





العليا » ولا أقود الا عن طريقها !) . وكان يقصد بذلك ‏ )| يقول - 
اظهار أنه « قائد بلا فاعلية » أو مع ايقاف التنفيك ! ) : فأسرع الي 
عبد الحكيم عامر بالتدخل قائلا : «أيوه » هوجزء من القيادة » ونحن 
كلنا سنقود المعركة ) ! . 


أما جهاز المخابرات الحربية » فقد عاب عليه الفريق مرنجى «التركيز 
على الداخل أكثر من الخارج) . . ( فالمطلوب بالدرجة الأولى  »‏ كما 
يقول ‏ هو( مث النظام وعدم الخروج عليه . ولذلك كان يوجه 
مجهوده للجرى وراء الضباط وغيرهم متقصيا احوالهم )!. 


واستطرد الفريق مرتجى قائلا ان جهاز المخابرات الحربية « خفى 
عليه الكثير من أسرار العدو, ثما كان مصدر أخطاء كبيرة أثرت على 
وضع المخطط الحربية » وعلى رأسها خطة الدفاع الجوى الذى بنى على 
مدى طيران محدود لطائرات العدو. وثبت أنها دون الحقيقة 


مراع 1م 


وعلى هذا النحو» وكما ذكر الفريق محمد فوزى فى مذكراته » فانه 
( بعل انقضاء واحد وعشرين يوما عل بلع اعلان حالة التعرئة والفتتح 
التعبوى فى سيناء » لم يكن الجحيش الميدانى قد وصل الى حالة مناسبة 
فى الاعداد أو الاستعداد » سواء للدفاع أو اهجوم ) 


يتضح من ذلك أن الخطأ الأكبر للقيادة السياسية لم يكن فى مجرد قرار 
عدم البدء بالضربة الأولى » وانما كان فى قرار سحب قوات الطوارىء 
الدولية من شرم الشيخ ‏ وهو القرار الذى تداعت بعده كل الأحداث 
حتى وصلت الى ه يونيوء دون أن تكون القوات المسلحة المصرية فى 
الوضع القثالى اللازم 3 الذئى يمكها من استرداد حق مصر فى حرمان 


م 





لملاحة الاسرائيلية من المرور فى مضيق تيران الى البحر الأحمر أو خليج 
العقية . 


ومن المحقق أن القيادة المصرية اتخذت هذا القرار فى ارتجال وتسرع 
ودون أن تدرك أبعاده » بدليل أنبا حين أدركت هذه الأبعاد سارعت 
الى محاولة ايقاف الرسالة التى تقرر فيها سحب القوات » لاتاحة فترة 
من الوقت حتى يتكشف ال موقف ‏ على حد قول القيادة ‏ ولكن المحاولة 
باءت بالفشل » وسلمت بالفعل قبل وصول اخطار ايقاف تسليمها . 
وهكذا أصبحت مصر أمام الآمر الواقع . 


ذلك أن القيادة المصرية أحذت تحاول منذ ذلك الحين ايقاف تداعى 
الأحداث دون جدوى . فقد اضطرت الى ارسال قوات مصرية الى 
شرم الشيخ نتيجة لاخلاء هذا الموقع من القوات الدولية » حتى تسبق 
اسرائيل الى أية أطماع لها فى المنطقة . ثم اضطرت ( ثانيا ) الى اتخاذ 
قرار باغلاق خليج العقبة ومضيق تيران فى وجه الملاحة الاسرائيلية 2 
لأن وجود القوات المصرية فى شرم الشيخ قد سلب مصر الذريعة التى 
كانت تتذرع بها فى وجود القوات الدولية فى السماح للملاحة الاسرائيلية 
بالمرور فى خليج العقبة والبحر الأحمر» وصار يتعين عليها أن تمارس 
حقها الشرقى فى السيطرة عل مياهها الاقليمية وحرمان اسرائيل من 
المرور فى مضيق تيران » أو تواجه العارء وتفقد زعامتها فى المنطقة 
العربية . 


وقد وضع هذا القرار مصر على أبواب الحرب فعلا . ولكن بدلا من 
أن تمضى القيادة السياسية الى نهاية الشوط . وتستجيب لمنطق 
الأحداث » وتضرب الضربة الأولى لاحراز عنصر هام من عناصر 
الفوز » آثرت التوقف والتنازل طوعا عن هذا العنصر اهام للعدو, 


م 





والغريب أن المؤسسة العسكرية فى مصر » رغم تسلطها على الحياة 
المدنية والسياسية . لم تستطع التأثير بنفس القوة التى أثرت مها المؤسسة 
العسكرية فى اسرائيل » والا لأجبرت القيادة السياسية على اتخاذ قرار 
الحرب , كبا اضطرت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية حكومتها الى اتخاذ 
هذا القرار . 


وهذه المفارقة غريبة 3 فلقد كان النظام فى كل من البلدين ‏ مصر 
واترائيل تالظاما عشكريا يقن تحت قر مدية رقفو مهد فى 
مصر شكل النظام الشمولى » وفى اسرائيل شكل النظام الليبرالى . 
وكانت القشرة الديموقراطية فى مصر رقيقة جدا تظهر من تحتها بوضوح 
دكتانورية عبد الناصر المستندة الى المؤسسة العسكرية بالدرجة الأولى . 
بيدا كانت ى اسرائيل قشرة سميكة تخفى نحتها سيطرة المؤسسة 
اللشكرية 


دكرت تماايدا اذن يك إن لنت للؤسسة العسكرية فى بلد ينتهج 
النبج الليبرالى » كاسرائيل 2( دورا أكثر فاعلية ى هذا الصدد من الدور 
الذى لعبته المؤسسة العسكرية فى بلد ينتهج النظام الشمولى كمصر ؟ 
لل كيف :هيت الؤميسسة العسكرية فى يلد .ليبرال كاسرائيل الى د 
التلويج بانقلاب عسكرى ,٠‏ بينا لم نسمع فى مصر عن أى تلويح من 
هذا النوع فى سبيل الضغط من أجل الضربة الأولى ؟ . 

ربا كان السبب فى ذلك هو أن عبد الناصر لم يكن كأى دكتاتور 
يستند الى المئؤسسة العسكرية فى بلده 3 وانم| كان زعيهم| واسع الشعبية » 
تؤيده كافة الجهاهير فى مصر والبلاد العربية : وقد منحه ذلك وضعا 


مم 





زا بالشية للمؤبيقةالستكرية و#مصمن 1 يكن تملك اكول 
تل أبيب . 


ولم يكن عبد الناصر فى حاجة أصلا للاستناد الى الجيش » لولا أن 
نظام الحكم الذى اثره كان يعطى الجيش هذا الوضع بالفعل . فاذا 
انعدمت المؤسسات الديموقراطية الشعبية التى تستند الى ارادة الجماهير 
وحدها ء والتى يستند اليها الحاكم شرعيا فى وجوده فى السلطة 
والحكم . فان الجيش يصبح البديل الوحيد » بكل ما يترتب على ذلك 


من آثار . 


لهذا السبب » ويسبب زعامة عبد الناصر الشعبية » لم يكن فى وسع 
المشير عامر وكل القادة العسكريين سوى الاذعان للأمر الذى اتخذه 
عبد الناصر بالانتظار وتلقى الضربة الاولى . بين تمرد القادة 
لاكوا. 


ومن المحقق أن عبد الناصر كان فى مأزق خخطير . فقد كان يواجه , 
من جانب » التحذير الأمريكى الذى وجهه اليه الرئيس جونسون يوم 
5 مايو بعدم البدء بالضربة الأولى » والا فانه سيواجه نتائج خطيرة . 
ثم التحذير الذى أعلنته الحكومة الفرنسية يوم ؟ يونيه بأن «الدولة التى 
ستكون البادئة باطلاق الرصاصة الأولى فى أى مكان » لن تنال موافقة 
فرنسا » ومن باب أولى تأييدها» . ثم الطلب السوفيتى يوم 7١‏ مايو 
بعدم البدء باطلاق النار . 


ولكنه من جانب أخمر كان يعلم علم اليقين أن اسرائيل تعد 
للهجوم . وكانت نسبة هذا الاحتمال فى رأيه عند بحث موضوع غلق 


هم 





خليج العقبة فى بيته يوم "؟ مايو. تبلغ ٠‏ فى المائة » فتصاعدت الى 
“مف المائة فى اجتاع اللجنة التنفيذية العليا . ثم تصاعدت الى 
٠‏ ف المائة عندما أعلن غلق خليج العقبة بالنسبة للسفن الاسرائيلية 
يوم 7٠‏ مايوء وتلى ذلك التغييرات السياسية التى تمت فى اسرائيل فى 
أول شهر يونيه وأدت الى تأليف وزارة الحرب الاسرائيلية . 


وق الاجتماع الذى عقده يوم ؟ يونيه » حذر عبد الناصر قادته من 
أن ضربة العدولن تتأخر فى خلال 48 الى ؟/ا ساعة , على أساس كل 
ما كانت تشبر به دلائل الحوادث والتطورات . وقال إنه يتوقع أن يكون 
العدوان يوم الاثنين ه يونيوء وأن توجه الضربة الأولى الى القوات 
الحوية » . 


وحين يصل اليقين بعبد الناصر الى هذا الحد » فان التصرف السليم 
كان يقتضى منه أن يجنب قواته المسلحة الضربة الأولى باحدى 
وسيلتين : 


اما التراجع التكتيكى . بتأجيل قرار اغلاق خليج العقبة فى وجه 
الملاحة الأمرائيلية نحت يسلب من اسزائيل الذريعة لترتجية الغترية 
الأولى » ويتبح لقواته المسلحة الفرصة للاستعداد وخوض المعركة فى 
ظروف أفضل . 

واما البدء بالضربة الأولى » مهما كانت المخاطر . وبالاستناد الى 
التأييد السوفيتى الذى كان سيئاله حتم) ببحكم ظروف الصراع العالمى . 
التى لم تكن فى ذلك الحين لتدع للاتحاد السوفيتى مجرد التفكير فى 
خذلان مصر . ولنذكر فى هذا الصدد حرب أكتوبر . فقد بدأتها القيادة 
السياسية فى مصر دون علم الاتحاد السوفيتى » وتحت ظروف علاقات 


65 





بين البلدين أقل توطدا بعد قرار انهاء خدمة الخبراء السوفيت فى مصر ء 
ومع ذلك فقد سارع الاتحاد السوفيتى الى مساندة مصر 2 وأقام جسره 
الجوى فى مواجهة الجسر الجوى الأمريكى لاسرائيل » لتزويد مصر 


على أن عبد الناصر احتار الحل المستحيل » وهو الانتظار وتلقى 
الضربة الأولى » فقطع بقراره هذا نصف الطريق الى الهزيمة من قبل 
أن تطلق اسرائيل طلقة واحدة ! . 


والمحزن فى الأمر. هو أن تحذير عبد الناصر يوم ؟ يونيه لقياداته 
العسكرية بأن اسرائيل سوف تضرب الضربة الأولى فى خلال 48 - 
؟/ ساعة » لم يكن له أى أثر عسكرى يخفف من حجم ا هزيمة 
المريرة » من ناحية اتخاذ الاجراءات الفعالة التى تسمح للقوات 
المسلحة ‏ وعلى رأسها القوات الجحوية ‏ بتفادى الضربة الأولى أو تخفيف 
أثارها » وتوجيه ضربة مضادة انتقامية . 

فيذكر الفريق عبد المحسن مرتجى . أن تنبؤ عبد الناصر بالضربة 
الأولى الاسرائيلية » وبيوم نشوب القتال ٠٠‏ لم يبلغ إلى القيادات 
الميدانية » ولم يخرج عن حيز المجتمعين فى المؤتمر ( مؤثمر القيادة السياسية 
والعسكرية العليا ) ! . ولذلك لم يكن له أى صدى فى وسط القوات , 
وم تتخذ له أية استعدادات خاصة ) ! . 


ويقول الفريق مرعجى إنه بعد الحرب سأل المشير عبد الحكيم عامر 
عن سبب عدم الأخذ بوجهة نظر رئيس الجمهورية بميعاد نشوب 
ينزل عليه أو أن عنده من صفاء الروح والشفافية مايجعله يتنبا مسبقا 
يالأحداث !) . 


/ا3م/ 





واستطرد المشير عبد اكيم عامر قائلا إن عبد الناصر « سبق وتنبأ 
في عام 1185 , بعد تأميم قناة السويس . بأن الموقف الدولى لن 
يسمح للانجليز والفرنسيين بأن يشنوا هجوما على مصر بسبب هذا 
الداميم . وكان هذا التنبؤ ضد رأى المخابرات الحربية » التتى تجمع 
لديا من المعلومات عن تحركات الانجليز والفرنسيين مايوحى بأن 
الحجوم على مصر مرجح جدا بل انه مؤكد ) . 


ثم تساءل المشير عبد الحكيم قائلا : « لوكان عبد الناصر واثقا حقا 
من وقوع الحرب يوم © يونية » فهل كان يسمح للوفد العراقى برئاسة 
رئيس الوزراء العراقى طاهر يحيى » ومعهم حسين الشافعى . بأن 
يقلعوا لزيارة القوات العراقية فى الجبهة . ويعرض حياتهم 
للخطر ؟ » . ثم قال المشير عبد الحكيم عامر أنه لم يأخذ كلام عبد 
الداضر عل كول :انك ةوقل عفرل ]ذا اديت اراي الركيهن بانه 
حقيقة لابد أن تقع . أن أطلب من جميع القادة فى سيناء أن ينتظروننى 
فى مركز القيادة المتقدم فى سيناء يوم © يونيو . وأن أعرض حياتى ومعى 
قائد الطيران والقادة الآخرون للخطر؟ » . 


على أن هذا الدفاع من جانب المشير عبد الحكيم عامر يعد دفاعا 
واهيا . على الرغم مما يبدو من وجاهته فلم يكن التنبؤ بأن اسرائيل 
سوف تقوم بالضربة الأولى فى حاجة إلى كاهن أو نبى يوحى إليه » أو 
ولى من أولياء الله يملك صفاء الروح وشفافية النفس . وإنما كانت كل 
المقدمات تؤدى إليه . ولو كانت القيادة العسكرية المصرية على مستوى 
الكفاءة اللازم . ولو كانت المخابرات الحربية متفرغة لعملها 
ا حقيقى ٠»‏ لتوصلت إلى هذه « النبوءة » بسهولة بمحض الوسائل 
التقليدية الدنيوية . دون حاجة أصلا إلى الوسائل المنارقة والمسالك 
0 


الو 





الشحسل الشالى 





تتسزلبا إبتاليس /57١/‏ 


ه الضربة الاسرائيلية 
والحدانت ه يوثية 

© حر يمة اللانسيحاب من سسيشاع 
بين المشير عامر وعبد الناصر 
«ه كارثة الفرقة الرابعة المدرعة 
» لغز اختفاء عيد الناصر 

ه سحصكومة مصر فى حرب يوئية 
ه سقوط الجبهة الشرقية 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 











الضر بسة الاسرائيلية وأحسداث ه يونية 


لم يلق تحذير عبد الناصر لقياداته العسكرية يوم ؟ يونية 1951 من 
الضربة الجوية الاسرائيلية » التى ذكر أنها لن تتأخر عن 7لا ساعة » 
أى اهتمام أو اكتراث » للسبب الذى ساقه المشير عامر , وهو أنه لم 
يعرف فى عبد الناصر أنه كاهن أو نبى يوحى إليه . مع أن التنبؤ 
بالضربة الاسرائيلية لم يكن فى حاجة إلى كهانة أو نبوة » وإنما كانت 
المقدمات تؤدى إليه . 


وقد ظهر أثر هذا الاهمال لتحذير عبد الناصر فى رد فعل الضربة 
الجوية الاسرائيلية فى نفوس القادة العسكريين . يقول الفريق عبد 
المحسن مرنجى : لم نتوقع هذا الغدر من جانب العدوء أوعلى الأقل 
كانت الصورة العامة بالنسبة للموقف كله لاتنبىء بأن اسرائيل ستبدأ 
ضربتها مهذه السرعة ) ! . ومعنى ذلك أن القيادة السياسية تمثلة فى 
عبد الناصر كانت فى واد » والقيادة العسكرية ممثلة فى المشير عامر وقادته 
كانت فى واد أخخر ! . 


1 





وعلى كل حال » فيفهم من كلام الفريق المرتجى أنه تخصصت قوات 
للضربة المضادة . وقد حدد المشير عامر اجتماعا لقادة هذه القوات 
للمحور الجنوبى فى الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم الاثنين 
ه يونية » فى قاعدة المليس المتقدمة فى سيناء . وبناء على ذلك انتظر فى 
مطار بير تمادا كل من قائد الجبهة ورئيس أركانها وقائد اليش الميدانى 
ومعاونه من القوات الحوية . ولكن بينم| كان المشير عامر فى طريقه إلى 
مطار بير تمادا ومعه قائد القوات الحوية والدفاع ا وى ورئيس هيئة 
عمليات القوات المسلحة وكبار القادة العسكريين . بالاضافة إلى 
رجال الاعلام والمصورين ! » كانت القوات الحوية الاسرائيلية توجه 
ضربتها إلى جميع المطارات المصرية فى أنحاء مصر فى وقت واحد ! . 


فا هو حجم الخسائر التى ألحفتها الضربة الاسرائيلية الأولى 


يقول موشيه ديان فى مذكراته : « كنت فى مركز قيادة القوات الحوية 
فى الساعة السابعة والنصف صباحا من يوم الاثنين ه يونية ل41 ٠. 1١95‏ 
دون أن تتحول أعيئنا للحظة عن مائدة العمليات » حين عرفنا أن 
طائرائنا قد بلغت أهدافها دون أن يكتشف العدو أمرها . فارتجفت 
قلوبناء لقد نجحت الموجة الأولى فى قصف أهدافها . وى خلال 
ساعة كانت تقارير الطيارين تتوارد علينا : لقد دمرت مئات من 
الطائرات المصرية » وقد دمر معظمها على الأرض . كما دمرت أو 
تعطلت قواعد الصواريخ أرض - جو . ولم تقع إصابة واحدة بالكاد فى 
طائراتنا . وبذلك نكون قد سحقنا قوة مصر الحوية » ! . 


ولاتختلف روايات القادة المسئولين عن الحرب فى الحبهة المصرية 
كثيرا عيا أورده موشيه ديان فى مذكراته . فوفقا للفريق عبد المحسن 


5 





مر نجى » قائد جبهة جبهة سيناء 2 فإن خسارة سلاح الطيران المصرئ 
حتى حلول الساعة العاشرة من صباح ىم الاثنين © يونية لاكةطا 2 
بلغت نحو 686 إلى 6 الماثة من مجموع الطائرات المقاتلة القاذفة ! . 


فعلى من تقع مسئولية هذه الخسائر الفادحة ؟59:, 


تقول بعض المصادر إنه كان من الممكن تجنب هذه الخسائر » بل 
ربما تجنب الضربة الجوية ذاتها » لونجحت الاشارة الشفرية التى 
يحذر فيها القيادة العليا المصرية من الهجوم الجوى الاسرائيل ! . 


فعندما خرجت الطائرات الاسرائيلية من قواعدها لتهاجم مصر 
بأعداد كبيرة » ظهر معظمها واضحا على شاشات الرادارات فى الجبهة 
الأردنية . وقل سارع الفريق عبل المنعم رياض بإبلاغ هذه 0 
لاسلكيا بالشفرة إلى القيادة العامة المصرية » وفى نفس الوقت أبلغها 
إلى قيادتها الجوية . وقد وصلت هذه الاشارة قبل وصول الطائرات 
الاسرائيلية إلى أهدافها بلحو نصف ساعة , ما كان يتح الفرصة 
الكافية للانذار والاستعداد وتصدى سلاح الحو المصرى للعدو . ولكن 
الاشارة الشفرية أهملت ! اه سا اك لسار 
الشفرة المصرية صباح يوم ه يونيو دون أن يخطر المسئولون بهذا 
التغيير ! . وهكذا تمكنت الطائرات الاسرائيلية من مفاجأة المطارات 
المصرية والحاق هذه الخسائر بسلاح الجو المصرى 


وهذه الرواية تختلف فى بعض تفصيلاتها عن الرواية التى أوردها 


الفريق محمد فوزى فى مذكراته » حيث ذكر أن هذه الاشارة لم تستقبل 
إطلاقا بالجهة المعنية » وهى غرفة عمليات الدفاع الجوى بمنطقة 


ل 





الجيوشى ! . وقد أضاف أن إشارة أخرى أرسلت من مكتب مخابرات 
العريش بقيادة المقدم ابراهيم سلامة إلى مكتب شمس بدران فى الساعة 
السابعة صباحا . وقد أيقظ المشير عامر من نومه . ولكنه لم يعلق بشىء 
على هذه الاشارة ! . - وهى رواية تبدو غير معقولة » لأن المشير عامر 
لايمكن أن يكون نائ) وقتذاك » وهو يستعد للطيران إلى قاعدة المليس 
فى سينئاء ! . 


على أن الفريق عبد المحسن مرتجى لايولى أهمية كبيرة لرسالة 
رياض . ففى رأيه أنه لوكانت الطائرات المصرية قد خرجت للتصدى 
للطائرات الاسرائيلية المغيرة » لعادت هذه الطائرات إلى اسرائيل دون 
اشتباك » على أساس أن الخطة الاسرائيلية ‏ كما يقول ‏ كانت تقوم على 
الحصول على المفاجأة التامة للعملية . فإذا لاح أن المفاجأة غير 
مكفولة » كظهور مظلة جوية مصرية أووجود طائرات مصرية فى الجو. 
فتتخلص القوات الجوية الاسرائيلية من الاشتباك . وتخلى الجوى 
ويعتير ماحدث ( مجرد اخثراق عادى للجو المصرى ») . 


وبناء على ذلك . فقد رأى الفريق مرتجى أنه لو كانت الطائرات 
الاسرائيلية المهاحمة قد عادت لقواعدها لدى رؤيتها الطائرات المصرية 
فى اللجوء فان الزعامة المصرية ماكانت لتغير قرارها بألا تكون مصر 
البادئة بالضربة الأولى . والنتيجة أن القوات الاسرائيلية كانت ستتحين 
مناسبة أحرى » قد تأنى بعد يوم أو أكثر » لتضرب ضربتها المقررة بعد 
الحصول على المفاجأة التى وضعتها كشرط أساسى لنجاحها ! . 

وفى رأينا أن الأساس الذى بنى عليه الفريق مرتجى هذا الحكم , 
إنها هو أساس واه . ولست أدرى كيف صدق الفريق مرتجى أن الخطة 
الاسرائيلية كانت تقوم على عودة الطائرات إلى قواعدها إذا ووجهت 


440 





بالطائرات المصرية » واعتبار ماحدث « مجرد اختراق عادى للجو 


المضصرف !)1 


فلو قرأ الفريق مرتجى ماأورده ديان » وزير الدفاع الاسرائيل » فى 
مذكراته » لوجد أن الموجة الأولى للغارة الاسرائيلية كانت تتكون من 
8 طائرة . فكيف كان فى وسع الزعامة المصرية » التى كانت تتوقع 
هذه الضربة بالفعل فى ذلك الوقت . أن تعتيرها « مجرد اختراق عادى 
للجو المصرى » » وتستمر فى سياسة عدم البدء بالضربة الأولى ! . 


وأكثر من ذلك . كيف كان فى وسع القيادة الاسرائيلية » التى 
كانت بدورها لاتستبعد ضربة جوية مصرية 8 أن تعتمد على مثل هذه 
الخدعة » فتأمر كل هذا العدد ال حائل من طائراتها بالعودة مباشرة لدى 
ظهور قوات جوية مصرية غير متوقعة ؟ . 


فى الواقع أن أى قيادة عسكرية تضع فى احتالاتها عادة تصدى 
العدو لقواتها » وتبنى خطتها على هذا الأساس . وكان تقدير موشيه 
ديان لنتائج الضربة الاسرائيلية على المطارات المصرية متواضعا . فكىا 
ذكرنا » فإنه كان يأمل أن تتمكن هذه الضربة من تدمير أو تعطيل نحو 
مائة طائرة مصرية فقط . وهو ما كان مكنا لو خاضت وسائل الدفاع 
الجوى المصرى المعركة بالفعل . ولم يكن فى تقديره ‏ أو حنى فى تقدير 
أشد الخالمين الاسرائيليين ‏ أن يتمخض عن هذه الضربة الأولى تدمير 
هو فى المائة من الطائرات المقاتلة القاذفة ‏ حسب تقدير الفريق 
مرنجى - أو 19177 طائرة وتعطيل ست عشرة محطة رادار وست مطارات 
خسبه التقارين الاستراقيلية 1 : 


أما الموجة الثانية من الضربة الحوية الاسرائيلية + فقد تكونت من 


م4 





4 وهاجمت أربع عشرة قاعدة جوية » ودمرت ٠١1‏ طائرة . وبذلك 
فقدت مصر "١5‏ طائرة من مجموع طائراتها الذى كان يبلغ ‏ وفقا 
للتقديرات الاسرائيلية  4١9‏ طائرة . وكل ذلك فى مقابل خسائر فى 
الجانب الاسرائيل تبلغ 4 طائرات أسقطت . وست طائرات أعطبت 
وتمكنت من العودة إلى اسراثيل » وإصابة أحد عشر طيارا » منهم ستة 
قتلوا »وأسر اثنان » وجرح ثلاثة . 


حساب الاشتباك والخسائر إذن ‏ كان واردا فى الخطة الاسرائيلية . 
وقد خرجت الطائرات الاسرائيلية فى الغارة الأولى بنية الاشتباك » 
بدليل ضخامة أعدادها » ولم تخرج بنية العودة إذا صدتها الطائرات 
المصرية . لأن التأخير فى توجيه الضربة الجوية لمصر عن يوم الاثنين 
ه يونية » لم يكن فى صالح اسرائيل كما ذكرنا » ولأن تراجع الطائرات 
الاسرائيلية سوف يعطى الفرصة لمصر للبدء بالضربة الأولى » مهما 

.نت نتائقجها . 


وعلى ذلك . فإن إهمال الاشارة الشفرية التى أرسلها الفريق عبد 
المنعم رياض إلى مصر بخروج الطائرات الاسرائيلية لمهاجمة مصر , 
يكون قد حرم مصر من الاستعداد لتلقى هذه الضربة » ويكون سببا 
رئيسيا من أسباب ضخامة الخسائر التى منيت بها القوات الحوية 
المصرية . وبالتالى » فهو لايعدو أن يكون مظهرا من مظاهر الخلل فى 
القوات المصرية التى عرضنا ناذج لما . وفى ذلك يقول الفريق صلاح 
الدين الحديدى : « كان من الممكن أن تكون هذه البرقية نقطة تحول 
لصالحنا فى تاريخ المعركة » لو أنها وصلت فى الوقت المناسب . وأمكن 
الاستفادة من المعلومات التى تحملها . ولكن القدر من ناحية » 
والاهمال من ناحية أخرى » وعدم أخذ الأمور بالجدية اللازمة من ناحية 


45 





الثة » حالت دون الاستفادة من هذه المعلومات الثمينة التى لاتنقدر 
بثمن ) . 


وقد سيق سبب آخر يستحق المناقشة فى تفسير حجم هذه الضربة » 
كن وعيرد القن شامع والونادة التستر كن ى تنوه العو 
الاسرائيلية » متوجها إلى مطار بير تمادا للقاء قادة مسرح العمليات 
والانتقال منه إلى قاعدة مليس الجحوية . وفى الوقت نفسه وجود موقف 
متشابه فى منطقة فايد » حيث كانت تتوجه طائرتان أخريان تقل حسين 
الشافعى ومعه طاهر بحيى نائب رئيس الوزراء العراقى والوفد المرافق 
له لزيارة القوات الغواقية"" فلقد كان من الطبيعى < كنا بذكر الفريق 
صلاح الدين الحديدى ‏ « والسماء تحمل طائرات صديقة » بعضها 
يتجه إلى سيناء » وبعضها الآخر إلى فايد » أن تتخذ الاجراءات 
الكفيلة بعدم اعتراض وسائل الدفاع الجوى لهذه الطائرات على طول 
خط سيرها المرسوم . وصدرت الأوامر إلى هذه الوسائل بعدم 
التدخل . وقد لعب هذا الموقف دورا كبيرا فى مستقبل الأحداث » 
وساعد على خلق ظروف غير مواتية للدفاع عن سماء مصر) . 


وربما اتخذ دليلا على صحة هذا السبب ماجرى فى قاعدة مليس 
الجوية » حيث تجمع القادة العسكريون المصريون الذين رؤى أن 
يكونوا فى استقبال المشير وصحبه . فعندما ظهرت إحدى الطائرات » 
اصطف القادة استعدادا لتحية المشير عند وصوله . ولكن الجميع » 
وعلى رأسهم رجال المدفعية المضادة لطائرات ! » فوجئوا بالطائرات 
الاسرائيلية باجم على ارتفاع منخفض وتقصف الممرات والطائرات 


أصيبت أحدى هاتين الطائرتين فوق فايد وهما على وشك النزول + وهبطت هبوطا اضطراريا بين جئيفة 
والجبل على الرمال » واستشهد أحد الطيارين » وأحد المرافقين » وأصيب اللواء أحمد علوى وأحد 
الصحفيين العراقيين . 


04/ 





الرابضة فى أرض المطارء فضلا عن غرفة العمليات وأجهزة الاتصال 
والسيارات المخصصة للء الطائرات بالوقود ! . وهكذا كان انتظار 
طائرة المشير سببا فى تدمير معظم الطائرات ! . 


على أنه يتعذر فى الحقيقة قبول هذه الحجة فى تفسير حجم الخسائر 
التى ألحقتها الضربة الحوية الاسرائيلية الأولى . فإذا أمكن قبول قصة 
طائرة المشير وطائرة حسين الشافعى عذرا مخففا لوسائل الدفاع المصرى 
الجوى فى القواعد والمطارات », التى تقع على خط سير الطائرتين فى فايد 
وبيرئمادا وقاعدة المليس الحوية » فيا عذر وسائل الدفاع فى المطارات 
والقواعد الأخرى التى فاجأتها الطائرات الاسرائيلية المهاحمة فى طول 
مصر وعرضها ؟. 


ووفقا للفريق صلاح الدين الحديدى » فإن المشير عبد الحكيم عامر 
قد عرف بأمر الغارة الاسرائيلية بعد أن تركت طائرته المجال الجوى 
لنطقة القاهرة ودخلت فى محال منطقة قناة السويس 3 بعد أن شاهد 
طيارها الانفجار فى أحد مطارات القئاة . وقد شعر قائد القوات الحوية 
الذى كان فى رفقة المشير بالأمر حين غير الطيار اتجاهه وارتفاعه للابتعاد 
عن الطائرات المعادية » ورأى بعينيه الطائرات الاسرائيلية تدك المطار 
المصرى . فأمر الطيار بالعودة إلى مطار القاهرة الدولى بدلا من مطار 
ألماظة » واتفق مع المشير عامر على أن تقوم القوات الحوية على الفور 
بتنفيذ الخطة الهجومية السابق وضعها . وأرسل إشارة لاسلكية بذلك 
إلى تشكيلاته وبها الاسم الكودى لتنفيذ الخطة الحجومية . ولكن هذه 
الاشارة لم يكن لما أى فعل ! . وعندما عاد المشير عامر إلى مركز القيادة 
الرئيسى فى القاهرة لقيادة المعركة » أدرك أن الوقت قد فات », والفرصة 
قد أفلتت وخرج السلاح المتوى المصرى من المعركة فى الساعات الأولى 
من الحرب ! . 


44 





وفى الفترة التالية دبت الفوضى فى القيادة العامة فى مدينة نصر لتدفع 
بالأمور إلى الانبيار الكامل وتكمل المزيمة . فقد عكفت هيئة القيادة 
التى تتكون من المستشارين فى مختلف الشئون العسكرية ؛ وعلى 
رأسهم رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة » على جمع المعلومات 
عن الموقف للالمام به .5 وتقديم الاقتراحات اللازمة للقائد العام ليتخل 
قراره فى ضوئها . ولكن هذا الأسلوب العلمى السليم اختل وسقط فى 
ذلك الحين » نتيجة لتضارب المعلومات التى كانت تصل إلى القائد 
العام من جهة وإلى مستشاريه من جهة أخرى » نتيجة تدخل « بعض 
كبار الضباط الذين لايشغلون وظائف رسمية ترتبط ارتباطا عضويا 
بالمنسركة كدان محظلميم و غرفت اللي ا لدجلا عزنا عن 
المسكولية » . وهكذا أخحذت الأمور تسقط سريعا فى يد المشير وحده » 
وأصبح بمفرده مصدرا للقرارات » دون الرجوع إلى مستشاريه » حتى 
أصبح هؤلاء المستشارين آخر من يعلم بها يصدره المشي رمن قرارات ! . 


وهكذا انعكست طريقة إدارة الحكم فى البلاد على طريقة إدارة 
المعركة ! . وى! أن طريقة إدارة الحكم فى البلادكانت هى الطريقة 
الدكتاتورية وحكم الفرد » فكذلك أصبحت طريقة إدارة المعركة , 
حتى إن القرار التاريخى الضخم الخاص بالانسحاب من كامل سيناء » 
اتخذ دون الرجوع إلى المستشارين والمحترفين كما سوف نرى ! . 


ولايمكن تقدير مدى حجم هذا العامل فى تردى الأوضاع العسكرية 
فى الجبهة' وشد البلاد إلى هوة الهزيمة . فمع أن ضياع القوات الجوية 
بالضربة الاسرائيلية كان خسارة فادحة لاريب فيها » إلا أنها لم تكن 
تدعو إلى اليأس التام فى رأى الخبراء العسكريين . ذلك أن الطياريين 
المصريين لم تكن قد نزلت بهم خسارة تذكر» فيها عدا العمليات 
الانتحارية التى قام بها قلة منهم . وكان فى الامكان احضار طائرات 


44 





من الدول العربية والأجنبية الصديقة » وتعويض النقص لحد ما . لو 
التزمت القوات البرية بمبادىء الدفاع » وابتعدت قدر الامكان عن 
العمليات المتحركة التى تعرضها للهجوم الجوى الاسرائيل » وصمدت 
فى سيناء لفترة كافية لاعادة تنظيم القوات الحوية . ولم يكن الموقف 
بالنسبة للقوات البرية فى نهاية يوم © يونية يدعو إلى التشاؤم » فمصدر 
الخطر تركز - وفقا لكلام الفريق عبد المحسن مرتجى - فى منطقة رفح 
والطريق الساحلى حتى العريش » وهى منطقة لم تكن تستوعب إلا 
جزءا بسيطا من القوات اليرية بالمقارنة بيا هو موجود فى سيئاء » ولو أن 
القيادة العليا لم ترتبك وأتيحت لا الفرصة لادارة المعركة من ساحة 
القتال نفسها » لما ساء الموقف إلى الحد الذى انتهى إليه . 


على أن القيادة العليا كانت مشغولة فى ذلك الحين بالكذب على 
الشعب ». وتصوير الموقف فى مظهر براق يؤكد أن الجيش المصرى كان 
له القدح المعلى فى الحرب » وأنه يقوم بتوجيه ضربة قاصمة للجيش 
الاسرائيل » بين| كانت تتخبط فى قيادة المعركة » ثم ترتكب خطيئتها 
الكبرى بقرار الانسحاب من سيناء الذى أصدرته فى اليوم التالى مباشرة 
لاندلاع الحرب » أى فى يوم 5 يونية ! . والذى هيأت به للعدو 
الاسرائيل مالم يكن يحلم به أو يقع فى مخططه الحربى . 


وحنى يمكن تقييم هذا القرار المشثوم » يكفى القول إنه لم يكن 
هناك مايدفع من ظروف المعارك الحربية فى سيناء لاتخاذ هذا القرار 
سوى التمخبط وعدم الكفاءة والاعتماد على غير الخبراء الثقات . ولم يكن 
ليمكن صدوره أصلا لولم تكن القيادة العليا تدير المعركة بتلك الطريقة 
التى تحدثنا عنها» وهى طريقة الحكم الفردى والاستعانة بأهل 
الثقة ! . 





ففى صباح نفس اليوم الذى أصدر فيه المشير عامر أمره بالانسحاب 
الكامل من سيئاء 2 وهويوم " يونية » كان قد تم الاتفاق بينه وبين قائد 
جبهة سيناء » الفريق عبد المحسن مرتجى . بناء على نجاح الهجوم 
الاسرائيل فى منطقة رفح والطريق الساحلى حتى العريش ‏ على 
الالسحاب من خط الدفاع الأول إلى الخط الثانى ( والصمود قَْ 
المضايق حتى آخر رجل واخخر طلقة . وتنفيذا لمذه الخطة وافق المشير 
المضايق » وسحب قوات الستارة المضادة للدبابات لدعم انط الثانى 
والمضايق » مع تقوية « مزار» غربا جنوب بحيرة البردويل لضان عدم 
الاختراق من قبل القوات الاسرائيلية فى المحور الشمالى . ومن هنا كان 
ف وسع القوات المسلحة المصرية الدفاع عن هذه المضايق لفترة طويلة 
قد تطول إلى أسابيع » تسيطر فيها على المنطقة ا حيوية فى سيناء » حتى 
تتدخل القوى الدولية لانقاذ الموقف وإجبار المعتدى على الانسحاب . 


على أنه بعد نصف ساعة فقط من إخطار الفريق مرتجى قائد الجيش 
هذه الخطة لتنفيذها » كانت تصدر تعليهيات أخرى من المشير عامر 
تتضمن تغييرا جوهريا فيا سبق من أوامر ! . وفى الساعة الواحدة 
والنصف كان المشير عامر يصدر تعليات نقيضة تستهدف استعادة 
الخط الدفاعى الأول عن طريق قيام الفرقة المدرعة احتياطى القيادة 
العليا بضربة مضادة تجاه أبو عجيلة ‏ القسيمة 6 وذلك فى الوقفت 
الذى كان غجبرى تنفيك حطة الانسحات من الخط الأول إلى المخط 
الثانى » مما كان من شأنه إحداث ارتباك شديد ف تحركات الانسحاب 
إلى الخلف وفق الخطة الأولى المتفق عليها » ويعرض احتياطى القيادة 
العليا لمجازفة خطيرة ! . ثم مالبث المشي رعامر أن تراجع مرة أخرى عن 
خحطة الضربة المضادة واستعادة الخط الدفاعى الأول » وعاد مرة أخرى 
إلى الخطة المتفق عليها فى البداية » وهى الدفاع عن الخط الثانى 


١ 





والمضايق » فأصدر قائد الحيش الميدانى أمره للفرقة المدرعة احتياطى 
القيادة العليا باحتلال المضايق للدفاع عنبا » على أن يتم التنفيذ ليلة 
7 يولي 


وهكذا فى خلال حمس ساعات ». أى من الساعة الحادية عشرة 
صباحا من يوم ” يونية ‏ حيث تم الاتفاق على الحطة الأولى 
بالانسحابف من الخط الأول إلى المنط الثانى والدفاع عن المضايق - إلى 
الساعة الرابعة والنصف من نفس اليوم » تم تغيير الأوامر ثلاث 
مرات » لتعود إلى مابدأت به .» وهو الدفاع عن الخط الثانى 
والمضايق ! . مع كل ماترتب على ذلك من تحركات وتبديد 
طاقات ! . وكان ذلك حصاد الجحولة الأولى . 








جسريمة الانسصاب من سيساء 


فى ذلك الحين » كانت الأقدار تدخر كارثة أخرى » حين أصدر 
المشير عامر فى مساء نفس اليوم " يولية » أمره التاريخى القاتل » الذى 
ألغى به كل ماسبق من خطط وتعليات » ويقضى بالانسحاب الكامل 
من سيناء . فكان هذا القرار بمثابة المسهار الأخير فى نعش الأمل فى 
إنقاذ الموقف . 


ونظرا لما ذكرناه من عدم وجود ما يدفع إلى هذا القرار بالانسحاب 
من سيناء من ظروف المعارك الحربية التى كانت دائرة فى ذلك الحين » 
فإن هذا القرار يكشف أكثر من أى شىء آخر مدى ماوصل إليه نظام 
الحكم الذى أفرز هذه القيادة من تحلل وضعف وقلة حيلة وانعدام 
كفاءة » وهو مايتضح من الصورة الآنية » التى نرسمها من شهادات 
الشهود من كبار القادة العسكريين المسئولين عن المعركة فى ذلك 
الوقت . 


فوفقا للفريق عبد المحسن مرتجى ؛ قائد جبهة سيناء » فإن مركز 


١س‎ 





قيادته المتقدم فى سيناء لم يعلم بخير هذا القرار الخطير بالانسحاب , 
إلا بعد أن تم الانسحاب بالفعل . تاركا مركز القيادة المتقدم منعزلا فى 
قلب سيناء !! . وكان الفريق مرتجى - كا رأينا - قد اتفق مع المشير 
عامر على الصمود عند المضايق » وهو مااستقر الأمر عليه بعد سلسلة 
الأوامر المتخبطة التى أصدرها المشير عامر كما سبق ذكره . ولذلك حين 
شاهد تحركات الأسلحة المختلفة نحو الغرب بعد منتصف ليل 
؟ 7 يونية » اعتقد أنها تتحرك وفقا لمذه الخطة لاتخاذ الأوضاع 
الجديدة ! . 


على أنه فى الساعة الثالثة والنصف تقريبا من فجر ٠١‏ يونيو » فوجىء 
الفريق مرتجى وهيكة قواده فى ال مركز المتقدم ( بوصول مدير الشرطة 
العسكرية ( مستفسرا عن سبب وجودنا حتى الآن فى سيناء ؟ . وما 
شخص مسئول » فقد أحذتنا الدهشةء, أو الغصة ! 2 وانتظرنا عل 
مضض لكى ينهى حديثه حتى نستوعب المطلوب . قال مدير الشرطة 
العسكرية : إن جميع القيادات قد ارتدت إلى غرب القناة » وأنتم 
القيادة الوحيدة الموجودة فى سيناء » ولا توجد حماية لكم . والعدو 
متقدم غربا ! . وأن التعليهات التى لديه هى توجيه جميع القوات إلى 
غرب القناة » إذ أن القيادة العليا قد أصدرت أمرا بالانسحاب التام من 
سيناء . وقد نصبت المعابر على القناة ليسهل هذا الارتداد ؟ ! ) . 


وكان من الطبيعى أن تعقد الدهشة ألسنة قادة المركز المتقدم , 
ويخالحهم الشك فى صحة ماسمعوه ! 0 « فاقترح قائد الشرطة 
اليش فى الضفة الغربية منتظرا تعلييات جديدة ! . ولا كناقى شك من 
هذه المعلومات » فقد طلبت من مركز القيادة المتقدم البقاء فى مكانه 2 


ل 





وتحركت مع المرحوم أحمد اساعيل صوب القئاة » بعد أن ربطنا 
الاتصال اللاسلكى مع المركز . وعندما وصلنا غرب القناة جنوبى 
البحيرات » وجدنا قائد اليش الميدانى يتحادث تليفونيا مع رئيس 
أركان حرب القوات المسلحة » الذى كان يعطيه تعلييات جديدة عن 
ايواء القوات المسلحة بعد عودتها من سيناء ! . 


ويقول الفريق مرتجى انه سأل قائد الجيش اذا لم يستأذن منه فى نقل 
مركز قيادنه » كبا تقضى التعلييات ؟ ولماذا لم يخطر مركز القيادة المتقدمة 
بأوامر الانسحاب الجديدة ؟ . وكانت إجابته غير مقنعة بالنسبة 
للاستفسارين » خصوصا وأنه أعزى ذلك إلى قطع الاتصال الخطى مع 
الكو ان 


وهكذا ترك مركز القيادة المتقدم فى سيناء فى جهل تام بم| يدور حوله 
من أحداث 3 بفضل تجاهل القيادة العليا له من جهة » وبفضل تجاهل 
القيادة السفلى أيضا » التى نفذت قرارات الانسحاب دون علم مركز 
القيادة المتقدم !. على أن السخرية الحقيقية أن مركز القيادة المتقدم 
أحذ يتلقى أوامر القيادة العليا عن طريق القيادة السفلى ! . فيقول 
الفريق مرتجى إن قائد الجيش أخطره بأن أوامر القيادة العليا هى أن 
يعود المركز المتقدم إلى الاساعيلية انتظارا للتعلييات الجديدة . 
«والمحمد لله عاد المركز كله بعد الاتصال بالعميد عبد الغنى 
الجمسى » مدير عمليات قيادة الجبهة » الذى نجح فى الرجوع إلى 
الاساعيلية بجميع معداته وأسلحته وعرباته وأفراده من غير لخسائر » 
لأن المنطقة من مركز القيادة المتقدم إلى القناة كانت تسمح بالتحرك 
خارج الطرق . وبذا أمكن تفادى الازدحام الناتج من تكدس العربات 
والمدافع وغيرها ») ! . 





لندع الفريق محمد فوزى » رئيس هيئة أركان الحرب فى ذلك 
الحين » يروى هذه القصة بشكل مسهب فيقول : 


« طلبنى المشير بعد ظهر يوم 5 »هء قائلا لى : « عايزك 
تحط لى خطة سريعة لانسحاب القوات من سيناء الى غرب قئناة 
السويس » . ثم أضاف : «١‏ أمامك ٠١‏ دقيقة فقط ») ! . 


« فوجئت بهذا الطلب . اذ أنه أول أمر يصدر الىّ شخصيا من 
المشير » الذى كانت حالته النفسية والعصبية منهارة » بالاضافة الى أن 
الموقف لم يكن يسمح بالمناقشة أو الجدل » أو معرفة دوافع التفكير فى 
مثل هذا الأمر. فقد كانت القوات البرية فى سيناء ‏ عدا قوات الفرقة 
/ا مشاة ‏ متماسكة حتى هذا الوقت . ولم يكن هناك ما يستدعى اطلاقا 
التفكيرفى انسحاما » . 


« أسرعت الى غرفة العمليات » حيث استدعيت الفريق أنور 
القاضى . رئيس اطيئة . واللواء تبامى » مساعد رئيس اطيئة » 
وجلسنا فترة قصيرة نفكر فى أسلوب وطريقة انسحاب القوات . بعد أن 
أعطيت طلب المشير الى كليهما . وانتهى بنا الموقف الى وضع خطوط 
عامة جدا » واطار واسع لتحقيق الفكرة » ودونها اللواء تهامى فى ورقة . 
ركان هذا الاطار يحدد خطوط انسحاب القوات وتوقيت التمركز فى هذه 
ريا 

« توجهنا نحن الثلاثة الى المشير . وكان منتظرا واقفا خحلف مكتبه , 
واضعا احدى ساقيه على كرسى المكتب » ومرتكزا بذقنه على ساقه 
الموضوعة فوق الكرسى . 


65 





( بادرت المشير بقولى : « على قدر الامكان » وقدر الوقت » وضعنا 
خطوطا عامة لتحقيق فكرة سيادتك » ونرجو الاذن بأن يقرأها اللواء 
تهامى ) . 


«(وبداً اللواء تهامى فى القراءة بقوله : « ترتد القوات الى الخط 
كذا ... يوم كذا .. ثم الى الخط ... يوم كذا . وأن يتم ارتداد 
القوات بالتبادل على هذه الخطوط . لحين وصولا الى الخط الأخير غرب 
قناة السويس بعد أربعة أيام من يوم البدء فى الانسحاب - أى أن يتم 
الانسحاب فى أربعة أيام وثلاث ليال ) . 


« عندما سمع المشير الجملة الأخيرة الخاصة بتحديد مدة 
الانسحاب » رفع صوته قليلا موجها الحديث إلى : ١‏ أربعة أيام وثلاث 
ليال يا فوزى ؟ . أنا أعطيت أمر الانسحاب خلاص ) ! ٠‏ ثم دحل 
الى غرفة نومه » التى تقع خلف المكتب مباشرة » بطريقة هستيرية ) 
بعد أن كان وجهه قد ازداد احمرارا أثناء توجيه الحديث . بينا انصرفنا 
نحن الثلاثة مندهشين من حالة المشير . 


« بعد ذلك وصلت الأخبار من سيناء عن طريق الاساعيلية ( قيادة 
القناة) » أن المشير قد أصدر أمره الى قائد قوات العريش بانسحاب 
قواته بأسلحتها الشخصية فقط الى غرب القناة فى ليلة واحدة . 


0 والغريب أنه لا يمكن وصول هذه المعلومات عن قرار الانسحاب 
بعد ظهر يوم 1951/5/5 » أى حوالى الساعة الخامسة مساء , الا 
اذا كان الأمر قد صدر فعلا قبل الظهر من المشير الى قائد ما » لم نكن 
نستطيع 2 حتى تلك اللحظة » الاستدلال عليه . وقد قام هذا القائد 
بتنفيذ الأمر بالنسبة لشخصه » وفرقته فقط » دون أن مخطر قيادته العليا 


1١ا/‎ 





والقوات ال نجاوره : وهذا عمل من الأعمال النى حرم عسكريا فى 
جميع القوانين العسكرية » اذ أنه يمس أمن وسلامة بقية القوات مسا 
مباشرا » وجرى العرف العسكرى على أن مثل هذا الأمر يتم كتابة » 
ويدقق القائد المنفذ فى توقيع القائد الأعلى على مثل هذا الأمر. ) . 


ويتضح من ذلك أن المشير عامر أصدر أخطر قرار فى حرب يونيه 
/51ة . دون الرجوع الى هيئة أركان حربه » المكونة من كبار القادة 
المتمكنين والمستدكين ١‏ . وأكثر من ذلك فقن اند تفيذه الى :باط 
مكتبه دون القيادات المختصة . فكما يقول الفريق محمد فوزى » فانه 
علم « أن ضباط هذا المكتب » بالاضافة الى الأجهزة التابعة للمشير 
هى التى تولت هذه المهمة : « علمت بتدخل كل القيادات وأجهزة 
الأمن ٠:‏ قنمس زدراة غك لفق اللترزلة المسكرية"+ اليخابرات 
بريد كلهم بدعلزاق تليع اراس فردية بالالتيعات الم غرف 
القناة ‏ كل حسب هواه » ! . 


وكان « مكتب المشير» هذا يتكون من مجموعة من الضباط . 
فهر الفريق عمد فور اجيم و كانوا يتص رون فى كل هل + + لب 
المعركة » وفى أثنائها ! . وكانت هذه المجموعة لا تثرك المشير أبدا . 
وكانت لهم مكاتب فى كل مكان . وكانوا يحضرون جميع المؤتمرات » 
وبعد أن ينتهى المؤتمر لا أعرف أى شىء عما تم بعد ذلك . وهؤلاء 
الأشخاص هم الذين كانوا يوصلون أوامر وتوجيهات المشير الى 
القيادات ) ! . 


ومعنى ذلك أن المشير عامر كان يدير المعركة على طريقة ادارة 
البلاد ‏ كما ذكرنا ‏ فهو لا يعتمد على هيئة أركان حربه » وانما يعتمد 
على هيئة ضباط مكتبه التى تتكون من المنتفعين والمتسلطين على رقاب 


١4 





العباد 4 وكلهم نسوأ الفن الخريى لانجاه اهتاماتهم الى اتقان فن الرقابة 
على ال اهير . 


لذلك يقول الفريق محمد فوزى أن ١‏ القيادة الفردية البيروقراطية 
العسكرية » هى التى سببت الهزيمة يوم © يونيو . كما أن ابيار المشير 
عبد الحكيم عامر شخصيا » واصدار قرار الانسحاب , قلب الهزيمة 
ال مره 1 


على كل حال فتجمع كل المصادر العسكرية على أن قرار الانسحاب 
قد ألحق بالقوات المسلحة المصرية من الخساثر ما كان متعذرا على 
المؤرخ متسائلا : « متى تحاسب أساء مرتكبى هذه الجريمة تاريخيا أمام 
أمتهم » كا تفعل الأمم الأخرى فى مثل هذه الحالات ؟ . وكيف 
يفلت من العقاب من لطخوا سمعة جيشهم وأمتهم . ويرفع بعضهم 
الى مصاف الأبطال ؟ . 


فقد أحذت تتدفق القوات المرتدة الى غرب القناة خلال ليلة ؟ - 
يونيو ».مستتخدمة فى ذلك الطرق الثلاثة فى سيناء » باستثناء الطريق 
الشهالى » الذى امتلك زمامه العدو الاسرائيل » ( ونظرا للسرعة التى 
نفل مبا الانسحاب » وعدم التخطيط السليم » وعدم اتخاذ الاجراءات 
الكفيلة بالسيطرة على القوات المرتدة » وحماية المضايق والمعابر ضد 
ا هجوم الحوى ») -كما يقول الفريق مرنجى - ( فقد ازدحمت الطرق 
ازدحاما كبيرا بالمعدات . وتعطل عليها العديد من العربات والجرارات 
بفعل الطيران الاسرائيل الذى زاد فاعليته بعد أن انبلج النبار. أو 
بسبب هروب سائقيها منها بعد أن تعرضت القولات للهجوم الجوى 





دون حماية ,» فأصبحت الركبة بمثابة قبر متحرك . من الأفضل هجره 
بدلا من الموت فيه » . 


« ولا كانت هذه المضايق لا تسمح الا بسير العربات فرادى » فاذا 
دمرت العربة القائدة تعطلت بقية العربات » وأصبحت بمثابة قطار 
طويل » فقد صارت هدفا ثمينا للطائرات الاسرائيلية التى تملك 
السيادة فى الحو, تقصفه بسهولة ويسر. بينها برب أفراده 6 . 


وكان ما ساعد على زيادة الخسائر تدمير المعابر من سيناء الى الضفة 
الغربية قبل الأوان . فقد ذكر الفريق محمد فوزى فى مذكراته أن 
مجموعة من الضباط المهندسين . الذين كلفوا بتدمير المعابر » وكان 
معهم ضباط شرطة عسكرية وضباط مخابرات من مكتب الاسماعيلية » 
تسرعوا فى تدمير كل المعابر قبل التوقيت المعقول . فقد كان التوقيت 
المعقول بالسبة لهم هو عبور القادة والضباط ( وليبس المعدات أو 
امنود . وكان هذا التصرف استجابة لأمر المشير الى قيادة القوات فى 
العسريش « بالانسحاب الى غرب القئاة بالأسلحة الشخصية فقط فى 
ليلة واحدة ») . 

وقال انه حتى المعبر الأخير الذى تركته قائم) شمال البحيرات يوم 
17 »ء دمر فى اليوم التالى بأوامر من قيادة الجيش بالاشتراك 
مع مدير مهندسى اليش » وقائد مكتب مخابرات الاساعيلية . وكان 
الدافع لهذه السرعة » هو الرغب والخوف من عبور العدو الى غرب 
القناة . 


ثم قال ان هؤلاء القادة لم ينتظروا عبور آلاف من اللحنود وبعض 
العربات التى تجمعت على الشاطىء الشرقى للقناة » حيث ألقى 


1١٠١ 





الشود بأسلحتهم الشخصية فى القناة » ونزعوا ملابسهم العسكرية 
الخارجية أمام أعين وأبصار بقية الضباط والجنود الذين تمكنوا من 
العبور . 


كان ها قاله الفريق قوز انه نعترح 'الدبابات المضرية الجاديدة من 
طراز وت 4ه ) ودوت 5ه ) » استخدمت فى نقل أثقال من البشر من 
الضباط وصغار الرتب أو الجنود . الى غرب القناة » ولم تستخدم كأداة 
قتال على الاطلاق . 


وذكر أن أكبر قوة دبابات وصلت الى غرب القناة قبل تدمير المعابر » 
تكونت من /1ا4 دبابة قادمة من المحور الجنوبى 2 وكانت متماسكة . أما 
بقية الوحدات المصرية فقد وصلت فرادى ! . 


وقد ضرب الفريق فوزى مثلا على ما أحدثه قرار الانسحاب من 
تدهور الروح المعنوية فى اجنود وانعدام الرغبة فى القتال » فقال : 
« شاهدت جمس دبابات جديدة رت هه » على الجانب الشرقى 
للقناة » متروكة بدون أطقم أو سائقين . فقد تركت الأطقم دباباتها , 
وعيرت القناة سباحة أوفى قوارب صغيرة . وقد أخحطرت مدير المدرعات 
(اللواء عاد ثابت ) بضرورة اعادة سائقى هذه الدبابات الجديدة ) 
وحاولنة القباذهنا بالعسون من اكنال البعيراك :+ فلهب يدك فن 
السائقين وعن وقود » ولكنه فشل . 


ثم قال : « وقد غادرت المنطقة ى انجاه السويس » ووجدت نفس 
الخال 4 ونفس الروح 3 بل شاهفدت بعيسى مظاهر لياس 
والاستسلام » مضافا اليها الفوضى بكل مظادرها . وم أجد فى أى 
وحدة أو جماعة ضابطا واحدا بين مجموعة جنوده اطلاقا ) ! . 


١1١ 





ويقول المشير أحمد اسماعيل : « كان الانسحاب قاسيا . فالقوات 
كشيرة العدد والعتاد » وخاصة أعداد الدبابات » وكان عليها أن 
تنسحب غرب القناة على ثلاثة محاور رئيسية فى منطقة المضايق ٠‏ تحت 
السيطرة الحوية الكاملة للعدو. لقد كانت مخاطرة ومجازفة غير 
محسوبة . ولا شك أن عدم وضع التتخطيط المناسب للانسحاب . أثر 
من ناحية حجم الخسائر وجسامتها . ( كان المشير أحمد اسماعيل فى 
ذلك الحين رئيسا لأركان القوات اليرية تحت قيادة الفريق أول 
مرنجى ) . 


وقد كان من الطبيعى فى مثل تلك الظروف أن تتكبد القوات 
المسلحة المصرية خسائر فادحة » حتى ليذهب الفريق عبد المحسن 
مرتجى الى أنه « فى هذه المضايق والممرات فقدنا 4١‏ فى المائة تقريبا من 
معداتنا وأسلحتنا بفعل الطيران الاسرائيل ) ! . 


وهذا يفسر تلك القصة التى روتها بعض المصادر . فعندما وفد الى 
مصر فى أعقاب حرب يونيه 194517 وفد عسكرى سورفيتى لاعادة بناء 
القوات المسلحة المصرية » وزار أعضاء هذا الوفد الوحدات لمعرفة 
احتياجاتها والتحرى عن حقيقة ما حدث . خاطب المارشال زاخاروف 
حمال عبد الناصر قائلا : «لو أن كل دبابة من الدبابات السوفيتية التتى 
تركها المصريون فى سيناء » أطلقت عشر طلقات فقط » لكسب العرب 
الحرب ) » ولكن معظم الدبابات لم تطلق طلقة واحدة ! . 

وهكذا بدلا من انتفاع القيادة العليا بالمضايق والمعابر فى سيناء فى 


الصمود وايقاف هجوم العدو الاسرائيل 3 جعلثت من هله المضايق 
والمعابر مصيدة ومقيرة للقوات المسلحة المصرية 3 





والأمر المحزن حقا أن هذا القرار المتاخاذل قد أعاد الموقف بالنسبة 
للملاحة الاسرائيلية فى خليج العقبة الى أسوأ مما كان عليه عند بداية 
الأزمة الحقيقية التى أدت الى الحرب » أى منذ اعلان القيادة السياسية 
اغلاق مضيق تيران فى وجه الملاحة الاسرائيلية يوم ؟؟ مايو 1951 . 
ذلك أن اسرائيل سارعت الى انتهاز فرصة هذا القرار لاحتلال شرم 
الشيخ » على نحوما يرويه موشيه ديان فى مذكراته على النحو الآتى : 


( عند نهاية اليوم الثانى للحرب , أخذت القوات المصرية فى المواقع 
المتقدمة » التى لم تكن قد تعرضت بعد للحصار » فى الارتداد . فقدك 
صدرت اليها الأوامر من القاهرة بالانسحاب . وعندما عرفنا بأن 
القوات المصرية فى شرم الشيخ بدأت فى ترك مواقعها » سارعنا الى 
تقديم ميعاد احثلالها , وأسلها وحدة مظلات اليها دون انتظار 
لاستيلاء القوات البرية على الطريق البرى . وقد وصلت هذه الوحدة 
الى شرم الشيخ ف المساعة الواحدة مساء يوم / يوئيه بطائرات 
الهلوكوبتر . لتشاهد من الجو زورقى طوربيد اسرائيليين فى الميناء . فقد 
وصلت اليها من قبل فى الساعة الحادية عشرة والنصف قوة بحرية بقيادة 
الكولونيل بوتزر لتجدها خالية من أية قوة تحميها » فتركت فصيلتين على 
الشاطىء . وبعد ثلاثة أرباع الساعة » كان العلم الاسرائيل يرتفع 
مرفرفا فوق مستشفى قوة الطوارىء الدولية النى انسسحبت منبها بناء على 
أوامر'عيك 'الناصن , وقد سقط أول أسرى مصريين فى المنطقة فى يد 
البحرية الاسرائيلية . فقد تم أسر ثلاثة وثلاشين من الكوماندوز 
المصريين الذين كانوا يحتلون جزيرة تيران ومعهم أسلحتهم » عندما 
حاولوا الهمرب الى مصر فى زورقى صيد ) . 


وهكذا عادت الملاحة الاسرائيلية الى المرور مرة أخرى فى خليج 
العقبة من مضيق تيران » فى ظل العلم الاسرائيل هذه المرة بدلا من 


١١ 





علم الأمم المتحدة ! . وانتهت بعد أقل من يومين من نشوب القتال 
تلك المشكلة القن ادت الى نشوب الخرب 3 ولكن بعد أن فقدت مصر 
سلاحها الجوى . ثم فقدت وف المائة من معداتها وأسلحتها التى 
دفئعت سه الى سيناء . وكل ذلك بفضل قرار الانسحاب الى اتخذه 
المشير عبد الحكيم عامر ! . 


وبعد ذلك يثور السؤال : ما الذى دفع المشير عامر الى اتخاذ قرار 
الانسحاب المشئوم ؟ : 


لقد أورد الفريق مرتجى نص حديث حول هذا الموضوع جرى بينه 
وبين المشير عبد الحكيم عامر يوم ٠١‏ يوليو 19517 » أى بعد شهر من 
انتهاء القتال . وفيه سأله عن سبب العدول عن خطة الدفاع والصمود 
فى المضايق الى قرار الانسحاب من سيناء » بها فى ذلك من خخطورة على 
القوات ؟ . 


وكانت اجابة المشير عامر أنه بعد أن أصبح سلاح الطيران المصرى 
بدون فاعلية » وبعد أن تقدمت القوات الاسرائيلية على المحور الشمالى 
والمحور الأوسط . فقد اعتقد أن القوات المسلحة على وشك أن تحاصر 
وتعزل ويقضى عليها تماما . « لذلك وجدت أن الانسحاب هو الحل 
الوحيد لتفادى تدمير قواتنا وأسرها ) ! . 


و قلت للمشير: ان الموقف لم يكن مهذه الصورة القاتمة . فقد كان 
من الممكن . باعادة تعديل أوضاع قواتنا » والملاورة بالقوات » 
خحصوصا تلك التى لم يقع عليها أى هجوم أن نتمسك بالدفاعات مدة 
طويلة » وأن ننقذ الكثير من العتاد والمعدات التى وقعت فى يد العدو 
بسبب هذا الالسحافب السريع . 


١15 





و وأضفت أنى أظن أن الصورة التى وضعت أمام سيادتكم كانت 
مشوهة » وأن أجهزة القيادة العليا ١‏ تبيى ع لسيادتكم الحو المناسب 
الذى يمكنكم من اتخاذ القرارات المناسبة . وأن المعلومات كانت 
تصلكم بدون تقييم ؛ وبدون تعليق . وم يحاول كبار ضباط أركان 
الحرب الموجودون فى القيادة العليا » ب| فيهم رئيس هيئة الأركان ‏ أن 
يقدموا المشورة السليمة » وتركوا الحمل على أكتافكم لوحدكم ) 
واكتفوا هم بدور تنفيذ الأوامر . وهو أسوأ عمل لأى أركان حرب . 


« وهذا ما جعلكم تتدخلون فى كثيرمن التفاصيل » التى كان يجب 
أن تحجب عنكم ويكتفى بابلاغكم بجوهر الأمور . 


ووجما لاشك فيه أن المستويات الصغرى التى اتصلتم بها مباشرة » 
عادة ما تكون بلاغاتها مبالغا فيها » اذ أنها تعطيها وهى تحت ضغط 
المعركة وما فيها من توتر عصبى . وأظن أن زحمة المعلومات التى 
وصلتكم من كل من هب ودب هى السبب فى اتخاذ قرار الانسحاب » 
الذى ما كان يمكن أن يتم بصورة عملية فى هذه المدة القصيرة التى 
قررتموها . 


( وقك سكت المشير » وكان فى سكوته أكبر دليل على صحة قولى عما 
كان يحدث فى القيادة العليا ) ! . 


على أن الفريق مرتجى لم يكن دقيقا فى اتهام هيئة أركان الحرب بأنها 
لم تحاول تقديم المشورة السليمة للمشير عامر . فقد رأينا من رواية 
الفريق محمد فوزى . رئيس هيئة أركان الحرب » أن المشير عامر أصدر 
قرار الانسحاب دون الرجوع الى هيئة أركان حربه . فحين طلب منهم 
عرض خطة انسحاب عاجل عليه » وجاءت الخطة بالتنفيذ فى أربعة 


١1 





أيام وثلاث ليال » رفضها » وأبلغ كلا من الفريق فوزى والفريق أنور 
القاضى واللواء تهامى بأنه قد « أصدر أمر الانسحاب خلاص » ! . 


وف الحقيقة أن رأى هيئة أركان الحرب كان ضد الانسحاب . فقد 
كان الفريق محمد فوزى يرى أن القوات المسلحة المصرية فى وسعها 
الصمود عند المضايق » وأكثر من ذلك فان هذا الصمود كان يعطى 
الفرصة للقوات البرية لكى تقاتل . ١‏ وتستطيع أن تتصور ماذا كان 
يمكن أن يحدث لو تمسك هذا الحجم المهول فى البشر والتسليح » 
بالأرض ٠»‏ وتواجد حتى فى مواقعه . ولو تم الاحتاء بالساتر الطبيعى 
فى المضايق لتغير وجه التاريخ » . فمههما| كان يمكن أن يحدث من 
أخطاء فى المسرح . « فلم تكن لتؤدى الى حجم الهزيمة التى سببها 
انسحاب القوات المسلحة المصرية من غير قتال الى غرب القتال فى ليلة 
واحدة ) ! . 


على أن المشير عامر لم يسع للاستفادة من رأى الخبراء العسكريين 
حوله . ولم يطلب مشورتهم . فكارأينا فانه استدعى هيئة أركان حربه 
لتضع له خطة بالانسحاب » وليس لمناقشتها فى الموقف والاستنارة برأيها 
ف فائدة الانسحاب من عدمه . وعندما وضعث خطة النسحاب وفقا 
لأصول الفن ا حربى تتم على مراحل وتستغرق الوقت الكافى لاتمام هذا 
الانسحاب بأقل خسائر . فاجأها مستهينا بأنه أصدر الأمر بالانسحاب 
بالفعل , ولم ينس أن يسخر من المدة الزمنية التى أوردتها الخطة ٠»‏ وهى 
أربعة أيام وثلاث ليال . لقد كان المشير عامر يتوهم امكان انسحاب 
كل تلك الحشود الحائلة من القوات المسلحة المصرية التى دفع بها فى 
سيناء » فى يوم واحد ! . 


١15 





على هذا النحو . أدى قرار الانسحاب من سيئاء » الذى أصدره 
المشير عبد الحكيم عامر فى اليوم الثانى لنشوب الحرب , الى أفظع كارئة 
نزلت بالجيش المصرى , اذ فقد نحو /4٠‏ من معداته وأسلحته التى 
دفع مها الى سيئاء . 


وقد اتحتلفت الآراء فى توقيت اتخاذ هذا القرار . فوفقا للفريق 
مرتجى . الذى حاول تحقيق هذه المسألة » فان قرار الانسحاب اتخل 
مساء يوم " يونيو ١9517‏ 3 « وأنا متأكد » من ذلك ! . ولكن بالنسبة 
للساعة التى اتخذ فيها . فقد رأى أمما « قابلة للاحتمال » ! . وقد 
استند الى المراجع العسكرية الاسرائيلية لرجيح أن الأوامر بتنفيذ القرار 
صدرت ١‏ قبل الساعة السابعة مساء ) ! . 


على أن المراجع العسكرية الاسرائيلية التى أشار إليها الفريق مرنجى 
لا تحدد شيئا من هذا القبيل . فهى تذكر ان العميد جافيتش » قائد 
القيادة الحنوبية للعدو الاسرائيل » علم من أسرى الحرب المصريين فى 


١11/ 





الساعة السابعة والنصف مساء . أن القيادة العامة المصرية أصدرت 
أوامرها الى الجيش المصرى بالانسحاب الى « خط الدفاع الثانى » ! . 
ومعنى ذلك أن هذه المراجع تتعلق بالانسحاب الى خط اللسدفاع 
الثانى » وليس بقرار الانسحاب الى غرب القناة . وقد راجع الفريق 
مرتجى نفسه فى هذه النقطة . 


وفى الواقع أن المعلومات التى اوردها عبد اللطيف البغدادى فى 
مذكراته توضح أن المشير قد توصل الى هذا القرار بالانسحاب مساء يوم 
" يونيه ! . وهذا يوضح مدى الانهيار الذى أصابه ! . فقد ذكر أنه 
ذهب الى القيادة مساء يوم الثلاثاء " يونيو» « فوجدنا زكريا جى الدين 
فى مكتب عبد الحكيم عامر . وفاجأنى بقوله « اننا قررنا الانسحاب 
العام الى غرب قناة السويس ! » . واذا عرفنا أن الفريق مرتجى تمكن 
من الاتصال بالمشير عامر حوالى الساعة السادسة مساء » للتصديق على 
انتقال مركز القيادة المتقدم الى مركز تبادلى ملف مضيق الجدى ؛ دوك 
أن يخطره المشير بقرار الانسحاب ‏ فمعنى ذلك أحد أمرين : اما أن 
القرار تم فى أعقاب ذلك مباشرة واما أن المشير عامر تحرج من اخخطار 
الفريق مرتجى بهذا القرار , الذى لم يأخذ رأيه فيه » خصوصا وهو يعلم 
أن رأى الفريق مرتجى معارض ماما لمثل هذا القرار» حتى لايراجعه 
فيه بعد صدور أمره بتنفيذه ! . 


وعلى كل حال فان مذكرات الفريق محمد فوزى تفيد أن فكرة 
الانسحاب طرأت فى ذهن المشير فى فجر يوم 5 يونية » حين أرسل 
إشارة لاسلكية إلى قائد منطقة شرم الشيخ فى الساعة ٠هره‏ صباحا » 
يطلب فيها وضع خطة انسحاب كاملة لقواته من شرم الشيخ إلى غرب 
القئاة ! . ثم صدر أمر المشير الشفوى بالانسحاب إلى غرب القناة فى 
الساعة 4 بعد الظهر , لمن ؟ لاأحد يعلم ! . وفى الساعة الرابعة 


١١4 





والنصف  _‏ أى بعد نصف ساعة من صدور الأمر الشفوى 
خطة الانسحاب ! . 


والسؤال الآن : ماهى المدة التى تحددت لانسحاب تلك القوات 
الحائلة التى كانت تزخر مها سيناء إلى غرب القناة ؟ . إن النتائج التى 
أسفر عنها تحقيق الفريق مرتجى , قد أظهرت أن الانسحاب تقرر 
اجراؤه ف البداية على يومين ( ثم عدل الى ثلاثة أيام 2 ثم خفضت 
مدته من ثلاثة أيام الى ليلة واحدة ! . 


فوفقا لما سمعه من الفريق أنور القاضى » رئيس هيئة عمليات 
القوات المسلحة بأركان حرب القيادة العليا » فانه لم يعلم بقرار 
الانسحاب فور اتخاذه ! ؛ ولكنه علم به » بعد فترة » من رئيس هيئة 
أركان الحرب (الفريق محمد فوزى ) الذى أخطره بأنه أبلغ الفريق محمد 
صلاح الدين محسن ٠‏ قائد الحيش الميدانى + مبذا القرارء على أن 
ينفذ على ليلتين » وعلى أن يجرى انسحاب القوات فى الليلة الاولى تحت 
ستر القوات المدرعة ., التى تحتل المضايق . مع ترك الحرية لقائد 
الجيش يقرر بنفسه طريقة الانسحاب المناسبة , على أن هذا القرار 
عدل بعد فترة الى ثلاثة أيام » وهو ما أخطر به الفريق محمد فوزى 
الفريق محمد صلاح الدين محسن , لتنظيم الانسحاب على هذا 
الأساس ». وقد أصدر هذا أمرا كتابيا لقائد القوة التى تعمل على المحور 
الجنوبى لاتمام الانسحاب على ثلاث ليال ! . 


على أن الانسحاب لم يلبث أن تعدل مرة أخحرى من ثلاثة ليالى الى 
ليلة واحدة ! . وقد صدرت هله الأوامر من المشير عامر ! . ولهذا 


عندما وصلت قرة المحور الجنوبى الى بلدة « نخل » » صدرت فا 


١4 





الأوامر بسرعة الارتداء غرب القناة . وهكذا تم الانسحاب فى ليلة 
واحدة ! 


وقد اعترف المشير عامر للفريق مرتجى بأنه صاحب قرار الانسحاب 
على ليلة واحدة ! . فقد ذكر أن تخطيط عملية الانسحاب فى البداية 
كان على أساس الانسحاب على يومين . الا أنه أى المشير عامر ‏ 
« شعر بأن هناك خوفا على تطويق القوات , لذلك طلب من قائد 
الجيش أن يجرى الانسحاب بسرعة » . ( ولم يتعرض. المشير لتعديل أمر 
ا ا ا ا . على أن مذكرات عبد اللطيف 
البغدادى تثبت أن أوامر المشير منذ البداية كانت تقضى باقام 
الانسحاب ف لله راسد موق عد : فقد ذكر أن عبد 0 
الانسحاب . ويظهرأ نه لم يكن هناك خطة للانسحاب يه 
لكل من اتصل به ) الانسحاب ليلا » ومحاولة الوصول الى غرب قناة 
بالخفيفة منها » وأن يسيروا فى مجموعات صغيرة متفرقة » ! . 


وتلقى المعلومات. التى أوردها الفريق صلاح الدين الحديدى , 
الذى اختير في| بعد رئيسا للمحكمة العسكرية العليا لنظر « قضية 
الطيران ومسئولية الدنكسة » » أضواء هامة أخرى على هذه المسألة » من 
واقع احاطته ببعض جوانب القضية . مما يحدد صاحب فكرة 
الانسحاب ! . 


فقد ذكر أن المشير عامر أصدر قرار الانسحاب الى قائد المنطقة 
الشرقية (الخيش المبدانى) وقد صدر هذا القرار شفويا ومتضمنا 
انسحاب مميع القوات إلى غرب قناة السويس 3 


16 





كا ذكر ما يفهم منه بوضوح أن قائد المنطقة الشرقية » وهو الفريق 
محمد صلاح الدين محسن هو الذى أقنع المشير بفكرة الانسحاب ! . 
فقد أورد أن المشير « على الأقل قد وافق على الاتجاه الذى مال اليه 
الأخحيرء دون أن يتشاور مع مساعديه العسكرين فى القيادة 
العامة » ! . وأكثر من ذلك أنه « وافق على قطع الاتصال مع قائد 
المنطقة الشرقية » حتى يتمكن الأخير من تنفيذ الانسحاب ) . وقد 
ذكر الفريق محمد فوزى أن الفريق صلاح محسن كان على اتصال مباشر 
بالمشير عامر طوال يوم ©ه5/2//ا195 ويوم 1951/5/5 . 


وهذا الكلام يفسر كثيرا من الظواهر الغامضة التى جرت فى ذلك 
الحين » والتى أوردها الفريق مرتجى فى حذر! . فقد أورد أن قائد 
اليش الميدانى كان القائد الوحيد الذى تباطأ فى ارسال تقريره اليه » 
عندما كان يكتب أحداث حرب يونيه » بناء على طلب الرئيس عبد 
الناصر . « وقد يكون السبب فى حجب هذه المعلومات عنى أن أعجز 
عن تقييمهاء وأضع الموقف واضحا أمام السيد رئيس 
الجمهورية ) ! . 


وقد استدل الفريق مرتجى على وجهة نظره بعدم اخطار قائد اليش 
الميدانى له بقرار اللانسحاب بعد أن تلقاه من المشيرعامر » رغم أنه قائد 
الجبهة ! . وتساءل قائلا : 


( اذا سلمنا باهمال القيادة العليا (المشير عامر ) فى تبليغ قيادة الجبهة 
بهذه الأوامر » فلاذا لم تخطر قيادة اليش الميدانى قيادة الجبهة بالأوامر 
التى وصلت من القيادة العليا ؟ . هل لأن قيادة اليش كانت قد 
يشست من الموقف . ووجدت فى الانسحاب تخرجا ومنفذا ؟ » وتخشى 
من احتمال أعتراض قيادة الجبهة على أوامر الانسحاب » أو تتدخل 


١١ 





وأن قيادة اليش كانت تشعر بأن هناك اصرارا من قيادة الجبهة على 
ضرورة الدفاع عن المضايق لآخر رجل ؟ . 


وفيما يختص بالمشير عامر » تساءل الفريق مرتجى عن الأسباب التى 
دعته الى عدم اخخطاره بقرار الانسحاب » رغم أنه قائد جبهة سيناء ! . 
« هل لأن قيادة الجبهة سبق ووضحت وجهة نظرها بضرورة التمسك 
بالنطاق الدفاعى الثانى والمضايق حتى أخخر رجل وآخر طلقة ؟ . وهل 
لأن الموقف كان قد وصل بالقيادة العليا (المشير عامر) الى الذروة 
القصوى التى تجعلها لا تحتمل أى اعتراض أو شبه اعتراض أو مجرد 
الاختلاف فى وجهة النظر؟ ) . 


على كل حال فيتضح مما أورده الفريق صلاح الدين الحديدى أنه اذا 
كانت قيادة الجبهة قد انعزلت عن الانسحاب أو التأثير فيه بفضل 
اغفال المشير عامر لما من جانب ., واهمال قائد اليش الميدانى اخمطارها 
من جانب آخر ‏ فان الأمر اختلف بالنسبة لهيئة الأركان العامة التتى كان 
يرأسها الفريق محمد فوزى . والتى -حاولت التأثير فى قرار الانسحاب 
بعد علمها به من المشير» لتخفيف أضراره . 


فيذكر أنه عندما علمت هيئة الاركان العامة بقرار الانسحاب 
وأسلوبه » سارعث الى التدخل فورا « باضافة بعض التعديالات على 
مدة الانسحاب وهدفه » . ( وبذلك تعدل الانسحاب الى ليلتين ثم 
الى ثلاثة أيام ) . ولم يجد قائد الحيش الميدانى بدا من تنفيذ هذا 
' التعديل ‏ كا يفهم من الأمر الكتابى الذى وجد مع قائد القوة التى 
تعمل على المحور الحنوبى . 


١١ 





على أن الأمور كانت تمضى بسرعة فى تلك الليلة الليلاء ‏ ليلة 5 - 
7 يونيو- لأن الفزع لم يليث أن تملك المشير عامر » وقد يكون لقائد 
الجيش الميدانى نصيب فى هذا الفزع ! . لأن المشيرلم يلبث أن أصدر 
تعليياته الى قائد اليش الميدانى ! طالبا اليه أن يجرى الانسحاب 
بسرعة . ولم يتردد هذا فى ذلك » فسارع بتنفيذ الانسحاب فى نفس 
الليلة ! . 


لهذا السبب حين أرادت هيئة اركان الحرب الاتصال بقائد اليش 
الميدانى لاضافة بعض التعديلات على مدة الانسحاب وهدفه ع 
فشلت فى تحقيق هذا الاتصال » مما حدا برئيس هيئة عمليات القوات 
المسلحة » الفريق أنور القاضى , الى تكليف ضابط برتبة لواء ليتوجه 
اليه فى سيناء ويسلمه أمرا مكتوبا معدلا لتوقيتات الانسحاب 
وأهدافه » وسرعان ما عاد هذا الضابط الكبير الى القاهرة معلنا أنه وجد 
قائد المنطقة قد وصل الى مدينة الاس|عيلية ! ! . 


والسؤال الآن : ما هى مسئولية القيادة السياسية » ممثلة فى الرئيس 


ان الاأجابة على هذا السؤال تقتضى منا التعامل مع قضايا ثلاث 2 
تحدد كل منها درجة مسكولية عبد الناصر » وهى : 


١‏ هل اتخذ المشير قرار الانسحاب منفردا دون اشراك عبد 
الناصر؟ . 

* أم اتخذ المشير هذا القرار منفردا » وأطلع عبد الناصر عليه » 
وحصل على تصديقه ؟ . 


١77 





- أم أن عبد الناصر هو صاحب قرار الانسحاب وكان المشير هو 
الأداة المنشذة ؟ . 


بالنسبة للسؤال الأول . فيتضح من كلام الفريق محمد فوزى » أن 
المشير اتخذ قرار الانسحاب » وم يأخذ رأى عبد الناصر فيه ! . وقد 
صباح يوم /ا يونيو . طمأن فيها المشير عبد الناصر الى امكانية احتلال 
المضايق بقوات من الفرقة الرابعة المدرعة » « واسترسل الحديث بينبها 
فى أخذ رأى الرئيس » وكان رد الرئيس على المشير قوله : « اشمعنى 
جاى تاخذ رأيى دلوقت ؟ ) 


وأهمية هذه القصة أن الفريق محمد فوزى استقى فحواها من الرئيس 


على أن هناك شهادات أخرى تنسب لعبد الناصر اطلاعه على القرار 
فى حينه » وموافقته عليه ! . وعلى رأسها ما أورده الفريق عبد المحسن 
مرتجى فى مذكراته » حيث روى روايتين عن المشير تؤكدان متكاملتين 
أن المشير اتخذ القرار وحصل على موافقة عبد الناصر عليه . 


وفى الرواية الأولى ‏ وقد سبق أن تعرضنا لها يذكر المشير أنه ( بعد 
أن أصبح طيراننا بدون فاعلية » وتشدمت القوات الاسرائيلية على 
المحور الشهالى والمحور الأوسط ‏ اعتقدت أن قواتنا المسلحة على وشك 
أن تحاصر وتعزل ويقضى عليها تماما . ولذلك وجدت أن الانسحاب 
هو الحل الوحيد . لتفادى تدمير قواتنا وأسرها . واذا كنا سنفقد بعض 
الأسلحة والمعدات » فهذا يمكن تعويضه . أما أن نفقد الأفراد , 
فذلك أمر بالغ الخطورة » اذ أن تخلق مقاتلين جدد يحتاج الى سنين 


15 





طويلة . وفيا يتعلق بالأرض المفقودة , فلابد أن يكون لنا معهم جولة 
أخرى نسترد بها ما احتل من أرضنا بالكامل ! . 


أما الرواية الثانية » فقد أورد فيها الفريق مرتجى أنه » بعد الحرب 
مباشرة » سأل المشير عامر أثناء زيارة له عن مدى معرفة رئيس 
الجمهورية بقرار الانسحاب ؟ . وهل وافق عليه ؟ أم أن المشير هو 
صاحب القرارء انفرد به ولم يطلع عليه القائد الأعلى . ولم يأخذ 
موافقته ؟ . وكان رد المشير هو أنه « اتفق مع الرئيس عبد الناصص 
عليه » وأخذ رأيه . ولا يمكن أن يتخذ هذا القرار بدون علمه » ! . 


وقد أبدى الفريق مرتجى قناعته برأى المشير قائلا : « وفى تقديرى 
أن مشل هذا القرارء وهو قرار سياسى يتوقف عليه مصير الصراع 
المسلح ومصير البلاد , لايمكن للقائد العسكرى » مها كانت 
مكانته » أن ينفرد وحده باتخاذه . فهذا ما لا تجيزه سلطاته أو صلاحياته 
ولا العرف العسكرى ) . 


وقد أبدى الفريق صلاح الدين الحديدى ميله لتصديق مشاورة 
المشير عامر للرئيس عبد الناصر فى قرار الانسحاب قبل اصداره » قائلا 
( أما عن كونه (المشير) قد فعل هذا مع الرئيس جمال عبد الناصرء 
فهذا ما لا أستطيع أن أجزم بتفاصيله ‏ وان كنت ميالا الى الرأى القائل 
بأن هذه المشاورة قد تمت فعلا » ووافق الرئيس الراحل فى النهاية على 
الانسحاب ) !. 


على أنه اذا كان المشير عامر قد اعترف للفريق مرتهى بأنه صاحب 
قرار الانسحاب 2 وأنه حصل على موافقة عبد الناصر عليه » الا أنه 
عاد فنسب الى عبد الناصر أصدار القرار » بل واجباره على تنفيذه ! 


١1ه‎ 





وهذا ما أورده عبد الصمد محمد عبد الصمد . النائب السابق 
لدائرة المشير . والوثيق الصلة به » فى مذكراته التى نشرها دفاعا عن 
المشير . فقد أورد فيها أن المشير عامر كتب مذكراته عن أسباب هزيمة 
يونيه 14517 » وقد أتيح له الاطلاع عليها » وفيها كتب المشيريقول : 


« بعد أن علم (عبد الناصر) بخسائرنا فى الطبران » طلب 
الانسحاب السريع ! : ولم يطلبه بالاتفاق والتشاور . وانما قال : وان 
الوقت ضيق » وده أمر يا عبد الحكيم ا 


وقد أورد عبد اللطيف البغدادى فى مذكراته ما يعزز هذا الكلام ثما 
سبق أن ذكرناه » فعندما ذهب الى القيادة مساء يوم الثلاثاء " يونيوء 
وفاجأه زكريا محى الدين فى مكتب عبد الحكيم عامر بقوله : اننا قررنا 
الانسحاب العام الى غرب قناة السويس ! « سألت زكريا عن رأى جمال 
عبد الناصر فى الانسحاب » فقال أنه هو الذى اتخذ قرار الالنسحاب 
لينقذ أولادنا » ! . 


فا هى الحقيقة فى هذه الروايات ؟ 


بالنسبة لرواية الفريق محمد فوزى » التى ينفى فيها علم عبد 
الناصر بقرار الانسحاب . استنادا الى فحوى المكالمة التليفونية التى 
جرت بين المشير عامر والرئيس عبد الناصر فى صباح يوم / يونيه » 
والتى رد فيها عبد الناصر على المشير قائلا : ١‏ اشمعنى جاى تانخحد رأيى 
دلوقت ؟  »‏ ففى الواقع أن عبارة عبد الناصر هذه لا تنصب على قرار 
الانسحاب العام كم| فهم الفريق محمد فوزى من عبد الناصر - وانما 
تنصب على قرار انسحاب الفرقة الرابعة المدرعة ‏ الذى سوف نعالته 
في] بعل . 


١5 





وهذا ثابت من نص ال مكالمة السالفة الذكر » والتى نقلها الفريق 
محمد فوزى عن عبد الناصر نفسه ! . فقد قدم لها بأن المشير كان قد 
أرسله للابقاء على الفرقة الرابعة المدرعة على خط المضايق » بدلا من 
انسحابءها غرب القناة » وقد فشلت مهمته واستدعاء المشير للعودة . 
و« علمت قبل قيامى مباشرة » بأنه تم اتصال تليفونى بين المشير وبين 
الرئيس عبد الناصر . وقد طمأنه المشير على امكانية احتلال المضايق 
بقوات من الفرقة الرابعة المدرعة . واسترسل الحديث بيه فى أخذ رأى 
الرئيين: . وكات زه الرقيس عبد الناصر ٠:‏ اشمعتى جاى تاخل رأي 
دلوقت ) ! 


وعلى ذلك نستبعد رواية الفريق محمد فوزى فى هذا الصدد . 


أما رواية عبد اللطيف البغدادى » التى أورد فيها عبارة زكريا حى 
الدين فتنها لعن راع هيك الناضض 1 الالسحاب ؛ فأجاب : بانه 
وهو الذى اتخذ قرار الانسحاب لينقذ أولادنا » » ففى الواقع أن هذه 
العبارة لا تنصرف الى المعنى الذى أورده المشير فى مذكراته . طبقا 
لرواية عبد الصمد محمد عبد الصمد ‏ بل يجب أن توضع فى اطارها من 
مسكولية عبد الناصر عن ادارة المعركة » التى رسم عبد اللطيف 
البغدادى نفسه صورتها » مع غيره من المقربين من عبد الناصر فى ذلك 
الحين ‏ وسوف نتعرض لما أيضا فيم| بعد أى فى معنى ١‏ موافقة ) عبد 
الناصر على قرار الانسحاب الذى اتخذه المشير عامر » وليس معنى اتخاذ 
عبد الناصر قرار الانسحاب وموافقة المشير عليه . 


وقد اعترف شمس بدران ( الذى كان قريبا من أدارة المعركة فى ذلك 
ذلك الحين ؛ بأن المشير عامر هو صاحب قرار الانسحاب » وأنه تحدث 


١7 / 





فيه الى الرئيس عبد الناصر » وأبلغه بذلك » « وحدثت مناقشة » فقال 
له المشير : « أنا حرجعلك كل أولادك سالمين ») ! : 


حول القرارء» يفيد اعتراض عبد الناصر على القرار أولا » ثم قبوله بعد 
ذلك . 


وهذا ما أدلى به عبد الناصر نفسه للفريق مرتجهى » عندما زاره بمنزله 
بمنشية البكرى يوم 15 نوفمير 19571 . فعندما سأله الفريق مرتجى 
عن مدى معرفته بقرار الانسحاب . أجاب «١‏ باختصار : أن المشير 
عرض عليه فكرة الانسحاب » وأنه حاول أن يثنيه عنها .إلا أن المشير 
أصر على رأيه » وأضاف أن هناك مساعدات أمريكية وانجليزية جوية 
قدمت لليهود » وأن القوات المصرية لو استمرث فى موقعها سيقضى 
عليها!. وعلى ذلك اضطر الرئيس مرغم على الموافقة على 
الانسحاب . طالما أنه لا يوجد حل اخر» ! 


واذا كان الأمر كذلك ؛ وقد ثبت أن المشير هو صاحب قرار 
الانسحاب » وقد جر اليه عبد الناصر . فلماذا أورد المشير فى مذكراته 
العكس . وهو أن عبد الناصر هو صاحب القرار» وقد جر اليه 
الملل 


فى الواقع ان المذكرات النى كتبها المشير عامر لم يكن المقصود منها 
التاريخ والأجيال ووجه الحق . وانما كان المقصود الضغط على عبد 
الناصر . الذى كان الصراع بيه فى أغسطس 19517 » قد بلغ مبلغا 
كبر سيمريه , 


١78 





وهذا ثابت من مذكرات عبد الصمد محمد (الذى نقل عن مذكرات 
المشير المذكورة بغرض الدفاع عنه ) فقد أورد أن قصد المشير من 
المذكرات هو أن تكون «الانذار الأخير لعبد الناصر » الذى اعتقد أنه 
سيكسب به المعركة التى بينهها . وكان على الأخير أن يستجيب لمطالب 
عبد الحكيم » أو يعمل على اسكاته كى لا يذيع هذا السر الخطيرء 
الذى كان السبب فى عدم موافقته على سفر عبد الحكيم الى ايطاليا » 
وطلب سفره الى يوغوسلافيا حيث لا يستطيع من هناك أن يهدد جمال 
باذاعة هذه الأسرار» ! ! 


ولهذا السبب » فقد عمل المشير عامر على اتاحة الفرصة لمحمد 
نين هيكل للاطلاع على المذكرات وتصويرها » « لكى يسارع الى 
حال ليعطية صورة فنا 0:1 حتب قول غيل الضمد محمد ! :. 


على هذا النحو تكون قد وضحت أهداف المشير عامر من الاتهام 
الذى وجهه للرئيس عبد الناصر بأنه صاحب قرار الانسحاب » وأنه 
أجبره على تنفيذه . ويكون قد ثبت العكس تماما . وهو ما يتفق مع 
علاقات القوى بين الرجلين فى ظل النظام الشمولى الدكتاتورى الذى 
أرسته ثورة 7 يوليو» وتفاقم دور الجيش فى الحكم » واستقرار السلطة 
فى يد مراكز قوى لا تخضع لرقابة الشعب وانم| تتسلط عليه . 


ولكن المشير عامر لم يكتف بهذا الاتهام الذى وجهه لعبد الناصر 
بخصوص دوره فى قرار الانسحاب . بل وجه اليه اتهاما خخطيرا اخر ‏ 
هو التسبب فى تدمير الفرقة الرابعة المدرعة » المعروفة ٠‏ بجوهرة 
اليش » !وهو مانعالجه فى النقطة التالية . 


اخحل 





5 





كارثة الفرقة الرابعة المدرعة 


لقد ورد اتهام المشير عامر لعبد الناصر بأنه كان السبب فى كارثة 
الفرقة الرابعة المدرعة , فى إطار اتبامه الأول بمسئوليته عن قرار 
الانسحاب . الذى عرضنا نصه فى الكلام السابق . مما يحتم علينا 
عرض النص كاملا بشقيه » وفقا لما نقله عبد الصمد محمد من هذه 
المذكرات ‏ تيسيرا لمناقشه . وهو على النحو التالى : 


«ويقول المشير إن جمال . . بعد أن علم بخسائرنا فى الطيران طلب 
الانسحاب السريع : وم يطلبه بالاتفاق والتشاور » وإنما قال : إن 
الوقت ضيق © وده أمر ياعبد الحكيم 


« ويقول أيضا إنه ( المشير) كان قد أمر بإنسحاب الفرقة الرابعة » 
أفضل الفرق » والمساة بجوهرة الجيش » وهى سليمة أربعة وعشرين 
قبراط . وكان الهدف من الانسحاب أن تبقى لنا قوة سليمة للضرورة 
القصوى . ولعدم التضحية بأبنائنا بدون مناسبة أو فائدة لامن الوجهة 
الأدبية ولا العملية . وقال لجال : أنا رجعت أولادنا اللى فى الفرقة 


ل 





الرابعة بسلام والحمد لله » ووصلوا غرب القناة بدون أى خسائر . إلا 
أن جمال غضب ( لتعديتها إلى غرب القناة ) وأصر على رجوعها . 
فعادت مرة أخرى 2 وضربت من الطيران الاسرائيل ) 4 


ونلاحظ على هذا النص التناقض ! . ففى بدايته يذكر المشير أن 
عبد الناصر « أميره ) بالانسحاب السريع بعد أن علم بخسائر 
الطيران . ولكنه يعود فيذكر أن عبد الناصر غضب لانسحاب الفرقة 
الرابعة المدرعة غرب القناة » وأصر على عودتها ! . فهل كان عبد 
الناصر يتصور انسحاب القوات من سيناء دون انسحاب الفرقة 
المديهة 111 


وواضح من نفس النص أيضا أن قرار سحب الفرقة الرابعة المدرعة 
إلى غرب القناة » يرجع إلى المشير عامر نفسه » ولايرجع إلى عبد 
الناصر » بدليل غضب عبد الناصر لمذا الانسحاب 3 وإصراره عل 
بقاء الفرقة فى سيناء ! . 


وعلى كل حال فلا يمكن فهم هذه القضية دون فهم أهمية الفرقة 
الرابعة فى ذلك الحين » سواء فى خخطط الدفاع أو الانسحاب . 


فحين قررت قيادة جبهة سيناء فى صباح يوم " يونية ‏ بناء على نجاح 
المجوم الاسرائيل فى منطقة رفح والطريق الساحل حتى العريش 
الانسحاب من خط الدفاع الأول إلى الخط الثانى » كانت الخطة 
تقوم على تكليف احتياطى القيادة العليا ‏ الفرقة المدرعة ‏ بتأمين 
المضايق » حتى تصل قوات المحور الجنوبى » فتعود مرة أخرى إلى 
الاحتياط . وقد وافق المشير عامر على هذه اللخطة بحذافيرها كما 
ا 


١ 





على أنه بعد أن أخحذت القوات فى تنفيذ هذه الخطة والارتداد إلى 
خط الدفاع الثانى » عاد المشير عامر فأصدر أوامره بتكليف الفرقة 
المدرعة احتياطى القيادة العليا بالقيام بضربة مضادة تجاه أبوعجيلة 
القسيمة . لاستعادة الأوضاع الدفاعية على خط الدفاع الأول !! . 


وكادت هذه الأوامر الجديدة تتسبب فى كارثة . لأن دفع هذه الفرقة 
المدرعة » التى تعد كى) يقول الفريق مرتجى ١‏ اخر قوة يعتد بها فى 
الميدان » على هذه النحو كان فيه مجازفة كبيرة » ومن شأنه » إذا هزمت 
هذه الفرقة . أن تقف القيادة العليا بعد ذلك مكتوفة الأيدى بدون 
احتياط . فضلا عن أنه يفتح الطريق إلى المضايق وقناة السويس » فى 
وقت كان الطريق خاليا من غرب قناة السويس إلى القاهرة ! . 


ومن حسن الحظ أن المشير عدل عن فكرة الضربة المضادة » وعاد 
إلى خخطة الدفاع عن الخط الثانى . فنجت الفرقة المدرعة من هذا 
الخطر ! . وحوالى الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر يوم " يونيو » 
اتخذ قائد اليش الميدانى قرارا حدد فيه مهمة التشكيل المدرع احتياطى 
القيادة العليا » باحتلال المضايق والدفاع عنباءء عل أن يتم الاحتلال 
ليلة " - / يونيو . 


وسرعان ماجرت الأحداث سراعا . فقد اتخل المشير عامر قرار 
الانسحاب الخطير. وحصل على موافقة عبد الناصر عليه كما سبق أن 
أوضحنا . وكانت خطة الانسحاب فى البداية تقوم على ليلتين كما ذكرنا 
ثم عدلتها هيئة أركان الحرب إلى ثلاث ليال . وفى كلتا الحالتين كانت 
خطة الانسحاب تعتمد على احتلال الفرقة الرابعة المدرعة للمضايق 
والدفاع عنها . 


ضن 





وهذا واضح من كلام الفريق أنور القاضى السالف الذكر للفريق 
مرتجى » عندما تقابلا للمرة الأولى بعد الحرب . يوم /؛ يوليو/19”1 . 
فقد أبلغه بأن قرار الانسحاب . الذى أخطر به الفريق محمد فوزى 
الفريق محمد صلاح الدين محسن , كان يقوم على ليلتين » وأن ١‏ الخطة 
أن يجرى الانسحاب فى الليلة الأولى تحت ستر القوات المدرعة التى 
تحتل المضايق ») . وقد أرسل ضابطا برتبة كبيرة من هيئة العمليات 
حملا بأمر عمليات إلى قائد الجيش الميدانى يقضى «١‏ بتمسك الفرقة 
المدرعة بالمضايق ولاتنسحب منها إلا بعد صدور أوامر أخرى ) . 


على أن المشير لم يلبث أن أصدر أمره المشئوم بسرعة الانسحاب فى 
ليلة واحدة . وفى الوقت نفسه أمر بسحب الفرقة الرابعة المدرعة » التى 
كان من المفروض أن يتم الانسحاب تحت سترها وغطائها أثناء تمسكها 
بالمضايق ! . 


وهذا ماكشفته مذكرات المشير عامر التى أوردها عبد الصمد 
محمد . فقد كشفت - كا ذكرنا ‏ صدور الأمر من المشبر بانسحاب هذه 
الفرقة المدرعة .» دون أن يخطر بذلك عبد الناصر . وكشفث اعتراض 
عبد الناصر على هذا الأمر » وطلبه بقاء الفرقة للدفاع عن المضايق » 
وهو ماتقضى به خطة الانسحاب - كا رأينا . 


على أن الفرقة المدرعة كانت فى ذلك الحين فى طريقها إلى غرب 
القناة » متخلية عن مواقعها . وكان قائد الفرقة . اللواء صدقى 
الغول . أول من انسحب فى الفرقة . وعبر قناة السويس مساء 
يوم 1917/5/5 ء ثم عاد صباح يوم 1951/5/1 وتمركز وحده 
ومجموعة قيادته » بدون أجهزة لاسلكى . فى جنوب البحيرات » 
بحجة استحضار قول وقود للفرقة . ولم يعثر عليه أحد فى تلك 


0 





الليلة ! . وقد ذكر الفريق محمد فوزى فى مذكراته أنه « تبين أن الفريق 
صلاح محسن اتصل هاتفيا فى السابعة مساء يوم ١4951//5/5‏ باللواء 
صدقى الغول . وأخيره بأن المشير عامر أصدر أوامره بالانسحاب إلى 
غرب القناة » وعلى الفرقة الرابعة المدرعة احتلال المضايق حتى الساعة 
الثانية عشرة من اليوم التالى 1951/5/17 الحاية انسحاب القوات » 
ثم تنسحب الفرقة الرابعة » . 


على أنه من الواضح أن اللواء صدقى الغول تلقى أمرا آخر من 
المشير سرعة الانسحاب » لانقاذ الفرقة حسب تصوره ! ع « لكى 
تبقى لنا قوة سليمة للضرورة القصوى  )‏ حسبا أورد عبد الصمد محمد 
عبد الصمد . ما نقل المسألة إلى مستوى جديد » ومهد الطريق للكارثة 
التى الحقت بالفرقة . 


وهذا مايوضحه الفريق محمد فوزى فى شهادته أمام لحنة كتابة 
التاريخ . فقد ذكر أنه « فى يوم لا يونيو» استدعانى المشير عند 
الفجر » فأبلغنى بصعوبة الاتصال التليفونى » وطلب منى أن أذهب 
بنفسى . وأحاول الابقاء على القوات » وبصفة خاصة الفرقة الرابعة 
المدرعة » على خط المضايق » بدلا من انسحابها غرب القئاة . 


و وقد اصطحبت معى اللواء مصطفى الجمل » والسكرتير الفنى » 
وتوجهنا إلى معسكر الجلاء فى الاساعيلية » حيث وجدت قائد الجبهة 
الفريق أول مرتجى » والفريق صلاح محسن ٠‏ واللواء أحمد اسماعيل » 
ولواءات أخرى كثيرة . معظمهم أو كلهم ! . وقد عرضت المحاولة 
على القادة جميعا» فذكروا لى استحالة التنفيذ لفوات الوقت ! . 


و بحثت عن قائد: الفرقة الرابعة المدرعة » فلم أجده ! » وفشلت 


4 





00 وتم الاتصال مع المشير بواسطة الفريق أول مرنجى ( الذى 
أقنعه باستحالة هذا الوضع . ثم اتصل المشير فى نفس المكالمة وأمرنى 
بالعودة . 


« وعلمت قبل قيامى مباشرة » بأنه تم اتصال تليفونى بين المشير 
وبين الرئيس عبد الناصر . وقد طمأنه المشير على إمكانية احتلال 
المضايق بقوات من الفرقة الرابعة المدرعة ! . واسترسل الحديث بينه| 
فى أخذ رأى الرئيس » وكان رد الرئيس عبد الناصر : « اشمعنى جاى 
تاخد رأيى دلوقت ؟ . ) 


« ونلاحظ فى هذه الرواية للفريق فوزى ثلاثة أمور » نرج و أن نوجه 


أولا : أن استدعاء المشير عامر للفريق فوزى لتكليفه ذه المهمة » 


الثا 


كان فى فجر يوم “ يونيو ! . 


:“أن المهمحة: التى: الشادب الفريق فوزى لتشيذهنا. كانت 


« الابقاء » على الفرقة المدرعة الرابعة على خط المضايق . 
وليست « إعادة » الفرقة إلى سيناء 1 . 


: اهتمام المشير عامر بالاتصال بعبل الناصر لطمأنته على )0 إمكانية 


احتلال المضايق بقوات من الفرقة الرابعة المدرعة  »‏ مما يشير 
إلى أن الطلب بذلك صدر من عبد الناصر بالفعل ‏ 

زاوية أخرى ‏ فذكر أن هذه الفرقة كانت قد وصلت إلى غرب 
القّناة بالفعل صباح يوم /ا يونية : ولكن صدرت تعلييات 


ها 





جديدة من القيادة العليا تقضى بضرورة عودة هذه الوحدات 
المدرعة إلى أماكنها فى المضايق . لكى تدافع وتمنع العدو من 
التقدم غربا فى اتجاه القناة . 


« ولقد اتصلت بلمشير تليفونيا من الاساعيلية أبين له مغبة هذا 
الاجراء » وماهو متوقع لهذه الفرقة . إلا أنه أصر على رأيه » بل قال : 
إنها رغبة السيد رئيس الحمهورية » وأن هذا الاجراء له مزايا سياسية 
كثيرة يجب أن نحصل عليها حتى نساوم بها ونعطى قوة للسياسة تعزز 
موقفها . 


« وهكذا أمرت الفرقة المدرعة لكى تقوم بمهمة انتحارية » احتمال 
فشلها أكثر بكثير من احتمال نجاحها ! , علاوة على أن التدمير المتوقع 
لها قد يفقدها معظم أو كل دباباتها . وفى ذلك خسارة لايمكن 
تقييمها » وسيجعل موقف القوات المصرية المتبقية بعد هذا الانسحاب 
لاحول لا ولا قوة » فيما لو حاول العدو استئناف تقدمه نحو القاهرة 
مركز ثقل الجمهورية ! ) 


تتفق ‏ إذن - روايتا المشير عامر والفريق مرتجى على أن عبد الناصر 
معهم) أيضا رواية الفريق محمد فوزى بشكل غير مباشر بإشارته إلى 
اتصال المشير عامر بعبد الناصر تليفونيا ليطمئنه على إمكانية احتلال 
المضايق بقوات من القرقة الرابعة المدرعة . 


على أنه » من جانب أخر » فإن كلا من الفريق محمد فوزى والفريق 
مرتجى يتفقان على أن مكان الفرقة المدرعة كان يجب أن يكون عند 


إضريل 





المضايق لتغطية الانسحاب ومنع تقدم العدو بدلا من ارتدادها غرب 
القناة ىا وقع بالفعل ! . ش 


ويقول الفريق محمد فوزى إن قائد الجيش الميدانى « حاول تنظيم 
الالنسحاب . بإصدار أوامر » منها تمركز الفرقة الرابعة المدرعة فى 
المضايق لتغطية الانسحاب حتى الساعة ١١‏ يوم / يونية . (ولكن ) 
فقدت السيطرة نبائيا على القوات المسلحة » ىا فقدت الاتصالات . 


حدث انيار ! 0 . 


ويقدم الفريق مرتجى تفصيلات أكشر . فيذكر أن قائد الجيش 
الميدانى كان قد أصدر أوامره للفرقة الرابعة « بالاحتفاظ والتمسك 
بأماكنها بالمضايق حتى الساعة الثانية عشرة ظهر يوم ١‏ يونيو» مالم 
تصدر منه تعلييات تخالف ذلك . وق الساعة السابعة صباحا 
( يوم ٠‏ يونية ) صدرت تعليمات من هيئة عمليات القوات المسلحة إلى 
قائد الحيش الميدانى لكى يستمر التشكيل المدرع المصرى متمسكا 
بمحلاته بالمضايق . إلى أن تصدر أوامر أخرى تنظم انسحابه . 


« وبلغنى - ولاأجزم بصحة مابلغنى ‏ بأن هناك إشارة شفرية 
أرسلت فى الساعة السابعة والدقيقة خمسة وأربعين صباح يوم ٠/‏ يونيو , 
من هيئة عمليات القوات المسلحة إلى الفرقة المدرعة ‏ بناء على طلب 
قيادة الحيش الميدانى » حتى تضمن وصول الاشارة إلى الفرقة وكان 
نص الرسالة : « استمر فى موقفك إلى أن يصدر أمر منا بالارتداد » مع 
الافادة عن أوضاع وحداتك الآن ») . 


على أن الفرقة المدرعة كانت فى ذلك الحين قد انسحبت ووصلت 
وحداتها غرب القناة صباح يوم " يونيو! . جما أثار- كما يقول الفريق 


يفنا 





مركن > السنازلات كديرة: فكيف يمكن أن يتم هذا ؟ . الأوامر 
حسب قول قائد اليش - إذا سلمنا بصحتها تقضى ببقاثها فى 
المضايق بسيناء حتى الساعة الثانية عشرة ظهر يوم يونيوء إلا إذا 


« فهل بلغ عدم الانضباط بقيادة وقادة الفرقة بحيث تخالف هذه 
الأوامر فى زمن الحرب . وعقوبتها معروفة ؟ ! . فى اعتقادى أنه 
لايوجد القائد الذى يجرؤ على اتخاذ هذا الاجراء مهما بلغث قسوة 
الموقف . طالما أن عنده أوامر محددة وصريحة وواضحة عن مهامه 


« وهل ياترى وصلت الاشارة التى أرسلتها هيئة العمليات إلى 
الفرقة فعلا » أم أن هذه الاشارة وصلت بعد أن تركت الفرقة مواقعها 
وتحركت صوب القناة ؟ ) . 


على أن هذه التساؤلات التى طرحها الفريق مرنجى لاحل لها فى 
الواقع فى ضوء ماسبق كشفه من ظروف الانسحاب . فقد رأينا كيف 
أن أوامر الانسحاب التى أصدرها المشير عامر» لم تبلغ بالتسلسل 
القيادى المعروف ». وإنما قام بتبليغها إلى قادة القوات فى سيناء ضباط 
مكتب المشير - أو على حد قول الفريق محمد فوزى : كل القيادات 
وأجهزة الأمن : شمس بدران » على شفيق » الشرطة العسكرية » 
المخابرات الحربية . كلهم تدخلوا فى تبليغ أوامر فردية بالانسحاب » 
كل حسب هواه وبأسلوبه ! ) . 


وقد كان الفريق مرتجى بنفسه أحد ضحايا هذا الاسلوب فى التبليغ 
كما رأينا . فرغم أنه كان قائد جبهة سيناء » وموقعه فى المركز المتقدم فى 


١م‎ 





سيناء ‏ إلا أنه كان آخر من عرف بقرار الانسحاب ! . وقد علم هذا 
القرار من مدير الشرطة العسكرية » الذى فاجأه بأن مركز قيادته قد 
أصبح ( القيادة الوحيدة فى سيناء ) » بعد انسحاب بقية القوات ! . 


ومن ثم فيمكن الاطمئنان إلى أن قائد الفرقة المدرعة الرابعة قد 
تسلم أوامر الانسحاب بنفس الطريقة » وقام بتنفيذها ى| نفذتها بقية 


وكا ذكرنا ‏ فإن الأمر بإنسحاب الفرقة المدرعة قد صدر من المشير 
عامر نفسه » لاهتامه بانقاذ هذه الفرقة التى أطلق عليها ( جوهرة 
الجيش » . ومن ثم فلا مجال للشك فى أن قائد هذه الفرقة لم ينسحب 
بمبادرته الشخصية ! . ولا مجال للشك أيضا فى أن هذا الأمر قد بلغ 
لقائد الفرقة مع « رسول خاص ) ليضمن المشير ارتداد هذه الفرقة ! . 
وهذا يفسر وصول وحدات هذه الفرقة سليمة غرب القئاة صباح يوم 
يونيو بشكل مفاجىء , دون أن يعلم بذلك رئيس هيئة العمليات » 
أو قائد جبهة سيناء ! » رغم أن الأوامر كانت تقضى ببقائها عند 
المضايق حتى الساعة الثانية عشرة من ظهر ذلك اليوم ! . 


وهذا كله يخلى عبد الناصر تماما من مسئولية انسحاب الفرقة الرابعة 
المدرعة ويضعها كاملة على عاتق المشير عامر . ولكنه ينقلنا إلى مناقشة 
لاتقل أهمية » وهى مستولية إعادة هذه الفرقة مرة أخرى إلى سيناء ! . 
ذلك أنه إذا كان قرار سحب الفرقة المدرعة قد ثبت أنه خطأ فادح , 
فإن قرار إعادتها إلى سيناء كان خطأ أفدح ! , لأنه أدى إلى القضاء على 
هذه الفرقة الحامة » وفتح الطريق بين القناة والقاهرة أمام القوات 
الاسرائيلية 1 . 


غيل 





فهل يتحمل عبد الناصر مسئولية إعادة هله الفرقة المدرعة إلى سيئاء 
والقضاء غليها + كا اعبهه الشير بذلك بعبازات مبائرة وواضحة ؟ 


أثيتنا ف الصفحات السابقة إصرار عبد الناصر على( بقاء ( الفرقة 
الرابعة المدرعة عند المضايق . فهل يصلح هذا الدليل لتحميله مسثولية 
« عودة » هذه الفرقة إلى سيناء بعد أن وصلت إلى غرب القناة ؟ . 


فى الواقع أنه علينا أن نفرق بين تعبير« بقاء » الفرقة عند المضايق . 
ووعودتما » إلى المضايق ! . فمن المحقق أن عبد الناصر عندما طلب 
وجود هذه الفرقة عند المضايق » لم يكن يعلم أنها انسحبت إلى غرب 
القناة ! . 


وهذا ثابت من رواية » الفريق محمد فوزى السالفة الذكر فى هذا 
الصدد , حين ذكر أن المشير عامر استدعاه للذهاب بنفسه لإبقاء الفرقة 
الرابعة المدرعة على خط المضايق بدلا من انسحابها غرب القناة . وكان 
هذا الاستدعاء ( فى فجر يوم يونيو) ! 


ونحن نعلم أنه فى هذا الوقت بالذات ‏ أى فى فجر يوم / يونيو- 
كانت الفرقة المدرعة الرابعة ماتزال فى سيناء ! » إذ لم تصل وحداتها 
غرب القناة إلا فى صباح ذلك اليوم !| . ولذلك فإن المهمة التى ذهب 
الفريق محمد فوزى لأجلها بأوامر المشير» كانت « الابقاء على الفرقة 
الرابعة المدرعة على خط المضايق , بدلا من انسحابها إلى غرب القناة ) 
- وليست « إعادة الفرقة الرابعة المدرعة إلى سيناء بعد انسحابها إلى 
غرب القئاة » ! . 


ومن هنا )» فإ مانسبه المشير عامر إلى عبد الناصر من مسئولية إعادة 





الفرقة الرابعة إلى سيناء » لايقوم على أساس سليم » وتنقصه الوقائع . 
ومن هنا أيضا » فإن ما أبلغ به المشير عامر عبد الناصر لم يكن عودة 
الفرقة المدرعة سالمة إلى غرب القناة ‏ لأنه نفسه لم يكن يعلم عند فجر 
يوم 7 يونيو بعودتها » ولأن الفرقة لم تكن قد عادت بالفعل ! - وإنا 
أبلغه فقط بقراره بسحبها إلى غرب القناة » وهو ما اعترض عليه عبد 
الناصر » ولذلك استدعى المشير عامر الفريق فوزى وكلفه بمهمة 
الذهاب بنفسه . عند الفجر » لإبقاء الفرقة على خط المضايق . 


ولكن الموقف كان قد تغير فى تلك الأثناء . فقد انسحبثت الفرقة 
بالفعل إلى غرب القناة » وتحطمت القوة العسكرية المصرية بالفعل » 
وفقدت مصر الجانب الأعظم من معداتها وأسلحتها أثناء الانسحاب 
المكشوف . وبذلك أصبحث عودة هذه الفرقة إلى سيناء عملا 
انتحاريا . وهو ماحاول الفريق مرتجى توضيحه للمشير عامر دون 
جدوى . فقد أوضح له أن عودة الفرقة إلى سيناء فى وضح الغهارء 
وعبورها القناة على المعابر المنصوبة عليها » وتحركها مرة أخرى على 
أرض سيناء الخالية من السواتر » دون وجود مظلة نحميها ‏ يعرضها 
لخطورة شديدة » وقد يتسبب فى تدميرها . ولكن المشير أصر على رأيه 
متذرعا بأنها « رغبة السيد رئيس الجمهورية » ! . وكان الواجب على 
المشير عامر الاتصال بعبد الناصر لابلاغه بالظروف المتغيرة » ولكنه 
اتصل به ليطمئنه على إمكانية احتلال المضايق بقوات من الفرقة الرابعة 
المدرعة . . ! . ولم يكن أمينا فى هذا البلاغ لأن الرأى الذى سمعه من 
قائد جبهة سيناء » الفريق مرتجى » كان على العكس تماما » وهو أن 
هذه العودة تعرض الفرقة للتدمير! . وبذلك يتحمل المشير المسئولية 
كاملة أيضا عن عودة الفرقة الرابعة المدرعة إلى سيناء » وما تعرضت له 
من دمار ! . 


١١ 





وفى الحقيقة أن ظروف الزحف الاسرائيل نحو القناة فى ذلك 
الحين » بعد قرار الانسحاب ؛ كانت قد أخحذت تدفع المشير عامر الى 
اتخاذ قرار اعادة دفع القوات المصرية المنسحبة مرة أخرى الى سيناء . 


ففى ذلك الحين كان الطريق الشالى فى سيناء قد أصبح خاليا من 
القوات لمر ةع وقغرتا ال الققط قر ق بعت اجات القرات 
المصرية من منطقة رفح والعريش ومزار ورمانة ‏ بعضها لضعف 
تشكيلها . كما هو الحال فى كتيبة مزار المكونة من الاحتياط » وبعضها 
لسريان روح الهزيمة فيها فى جو الانسحاب العام » ىا هو الحال فى 
وحدة رمانة . 


وفى الوقت نفسه . كانت «١‏ الستارة المضادة للدبابات » المشهورة » 
التى كانت القيادة العليا تعلق عليها الآمال فى سحق العدو. تتعرض 
لظروف مأساوية غريبة ! . فقد نسيت القيادة العليا ابلاغها بقرار 
الانسحاب » أو أنها سقطت سهوا من رسل المشير » فظلت فى مواقعها 
حتى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم " يونيه » لتفاجأ بقوات شارون 
المدعمة بالطيران تحيط بها » ولتسقط بعد وقت قصير! . 


فى تلك الاثناء كان قد أمكن اعادة تجهيز الفرقة الرابعة المدرعة . 
وفى الساعة التاسعة مساء يوم /" يونيه » أمكن دفع أحد لواءاتها الى 
سيناء . ولكنبا عجزت عن التقدم بسبب تكدس الطريق الأوسط 
بالعربات والمعدات التى دمرها العدو ؛ واضطرت الى طلب مساعدة 
سلاح المهندسين لاخلاء الطريق . وبعد ساعة أخرى من دفع اللواء 
المدرع الى سيناء » كان المشير يدفع بقوة أخرى من الدبابات والصاعقة 
وعناصر أنخرى الى رمانة فى المحور الشمالى » لايقاف تقدم العدو . 


١ 





وى منتصف الليل صدرت الأوامر باعادة تنظيم القوات المنسحبة » 
توطفنة لدفعينا رة أخرئ: الى يناه >1١‏ :ولكنبا كانت قد.وصلت فى 
شراذم » وبدون وسائل اتصال أو سلاح ثقيل » كما كانت فى حالة يرثى 
لها. وفى ذلك يعلق الفريق مرتجى فى حزن قائلا : «الآن بعد أن 
وصلت القوات الى هذه الدرجة من الاعياء ٠‏ يعاد التفكير فى احيائها 
مرة أخرى . . ولكن كيف ؟ . لقد كانت فى متناول قدرتنا ونحن لازلنا 
ةع حون كياكيا ووحداتنا لأزاليت ساسك آنا الآن الامو 
خارج عن قدرة البشر» ! . 


وكان من الطبيعى أن تواجه الفرقة الرابعة المدرعة مصيرها المحتوم 
بعد عودتها الى سيناء . ففى منتصف ظهر يوم 8 يونيه تمكنت من 
الاشتباك مع القوات الاسرائيلية المتقدمة فى اتجاه مضايق الحدى 
والنتمية ومتلا » واصطدمت برتل الحنرال الاسرائيل تال » الذى كان 
يتقدم نحو جفجافة » ى)| اصطدمت بلواء مدرع اسرائيل كان قد تمكن 
الاسا)اعيلية 3 وكادت تبيده لولا المساندة الحوية الاسرائيلية : ولكن 
الفرقة ذاتها أصبحت محصورة نتيجة انقطاع الطريق خلفها . وى 
الساعة الرابعة بعد الظهر » وصل رئيس أركان أحد اللواءات المدرعة 
التى تدافع عن المضايق ٠»‏ يبلغ بأن قواته قد أصيبت بخسائر فادحة 
جدا فى الدبابات والمعدات . اضطر معها الى الانسحاب فى اتجاه 
القناة » والعدو يطارده على بعد ”٠‏ كيلو مثرا من القناة 1 ولم يلبث أن 
تبعه قائد الفرقة المدرعة بنفسه ليبلغ بأن وحدات التشكيل خسرت 
خسائر كبيرة 3 وفشلت ىق ايقاف العدوفى كل المضايق 3 وأنبا ارتدت 
جميعها ف انهاه القناة 5 


١7 





مذكراته بخصوص خسائر الفرقة الرابعة المدرعة . فقد أورد أنه لم يدمر 
من دباباتها » التى يبلغ عددها دبابة » سوى ؟١‏ دبابة فقط . أما 
ال 188 دبابة فقد تركت بدون أفراد ! .. وهو أمر غير معقول فى ضوء 


المعلومات التى أوردناها . 


على كل حال » فعلى هذا النحو أصبحت المضايق بدون حماية » 
الأمر الذى دفع قائد جبهة سيناء الى اتخاذ قرار بانسحاب جميع القوات 
مرة أخرى الى غرب القناة » والدفاع عن القئاة من الغرب . ولكن 
المشير عامر طلب اعطاءه مهلة للتفكير! . ولم يكن الا بعد تأكيدات 
رئيس أركان الحرب بعدم وجود غير هذا الحل » حين صدق المشيرفى 
الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم 8 يونيو على قرار الانسحاب الثانى 3 
وأن تدافع القوات عن القناة من الغرب . 


على أنه فى تلك الاثناء كانت قوات العدو الاسرائيل قد تمكنت من 
التقدم الى القنطرة شرق » والاستيلاء مساء عليها , والتقدم نحو 
الفردان » وأصبحت فى وضع بهدد بقطع خط الرجعة على القوات 
المصرية المرتدة على الطريق الأوسط الذى يوصل الى الاساعيلية 
شرقا . وقد اضطرت القيادة العليا ازاء ذلك الى تجميع قوة من مدفعية 
الميدان والمدفعية المضادة للطائرات , للدفاع عن منطقة مثلت الطرق 
شيال الاساعيلية شرق ( ومنع العدو من التقدم ف تجاه الاساعيلية 
شرق 5 وقد استطاعت هذه القوة , التى أتيحت لها فرصة القتال 
الحقيقى رغم ضعفها النسبى . أن توقف تقدم العدو حتى صباح يوم 


8 يونيه . 


القاهرة ذاتها . ذلك أن القوات التى عادت الى غرب القناة كانت فى 


١ 





حالة من الانهاك والتفكك وعدم التنظيم بحيث تعذر تكوين جيش منها 
يستطيع بكفاءة الدفاع عن غرب القناة . ولذلك أرسلت منذ فجر يوم 
/ يونيه كتيبة حرس جمهورى من القاهرة الى الاساعيلية » باعتبارها 
القوة الوحيدة تقريبا المتراسكة , التى يمكن أن تقوم بعمل مثمر . 


بيد أن ظروف الصراع بين عبد الناصر والمشير عامر كانت قد نشبت 
فى ذلك الحين » لتنقل مركز ثقل الأحداث من الضفة الغربية للقناة الى 
القاهرة » وتتطلب ‏ بالتالى ‏ وجود هذه الكتيبة القوية فى القاهرة بدلا 
من ضفة القناة . ولذلك فقد أعيدت هذه الكتيبة فى يوم ١١‏ يونيه الى 
القاهرة « بناء على أوامر الزعامة السياسية  »‏ كما يقول الفريق مرتجى - 
« لتأمين الموقف فى القاهرة ضد ما سمى فى حينه بتمرد بعض وحدات 
الجيش التى تظاهرت مطالبة بعودة المشير عامر . وضرب صفحا عن 
تأمين القناة رغم شدة الاحتياج لهذه الوحدة المتمرنة » ! . 


وهكذا لم يكد الجيش يصل الى الضفة الغربية للقناة » حتى كان 
ينسى الحرب » وينسى كارثة ا هزيمة » ويشتبك فى الصراع القديم 
على السلطة بين المشير عامر والرئيس جمال عبد الناصر . تاركا العدو 
الاسرائيل رابضا على الضفة الشرقية للقناة ! . 


على كل حال » فعلى هذا النحو تكون قد انتهت حرب 
يونيه 19517 » مخلفة وراءها الخسائر الآتية » وفقالما أورده الفريق محمد 
فوزى فى مذكراته : 
أولا - مسائر القوات الجوية » وقد بلغت فى القاذفات 
الثقيلة /٠١١‏ » وفى القاذفات الخفيفة /٠٠١‏ » والمقاتلات 
القاذفة والمقاتلة 6م / » وفى الطيارين 54 / . 
ثانيا خسائر القوات البرية » وقد بلغت فى المعدات 4668/ » وى 


قال 





الأفراد ١١1‏ / » وقد ذكر الفريق فوزى أنه لم يتيسر حصر الشهداء 
والمفقودين والأسرى الا عند اتمام الاتصال باسرائيل بواسطة الصليب 
الأحمر الدولى » حيث تبين استشهاد 9,8٠١‏ ( أعلن استشهادهم 
سنة١ا9١).ء‏ وبلغ عدد الأسرى 49ا فرداء منهيم 
1١‏ ضابطا ,» و١٠58"‏ جندياا » و8” مدنيا . هذا على الرغم من 
أن القوات الاسرائيلية سمحت » عند وصوطا للقناة » للجنود الذين 
ألقرا باسلحتهم الشخضية + بالمرون + فغيرزوا القناة بواستطة القؤارب 
المدنية الصغيرة . ويرجع السبب فى ذلك الى تعذر نقل هؤلاء الجنود 
الى نقط تجمع الأسرى فى العريش لكثرة عددهم ! . ومعنى ذلك أن 
عدد الأسرى من الجنود كان مكنا أن يصل الى أكبر من ذلك بكثير لو 
وجدت القوات الاسرئيلية الامكانيات لأسرهم ونقلهم ! . 


15 





سد اللتساصير والمشيسر فى كرب إسوئيسه 


والسؤال الآن : كيف نقيم دور عبد الناصر فى ادارة حرب يونيه ؟ . 


للاجابة على هذا السؤال نقول ان أحدا من الزعماء السياسيين م 
تشوه صورته فى الحرب كما شوهت صورة عبد الناصر » سواء من جانب 
خصومه السياسيين أو أنصاره وأصدقائه : ولا نقصد بذلك أن التشويه 
كان متعمدا بل ان أجزاء الصورة التى تجمعت من الروايات المختلفة 
لشهسود التاريخ فى تلك الحسرب . تكونت منها صورة تختلف كل 
الاختلاف عن صورة الزعيم المهاب الذى أحبه الشعب وتعلق به على 
مدى خُمسة عشر عاما» والذى خرج يومى 4و١‏ يونيه يطالب 
باستماتة ببقائه فى منصبه ! . 


وكما ذكرنا من قبل » لقد كان الأمرفى البلاد قبل حرب يونيه ١9517‏ 
شركة بين عبد الحكيم عامر وعبد الناصر » فالأول يسيطر على اليش 


بواسطة مراكز القوى من بطانته » وعلى رأسهم شمس بدران . ومن 
خلال هذه السيطرة على اليش كان يفرض وضعا مؤثرا لا يمكن تجاهله 


1١ / 





فى شكون الحكم . أما الثانى » فكان يسيطر على جهاز الدولة من 
الناحية الدسنورية » ويستمد من شعبيته الكاسحة فى مصر والعالم 
العربى وضعا مؤثرا فى السلطة لا يقل خطرا » ولكنه لا يستند الى القوة 
العسكرية » وانا يستند الى قوة الجماهير العزلاء من السلاح . وكان 
ميزان القوة بين الرجلين يميل أحيانا الى جانب على حساب الجانب 
الآخر حسب الظروف والأحوال وأهمية المسائل المتنازع عليها . ولكن 
النظام الشمولى المستند الى قوة اليش يعطى الكلمة الأخيرة دائما فى 
شئون الحكم لقائد الجيش . كما حدث فى أزمة استقالة عبد الحكيم فى 


سبتمير 19557 . 


وعندما نشبث حرب يونيه :ع تفردث القوة العسكرية على الساحة » 
واحتفت القوة الشعبية » وتوارى دور الزعامة السياسية تقريبا . وتمثل 
ذلك فى تفرد عبد الحكيم عامر بادارة الحرب على نفس طريقة ادارة 
البلاد ‏ أى بطريقة الاستعانة بأهل الثقة والازدراء بأهل الخبرة ! . 
. فيروى عبد اللطيف البغدادى هذه الملحوظة التى توضح مدى اعتماد 
المشير على أهل الثقة من قواده مهما كانت مراكزهم » فيقول : « من 
الغريب أن اتصالاته كانت بضباط فى الجبهة مسئوليتهم محدودة . وم 
يتصل » ولومرة واحدة » بقائد الحبهة هناك عبد المحسن مرتجى ليسأله 
عن الموقف وتطوراته » أو ليعطيه توجيهاته بعد أن تطورت المعركة الى 
هذه الصورة » . 


ويقول البغدادى ان كيال الدين حسين حضر الى منزله ظهر 
الخميس 8 يونيو» بعد أن سهر فى القيادة العامة الى جوار المشير طوال 
الليلة السابقة » وأبدى له ملاحظاته على ما يراه فقال : « ان المعلومات 
التى تصل الى المشير متضاربة » » و« كل من يعمل مع عبد الحكيم 
يكذب ولا يقول الحقيقة » ! . ومعروف أن هذا النمط من الكذب 


1١ 4 





يفرزه عادة النظام الدكتاتورى ( ولا رعرع ف النظم الديموقراطية 1 


وقد ذكر البغدادى أن شمس بدران » وزير الدفاع وقتذاك » كان 
طوال أيام المعركة موجودا مع عبد الحكيم عامر بالمكتب » وينام معه فى 
سرير واحد فى الغرفة الملحقة بمكتبه . وكان واضحا لنا جهله بادارة 
العمليات الحربية » ويظهر أنه يعلم هذا عن نفسه . ولذالم يكن يعمل 
شيئا طوال هذه الأزمة الا تقديم بعض الأوراق لعبد الحكيم الواردة الى 
مكتبه . هذا هو كل ما كان يعمله وزير الحربية » ! . 


لهذا السبب كان البغدادى يجد نفسه مدفوعا مع حسن ابراهيم 
وكبال الدين حسين للمقارنة بين شمس بدران » وزير الدفاع 
المصرى » وموشيه ديان » وزير الدفاع الاسرائيل : « كنت دائم القول 
لسن وكرال + تصيوروا أن شيحس :هذ حو الستول تان والقان. ارين 
ديان عند اليهود ؟ ) . 


كها روى البغدادى فى ادارة عبد الحكيم عامر 4لمعركة » أنه ظل 
ثلاث ساعات ! ) من مساء الاثنين ه يونيه « مشغولا بالاتصال 
بضابط فى مطار العريش اسمه اللواء الديب » ويطلب منه دفع مدفع 
/ه ملم مضاد للدبابات من مطار العريش الى بلدة العريش . لآن 
دبابات العدو كانت قد وصلت اليها . وكان عبد الحكيم بهدده بأنه 
سيقتله ان لم يرسل المدفع الى بلدة العريش . حتى أصبح موضع تفكه 
بيننا ‏ اذ كيف يمكن لقائد عام كعبد الحكيم أن يشغل نفسه بموضوع 
مدفع طوال هذه الوقت ؟ . وأين القيادات المحلية ؟ . وتذكرنا عام 
5 ء. عام معركة السويس ». وكيف كانت تدار) ! . 


ومن الغريب أن المشير كان أيضا يحاول ادارة المعركة الجحوية - ولم 


١54 





تكن.هناك ادارة هذه العملية بالمعنى المعروف . وكان يحاول توجيه 
الفريق محمد صدقى محمود قائد القوات الحوية » الذى انبارت أعصابه 
وعجز عن ادارة المعركة الحوية . وكا يقول البغدادى كان ا مشير يشجع 
الفريق صدفى ويشد من أزره ويطلب منه مسك أعصابه ! : 


وفيا يبدو أن الفريق محمد صدقى أراد انقاذ عنقه عن طريق اختلاق 
قصة التدخل الأمريكى البريطانى الى جانب الطيران الاسرائيل . فقد 
أخل منذ صباح يوم © يونيه يحاول اقناع المشير عامر بأن موجات غارات 
العدو على المطارات المصرية تحمل دلالة وجود تدخل أمريكى 
انجليزى . وأنخذ يؤيد دعواه بضرب الطائرات المعادية مطار الأقصر 
الذى كانت قد نقلت اليه بعض الطائرات من مطار بنى سويف فى 
صباح ذلك اليوم . وذكر أن أحد الطيارين القدامى » واسمه حسنى 
مبارك ! » قد شاهد هذه الطائرات المغيرة وأكد أنها أمريكية ! . وقد 
اتصل عبد الحكيم عامر بالفعل بمطار الاقصر وتحدث شخصيا مع 
الطيار حسنى مبارك » الذى أكد له أن الطائرات ليست أمريكية وانما 
هى اسرائيلية . ولكن الفريق محمد صدقى محمود عاد يؤكد مرة أخرى 
أن عدد الطائرات المغيرة يبلغ نحو ألف طائرة . مما لا يتوفر لدى العدو 
الاسرائيل وحذه . 


ويبدو أن المشير عامر أخذ يتبنى الفكرة بدوره مع ازدياد تدهور 
الأوضاع » حتى اذا جاء مساء يوم الاثنين © يونيه » أخخذ ينقلها الى 
عبد الناصر كشاعة يعلق عليها مسئولية ما حدث من كارثة الطيران . 
فيذكر البغدادى أنه عندما جاء عبد الناصر الى مقر القيادة مساء ذلك 
اليوم 3 ( أخيره عبد الحكيم بأننا أسقطنا طائرة أمريكية فى ترعة 
الاسماعيلية . وقد أكد له حمال أنه تبين أنها اسرائيلية وليست أمريكية » 
وطلب من عبد الحكيم الاتصال بالمهندس مشهور أحمد مشهور رئيس 


وها 





هيئة قناة السويس ليتأكد بنفسه منه عن صحة الخير . وفعلا اتصل به 
عبد الحكيم وأكد له مشهور أنها طائرة اسرائيلية » ! . 


مع ذلك » ففى الساعة الرابعة وعشرين دقيقة من صباح اليوم التالى 
* يونيه » كانت الاذاعة المصرية تذيع بيانا للقيادة العليا للقوات 
المسلحة » تعلن فيها للشعب أنه « ثبت لديها بطريقة كاملة أن 
الولايات المتحدة وبريطانيا مشتركتان فى العدوان العسكرى الاسرائيل 
بالنسبة للأعال الجوية » ! . 


وفيها يبدو أن عبد الناصر بدوره أخد يقتنع بمزايا فكرة التدخل 
الأمريكى الانجليزى لأسباب أخرى . ففى السادسة من صباح نفس 
اليوم » ” يونيه » جرى اتصال بينه وبين الملك حسين بواسطة تليفون 
عادى حول هذا الموضوع . ومن سوء الحظ أن الاسرائيليين تمكنوا من 
تسجيله سرا وأذاعوه على النحو الآتى : 


عبد الناصر : كيف حالكم ؟ أسمع أن جلالتك تريد أن تعلم اذا 
كنا نحارب على جميع الجبهات ( مقطع غير مفهوم ) . . . هل يجب أن 
نعلن أيضا أن الولايات المتحدة تتعاون مع اسرائيل ؟ ألوء ألو 
لا تقطعوا . لم أعد أسمع , الخط سىء جدا ( صمت ) . ألو. هل 
نقول : الولايات المتحدة وانجلترا , أم الولايات المتحدة وحدها ؟ . 


حسين : الولايات المتحدة وانجلترا . 
عبد الناصر : هل لدى بريطانيا حاملات طائرات ؟ . 


حسين : (جواب غير مفهوم) . 
عبد الناصر : حسنا » سينشر الملك حسين بيانا حول هذا 


الموضوع » وسأنشر بدورى البيان نفسه . 


اها 





عبد الناصر : ألوء ألوء لا تقلقوا » كونوا أقوياء . 

حسين : نعم . اسمع يا سيادة الرئيس : اذا كان لديكم فكرة » 
أعن تق ب : 

عبد الناصر : سنقاتل بجميع قوانا . قاتلنا على جميع الخبهات طول 
الليل . اذا صادفتنا بعض المتاعب فى البداية فهذا غير مهم . سنخرج 
من هذا الوضع رغم كل شىء . الله معنا (مقطع غير مفهوم) اذن 
ستنشر جلالتك بيانا عن تدخل الأمريكيين والانجليز؟ . 

حسين : (جواب غير مسموع) . 

عبد الناصر : والله » أقول اننى سأنشر بيانا » وستنشرون بيانا » 
وسنحرص على أن يعلن السوريون أيضا أن الطائرات الأمريكية 
والانجليزية تباحمنا انطلاقا من حاملات الطائرات التى تملكها . 
سننشر اذن هذا البيان . سنؤكد تماما على هذه النقطة . 

حسين : تماما » ممتاز . 

عبد الناصر : هل توافق جلالتك ؟ 

حسين : (جواب غير مفهوم) 

عبد الناصر : ألف شكر . لا تستسلموا . نحن معكم من كل 
قلوبنا . أطلقنا اليوم طائراتنا على اسرائيل » وهى تقصف المطارات 
الاسرائيلية منذ هذا الصباح . 

سين © الب شكن بالسلامة ) . 


ل « فيك فانس » و«بيير لوير) أخهم أجروا فيه التعديل قبل اذاعته : 


16 





الأجنبى » فيقول : ١‏ كان يبدو صوت عبد الناصر قلقا . وقد تركز 
حديثنا بالدرجة الأولى على وضع الطبران » وكثافة التدخل الأجنبى 
الذى كنا نشتبه بوجوده » وكانت اذاعة القاهرة قد تحدثت عنه فى نشرتى 
الأخبارفى الساعة ٠١‏ ,4 و 5,5١‏ من صباح يوم الثلاثاء *" حزيران . 


على أن عبد الناصر ‏ كما مر بنا ‏ كان قد تأكد بعدم وجود تدخل 
أمريكى بريطانى » بعد أن أكد مشهور أحمد مشهور أن الطائرة التى 
سقطت فى ترعة الاساعيلية كانت اسرائيلية . فها هو السبب فى 
اختلاقه هذه القصة ؟ . 


ان السبب فى رأينا يرجع الى حس عبد الناصر الثورى » الذى أبى 
أن يترك الاستعار الأمريكى والبريطانى يفلت من العقاب بين| يغوص 
نظامه فى الهزيمة ! . فاذا كان الاستعمار هو راعى اسرائيل ومسلحها 
ومشجعها » فليس من التجاوز توريطه وكشف الصلة العضوية بينه 
وبين اسرائيل » لوضع الهزيمة فى حجمها الحقيقى » وهى أنها ليست 
هزيمة أمام اسرائيل وحدها ء وانما أمام التحالف الاسرائيل 
الاستعارى . وهو تصور صحيح . 


وف الحقيقة أن حجم الكارثة لم يدع لعبد الناصر مهربا آخخر . 
فيروى عبد اللطيف البغدادى أنه عندما أتى عبد الناصر الى مقر القيادة 
مساء © يونيه » سأل عبد الحكيم عن خسائرنا فى الطائرات » فتهرب 
المشير من الاجابة بحجة أن بيان الخسائر لم يعمله بعد ! . وبعد الحاح 
من عبد الناصر » نظر عبد الحكيم الى كشف أمامه على المكتب » 
وقال : المتبقى لدينا /ا4 طائرة » منها ه"! طائرة صاحة للاستعال , 


والباقى فى التصليح ! . 


1١ه‎ 





وسكت جمال ولم يعلق بشىء . وانما سأله عن الموقف فى الحبهة . 
وكان حكيم يتهرب من الرد بأن يشغل نفسه فى الرد على التليفون أو 
يعطى أوامر فرعية وصغيرة جدا ولا ب يصح أن يشغل نفسه بها كقائد 
ار ا ل 
حكيم وقال له : سير العمليات ! . وأحذ عبد الناصر يتطلع الى 
ما جاء فيه وأنا أرقبه » وبدأت تظهر على وجهه علامات عدم الارتياح 
الغ أعرفها عنه . ونظر الى عبد الحكيم وقال له : « ان خحان يونس 
سقطت . ورفح المدينة محاصرة » والاتصال بها مقطوع . وغزة 
#باجم ! ) . وطلب منه معرفة حقيقة الموقف . لأنه على ضوئه ستتخذ 
مصر قرارها على الاقتراحات المقدمة الى مجلس الأمن 1 ولكن عيدك 
الحكيم ظل رغم طلب عبد الناصر يشغل نفسه بالتليفونات » حتى 
لقد طلب منه جمال أكثر من مرة « أن يتفرغ له ولولمدة ربع ساعة ) ! . 
ولكن دون فائدة ! 


وأخيرا دخخل عبد الناصر حجرة النوم الملحقة بمكتب المشير » ودخل 
عليه البغدادى ليجده ناث على السرير ضاجعا يفكر . وخرج عبد 
الناصر من -حجرة النوم ليطلب من المشير أمام البغدادى أن يرسل شيئا 
لوحي الممتركة المعرقي القامن المزققة مضل عه رلك :ركان موق 
المقترجات التتى اقترحها . « أن يقول مثلا اننا توغلنا فى أرض العدو 
ونحلافه إ. لأن العدو يذيع بيانات عن المعركة , ونحن لا نذيع 
شيكا ) ! . 


وهذا الاقتراح من عبد الناصر قد لا يرى فيه الكثيرون ما يتفق مع 
صورة الزعامة وكرامتها » ولكن حتى ادارة تشرشل أيام الحرب العالمية 
الغانية + كانت مخفى الكفير من اللقائق عن الشعب:الريظانى » 
حفاظا على روحه المعلوية من الانهيار أمام الخسائر الجسيمة » ولتجنيبه 


١6ه‎ 





١ةهه‎ 





.: 


لسضز أختضاء عبد الشاصير أيسام عرب يسوئيسه 


يعتبر ما فعله عبد الناصر فى خلال المدة من مساء يوم الاثنين © يونيه 
الى مساء الخميس 8 يونيه - أى طوال أيام ثلاثة كاملة » لغزا حقيقيا . 
فقد أكدت أقرب المصادر اليه اعتكافه طول هذه المدة فى غرفته ! - 
وأهمها ما رواه محمود الجيار » مستشار عبد الناصر وأقرب المقربين اليه 
حتى وفاته » ثم ما أورده عبد اللطيف البغدادى من واقع تواجده طوال 
تلك المدة تقريبا فى مقر القيادة العامة الى جوار عبد الحكيم عامر . 


وتنلخص رواية محمود الحيار فى أن عبد الناصر لم بهتز للضربة الجوية 
الاسرائيلية عندما علم بحدوثها فى صباح يوم الاثنين ه يونيه » اذ كان 
يوقن بأن قواته الحوية سوف ترد على الضربة بمثلها وفقا لما نبه به قواده 
قبل ثلاثة أيام . ولذلك فقد « نزل من غرفته كما اعتاد أن ينزل كل 
يوم . وصححبته الى القيادة دون أن ألحظ ظ أى تغيير فى سلوكه وتصرفه . 
وعندما وصل . لم يكن أحد من كبار القادة هناك . اذ كانوا حميعا قد 
ذهبوا الى سيناء فى نفس الصباح » فى قافلة من ثلاث طائرات . وقد 
تعرضت القافلة للقصف . وعادت طائراتها تبحث عن مطار تببط 


كها 





فيه » وانتهت ت المغامرة بال هبوط فى مطار القاهرة » وعوده 5 القادة بتاكسى . 


وو أثناء ذلك . كان عبد الناصر وحده فى القيادة » يسأل عن 
تطورات القتال » وتفاصيل خسائر الضربة الأولى . وقد قدمت اليه فى 
البداية تقارير مرتبكة تحاول التمويه عليه » ولكنه شيئا فشيئا بدأ يتين 
حجم الكارئة » وعندما وصل التاكسى الذى كان يحمل عبد الحكيم 
عامرء لم يكن قد بقى شىء يمكن أن يتحدثا فيه ! . 


« وخرج عبد الناصر من مبنى القيادة حوالى الواحدة ظهرا » وقد 
#بدل كتفاه » وتغيرت ملامحه » ولم يعد يريد أن ب يسمع أو يتكلم ٠‏ وق 
البيت » صعد الى غرفته فى صمت تام . وأغلق الباب وراءه » واختفى 
قاما اختفى ثلاثة أيام » ! . 


ثم يمضى الجيار فى شهادته فيقول انه ظل ثلاثة أيام كاملة فى بيت 
عبد الناصر لا يبرح غرفته رم و الخارجى عن 
طريق أسلاك التليفون . ثلاثة ام جرت فيها أعنف معارك الحرب . 
وهو لا يغادر غرفته . ولا يقابل أحدا على الاطلاق ! . وأصبح موقفه 
لغزا محيرا أحاول عبثا أن أفسره لنفسى : هل انبار عبد الناصر ؟ . هذا 
شىء لا أتصوره ! . ومع ذلك فها هو يعتصم فى حجرته » لا يشارك 
فى حرب تهدد بلاده وثورته ومستقبل شعبه ! . 


) وعاش السؤال بلا جواب حتى مساء يوم 8 يونيو» عندما أمر عبد 
الناصر فجأة باعداد سيارته للذهاب الى القيادة ونزل عبد الناصر وقد 
تحول لشو ل ب شخص شديد المرح » مفعم 
بالسعادة » متشوق الى الماح . وكان هذا بالطبع لغزا جديدا ! . 


١ /اه‎ 





« على أنى لم ألبث أن عرفت السر : سر اعتزاله فى حجرته » ثم سر 
مرحه وتفاؤّله عندما نخرج منها . أن عبد الناصر لم يعتصم بحجرته 
ليهرب من المعركة » ولكن ليدبر ضربة مضادة تغير ميزانها . فهو قد 
ترك القيادة العسكرية تواجه مهام القحال . وانصرف عن طريق 
التليفون يتصل بالعالم الخارجى . ويطلب من أصدقائه فى هذا العام 
أن يعينوه بقوة طيران جديدة تقلب الميزان على جبهة القتال . 


«.ومن خلال هذه الاتصالاات . حصل عبد الناصر عل هع طائدة 
من الرئيس بومدين » وحصل من السوفيت على قطع غيار تكفى 
لاصلاح عدد كبير من الطائرات التى ضربت على الأرض . وكانت 
لدينا طائرات أخخمرى ما زالت فى صنادقيها . أمر باخراجها من 
الصناديق وتركيبها . وبذلك تجمع لديه حوالى ٠٠١‏ طائرة مستعدة 
لول المعركة عل القور ‏ .ومن هنا كان تفاؤل عبل الناضر ومرعته 
مساء 6 يونيو عندما نزل من حجرته لأول مرة واتجه الى القيادة . وكان 
آخر اتصال تليفونى قام به مع الأمم المتحدة . يبلغ وفدنا هناك أننا 
نرفض وقف اطلاق النار . 


« ولكن عبد الناصر أيام انشغاله بتدبير هذه المفاجأة المضادة » كان 
لا يدرى ماذا حدث على الجبهة ! . كان الجيش قد تفسخ أصلا , 
وانسحبت بقاياه بأمر القيادة الى غرب القناة . وكان هذا هو الوضع 
عندما ذهب عبد الناصر مساء 6 يونيو يزف الى القيادة بشرى الطائرات 
التى حصل عليها ! . لم يكن يعرف أن الجيش أخلى سيناء بأكملها , 
ولم تعد لطائراته فائده , ولم تعد هناك قيادة تصلح لاستخدامها . 


)0 وهذا فوجى ء عندمت دخل القيادة وطالعته الوجوه ين هناك 2 


١ 





وعندما فتح باب مكتب المشير » » كان معه فى الداخل كيال حسين وعبد 
اللطيف البغدادى وتعبيرات وجوههم غير مريحة . وبعه فلب خرج 
البغدادى وكيال حسين »؛ وبقى عبد الناصر وحده مع المشير . ( ثم 
فوجئنا بالمناقشة بيغا تحتدم .» وتتحول إلى شىء كالمشاجرة . فأسرعت 
أقتحم الغرفة . كان واضحا أن عبد الناصر تحت تأثير صدمة لم يكن 
يتوقعها. وفوجثت به يقول للمشير : احنا الاثنين ضحكنا على 
الشعب . واحنا الاثنين لازم نمشى ) ! . 


هذه هى رواية الخيار عرضناها باختصار » ونلاحظ عليها 
الملاحظات الآنية : 


أولا - أنه ليس من الصحيح أن عبد الناصر لم يخرج من غرفته منذ 
أن دخلها عقب عودته من مبنى القيادة العامه فى الساعة الواحدة 
ظهرا. فقد عاد إلى مبنى القيادة مساء ذلك اليوم بالذات . وهذا 
يوضحه عبد اللطيف البغدادى فى يومياته بصورة لاتحتمل اللبس ! . 
فقد أورد أنه توجه ومعه كمال الدين حسين وحسن ابراهيم إلى مبنى 
القيادة مساء يوم الاثنين » « وفى هذه الأثناء ؛ حضر مال عبد الناصر 
إلى مكتب عبد الحكيم . وتصافحنا » وجلس معنا وقال : والله زمان 
ياسلاحى ! . ثم دار حوار بينه وبين عبد الحكيم حاول أن يعرف منه 
تطورات المموقف » ولكن عبسد الحكيم #هرب من الاجابة بالانشغال 
بالتليفون . واستمر عبد الناصر فى مبنى القيادة حتى منتصف الليل . 
ثم قام بعد ذلك وقال : أظن نروح ندام » ونسيب عبد الحكيم 

) . وكانت الساعة بعد منتصف الليل بنصف ساعة . 


ومعنى هذا الكلام أن عبد الناصر زار مبنى القيادة العامة مرتين فى 
اليوم الأول للحرب 2 وقبل اعتكافه فى منزله : الأولى صباحا واستمرت 


ل 





إلى الساعة الواحصدة ظهرا 8 والثانية مساء واستمرت إلى منتصقف 
اللبل . ومن ثم . فعلى محمود الحيار أن يتذكر أين كان عندما توجه عبد 
الناصر إلى مقر القيادة للمرة الثانية مساء ! . 


أما الملاحظة الثانية » فتتعلق بها أورده محمود الجيار من أن عبد 
الناصر عندما أنبى اعتكافه فى يوم 8 يونية » وتوجه إلى مبنى القيادة 
العامة مبتهجا » ليزف إليها خير حصوله على حوالى مائتى طائرة - « لم 
يكن يدرى ماذا حدث على الحبهة » , و«لم يكن يعرف أن اليش 
أخلى سيناء بأكملها » . 


فقد أثبتنا فيها سبق من هذه الدراسة أن عبد الناصر قد وافق على 
قرار الانسحاب من سيناء » عندما أكد له المشير عبد الحكيم عامر أنه 
لابديل عن هذا القرار « لانقاذ أولادنا ) » وأنه إذا استمرت القوات 
المصرية فى سيناء فسيقضى عليها . وكان هذا الكلام فى اليوم التالى 
للحرب . أى فى يوم الثلاثاء ” يونية . كما أوضحنا أن عبد الناصر لم 
يتخذ موقفا سلبيا تماما من الحرب . فقد اعترض على قرار المشير عامر 
بسحب الفرقة الرابعة المدرعة من المضايق من قبل تأمين انسحاب 
القوات الأخحرى » وقد استجاب المشير لهذا الاعتراض » وحاول إبقاء 
الفرقة المدرعة على خخط المضايق ٠‏ وما تبين له انسحابها بالفعل إلى غرب 
القناة » اتصل بعد الناصر تليفونيا ليطمئنه إلى امكانية احتلالها المضايق 
من جديك . 


ومعنى هذا الكلام أن عبد الناصر كان على علم بعملية إخلاء 
سيناء . وحين دفع المشير عامر بالقوات المصرية مرة أخرى إلى سيناء 
فى ليلة ' /8 يونية » لم يكن لغرض هجومى بل دفاعبى . وتأخير تقدم 
القوات الاسراثيلية إلى القناة . وفى ذلك يقول عبد اللطيف البغدادى 


لحل 





أنه عندما توجه إلى القيادة ومعه حسن ابراهيم وكمال الدين حسين فى 
مساء يوم يونية » « أخبرنا عبد الحكيم عامر أنه قرر أن تتخذ قواتنا 
المنسحبة موقعا لا فى المنطقة المحصورة بين بير الحفجافة وبير جبل 
الحسن . لمقاومة القوات الاسرائيلية المتقدمة داخل سيناء » وأن فرقة 
مشاة قد تمركزت فى هذه المنطقة » وأن الفرقة الرابعة المدرعة فى طريقها 
إلى هذا الموضع أيضا حتى يمكن استخدامها كقوة ضاربة » وهذه 
الفرقة كانت قد عبرت القناة إلى الضفة الغربية منها » ولكن صدرت 
إليها الأوامر بالعودة إلى المنطقة . وقال عبد الحكيم عامر أيضا إنه 
اضطر لارجاع بعض القوات للتى كانت قد عبرت القناة ثانية إلى 
سيناء لأخذ مكاما فى هذا الموضع ) . 


ونستبعد أن يخبر عبد الحكيم عامر عبد الناصر بإعادة القوات 
المصرية مرة ثانية إلى سيناء » بعد أن سبق له أن أقنعه بالموافقة على قرار 
الانسحاب العام لانقاذ تلك القوات من الفناء . لأن العودة كانت 
تدور فى إطار فكرة الانسحاب . -حيث كان الموقف ميكوسا مله » وكان 
الغرض تأخير تقدم العدو إلى القناة » ومنها إلى القاهرة . وبالتالى فلم 
يخبر عبد الحكيم عامر عبد الناصر أيضا بقرار الانسحاب الثانى » 
الذى اتخذه فى هذه المرة بناء على نصيحة قواده المسئولين » بعد أن 
أبيدت فرقة المشاه السادسة برمتها ‏ حسب قول الفريق صالح مهدى 
عماش - » ودمرت الفرقة الرابعة المدرعة . 


وفى الواقع أن المشير كان حانقا على عبد الناصر لاعتكافه وتركه إياه 
فى القيادة يتحمل المسئولية وحده . فقد نقل عبد الصمد محمد عبد 
الصمد من مذكرات المشير السالفة الذكر عبارة يقول فيها : « تركنى 
فى القيادة أتحمل المصيبة » وأحاول الخروج منها . ولا جاء إليها » لم 





أحدمل النظر إليه » أو أن أكلمه كلمة واحدة » وحتى أسئلته كنت 
أتجاهلها » ! . 


4 يونية » وتوجه إلى القيادة العامة » لم يكن يجهل مايحدث فى الجبهة , 
وإنيا كان يعرف أن القوات المصرية نسحب من سيئاء » وأكثر من ذلك 
أنه صدق على قرار الانسحاب يوم الثلاثاء ” يونية . ولعله لم يكن 
يعرف أنها أكملت الانسحاب إلى غرب القناة . 


وفى الحقيقة أن ماشاهده عبد اللطيف البغدادى فى مقر القيادة » من 
رد فعل عبد الناصر خير انسحاب القوات المصرية غرب القناة » يؤكد 
ذلك ماما . فحين أبلغه عبد الحكيم عامر بأن « قواتنا عبرت القناة » , 
« سأله عن القوة المتبقية منها فى سيناء » والتى لم تعبر القناة بعد ؟ . فرد 
عبد الحكيم عامر بأن المتبقى منها أفراد فقط . وليس لديهم من أسلحة 
إلا أسلحتهم الصغيرة ) . وهكذا لم تكن ثمة مفاجأة مزلزلة وانهيار 
حدث لعبد الناصر كما يقع عادة لمن يفاجأ بمثل هذا الخبر الصاعق ! . 


وقد روى البغدادى أنه وزميله حسن ابراهيم وكال الدين حسين 
أرادا الانصراف . لإتاحة الفرصة لعبد الناصر والمشيرلمناقشة الأمور , 
فرد عبد الناصر وهو نحرك يديه : نناقش إيه ؟ .2 ماالجيش راح ! . 
وطلب إلى البغدادى وزميليه إبداء الرأى فى الموقف . « فرددت عليه 
رسعو :كبن 1 ترك دزا عد فنا بها ل الفكو 11ج ندال انها 
معناه أنه هو كذلك ! . ومدللا عليه بعدم حضوره إلى مكتب عبد 
الحكيم إلا يوم الاثنين فقط والليلة » . 


ثانيا ‏ وإذا كان الأمر كذلك . وكان عبل الناصر يعرف حجم 


15 





المصيبة » فيا هو تفسير مانسبه إليه محمود الجيار من تفاؤل » حيث ذكر 
أنه تحول إلى « شخص شديد المرح » مفعم بالسعادة » متشوق إلى 
المزاح ؟ ) . 


يسوق محمود الحيار فى تفسير ذلك مارواه من أن عبد الناصر كان فى 
فترة اعتكافه قد تمكن من الحصول على مائتى طائرة بواسطة اتصالاته 
التليفونية » وكان يعتقد أنه سوف يغير بها ميزان المعركة . على أن منير 
حافظ » وكان الرجل الثانى فى مكتب معلومات عبد الناصر بعد سامى 
شرف . يسوق سببا آخر . فقد ذكر أن عبد الناصر استطاع أثناء 
اعتزاله فى بيته أن يدبر هجمما بالدبابات ضد الغزو الاسرائيل » تخترق 
بمقتضاه المدرعات المصرية الحدود الاسرائيلية بأى قدر ممكن إذا جاء 
وقف اطلاق النار . ولكنه عندما وصل إلى القيادة عرف أن أمرا مجهولا 
صدر إلى قائد هجوم الدبابات بالانسحاب . بعد أن اخخترق الحدود 
الأمبوائيلية + 


في) هى الحقيقة ال حجائرة بين هاتين الروايتين لمسئولين مقربين من عبد 
الناصر؟ . 


من الواضح من رواية منير حافظ أنه يتحدث عن الفرقة الرابعة 
المدرعة إلى سيناء » وأنه اعتمد على الشائعات التى صحبت عودتها » 
والتى ذكرت أن الدبابات اخترقت الحدود الاسرائيلية ‏ مع أن الفرقة 
الرابعة المدرعة تعرضت للتدمير كما ذكرنا . 


والمضحك المبكى أن هذه الشائعات باختراق الدبابات المصرية 
للحدود الاسرائيلية » الطلقت - وفقا لهذه الرواية ‏ من مكتب 
المعلومات نفسه ! . فيذكر منير حافظ أن « عبد الناصر اتصل » قبل 


١ 





أن ينزل إلى القيادة بلحظات » بسامى شرف . تليفونيا » الذى أذ 
يردد فى انفعال بعد الاتصال : « دباباتنا فوق أرضص اسرائيل » ! . ثم 
اتصل على الفور بمحمد فايق ليبلغه تعلييات عبد الناصر بأن تعلن 
الاذاعة هذا النبأ ! . فانطلق صوت أحمد سعيد يصرخ ١:‏ أبها 
العربى . . أيها العربى . . إن جنودك الآن فوق أرض اسرائيل » ! . 
وهذه المهزلة تحدث - وفقا لهذه الرواية فى نفس الوقت الذى احتلت 
فيه اسرائيل معظم سيناء » ووصلت قواتها إلى الضفة الشرقية للقناة » 
وصدر قرار الانسحاب الثانى ! . 


أما رواية الجيار ببخصوص الطائرات التى حصل عليها عبد الناصر 
فى فترة اعتزاله بغرفته » فحقيقة الأمر فى تلك الرواية أن عبد الناصر 
اتصالاته ء. ولكن جهوده فشلت . وقد روى بنفسه هذه المحاولاات 
لعبد اللطيف البغدادى الذى سجلها فى يومياته » وفيها روى أنه اتصل 
وطلبوا منه أن يحصل م على تصريح من حكومة يوغوسلافيا لتسمح 
للطائرات بالنزول فى مطاراتها وهى فى طريقها الينا » ولكنهم عادوا إلى 
الممأظلة ثانية بعد موافقة يوغرسللانا عل هذا الطليع مادعا تك إلى 
استدعاء سفيرهم وسفيرنا هناك » واجتمع بها معا , وطلب من كل 
منبه| أن يبلغ حكومته بموافقته على نزول الطائرات وهى فى طريقها الينا 
سنرسل الطائرات اليكم مفككة فى صناديق عن طريق البحر إلى الموانى 
الجزائرية ٠‏ على أن يتم إعادة تركيبها هناك . ثم تطير إلينا من 
أكزائر 1+ وعلق مال عل ذلك ثقوله + هذا طيعا راخد وتنا طؤياة . 
يعنى موت ياحمار  !‏ على حد تعبيره ) . 





أدلى عبد الناصر مهذه الرواية عن محاولات الحصول على طائرات من 
الاتحاد السوفيتى لعبد اللطيف البغدادى فى مساء يوم / يونية » أى بعد 
وصوله إلى مبنى القيادة العامة . ومعنى ذلك أن قصة الحيار عن بواعث 
عيد الناصر على الابتهاج والسعادة وشدة ا مرح » لاصلة لما بالحصول 
على طائرات ! . وانما لما صلة بموضوع آخر!ا. فا هو هذا 
الموضوع ؟ . 


إن عبد اللطيف البغدادى » الذى حضر واقعة وصول عيد الناصص 
إلى مشر القيادة العامة مساع بم 8 يونية ( وشهد الحوار الذى دار فيها 
بين جميع الأطراف ( يروى ماشاهده فيقول : 


«فى أثناء انتظارنا » حضر جمال عبد الناصر » ودخل الغرفة » ومن 
خلفه منمود الجيار . وقد دحل عبد الناصر يبتسم » والجيار فاغرا فاه 
بالابتسامة ! . فدهشت . وتساءلت بينى وبين نفسى : هل يمكن 
لانسان فى مثل مسئوليته أن يبتسم فى مثل هذه الظروف ؟ ‏ يبتسم على 
ضياع مستقبل وشرف أمة بأكملها ؟ » وهو المسئول الأول عن هذا ؟ . 


« وبعد أن سلم علينا قال لعبد الحكيم ببساطة : إن استرانيجية 
اليهود مكتوبة اليوم فى جريدة انجليزية » انهم يودون احتلال بور سعيد 
لضمان حرية الملاحة لهم فى قناة السويس . . واستطرد 00 كلامه إلى 
عبد الحكيم : اليهود زى مااحنا تعبانين » هم تعبانين أب يضاء ويمكن 
التصدى لهم . ويمكلك استخدام الدبابات الخاصة بالحرس 
ا جتمهورى . 


« ونظر اليه عبد الحكيم بعد هذا الحديث منه لفترة دون أ ن يتكلم ء 
ثم قال مشيرا بيده : قواتنا عبرت القناة ) ( إلى الغرب ) . فسأله حمال 


ها 





عن القرة المتبقية منها فى سيناء » والتى لم تعبر القناة بعد . فرد عبد 
الحكيم بأن المتبقى منها أفراد فقط . وليس لديهم من أسلحة إلا 
أسلحتهم الصغيرة » ! . 


فكرة الانقاد إذن 3 التى جعلت عبد الناصر يتفاءل إلى هذا الحد. 
تتعلق بكتيبة الدبابات الخاصبة بال حرس الجمهورى . ولاتتعلق 
بالطائرات كما قال محمود الخيار . وهنا زلاحظ أن هذه الفرقة ‏ وفقا لما 
أورده الفريق مرتجى - كانت قل أرسلة إلى الاساعيلية ف الساعة 
عبد الناضر_عنباء عل الغناطىء الغربى للقناة:» قهل كان عبد الناضر 
بأوامر المشير عامر دون علم عبد الناصر أثناء اعتكافه » لتعزيز الدفاع 
عن غرب القناة » وكان عبد الناصر يتحدث عن وضعها تحت تصرف 
عبد الحكيم ؟ : على كل حال فقد عادت هذه الكتيبة إلى القاهرة يوم 
١‏ يونية » بأوامر عبد الناصر ‏ كما ذكر الفريق مرتجى ٠‏ لتعزيز موقفه 
أثناء الصراع بيله وبين عبك الحكيم عامر ضد تمرد بعض وحدات 
اليش التو تظاهرت مطالبة بعودة المشير عامر . 


وفى كل الأحوال يبقى تفاؤل عبد الناصر مساء يوم 8 يونيو لغزا من 
الألغاز . فإذا صرفنا النظر عن قصة الدبابات التى اخترقت الحدود 
الاسرائيلية » التى رواها منير حافظ . والتى لاسند لما من الواقع - 
فحتى لو كانت قصة الطائرات التى حصل عليها عبد الناصر وفقا 
لرواية الجيار» صحيحة » فإنها فى ظل قرار الانسحاب الذى وافق 
عليه عبد الناصر مساء يوم " يونية » وفى ظل الخسائر الجسيمة التى 
لحقت بالقوات المصرية » وفى ظل فقد القوات المصرية معدامها الثقيلة 
فى سيناء ‏ لاتدعو لكل هذا التفاؤل , لأن الحصول على هذه الطائرات 


١55 





لم يكن ليغير موازين القوى . طاما أنه ليس هناك جيش مصرى فى 
سيناء يقاتل تحت حماية هذه الطائرات ! . وإذا كانت قصة البغدادى 
عن كتيبة الحرس الجمهورى ‏ وهى القصة الثالثة ى صحيحة » فإنها 
أيضا لاتكفى لكل هذا التفاؤل » الذى يتفق كل من محمود الجيار 
والبغدادى على أن عبد الناصر كان يحس به مساء يوم / يونية » عندما 
توجه إلى مبنى القيادة العامة . فيقول عبد اللطيف البغدادى إن عدد 
دبابات تلك الكتيبة كان وفقا لما سمعه ستون دبابة ! فهل تغير ستون 
دبابة ميزان القوى با يدفع عبد الناصر إلى الابتهاج » بعد أن فقد 
الجيش المصرى يوم 7 يونية وحده » "٠6٠‏ دبابة » وفقا للفريق صالح 
مهدى عماش ؟ . وإذا نحن أردنا أن نجمع بين السببين اللذين ساقهما 
كل من محمود الجيار والبغدادى تفسيرا لتفاؤل عبد الناصر » فإن 
الحقيقة تصدمنا » وهى أنه لوكان عبد الناصر قد حصل فعلا على مائتى 
طائرة بفضل اتصالاته التليفونية » لكان هذا العدد من الطائرات فى 
حوزة مصر عند انتهاء الحرب 3 ولم يقل بذلك مصدر من المصادر . 
ومن ثم يبقى تفاؤل عبد الناصر لغزا لم يحل ! . 


على كل حال » إذا كان عبد الناصر قد أمضى المدة من منتصف ليل 
ك يونية إلى مساء 8 يونية . وهى مدة د ثة أيام » معتكفا فى حجرته 
بمنزله » وهو رئيس الدولة القوى الذى لايتم شىء بدونت رأيه 3 فأين 
كانت حكومة مصر فى تلك الأيام الثلاثة المصيرية من أيام الحرب ؟ . 








حكومة مصر فى حرب يونية 


جرت العادة فى الدول التى لها حكومات مسئولة أمام ممثلى 
الشعب ٠‏ أن تتضاعف مسئوليتها وقت الحرب . لمواجهة ماينجم عنها 
عادة من مشاكل فادحة خارجية وداخلية وعسكرية وخلافها . وبعض 
هذه الحكومات تؤلف من بينها مايعرف باسم « حكومة حرب ) تتفرغ 
لادارة كل مايتصل بشئون الحرب . ولكنا رأينا رئيس الدولة فى حرب 
يونية » يلازم غرفته ( لايغادرها ولا يقابل أحدا على الاطلاق » لمدة 
ثلاث أيام » يدير المعصركة السياسية والدبلوماسيه وحده » ويواجه 
العاصفة التى تجتاح مصر وحده وبمفرده دون أن يجتمع بحكومته ولو 
مرة واحدة فى أحرج الأيام » ورأينا المشير عامر فى غرفة القيادة العامة 
بمدينة نصر يدير المعارك البرية والجوية وحده » دون اكتراث مبيئة أركان 
حربه وكبار قواده فى الجبهة . بل رأينا قرارا سياسيا خطيرا بالانسحاب 
من سيناء ‏ وهو قرار سياسى بالدرجة الأولى يتوقف عليه ليس فقط 
مصير البلاد 2 بل ومصير الصراع العربى الاسرائيل » ومستقبل منطقة 
الشرق الأوسط ‏ يبت فيه رجلان فقط . هما رئيس الحيش المشير عبد 


54 





الحكيم عامر . ورئيس الدولة حمال عبد الناصر . ومن خعلال اتصال 
تليفونى » دون أن تدرى عنه حكومة مصر شيئا ! . 


فهل يحق للمؤرخ أن يقف عند هذه اللحظات التاريخية الحالكة فى 
تاريخ مصر قائلا : كم تضاءلت مصر بشعبها وسياسييها ورجال الرأى 
فيها . فى تلك الأيام السثة السوداء من حرب يونية 1951 ؟ . 


لغز امتناع مصر عن قبول قرار وقف اطلاق النار ؟ 


والأمر الأشد غرابة حقا » هو مايتصل بموقف القيادة السياسية من 
قرار وقف اطلاق النار فى مجلس الأمن . فإذا كان عبد الناصر قد وافق 
على قرار الانسحاب من سيناء منذ يوم الثلاثاء " يونيو ‏ فلماذا تأخر عن 
قبول قرار وقف إطلاق النار حتى يوم 4 يونية » أى بعد أن وصلت 
قوات الغزو الاسرائيل إلى القناة ؟ . 


إنه من الشابت أن مجلس الأمن لم يستطع أن يتخذ قرارا فى يوم 
الاثنين ه يونية . فقد قدم له يوثانت تقريرا أثبت فيه أن اسرائيل هى 
التى بدأت بالعمليات العسكرية . وهنا أصرت الدول العربية 
والافريقية والآسيوية والاشتراكية على ضرورة إدانة اسرائيل » وسحب 
قواتها إلى خطوط الهدنة . ولكن الولايات المتحدة وبريطانيا وقفتا فى 
وجه هذا القرارء فلم يتوصل المجلس إلى شىء . وفى اليوم التالى 
” يونيو» أصدر المجلس فى الحادية عشرة مساء » قرارا بوقف إطلاق 
النار فقط » دون نص على العودة إلى خطوط الحدنة . وفى اليوم الثالث 
عاد المجلس فأصدر قرارا ثانيا يدعو فيه إلى ايقاف إطلاق النار فقط . 
وكان الجيش المصرى قد انسحب معظمه فى ذلك اليوم إلى غرب 
القناة . 


54 





على أن القيادة السياسية لم تعلن قبولها وقف إطلاق النار ! » واستمر 
هذا الموقف حتى يوم 4 يونية . فقد كان آخر اتصال سجله لنا محمود 
الجيار بين عبد الناصر ووفد مصر فى الأمم المتحدة » فى مساء يوم 
6 يونية » قبل مغادرته بيته إلى القيادة العامة » 0 الوفد المصرى 
« بأننا نرفض وقف إطلاق النار» ! . ولم يكن إلا بعد أ ن أبلغ المشير 
عامر بأن جميع القوات المصرية قد انسحبت إلى غرب القناة » حين قبل 
قرار وقف إطلاق النار ! 


وكان عبد الناصر ( حزينا  »)‏ على حد ما يصفه محمود التيار , 
فعندما خرج من القيادة العامة , وبين| كان يننظر سيارته ٠‏ التفت الى 
الجيار» « وقد انطفاً بريق عينيه وهو يقول فى حسرة تمزق القلب : 
« تصور يا «١‏ جى ») » خلاص حنقيل وقف اطلاق انار . ووصلت 
سيارته » فقال لى مرة أخرى قبل. أنْ يركبها يجسرة أشد : « خلاص 
يا و جى » . حنقبل وقف اطلاق الثار ! 


وهذه المسرة من جانب عبد الناصر لقبول وقف اطلاق الثار فى 
مساء يوم 8 يونيه » تبدو غير مفهومة فى اطار الظروف التى 
عرضناها ! . فقد كان يعلم منل يوم يونية أن الموقف ميئوس منه ‏ 
حتى انه وافق على قرار الانسحاب الذى أصدره المشير» وكان يعلم 
عند ذهابه الى القيادة العامة أن القوات المصرية تلسحب من سيناء » 
ثم عرف بعد وصوله أن الانسحاب قد تم ووصلت القوات الى غرب 
القناة. فهل كان مفروضا ألا يقبل قرار وقف اطلاق النار الا بعد 
وصول الحيش الاسرائيل الى القاهرة ؟ 


ان مقتضيات الموقف بعد قرار الانسحاب من سينئاء » كانت ت تتطلب 
قبول وقف اطلاق النار قبل أن تنبى القوات المصرية انسحابها » وقبل 


ل 





أن تصل القوات الاسرائيلية الى القئاة » خصوصا بعد ما تبين اصرار 
الولايات المتحدة وبريطانيا على عدم مطالبة اسرائيل بالانسحاب الى 
خخنطرظ: الللائة ‏ وذلك لأثقان اما سكن اثقاذة:.- ولكن القيادة السياسية 
اتخذت موقفا غريبا حقا » هو التزام الصمت ! . فلم ترفض القرار 
الذى أصدره مجلس الأمن . ولم تقبله ! » فى الوقت الذى كانت 
اسرائيل تتقدم صوب القناة ! . وهذا ما صرح به عبد الناصر لعبد 
اللطيف البغدادى مساء يوم / يونيو . فقد سأله البغدادى عن سبب 
عدم وجود تنسيق بين مصر والاتحاد السوفيتى فى مجلس الأمن . اذ قبل 
الاتحاد السوفيتى قرار مجلس الأمن بايقاف القتال يوم 5 يونية » ولم تقبله 
مصر ! . فرد عبد الناصر عليه متسائلا ؛ « من قال اننا لم نوافق 
عليه ؟ . فقلت : اذاعتنا وصحافتنا أعلنتا أن حمس دول عربية لم توافق 
على هذا القرارء وهى : الجمهورية العربية » وسوريا » والعراق ء 
والجزائرء والكويت ! . ولكن جمال رد على ذلك بقوله : انهم هم 
الذين يقولون ذلك ! , ونحن لم نقل موافقين أو غير موافقين » ! : 


وقد شرح عبد الناصر للبغدادى سبب عدم اعلانه قبول وقف 
اطلاق النار» عندما سأله عن سبب عدم موافقته على قبول وقف القتال 
يوم ” يونية ( بعد ما خسرنا أغلب طائراتنا » وحتى تأخذ بذلك الفرصة 
وكأنها هدنة لنا لاعادة تنظيم قواتنا » والحصول على طائرات من الروس 
بدل التى فقدناها . ثم نعاود الحرب ونأخذ المبادرة ونضرب طائرات 
ومطارات اسرائيل ردا على ما فعلته معنا ) . فرد عليه بقوله : « حتى 
لو كنا وافقنا » فاليهود كانوا سيستمرون فى القتال حتى يحققوا 
أهدافهم ! ) . 


على أن نفس هذا المنطق كان يقتضى اتخاذ موقف ثابت من قرار 
وقف اطلاق النارء وهو الرفض . طلما أن اسرائيل لن تتوقف عن 


١/1 





القتال حتى تحقق أهداقها . وهو ما لم يحدث » لأن عبد الناصر كما 
رأينا - قبل قرار وقف اطلاق النار يوم 4 يونية !| . فهل كان يعرف أن 
اسرائيل قد حققت أهدافها بالوصول الى القناة ؟ »'وكيف تحقق من أن 
أهداف اسرائيل لا تذهب بعيدا الى حد القاهرة ؟ . 


فى الواقع أن عبد الناصر كان يأمل فى أن يصدر مجلس الأمن قرارا 
يطالب اسرائيل بسحب قواتها الى خطوط المدنة . كيا حدث فى 
عدوان ١965‏ الثلاثى . فيعود الجيش المصرى مرة ثانية الى سيناء » 
وتسوى مسألة الملاحة الاسرائيلية فى خخليج العقبة كا سويت فى السابقة 
الأولى . ونسى أن الظروف الدولية كانت قد تغيرت كلية فى ذلك 
ا 


ففى عام 65 . عندما وقع العدوان الثلاثى 3 لم يكن المععسكر 
الاشتراكى قد انقسم انقسامه الخطير الذى أثر تأثيرا سلبيا على حركات 
التحرر الوطنى فى العالم الثالث . وفى الوقت نفسه كانت الولايات 
المتحدة ما تزال تسعى الى زعامة العالم الرأسمالى ووراثة دور الدول 
الاستعارية القديمة » وهى بريطانيا وفرنسا . فكان من مصلحتها 
ضرب التحالف الانجليزى الفرنسى الاسرائيل » لكى تسقط القوى 
الاستعيارية القديمة » وتنفرد وحدها بالهيمنة والزعامة . لذلك فقد 
سارعت فى يوم "١‏ أكتوبر ١4085‏ الى التقدم الى مجلس الأمن 
بمشروعها الذى يدعو اسرائيل الى سحب قواتها الى ماوراء خطوط 
المدنة . كما وافقت يوم ؟ نوفمبر على قرار الأمم المتحدة بسحب جميع 
القوات العسكرية الى ما وراء خخطوط الحدنة . واستطاعت عن طريق 
هذا الموقف تصفية القوى الاستعمارية القديمة وانباء عصر طويل من 
هيمنة هذه الدول » وتفردت وحدها بالزعامة على العام الراسال : 
كخطوة للزعامة على العالم . 


هن 





وقد كان فى أعقاب ذلك أن شرعت الولايات المتحدة فى توجيه 
الضربات الى حركات التحرر الوطنى » التى كانت تحقق فى ذلك 
الحين انتصاراتها على القوى الاستعمارية القديمة » وذلك لاعادتها من 
جديد الى النظام الامبريالى . وكان تصعيدها لغاراتها على فيتنام 
الشمالية منذ فيراير ©1956 » علامة واضحة على تصعيد الضربات ضد 
العالم الثالث . 


ومن هنا كان احتلاف موقف الولايات المتحدة فى عدوان 951 اعنه 
فى عدوان 1965 » ومن هنا كان اختلاف موقف المعسكر الاشتراكى . 
فبسبب ضعف المعسكر الاشتراكى . فقد عجز عن استصدار قرار من 
مجلس الأمن يلزم اسرائيل بالانسحاب الى خطوط الهدنة » وبسبب قوة 
المعسكر السرأسهالى بعد تزعم الولايات المتحدة له فانه نجح فى منع 
مجلس الأمن من اصدار هذا القرار . 


لذلك لم يعرف عبد الناصر . وهو يعول على سابقة ١46“‏ 
التاريخية » التى استطاع فيها الرأى العام العالمى » لأول مرة فى التاريخ 
اجبار قوات ثلاث دول على الانسحاب من أراضى دولة رابعة » أن 
الظروف قد تغيرت » وأن هله السابقة لم تعد تتكرر » لسبب بسيط هو 
أنها دخلت متحف التاريخ ! : 


ومن هنا كان خطأ عدم قبول قرار وقف اطلاق النار الذى أصدره 
مجلس الأمن فى يومى ك ولا يونية . فلو أن عبد الناصر استوعب 
المتغيرات الدولية جيدا » لأصدر تعليهاته الى وفد مصر فى الأمم المتحدة 
بقبول هذا القرار ‏ رغم مأخذه الجسيمة ‏ قبل أن تنسحب القوات 
االمصرية كلية إلى غرب القناة » ولأصر على دفاع القوات المصرية عن 
المضايق بأى ثمن ‏ وعندئذ فان القوات الاسرائيلية كانت ستتوقف 


١ 





عندها . فلقد رأينا فى الفصول السابقة أن موشى ديان . وزير الدفاع 
الاسرائيل . كان يتخذ وجهة ال ف طم ارد 
المعركة هو تحطيم القوة العسكرية المصرية » وليس الأرض . 
يقتصر ذلك على النصف الشرقى من سيناء : ا 
الأخرى التى ترى استخدام الاستيلاء على الأرض ومواصلة التقدم 
دون انقطاع كورقة رابحة للمساومة على حرية الملاحة الاسرائيلية . 
وكان ديان يدرج فى لفظ الأرض أرض مصر الأصلية . كما كان يرى 
أيضا عدم وصول القوات الاسرائيلية الى القناة » لأن ذلك حسب 
قوله ‏ « يمكن أن يثير أزمة دولية ) 1. 


ومن ثم يمكن القول ان الأخخطاء التى ارتكبها عبد الناصر فى الجحبهة 
السياسية والدبلوماسية » لم تكن تقل فداحة عن الأخطاء التى ارتكبها 
المشير عامر فى الجبهة العسكرية . وقد أدت جميعا الى النتيجة التى 
أسفرت عنبا حرب يونية » وهى التى أطلق عليها فى ذلك الحين تخفيفا 
اسم (١‏ النكسة » ! . 


١/5 





/1 


سقوط الجسبهة الشرقيسة 


سقوط الجحبهة السورية 


فى تلك الأثناء كانت الدول العربية الأخرى المشتركة فى الحرب ضد 
اسرائيل » وهى سوريا والأردن ( تعانى هزيمة منكرة لا تقل عن 


وبالنسبة لسورياء فقد رأينا كيف أنها لم تصدق ما أطلقته من 
اشاعات الحشود الاسرائيلية على حدودها لسببين : الأول » أنه لم تكن 
ثمة مثل تلك الحشود . والسبب الثانى » أنها كانت تستهدف بتلك 
الاشاعات التأثير على جبهتها الداخلية . 


لذلك ل تتخذ من الاجراءات الدفاعية ما يتناسب مع ضخامة 
الحشود المزعومة » بل انها كما يقول الفريق مرتجى - سرحت بعض 
الوحدات التى سبق تعبئتها ! . وفى الوقت نفسه اتبعت خطة مهادنة 
اسرائيل » فقد أوقفت ضدها منذ ؟١‏ مايو وطول مدة استعدادات 


١م‎ 





© يونية » طلبت قيادة العمليات الجحوية فى الاردن ‏ كما يقول الملك 
حسين - كيها طلبت مصر اشتراك القوات الحوية السورية فى المعركة . 
وكانت الفرصة مهيأة لهذه القوات التوية السورية لتوجيه ضربة انتقامية 
للطيران الاسرائيل . اذ كان فى وسعها ‏ كا يقول الفريق مرتجى - 
اعتراض الطائرات الاسرائيلية أثناء عودتها من غاراتها على مصر . وقد 
فرغت خزاناتها تقريبا من الوقود » واسقاطها . كما فى وسعها مهاجمة 
الطائرات الاسرائيلية وهى ملأ خزاناتها فى مطاراتها استعدادا لشن 
هجرات جديدة . ولكن القيادة السورية ردت بأغرب ما يتوقع من تلك 
القيادة التى كانت ترفع عقيرتها بالخطر الذى يهددها من جانب الحشود 
الاسرائيلية » وهو كما يقول الملك حسين - أغبا بوغتت بالأحداث » 
وأن طائراتها ليست مستعدة . وأن طائراتها المطاردة تقوم برحلة 
تدريبية ! . ثم طلبت امهالها نصف ساعة » فساعة ,» وجددت طلبها 
مرة الثة فى الساعة 6 من صباح ذلك اليوم وبذلك أفلت 
الطيران السورى الفرصة الوحيدة لعمل شىء يعيد التوازن الذى اختل 
بضرب الطيران المصرى ! . 


ومن الغريب أن القيادة الاسرائيلية بنت خطتها على أساس هذا 
الموقف السورى ! . فيذكر الملك حسين أن الاسرائيليين « جازفوا 
واحتفظوا ب ١١‏ طائرة فقط للدفاع عن أراضيهم » بينما كان الخرء 
الأكبر من قواتهم الجوية يشن هجومه الأول على القواعد المصرية » ! . 


ولم تلبث القيادة السورية أن | نخذت موقفا متخاذلا من الحرب 6 فلم 


اا 





والتعويض عنه بالبلاغات العسكرية الحاسية المليئة بالأكاذيب 
والتلفيق . ففى الوقت الذى كانت القيادة السورية تتسخذ هذا الموقف 
المتخاذل من طلب الاردن ومصر اشتراك طيرانها فى المعركة . كان 
الأتاسى يذيع بيانا يعلن فيه أن « الشعب العربى قد ألقى بثقله فى 
المعركة الفاصلة » ووضع الجيش السورى كل قواه الضاربة فى ليب 
المعركة » وان نسورنا البواسل يدمرون منشات العدو ومدنه » وهم فى 
طريقهم لتحرير الأرض المغتصبة » ! : 


وقد سسخر موشى ديان نفسه من طريقة استجابة سوريا لدعوة 
الاشتراك فى المعركة الصادرة اليها من مصر . فقد ذكر أن هذه 
الاستجابة كانت ( تافهة ) !| ؛ وقد اقتصرت على بضع طلعات قليلة 
من قاذفات القنابل السورية » وقصف احدى القرى . ,وأن سلاح 
اللخ الأسيرا قن » قندعه هل ألك يفصني القرا عن اليه السورية + 
وتدمير ه طائرة . ومنذ تلك الليلة ( ليلة ه يونيو) اتخذت الحكومة 
السورية أخطر قرار لها فى الحرب » وهو الغاء « عملية ناصر » » التى 
كان على سوريا بمقتضاها مشاركة مصر فى شن هجوم شامل » 
واسثيد لتابها وعملية جهاد» الدفاغية امع بضيعامجقرات صغيرة عبن 
الحدود . ووفقا لهذه الخطة » شنت سوريا هجومين فاشلين يوم ” يونية 
على أحد الكيبوتزات فى الشهال وعلى مركز حربى . وبعد ذلك اقتصرت 
عملياهم على قصفا بعض الكيبوتزات » وعدد قليل من 
المعسكرات ) . 


ويقول خليل مصطفى » ضابط الاستخبارات السورى السابق 
ومؤلف كتاب « سقوط الحولان » » إن الطيران السورى لم يظهر فى سماء 
المعركة , وكل ما قام به هو ( طلعات متفرقة نفذتها مجموعات تتألف 
كل منها من أربع الى ست طائرات يوم © يونية . 


1 1// 





على أنه وفقا للفريق صالح مهدى عماش », فان السوريين لم يحركوا 
ساكنا يوم © يونية » وفى يوم " يونية حاولوا ال هجوم على مستعمرة 
« دان » بقوة فوج مشاة وسرية دبابات . الا أن ال هجوم فشل . وفى 
يومى / و8 يونية لم يعملوا شيا ! . 


وقد تميزت استجابات النظام السورى لطلب المساعدة من جانب 
الأردن » بالتهرب . فقد وعدت القيادة السورية الفريق عبد المنعم 
رياض . مساعد رئيس هيئة أركان القيادة العربية الموحدة » بالمساعدة 
فى الجبهة الأردنية بلواء المشاة المدرع /ا١‏ . وكان ذلك فى الساعة 
العاشرة من مساء يوم 5 يونيو. ولكن حتى الثانية صباحا من يوم 
الثلاثاء /ا يونيو لم يكن هذا اللواء قد وصل . وفى الساعة الثانية والربع 
صباحا أبلغ الفريق عبد المنعم رياض غرفة العمليات بدمشق بعدم 
وصول اللواء السورى » وطلب فى الوقت نفسه مساعدة لواء مدرع 
اضافى . ولكن حتى الساعة الحادية عشرة صباحا لم يصل اللواء . وى 
الساعة الثامنة والدقيقة العشرين مساء ظهرت طلائع اللواء » فصدرت 
لها الأوامر بالمرابطة فى المواقع الدفاعية المخصصة لها حتى تكتمل 
وحداتها . ولكن القائد السورى أمضى يوم 8 يونية فى دراسة الموقع قبل 
المرابطة فيه » واستمر ذلك حتى الثامنة مساء وهو ما يزال فى نقطة 
تجمعه الأولى ! وفى العاشرة مساء رفض المرابطة فى الموقع المحدد له , 
وطلب مهلة اضافية حتى اليوم التالى لاستكشاف الموقع ! ولكن الحرب 
كانت فى تلك الأثناء قد انتهت على اللحبهة الأردنية » وانتهت معها قصة 
القيادة العربية الموحدة, فأبلغ الفريق عبد المنعم رياض القائد 
السورى يوم 9 يونية بأنه فى امكانه العودة الى سوريا مع قواته عند 
الغروب » فانسحب اللواء السورى . ولم يشترك بأية عملية ‏ على حد 
قول الملك حسين الذى روى هذه القصة . 


1١4 





وسرعان ما جاء يوم الحساب فى سوريا يوم 4 يونية /1951 . بعد أن 
انتهت اسرائيل من الحبهتين المصرية والأردنية . ففى الساعة ١١,٠‏ 
من صباح ذلك اليوم » بدأت اسرائيل هجومها العام على كافة المحاور 
السورية . فأرسلت لواء مدرعا فى المحور الشمالى لاحتلال زعورة 
ومسعدة ‏ وهى منطقة لم يتوقع السوريين فيها استخدام المدرعات . كما 
وجهت لواء مشاه الى تل العزيزيات وتل فخر ثم القنيطرة . ىا أرسلت 
لواء مدرعا للتقدم من شهال جسر بئات يعقوب فى القطاع الأوسط , 
لاحتلال العليقة ثم التقدم فى اتجاهين الى البطمية جنوبا والى القنيطرة 
شالا . ثم أرسلت لواء مدرعا يسنده لواء محمول جوا للهجوم من 
جنوب بحيرة طبرية على طريق التوافيق وكفر حارب وفيق الى البطمية . 


ويفضل هذا التركيز نجح الحجوم الاسرائيل « نجاحا باهرا ) ىأ 
يقول الفريق صالح مهدى عماش » الذى عزى هذا النجاح الى انعدام 
العزم على القتال عند القيادة السورية . وفى خلال سبع ساعات .» وم 
يكد يأتى الليل » حتى كانت المقاومة قد انتهت فى جميع المواقع عدا 
موقع واحد ! . ولم يلبث أن سقط نظام الدفاع السورى تماما » وسبقت 
القيادة فى دمشق قواتها فى الحبهة الى اتخاذ قرار الانسحاب . فعندما 
أدرك زعماء النظام عند ظهر ذلك اليوم مدى الخطر على الحولان » قرروا 
العمل على مستوين : الأول سياسى » ويقوم على تركيز الجهد فى 
مجلس الأمن لاصدار قرار بوقف اطلاق النار » والمستوى الثانى 
عسكرى » وفيه أصدروا أوامرهم بالانسحاب من خط مرتفعات ‏ 
اولان » وتركيز جميع القوات للدفاع عن دمشق . ويقول موشى ديان 
أن القوات السورية لم تلبث أن أخذت فى الانسحاب فى هرج 
واضطراب » وأخلت كثير من القوات مواقعها هربا الى دمشق . 


وقد كان هذا الانسحاب فى مقدماته ونتائجه شبيها بقرار الانسحاب 


١/4 





الذى أصدرته القيادة المصرية من سيناء » إذ لم يكن هناك ما يدفع اليه 
من ظروف المعارك الدائرة . لأن التحصينات التى احتشدت فيها 
القوات السورية فى هضبة الجولان » كانت تعد « أمنع تحصينات عربية 
فى القرن العشرين » - كما يقول العسكريون ‏ وقد صرف عليها 
عشرات الملايين من الدنانير السورية » كما صرف عليها جهد هائل 
وعمل ودأب استمر سنين » وكان مقدرا لها الصمود لمدة لا تقل عن 
أسبوعين فى حالة نشوب صراع سورى اسرائيل فقط ! . 


وقد اعترف بذلك موشى ديان » فذكر أن السوريين كان فى وسعهم 
من تلك المواقع الحاكمة والمحصنة تحصينا جيدا فى مرتفعات الحولان » 
السيطرة تماما على الطرق الضيقة المنحدرة التى تؤدى اليها » والتى كان 
على القوات الاسرائيلية استخدامها للوصول صعدا اليها . 


على أن هذه التحصينات المنيعة سقطت بكل هذه السهولة المهينة فى 
يد القوات الاسرائيلية » وأمرت القيادة السورية بانسحاب القوات 
السورية الى دمشق « للحاية الثورة » ! . وهو أمر شبيه بها حدث من 
سحب كتيبة الحرس الجمهورى يوم ١١‏ يونيو من الاساعيلية » حيث 
أرسلت يوم 8 يونية للدفاع عن الضفة الغربية للقناة وايقاف تقدم العدو 
الى القاهرة » فقد صدر الأمر بعودتها من جانب الزعامة السياسية ‏ كما 
أورد الفريق مرتجى - « لتأمين الموقف فى القاهرة ضد ما سمى فى حينه 
بتمرد بعض وحدات الحيش التى تظاهرت مطالبة بعودة المشير 
عامر ) 1 


ول تلبسث أن جاءت قمة المهازل على الحبهة السورية » حين أذاعت 
خحطة دمشق فى الثامئة والنتصف من صباح الشدة ٠‏ يونية ‏ أى فى 


اليكل 





«القنيطرة » » دون أن تكون القوات الاسرائيلية قد احتلتها بالفعل . 
فكان هذا القرار ‏ كما يقول خليل مصطفى مؤلف كتاب « سقوط 
الجولان » بمثابة « طلقة سددتها يد جرم الى رأس كل مقاومة بقيت ضد 
العدو . فانهبارت كل القوى . وعلم الجميع ألا أمل لهم فى القتال » 
فتركوا أسلحتهم . ولاذوا بالفرار ! . 


وهذا هو السبب فيا جاء على لسان أحد القادة الاسرائيليين ‏ وقد 
أورده الفريق مرتجى فى تحقيقه ‏ من قوله : « لقد مررنا بوقت عصيب 
ونحن نحاول العثور على العدو لنقاتله . لقد رحلوا » وكأن هذا 
الرحيل هو كل ما كان يشغلهم . ووصلنا الى القنيطرة دون أن نصادف 
أى مقاومة تقريبا . ولم يكن بالقنيطرة أى جنود بالرغم من وجود كميات 
ضخمة من الأسلحة المهجورة فى كل مكان » وهى فى حالة من الكفاءة 
ممتازة . وقد تركت الدبابات ومحركاتها دائرة وأجهزة الاشارة فيها يمكن 
تشغيلها بكفاءة ممتازة . وتم الاستيلاء على القنيطرة فى الساعة الثانية 
بعد الظهر دون قتال ! ) . 


ولا يتكر موشى ديان تأثير البلاغ السورى الكاذب عن سقوط 
«القنيطرة » فى تحطيم معنويات الجنود السوريين » بل يعترف به فى 
وضوح . فقد ورد فى تحليله للمعركة : « ويما دمر معنوياتهم 
(السوريين ) بصفة خاصة . ذلك البلاغ الذى أذاعته محطة دمشق , 
تعلن فيه سقوط القنيطرة » من قبل أن تحتلها قواتنا بالفعل ! . فقد 
أصدرت الحكومة السورية هذا البلاغ فى الساعة 8,1٠‏ من صباح 
ذلك اليوم » عندما أدركت أن موقفها قد أصبح ميثوسا منه » وكان 
الغرض منه هو الضغط على مجلس الأمن لاصدار قرار بوقف القتال . 
وفى الحقيقة أنه حتى ذلك الوقت , لم يكن هناك جندى اسرائيل واحد 
قد وقع بصره على هذه المدينة . لذلك عندما وصلت قواتنا عند الظهر 


16م١‎ 





الى القديطرة » كانت مسعدة والبطمية ٠»‏ وهى أهدافنا الغبائية فى عملية 


وعلى هذا النحوء كان النظام السورى يحارب الجيش السورى 
بكفاءة تفوق كفاءة العدو الاسرائيل ! . على أن جريمة ذلك النظام 
لم تقتصر فقط على الجبهة السورية » بل ان أثارها على الحبهة الأردنية 
لا تقل فداحة ىما سوف نرى . 


سقوط الحبهة الأردنية 


كانت الحبهة الأردنية فى ذلك اللحين يتولى قيادتها منل ؟ يونية 
7 » الفريق عبد المنعم رياض » مساعد رئيس هيئة أركان القيادة 
العربية الموحدة » ومن أ مع العسكريين العرب . وكان مفروضا أن 
يتولى قيادة القوات الأردنية والسورية والعراقية والسورية » فضلا عن 
كتيبتين من رجال الكومندوز المصريين . ولكنه لم يلبث أن وجد نفسه 
لا يقود سوى القوات الأردنية وحدها ء ومع الاخبيار الذى وقع فى 
الجبهة لم يعد يقود شيئا ! . 


ففى 4 يونية » شرعت طلائع القوات العراقية فى اجتياز الحدود 
الأردنية ليلا » ومعها فوج فلسطينى تابع لمنظمة التحرير . ولكن هذه 
القوات العراقية الفلسطينية لم يقدر لما الوصول سالة الى أهدافها 
ومواقعها . ففى اليوم التالى مباشرة نشبت الحرب . وأخخذ الطيران 
الاسرائيل يباجمها فى الطريق الى مواقعها. حتى أمكنه ابادتها 
تقريبا ! . 


ولا كانت القوات الأردنية فى ذلك الحين لا تتجاوز *ه ألف رجل 3 


14 





ولا تملك من الدبابات سوى ١76‏ دبابة من طراز باتون م /4 » فقد 
كان من الواضح منذ البداية أنها لن تستطيع الدفاع عن جبهة تمتد 
كيلو مترا بحذاء الحدود الاسرائيلية . ومن ثم » فقد اقترح 
الفريق رياض فى ليلة 4 يونية » تدعيم هذه القوات بعشرة ألوية من 
الألوية السورية التى كان عددها يبلغ خمسة عشر لواء . وكانت وجهة 
نظر الفريق رياض أن الجحبهة السورية تتمتع بأقوى خط تحصينات 
عربى فى هذا القرن . وأنها لن تحتاج لأكثر من خمسة ألوية » أى ثلث 
قواتها » لحاية جبهتها . 


ولم يدر الفريق عبد المنعم رياض فى ذلك الوقت أن النظام السورى 
يقف موقفه المخزى الذى سيحفظه التاريخ » وأن الرد الوحيد الذى 
سوف يرد به هذا النظام هو الصمت البليغ » الذى استمر الى نباية 
الجرب ! . 


وقد ترتبت على ذلك نتيجتان خطيرتان : 


الأولى » أن عدم تحرك السوريين للاشتراك فى المعركة مع الأردنيين 
قد شجع الاسرائيليين على سحب أربعة ألوية من الحبهة السورية » 
وتحويلها الى الجبهة الأردنية . وبذلك تضاعف عدد الألوية المخصصة 
لضرب الحبهة الأردنية » اذ بلغ عددها ثانى ألوية » خضص منبا ثلاثة 
ألوية : مدرع . ومشاة » ومظلات ‏ للهجوم على القدس وحدها . 
وخصص لواءان مدرعان للهجوم فى الحبهة الشالية على جنين » 
والوصول منها الى نابلس . كما خخصص لواء مشاة آلى للهجوم على 
قلقيلية وطولكرم . 


أما النتيجة الخطيرة الثانية » فهى ارتباك جميع خطط القيادة فى 


ما 





الجبهة الأردنية (التتى قامت على أساس اشتراك السوريين اشتراكا 
أساسيا ) ؛ وسحق سلاح الحو الأردنى وقواعده الحوية 1 


وكان سلاح الحو الأردنى » عند قيام الجرب . ما زال طرى العود , 
لا يستطيع التصدى وحده لعمليات الهجوم والدفاع . ولذلك فقد 
اضطر الى الانتظار ريشما تصل طائرات المبج السورية » ليشترك 
السلاحان فى مهاحمة القواعد الحوية الاسرائيلية بفاعلية . ولكن 
الطائرات السورية تأخرت ‏ كما ذكرنا ‏ للسبب الغريب التى قدمته » 
وهو عدم الاستعداد ! . وعندما م يعد الانتظار ممكنا » قامت 
الطائرات العراقية من قاعدتها لتنضم الى السلاح الحو الأردنى » وبذا 
تأخر بدء العمليات الجوية ضد اسرائيل حتى الساعة الحادية عشرة 
صباحا ‏ أى بعد فوات الأوان ! . 


ففى ذلك الحين كان الطيران الاسرائيل قد انتهى تقريبا من تدمير 
سلاح المو المصرى وتغريب المطارات والقواعد الجوية المصرية ‏ 
وبذلك أخذ يتفرغ للجبهة الأردنية . وفى الساعة الواحدة من ظهر 
ذلك اليوم ه يونية » أخذت الطائرات الاسرائيلية فى مهاجمة المطارات 
الأردنية » وبعد ساعتين تقريبا من القصف المستمر كانت قد تمكنت 
من تدمير القاعدتين الجويتين اللتين يملكها الأردن » وثما مطار عمان 
ومطار المفرق . تدميرا تاما . كما قضى على سلاح الحو الأردنى . 
وكالت تلك حصيلة الصدام الأول فى الحرب على صعيد العمليات 
الجوية . 

أما على صعيد العمليات البرية » فان الخطة التى رسمها الفريق 
عبد المنعم رياض وقادة هيئة أركان حربه من الأردنيين والمصريين » 
كانت تقوم كما ذكرنا ‏ على اشتراك المدرعات السورية فى القتال 


165 





اشتراكا أساسيا » ولذلك ففى الساعة ١١, 4٠‏ من ظهر ذلك اليوم 
الأول للحرب . أصدر أوامره الى اللواء المدرع الأردنى 5١‏ » فى 
أريما » الذى كان يحمى القدس », بالتحرك الى الخليل فى طريقه جنوبا 
الى بير سبع » أهم قاعدة للدبابات الاسرائيلية » وذلك للالتقاء مع 
المدرعات المصرية التى كان مفروضا أن تزحف من سيناء الى بير 
سبع ! . وحتى لا تبقى منطقة القدس بلا مدرعات » فقد أمر اللواء 
المدرع الأردنى 4٠‏ ». الذى كان يحمى الحبهة الشالية » بالتحرك من 
جنين الى القدس جنوبا » لتحل محل اللواء 5٠‏ . وكان مفروضا أن 
تحل قوات مدرعة سورية محل اللواء 4٠‏ فى مواقعه فى جنين لاي الجبهة 
الشمالية . 


على أن هذه المدرعات السورية لم تصل أبدا » وبذلك تحولت هذه 
الطخطة ال كارقة |«فقك :اسفن الحد و الأسرائيل فرطنة هده المناوزات 
والتنفلات وخلو المواقع لينفذ من الثغرات ويضرب ضربته . ففى 
جندين »2 التى انسحب متها اللواء المدرع 04 3 ولم يبق فيها الا لواء 
مشاة وسرية من الدبابات » شن الاسرائيليون هجومهم الذى تمكنوا به 
من الالتفاف من الشمال واجتياح وادى الأردن وعزل ضفتى النهر . وى 
القدس شنت المدرعات الاسرائيلية هجومها من الغرب » وتابعت 
تقدمها ليلا لتطبق عل المديئة من الشهال ٠‏ بين| كان لواء مظلات تحت 
قيادة الكولونيل « موتا جير) يستدعى الى القدس » ويشن هجومه ليلا 
للسيطرة على سلسلة مرتفعات جبل سكوبس وجبل الزيتون . 


ومنذ أن ظهر الخطر على هذا النحو» حاول الفريق عبد المنعم 
رياض أن يحمل السوريين على التدخل فى الجبهة الشالية حسبما هو 
مخطط للحيلولة دون سقوط جنين » ولكن دون جدوى . ولا يئس من 
وصول أية نجدات جوية أو برية » اضطر الى اصدار أوامره الى اللواء 


هما 





المدرع الأردنى . الذى كان قد تمكن نحت القصف الحوى الاسرائيل 
من الوصول الى أريحا والمرابطة فيها لحاية القدس ., للعودة الى جنين » 
وأمر اللواء المدرع 5١‏ بارسال بعض وحداته الى القدس للاشتراك فى 
المعارك الطاحنة الدائرة هناك . وقد تمكن اللواء الأربعون من ترك أريجا 
ليلا » والانطلاق نحو الشمال إلى جنين » ليلقى بنفسه فى أتون المعركة 
اليائسة . وأما اللواء الستون فقد استطاع القصف الجوى المتواصل أن 
يضعضع قواته . فلم يبق لديه الا 5 دبابات فقط على الضفة الشرقية 


وهكذا أدى امتناع السوريين عن الاشتراك فى المعركة وحماية الحبهة 
الأردنية الشمالية الى احباط كل شىء . 


على أن الكارئة ‏ مع ذلك تبقى موضع تساؤل : هل كان الفريق 
رياض مسئولا عنها » أم كان المسئول عنها هم السوريون ؟ . 


ذلك أن بعض الساسة الأردنيين » ومنهم وصفى التل » قد ألقى 
بالمسئولية على الفريق رياض », على أساس أن التحركات التى أجراها 
يوم ه يونية » وانتقالات اللواءين المدرعين الأربعين والستين » هى 
التى أتاحت الفرصة للاسرائيليين للدخول من بين الثغرات وتحطيم 
المقاومة وتدمير اللواءين واحتلال الضفة الغربية . 


وقد كان اتهام وصفى التل صريحا . فقد ذكر أن « رياض هو الذى 
نقل اللواءين المدرعين 4٠‏ و٠5‏ من مواقعهم| » على الرغم من معارضة 
جميع من يعنيهم أمر هذه التحركاتث » ولأنه لم يكن لهذا التدبي رأى مبرر 
استراتيجى ) . 


كما 





وقال وصفى التل : « كان ضباطنا يعترضون على أوامر الفريق عبد 
المنعم رياض » بالرغم من ادراكهم أنهم ملزمون بتنفيذها على علاها . 
وقد كان رياض محاطا بأربعة أو حمسة ضباط مصريين كبار يؤلفون أركان 
حربه ». وكان المصريون فى المقر العام يقبضون على الزمام ء 
ويتحكمون فى المواقف والمقررات . وكان معظم أوامر رياض يثير 
اعتراض ضباط الوحدات . وكان رياض يتشبث برأيه » وينتهى الأمر 
برضوخ الضباط وتنفيذهم الأوامر الصادرة ) . 


على أن الملك حسين أورد العكس . فعندما سثل عما اذا « كان 
شاهدا لجميع القرارات التى اتخذها الفريق رياض )» » أجاب بقوله : 
« فعلا شهدت جميع القرارات التى اتخذها رياض . بل شاركت فيها » 
لأن رياض كان يطلب موافقتى بالنسبة لكل ما يعتيره مهما ( وكان الملك 
حسين أيام الحرب . داخل غرفة فى مركز هيئة الأركان فى القيادة 
العامة ) . ثم أدلى برأيه فى الفريق رياض ٠»‏ فوصفه بأنه كان « جنديا 
أصيلا » وضابطا قديرا » وأن تربيته ممتازة ) . وقال الملك حسين انه 
بالنسبة لمعركة الأردن « كان يصعب عل الفريق رياض أن يتصرف 
بشكل أفضل » . وأن « كل هذه التحركات قررها الفريق عبد المنعم 
رياض وهو محاط بكبار الضباط الأردنيين والمصريين » . 


ثم قال الملك حسين انه « كان أفضل لنا وأسلم » ابقاء دباباتنا فى 
مواقعها , لأننا حشدنا اللواءين المدرعين شمالى الحبهة والى اللعنوب 
منها » مشكلين بذلك فكى كاشة يحولان دون وصول العدو الى وادى 
الأردن ) . ولكنه لم يطعن فى صحة العملية التى أمر بها الفريق رياض 
بانتقال اللواء الستين نخو الخليل وبير سبع . وانتقال اللواء الأربعين 
ليحل محل اللواء الستين الذى يحمى قطاع أريحا . فقد ذكر أن « نجاح 
هذه العملية كان رهنا بوصول امدادات سورية دون ابطاء الى الجبهة 


1١م1‎ 





ونعتقد أن هذا الذى قاله الملك حسين هو الحكم الصحيح فى هذه 
السورى . فلم تكن الخطة خاطئة فى حد ذاتها » لأنها لو كانت نخاطتة 
لفشلت فى كل الأحوال . 


وهذا هو السبب فيا ذكره الملك حسين عن الفريق عبد المنعم 
رياض من أنه « كان يعتبر أن السياسة العربية مسثولة عن كل خطأ وقع 
خلال أزمة حزيران ١19517‏ . وأن هذه السياسة ارتكبت فى حق القوات 
العربية جرائم أكثر ما ارتكب الاسرائيليون خلال تلك الحرب ») . 
وكان رياض لاشك يعنى بذلك أنه قدم الى الجبهة الأردنية ليقود قوات 
خمس دول عربية » فوجد نفسه , بالكاد . يقود القوات الأردنية ! . 
وربها كان تصديق الفريق رياض لمذه الكذبة هو الخطأ الوحيد الذى 
يرتكب وزره أمام التاريخ ! . 


على كل حال . فمنذ اليوم الثانى للحرب . كانت الحبهة الأردنية 
قد وصلت الى وضع يائس . لدرجة أن الفريق رياض وضع الملك 
حسين فى الساعة الخامسة والنصف من صباح ذلك اليوم و أمام 
خيارين : اما الحصول على وقف اطلاق النار بالطرق الدبلوماسية » او 
اصدار الأمر فورا بالانسحاب الى مراكزنا عند الضفة الشرقية من نهر 
الأردن خلال الليل . «واذا لم تتخذ قرارا خلال الأربسع والعشرين 
ساعة . يمكنك القول : وداعا لحيشك ولكل أراضى الأردن . نحن 
معرضون لفقدان الضفة الغربية , فتصبح جميع قوانا معزولة 
ومدلمرة » . 


لتيل 





وفى ظهر يوم الثلاثاء " يونيو. أرسل الفريق رياض الى المشير عامر 
يخبره بأن الوضع على الضفة الغربية أصبح يائسا . وأن الخيارات 
المطروحة أصبحت محصورة فى الآتى : اما حل سياسى يوقف 
الاشتباكات فورا » واما اخلاء الضفة الغربية ابتداء من هذه الليلة » 
واما البقاء فى الضفة الغربية أربع وعشرين ساعة أخرى » وفى هذه 
الحالة يصبح الفناء التام للجيش العربى الأردنى امرا حتميا . وفى 
الوقت نفسه أرسل الملك حسين الى عبد الناصر بالصورة الكاملة 
للموقف قاثلا : ( الوضع يتدهور : فى القدس الوضع دقيق جدا » 
بالاضافة الى خسائرنا الجسيمة فى الرجال والمعدات . تتعرض دباباتنا 
حاليا للقصف . وهى من دون غطاء جوى . وتعطب بمعدل دبابة 
واحدة كل عشر دقائق . والعدو يركز الجزء الأكبر من قواته على اليش 
العربى الأردنى . لابد أن الفريق رياض أطلعكم فى برقية سابقة ‏ 
على ماعرضته لكم الآن . أمل اذن أن تطلعونا على وجهة نظركم 


بسرعة ) . 


وقد جاء الرد من المشير عامر بالموافقة على الانسحاب من الضفة 
الغربية . وتأخر رد عبد الناصر الى الساعة الحادية عشرة وربع ليلا » 
حيث صارح الملك حسين لأول مرة بالموقف على الجبهة المصرية فى عبارة 
وجيزة يقول فيها : « العدو كسحنا . بكل بساطة ) ! . وأن « افضل 
قرار يمكن اتخاذه الآن 2 هو الانسحاب من الضفة الغربية للأردن 2 
مع الأمل فى أن يأمر مجلس الأمن بوقف اطلاق النار» . 


وقد بادر الفريق رياض الى اصدار أمر الى الوحدات التى لا تزال 
كارت القكفة الكربية [لأردن"بالاسسانية ال القيقة الخرقية . 
ولكق المللك حسين استقر ارارم اوتجاة نالتقي :١‏ . قابلع عبد العامثر 
فى الثانية والنصف من ليلة الثلاثاء بأنه أصدر أوامره الى جميع قواته فى 


11 





الضفة الغربية للأردن وجبيع الجهات , بأن تبقى فى مواقعها . وكانت 
وجهة نظره التى شرحها أننا « كنا نريد مهما كلف الأمرء تحديد 
الأضرار مع الاحتفاظ بأكبر رقعة من الأرض ) . وهى حجة غريبة . 
لأن الموقف كان ميئوسا منه » والاستمرار فيه كان يضاعف الأخطار على 
القوات الأردنية دون جدوى على الاطلاق . 


وعلى كل حال . فعلى هذا النحو وقع التضارب بين أوامر الفريق 
رياض وأوامر الملك حسين » واستمر هذا التضارب طيلة ليلة 
5 /" يونية » حيث أبلغت الوحدات نفسها أوامر مضادة بالامتثال 
لقرار وقف اطلاق النار الصادر من مجلس الأمن فى الساعة الحادية 
عشرة من تلك الليلة 1 


وفى ظل هذا التضارب الغريب . سقطت القدس ظهر الأربعاء 
لا يونية » كما سقطت نابلس . وبعدها تمكن الاسرائيليون من اجتياح 
أذ يحا والخليل . وعندئذ أصدر الملك حسين أوامره بالانسحاب الكامل 
من الضفة الغربية , وأبلغ الأمم المتحدة فى الساعات الأولى من 
الخميس 8 يونية بقبول حكومته وقف اطلاق النار الذى قرره مجلس 
الأمن . وهكذا سقطت القدس والضفة الغربية للأردن فى يد 
اسرائيل » لتبدأ أكبر عملية معاناة شهدها الشعب الفلسطينى . 





اذ التماا ُ 





التسزاع ينب علسة الشاصز والتستسيز ضاتمر 


«يوم الحساب ! 

ه المواجهة بين عيد الناصر والمشير 
ه أحدادث 4 يونية المثيرة ! 

ه المواجهة بين اليش وعيد الناصر 
ه تحركات المشير عامر فى اسطال 
ه عيد الناصر يصفى جيش. المشير 
» ميلشيا العلاليب فى بيت المشير 
» التخطيط للاستيلاء على 
القيادة الشرقية 

© المشير يستعد للزحف على القناة 
ه خطط اختطاف عيد الناصر 

» اعتقال المشير عامر 

«» المشير عامر ومسرحية الانتحار 
» اعدام المشير عامر 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 








يوم الحساب 


واضح من عرضنا السابق لحرب يونية ١9517‏ حقيقتان حزينتان 
للغاية » الأولى 0 اسرائيل لم تهزمنا بحال من الأحوال فى تلك 
الحرب المخزية »وإنم| نحن الذين هزمنا أنفسنا وهزمنا جيشنا بأكثر ما 
كان يطمع أكبر الحالمين من قادة اسرائيل العسكريين أو السياسيين . 
لقد سلمنا جيشنا » وهو حصن أمننا ومستودع كرامتنا وشرفنا وعرضنا » 
لقيادة جاهلة غاشمة مستبدة » عبثت به كما يعبث الصبية الصغار 
بجهاز نادر ثمين فألحقت به أفدح الأضرار . 


وهذه هى مسئولية الشعب » وليست مسئولية عبد الناصر وحده . 
فعلى .الشعوب أن تعلم أنها لاتساعد أبطالحها القوميين كثيرا إذا هى 
ذهبت فى الثقة بهم إلى الحد الذى يجعلها تلقى كامل المسئولية على 
كاهلهم . إنه ما يساعد الأبطال القوميين حقا أن يشعروا بأن وراءهم 
شعوبا قوية غير مستكينة هب للدفاع عن حقوقها عند أى مساس أو 


ولحل 





أ هتضام 2 وتطالب بتصحيح المساد فيد اع انحراف : 


ولقد كان عبد الناصر بطلا قومبا ما فى ذلك شك . بل لعله كان 
أنقى وأطهر مافى تلك الثورة التى قامت فى ليلة 57 يولية » ولكنه كان 
مكبلا فى وجه قيادة جيش لاتريد أن تتنحى مهما ارتكبت من أخطاء أو 
منيث بالفشل . ومهما كان صحيحا من أن حسن النية كان يقود هذه 
القيادة » إلا أن حسن النية لايكفى لقيادة الجيوش وتحقيق 
الانتصارات . 


أما الحقيقة الثانية » وهى مرتبطة بالأولى كل الارتباط » فهى أن 
حرب يونية 19517 لم تكن فى حقيقتها أكشر من افراز لنظام حكم 
لايستطيع أن يفرز غير هذه الهزيمة . فحين تسيطر أوليجاركية ( أقلية ) 
عسكرية على الحكم » وتتفرع منها السلطة بشكل عنقودى لتقع فى 
أيدى أصحاب الثقة من الأقرباء والمحاسيب والمعارف والمنافقين , أيا 
كان نصيبهم من الكفاءة والمقدرة والعلم » تبتعد الخيرة على الفور . 
وينفتح الطريق أمام الجهل والغرور والعجز والفشل والهزيمة . وهو 


ماحدث تماما » وكالت حرب يونية نجسيده المأساوى المثير : 


ومن المحقق ‏ مع ذلك - أن نظام الحكم الذى أدى إلى هزيمة 
يونية /1 ١95‏ ء كانت له انجازاته الرائعة المتمثلة فى قوانين الاصلاح 
الزراعى . وكسر احتكار السلاح . وتأميم قناة السويس ٠‏ والتمصير » 
وتأميم وسائل الانتاج . وأكثر من ذلك أنه كان النظام الذى مارست 
فيه مصر سياستها الوطنية القومية المتحررة من أى تددخل أو تبعية » فهو 
من ثم عهد الاستقلال الوطنى الحقيقى . ولكن من الانصاف لهذه 
الانجازات أن نقول إنها تنتمى فكريا لعهد ماقبل ثورة 77 يوليوء 
وليست من ابتداع فكر ثورة 1" يوليو. لقد نحتت الجماهير شعارات 


ل 





هذه الانجازات الرائعة قبل الثورة » وناضلت طويلا من أجلها , 
واضطهدت . ودخلت السجون . وقد كان فضل ثورة 7١‏ يوليو أنها 
مهدت الطريق لتحقيق هذه الانجازات » بإزاحة النظام الملكى الفاسد 
شبه الاقطاعى الذى كان يجثم على صدور الشعب أولا » وبإزاحة 
الطبقة الحاكمة التى كانت فرق هامة منها تقف فى وجه هذه 
الانجازات ‏ ثانيا . 


ولم يكن فى وسع ثورة 1" يولي وأن تبقى على المسرح السياسى طويلا 
بدون تحقيق هذه الانجازات . لقد كان عليها أن تبرر بقاءها عن 
طريقها حتى يتسنى لحا اجتذاب الطبقات الشعبية ذات المصلحة فى 
التغيبر . وتشهد الحقائق التاريخية التى أثبتناها فى كتابنا عن « عبد 
الناصر وأزمة مارس » أن فكرة الاصلاح الزراعى لم تكن فى محطط 
الثورة أصلا » ولم تكن من بين شعاراتها التى أطلقتها فى منشوراتها - 
وانها كانت من فكر القوى السياسية السابقة على الثورة » وقد وجدت 
الثورة فيها المبرر الاجتماعى للبقاء فى الحكم وأكثر من ذلك - فيه| بعد 
ظيريتة التشرى! النياسية اللبرالية الكن كانك قائمة ف للف خنع 
واتهامها بالرجعية ! . 


وقد دفعت الجاهير فى مقابل ذلك حريتها السياسية الغالية . فقد 
قرر قادة ثورة 71 يوليو ‏ منذ أول اجتماع البقاء فى الحكم وفرض 
ولكن مع مضى الزمن , أخذت تتكشف لعبد الناصر امكانيات التغيير 
الاجتماعى من طريق آخر غير طريق الديمقراطية الليبرالبة » وهو طريق 
الثورةالاجتماعية » فتدرجت اتجاهاته تدريجيا نحوبقاء الثورة فى 


الحكم . 


لاحل 





وفى الوقت نفسه كانت قد تأسست للضباط الأحرار» وكلهم ممن 
ينتمون للبورجوازية الصغيرة ». الممزقة بين الطمع فى الارتفاع إلى 
صفوف البورجوازية الكبيرة » والخوف من النزول إلى صفوف 
البروليتاريا مصالح غير شرعية ضغطت بدورها فى اتجاه بقاء الجيش 
فى الحكم . ولذلك حين تمكن ضابطان مغامران . هما ابراهيم 
الطحاوى وأحمد طعيمة ( من الضباط الأحرار) من الالتحام بصفوف 
بعض فرق الطبقة العاملة » التى كانت تخشى عودة الحكم السابق على 
ثورة 7 يوليو» وتأمل خيرا فى الحكم الحديد ‏ واستغلال ذلك فى تدبير 
اعتتصام عمالى كبير فى الفترة من 7 إلى 79 مارس ١984‏ » تأييدا لبقاء 
الجيش فى الحكم » ضد رغبة كافة القوى الوطنية والتقدمية ‏ التى 
كانت تخوض المعركة بشراسة فى ذلك الحين لاعادة الجيش إلى ثكناته - 
سنحت الفرصة لعبد الناصر للبقاء فى الحكم ؛ ليفتح صفحة جديدة 
من تاريخ مصر . 


ولكن الفرصة لقيام ديمقراطية من أى نوع كانت قد سقطت . إلى 
غير رجعة تقريبا ! . ذلك أن التحالف الذى قام فى أزمة مارس 6 ١560‏ 
بين اليش وعناصر الطبقة العاملة سالفة الذكر » كان قد انفك لصالح 
الجيش » وهو الطرف الأقوى فى التحالف . وكانت الصفعة التى 
وجهها قائد الشرطة العسكرية . أحمد أنور » لصاوى أحمد صاوى . 
رئيس حركة الاعتصام ورئيس اتحاد نقابات عمال النقل المشترك » فى 
استقبال عبد الناصر بعد عودته من باندونج , أمام الناس ‏ هى 
الاشعار العلنى بهذا الانفكاك , وعودة الحركة النقابية إلى الحجم الذى 
حددته لها ثورة 3 يوليو فى أعقاب إعدام النقابين مصطفى حخميس 
وتحمد البقرى بسبب حوادث كفر الدوار فى ١‏ أغسطس 15987 . 
وكانا أول زعيمين نقابيين فى تاريخ الحركة النقابية المصرية يعدمان فى 
مصر ! . 


كوا 





وفى الوقت نفسه انعزلت الثورة عن كافة القوى الوطنية والتقدمية فى 
الفترة التالية لأزمة مارس ١4605‏ . لقدكان على هذه القوى الممثلة فى 
الوفديين والشيوعيين وحزب مصر الفتاة الاشتراكى . أن تدفع ثمن 
اعتراضها على استمرار حكم اليش », ومطالبتها بعودته إلى ثكناته . 
فدخلت معظم قيادات هذه القوى السجون والمعتقلات . 


وبذلك لم يبق أمام عبد الناصر بد من الاعتماد على اليش فى الحكم 
معظمها قبل ثورة 77 يوليو ضد الوفد 2 ولكن هذه العناصر م تكن تمثل 
أهمية تذكر فى التحالف مع الحيش ., وكان أفرادها شركاء لا وزن لهم 
تقريبا . 


وحين يعتمد أى حاكم على الحيش فى دعم نظامه » دون أن يستند 
إلى مؤسسات شعبية حقيقية » يظل الجيش هو الطرف الأقوى دائم| » 
ويمارس السلطة من الناحية الفعلية » بين| تبقى للحاكم مظاهر السلطة 
فقط . لقد كان عبد الناصر دكتاتورا مستنيرا أمام الجاهير الشعبية » 
ولكنه كان دكتاتورا ضعيفا أمام الجيش . الذى كان نحت قيادة مستقلة 
وغير قابلة للعزل هى قيادة المشير عامر الذى كان يستمد قوته من 
القوات المسلحة . التى يرى أنها صاحبة الثورة » وأداة التغيير فى 
الدولة . ' 


وكان هذا هو الفشل الذريع . لقد أزاحت الثورة النظام الملكى شبه 
الاقطاعى ‏ كما ذكرنا ‏ ولكنها لم تأت بأفضل منه كثيرا » لأن النظام 
الجمهورى الذى أرسته مكانه لم يكن يحتوى على أى فضيلة من فضائل 
الحكم الجمهورى الذى عرفته الدساتير! . إذ حرمت الحىاهير من 
حرية الاختيار الحقيقى لممثليها السياسيين أو تكوين تنظياتها السياسية 


لاا 





فقط ماعرف فى ذلك الحين بديمقراطية الموافقة ! . 


كذلك أزاحت ثورة اليش الطبقة الحاكمة شبه الاقطاعية التى 
كانت تسيطر قبل ثورة 7" يوليو ‏ كما ذكرنا ‏ ولكنها لم تأت بأفضل 
منها . لقد أتت ببورجوازية صغيرة شرهة من ضباط الجيش . تولت 
المناصب الادارية والحكومية » وأزاحت منها الكفايات ذات الخيرة 
والثقافة والعلم . ولعله يصدق القول أن الثورة أزاحت طبقة ذات 
تقاليد فى النضال السياسى والبناء الاقتصادى جنبا إلى جنب مع 
الاستغلال الاجتماعى . وأتت بطبقة من الماليك الحدد لاتستند إلى أية 
تقاليد أو تراث » ولا تؤمن بديمقراطية أو حرية » وإنها تؤمن فقط 
بإطاعة الأوامر وتأدية التحية عند رؤية أية قبعة عسكرية ذات رتبة 
عليا . ش 

وقد كان رئيس هذه الطبقة هو المشير عبد الحكيم عامر » قائد عام 
اليش منذ يونية ١1461‏ إلى هزيمة يونية ١19451/‏ . وفى خلال تلك 
الفترة الزمنية الطويلة تحلقت حول المشير عامر مجموعات مستفيدة من 
الضباط العسكريين امتلكت مصر ملكية شبه تامة . واعتبرتبا ضيعة 
خاصة تعين فيها المحاسيب والأنصار . وأمام هذه المجموعة العسكرية 
المتحلقة حول المشير كانت ترتعد فرائص أكير جئرالات اليش 
المصرى . وعلى رأسهم من يحملون رتبة الفرقاء ! . 

وقد أحس عبد الناصر بدكتاتورية المشير عامر وسيطرته على 
اليش . ولكنه كان يثق فى ولاء المشير له واعترافه له بالزعامة السياسية 
وعزوفه عن مصارعته على مكان الرجل الأول . ولذلك كان عبد 
الناصر يرى فى قيادة المشير عامر للجيش ضنا ضد أية انقلابات 


ململ 





عسكرية ما كان يحدث فى أنحاء العالم الثالث . على أنه حين عجز عن 
تغيير بعض قيادات الجيش فى أعقاب حرب 1485 » وحين أدرك 
امكانيات المشير العسكرية فى تلك الحرب . أراد الحد من سلطات 
المشير بعد أزمة الانفصال السورى . ولكن هذه المحاولة انتهت نهاية 
مأساوية فى عام ١19517‏ على نحو ما أوضحنا » وعاد المشير أكثر قوة , 
ليقبض على زمام السلطة المطلقة فى الحبش حتى حرب يونية ١951/‏ . 
ولذلك فهو يتحمل المسئولية الأولى عن الهزيمة الساحقة التى منى بها 
الجيش المصرى فى تلك الحرب . وكل ماترتب عليها . 


أما مسئولية عبد الناصر فهى المسئولية المثرتبة على الصمت ! ( 
صمت عبد الناصر عن أوضاع الجيش قبل حرب يونيو 1971 . وهى 
مسئولية حقيقية لايخفف منها شىء . فلم يكن عبد الناصر رئيس دولة 
عاديا يخشى الصدام مع الجيش فى غباب التنظيمات الشعبية » وإنما 
كان عبد الناصر زعيما واسع الشعبية » ليس فقط على المستوى المصرى 
وإنها على المستوى العربى . وكانت هذه الزعامة تقتضيه توفير الضمانات 
الكفيلة ببلوغ اليش درجة الكفاية المطلوبة لمواجهة أعداء البلاد 
الخارجيين » وعلى رأس هذه الضمانات تعيين الكفايات العسكرية من 
القادة والضباط . وهومالم يفعله عبد الناصر , تاركا الأمر للمشير عامر 
يصرف الأمور كما يشاء . 


وهذا يثير قضية هامة طرحها كثيرون » وهى أنه كان على عبد 
الناصر الاصرار على تصحيح أوضاع الجيش حتى ولوأدى الأمر إلى 
استقالته . ولكن هذا الرأى يفترض أن عبد الناصر كان مستعدا 
للاستناد إلى مؤسسات شعبية حقيقية بدلا من الاستناد إلى اليش » 
وهو افتراض غير صحيح , لأنه بعد أن حصل عبد الناصر على مزايا 
الحكم المطلق من ناحية عدم وجود معارضة سياسية قوية تستطيع 


امل 





الوقوف فى وجه الأخخطاء التى كانت تتراكم فى ذلك الحين » ومن ناحية 
امتلاك الحرية المطلقة فى صنع السياسة المصرية ‏ وهى حرية لم يعطلها 
الجيش فى الحقيقة ., لأنه كان مهنا بتحقيق المغانم فى الادارة 
والحكومة » ولم يكن ينتمى لفلسفة معادية لفلسفة عبد الناصر ‏ نقول 
بعد أن حصل عبد الناصر على هذه المزايا لم يكن ليتحمس كثيرا لآن 
يستبدل بنظام الحكم المستند إلى اليش نظاما اخر يستند على المشاركة 
الشعبية فى الحكم . 


ولكن المزيمة الساحقة فى حرب يونية ١951/‏ غيرت موقف عبد 
الناصر تماما من هاتين النقطتين » فهب لتنفيذ ماكان ينبغى عليه تنفيذه 
منذ أولته الجاهير المصرية والعربية ثقتها دون حدود » واسقاط الصيغة 
التى كانت تشكل الحياة السياسية المصرية قبل يونية . وهذا يشكل 
الفصل الختامى فى قصة حرب يونية لاك و١‏ ؛ وهو يوم الساب : 


ذلك أن عبد الناصر كان عليه قبل أن يتمكن من اسقاط صيغة 
ماقبل حرب يونية » أن يجتاز مرحلتين : 

الأولى : صبييحة يوم خطاب النكسة فى 9 يونية /1 ١95‏ . وكانلت 
الجاهير فيها فى موقف العداء من عبد الناصر . 


محاسبة الجماهير لعبد الناصر كانت قد بدأت بالفعل منذ صباح يوم 


ل 





المزعجات » , فعلى مسافة قريبة من بيت عبد الناصر » وفى المكان 
الذى يقع فيه ضريحه الآن » تجمع طوفان من أهالى الجنود والضباط » 
يسألون عن مصير أبنائهم . ويدمدمون بغضب وقلق » وتتطاير 
الاشاعات المزعجة فى صفوفهم كما يتطاير الشرر فى -خزان البنزين . 


« وكان على عبد الناصر فى ذلك الصباح أن يخرنج من بيته إلى قصر 
القبة » ليذيع من هناك بيانه على الشعب والأمة العربية . ولامفر من 
أن يخترق فى طريقه إلى القصر هذا الطوفان الغاضب من أهالى 
الضحايا » وهو طوفان لانأمن على عبد الناصر إذا مر به » . 


واحتاج الأمر إلى قدر كبير من الذكاء لاستدراج هذا الطوفان 
بعيدا » نحو ميدان العباسية » قبل موعد خروج عبد الناصر من بيته 
إلى قصر القبة ») . 


وهذا يصور كيف كانت الجماهير تستعد لملحاسبة عيدك الناصر لولا 
خطاب النكسة ! . 


أما المرحلة الثانية » فهى مرحلة خطاب النكسة وماترتب عليه . 
وهى مرحلة من أخطر المراحل فى تاريخ مصر , ونقطة تحول فى تاريخ 
الصراع العربى الاسرائيى كله . ومن هنا كان الخلاف الذى دار 
حوطا » سواء في| يتعلق بخطاب النكسة نفسه » أو مايتعلق بأحداث 
٠ 4‏ يونية التى ترتبت عليه . 


الناصر فى الاستقالة التى طرحها فى خطابه . وبأنه كان مصم| 
عليها : « لقد كان عبد الناصر مصما على الاستقالة كما لم أره مصمم| 


"0 





على شىء من قبل » . ويستدل على ذلك بأن عبد الناصر حين عاد إلى 
بيته فى تلك الليلة » وقبل أن يدخل إلى غرفة نومه » « كلف أسرته بأن 
تحزم حقائبها وتستعد للرحيل فى الصباح . 


على أن عبد اللطيف البغدادى يشك فى هذا الاخلاص فى 
رئيسا للجمهورية بدلا منه . فهو.يقول إنه كان يتوقع حين أعلن فى 
صباح يوم الجمعة 9 يونية أن عبد الناصر سوف يلقى خطابا فى المساء 
مجلس الأمة بسلطة رئيس الجمهورية طبقا للدستور. وقد أفضى 
فهمى 2 ولكنها لم يتفقا معه فى هذا الاستنتاج » ( لأنه على حد قولهما 
لايقدم على مثل هذه الخطوة » للخطر الذى سيحدق به لو تنحى فعلا 
عن السلطة » ! واستمعنا إلى خطاب جمال . وأعلن تنحيه وترشيح 
زكريا محيى الدين رئيسا للجمهورية بدلا منه . ولم نفهم دستورية تعيبن 
زكريا » وتوقعنا ‏ ولم يكن جمال قد انتهى من خطابه بعد بأن المسيرات 
السعيية متمد | 


ويتفق فى الرأى كثيرا مع عبد اللطيف البغدادى , عبد الصمد محمد 
عبد الصمد . الذى يصف الطاب بأنه كان خطاب ( استجداء 
ثقة ) ! كما يتفق معه أيضا منير حافظ . فهو لايعتقد فى إخلاص عبد 
الناصر فى الاستقالة ». ولكنه لايرى فيها ققمثيلية » وإنما «( مغامرة 
محسوبة»)- حسب قوله . ويستند فى رأيه إلى عبارات خطاب 
الاستقالة . فيذكر أن هناك نقطتين فى هذا الخنطاب تلقيان الضوء على 
طبيعة التدحى : 





الأولى » أن الخنطاب بعد أن شرح ظروف النكسة . تقدم ببرنامج 
عمل للمرحلة القادمة . والذى يتنحى تحت التصور بأنه أحفق فى 
تسيير شئون بلاده ١‏ لايعقل أن يضع لخلفه برنامج العمل الذى يسير 
عليه ويقيد يده . 


أما النقطة الثانية » فهى أن نص الخطاب لم يبت فى مسئولية عبد 
الناصر عما حدث » فقد ذكر أنه على استعداد لأن يتحمل هذه 
المسثولية » ولم يقل أنه يتحمل المسئولية بالفعل . وهذا يعنى أن آخرين 
كانوا وراء ماحدث . ولكنه مستعد أن يتحمل عنهم المسثولية أمام 
الشعب ! 


ويضيف منير حافظ أن اختيار عبد الناصر لزكريا محيى الدين خلفا 
له كان « مئاورة » . فقد كان الاتفاق بين عبد الناصر والمشير عامر على 
أن يكون شمس بدران هو الذى يتسلم الحكم » وقد أدرك عبد الناصر 
أنه لو اختار اسم شمس بدران » فسوف يتسلم هذا الحكم على الفور 
بقوة مجموعته العسكرية » خخصوصا وهو يعلم منذ الليلة السابقة أنه 
سيتولى الحكم . ولكن عبد الناصر أراد أن يتيح الفرصة للجاهير 
للاختيار» فترك الجميع يعتقدون بأن شمس بدران هو الذى سوف 
يخلفه » ولم يفصح عن اسم زكريا محبى الدين إلا ساعة إلقاء الخطاب 
أمام الجاهير . 


ويقول منير حافظ إن عبد الناصر خاض هذه المغامرة المحسوبة وهو 
يعلم أن لها واحدة من نتيجتين لا ثالث لما : فإما أن تقبل الجاهير 
تنحيه » وينتهى به الأمر إلى زاوية مهملة من زوايا التاريخ كزعيم 
مهزوم . وإما أن تتشبث به الىاهير. فيبقى ليتحمل تبعات النكسة 
والمسئوليات المريرة بعدها . وقد تحققت أهداف تجربة التنحى كلها 


"0 





وربما كان هذا الحديث عن المغامرة المحسوبة مقبولا لو أن عبد 
بارع هو محمد حسنين هيكل . فوفقا لمنير حافظ فقد أجرى عبد الناصر 
مكالة تليفونية مع هيكل بعد عودته من القيادة العامة مساء بوم 
6 يونية » « وف الحادية عشرة من صباح يوم 9 يونية جاء هيكل إلى 
مكتبنا » وكان معه خطاب عبد الناصر معدا وجاهزا . وقد أدخخله 
سامى شرف بيت عبد الناصر ثم عاد . ومر الوقت بطيئا متثاقلا , ثم 
عاد هيكل إلى مكتب سامى شرف » الذى استدعى الكاتب على الآلة 


وعلى ذلك نعتقد أن الملاحظات التى قدمها منير حافظ لخطاب 
التدنحى » والتى تفيد المغامرة المحسوبة » هى من صنع هيكل بالدرجة 
الأول » وليست من صنع عبد الناصر . فالنص الخاص بمسئولية عبد 
الناصر عن النكسة يحتاج لكتابة خبير ومحلل سياسى يستطيع التفرقة 
بين ( تحمل المسئولية ) ٠»‏ وى( الاستعداد لتحمل االمسئولية 01 . كما أن 
فكرة برنامج العمل التى وضعت فى. الخطاب لمن يخلف عبد الناصر فى 
الحكم . بكل ماتوحى به فى ذهن الناس من معانى استمرار عبد 
الناصر فى الحكم لتنفيذ هذا البرنامج . تحتاج أيضا إلى خبرة بفن 
التعامل مع الجماهيرء وهى خيرة يكتسبها الصحفى بحكم مخاطبته 
الناصر لكل هذه التلميحات والانحاءات ( وموافقته عليها : 


وفى الواقع أن عبد الناصر كان يشعر تماما بمسئولية عبد الحكيم 


5 





عامر عن النكسة . ليس فقط بقيادته الفاشلة لحرب يونية » وإنا 
لمسئوليته عن أوضاع اليش التى أدت إلى هذه النكسة . وهى أوضاع 
لم يكن لعبد الناصر سيطرة عليها للظروف التى سبق ذكرها . ولهذا 
السبب كان يتوق إلى فرصة أخرى يمنحه إياها الشعب يتتخلص فيها 
من سيطرة اليش » ويعمل على تنقيته من العناصر التى أدت به إلى 
المزيمة . ولكنه لم يعول كثيرا على هذا الأمل » لأن ال هزيمة كانت أكبر 
التجمعات الغاضبة بالقرب من بيت عبد الناصر فى صباح يوم 4 يونية 
كافية لحمل عبد الناصر على التخلى عن أى أمل فى وقوف ماهير إلى 
جواره . ولذلك نعتقد أن المؤقف كان ميئوسا منه تماما فى نظر عبد 
الناصر . وأن هذا هو مادعاه إلى أن يطلب إلى أسرته عند عودته من 





؟ 


المواجهة بين عبد الناصر والمشير 


انتهينا إلى أن الخطاب لم يكن تثيلية كبرى كما ذكرت بعض 
المصادر . كما أنه لم يكن « مغامرة محسوبة ) )| وصفته بعض الأقوال , 
وإنها كانت الاستقالة هى الخيار الوحيد المتبقى أمام عبد الناصر 
للانسحاب بشرف من الحياة السياسية المصرية والعربية » ولم يكن 
يعول كثيرا على مساندة الشعب له فى تلك الايام الحالكة من 
يونية 19517 » بعد أن ظهرت التجمعات المعادية فى صباح ذلك اليوم 
« تدمدم بغضب وقلق ) - وإن| كان عبد الناصر يتوق إلى فرصة أخرى 
يمنحه إياها الشعب للتخلص من سيطرة اليش » واصلاح الأوضاع 
الى ادت إلى الهزيمة , وهذا هو تفسير الصياغة التى صيغ فيها 
الخطاب . والتى دفعت البعض إلى أن يصفه بأنه كان « خطاب 


استجداء ثقة ) ! 5 


على أن الخنطاب كان له بعد أخخر أشد خطورة » فهو يمثل نقطة 
تحول فى تاريخ الصراع بين السلطتين اللتين ظلتا تتنازعان الحكم 





والفصل فى أمور البلاد منذ ثورة 19" يوليو إلى حرب يونية /1 195 . وهما 
سلطة المشير عامر على رأس اليش » وسلطة الرئيس عبد الناصر على 


فملذل مساء يوم 8 يونية /1 1١95‏ 3 وهو اليوم السابق على خطاب 
التنحى » وقع صدام مروع بين هاتين السلطتين يرويه لنا شهود العيان 
وصناع الأحداث كل منهم من منظوره الخاص بشكل مثير على النحو 
الال : 


فقد أورد حمود الخيار , أنه بيد! كان خارج مكتب المشير فى القيادة 
بيه| نحتدم 3 وتتحول إلى شىء كالمشاجرة 5 وأسرعت أقتتحم الغرفة : 
كان واضحا أن عبد الناصر تحت تأثير صدمة لم يكن يتوقعها » وفوجئت 

احنا الاثنين ضحكنا على الشعب ٠‏ واحنا الاثنين لازم نمشى ! . 

ونجيب مين ؟ 

قال عبد الناصر : 

ماعرفش . لسه حافكر ! . 


وساد الصمت لححظة » ثم قال المشير : 





- ايه رأيك فى شمس ( بدران ) ! . 
فقال عبد الناصر : 

0 

ثم استدار وخرج من الحجرة ! 1 


وقد روى عبد الناصر بنفسه للفريق مرتجهى قصة هذا الصدام 
بتفصيل أكثر . فذكر أنه اجتمع بالمشير عبد الحكيم عامر » وأنخبره بأنه 
سيتنحى عن رئاسة الجمهورية . فأجاب المشير بأنه يتضامن معه . 
وطلب من الرئيس أن يذكر قراره بالتنحى عند إذاعته الاعلامية التى 
سيعلن فيها نبأ تنحيه عن رئاسة الجمهورية . ولكن عبد الناصر بيت 
فى نفسه النية على قصر خبر التنحى على رئيس الجمهورية فقط . وقد 
سأل الرئيس المشير عمن يصلح ليكون رئيسا للجمهورية بعده ؟ , 
تاجات المشسن تعس ندرانة" ١‏ ب :ولاقان الركيين بحسي قولة ييا 
ومرهقا نفسيا وذهنيا » وتحت هذه الظروف كان من الممكن أن يوافق 
على أى شىء - لذلك لم يبد أى اعتراض على هذا الترشيح » وانما طلب 
من المشير عدم إذاعة الخبرء وبصفة خاصة لشمس بدران » إلا فى 
اليوم التالى 9 يونيو . على أنه عندما استيقظ فى اليوم التالى » وكان 
موضوع هذا الحديث بينه وبين المشير يشغل ذهنه » أعاد التفكير فى 
هدوء » وخرج باستنتاج أنه كان متسرعا فى قبوله شمس بدران ليتولى 
منصب رئيس الجمهورية » لعدم توفر ‏ على حد قوله ‏ المؤهللات 
اللازمة فيه . ورأى أن أنسب شخص هو السيد زكريا محيى الدين » 
فعلاقته بالأمريكيين جيدة » وانهم سيقبلون تعيينه بدون معارضة » 
علاوة على أن زكريا اكتسب خيرة عملية فى الخمس عشرة سنة الماضية » 





وتدرج فى مناصب مختلفة ب فيها رئاسة الوزراء . وعلى ذلك استقر رأيه 
على أن يكون زكريا هو خليفته . ولكنه احتفظ بهذا القرار لنفسه دون 
أن يعلم به أحدا آخرء حتى يفاجأ الجميع به عند إذاعة بيان التنحى . 


على أنه اتضح له أن المشير لم يحتفظ بسر الاختيار المبدئى لشمس 
بدران ليكون رئيسا للجمهورية , وأنه أبلغ شمس به فى نفس الليلة » 
وعلى ذلك نام شمس بدران ‏ حسب قوله ‏ وهو يحلم برئاسة الجمهورية 
التى سينالها اعتبارا من مساء يوم 9 يونيو! . وقال الرئيس انه عندما 
كان يذيع بيان التدحى مساء يوم 4 يونيوء أرسل المشير له ورقة بخط 
يده طالبا ايقاف الاذاعة » فلم يستجب لهذا الطلب . « وأمرت محمد 
فائق , وزير الأعلام » بألا يذيع أى شخص أى بيان بعد بيانى » . 


على أن المشير عامر روى القصة بشكل آخر » وهى - كما نقلها منه 
عبد الصمد محمد عبد الصمد - تتفق مع الروايتين السالفتى الذكر فى 
اتفاقه مع عبد الناصر على الاستقالة » ولكنها تختلف في] عدا ذلك ! . 
فقد ذكر أن اللقاء الذى تم فيه هذا الاتفاق بينه وبين عبد الناصر على 
التنحى لم يكن لقاء ثنائيا » وإنما كان لقاء ثلاثيا اشترك فيه شمس 
بدران ! . وقال إنه لم يكن هو الذى رشح شمس بدران خلافة عبد 
الناصر فى رئاسة الجمهورية » وإنما كان عبد الناصر نفسه هو الذى 
رشح شمس بدران » وقد دهش المشير لهذا الترشيح من جانب عبد 
الناصر حتى عقدت الدهشة لسانه » وسأله : شمس مين ؟ شمس 
ده ؟ . مين يعرف شمس غير انه وزير ا حربية ال مهزوم ؟ . الأمر المحتوم 
انك تختار زميل لنا من مجلس قيادة الثورة . فرشح عبد الناصر زكريا 
محيى الدين . ولم يعترض المشير على هذا الترشيح . ثم قال المشير ان 
عبد الناصر عندما اقترح ترشيح شمس للرياسة » كان واضحا لأغبى 
إنسان أنه « عايز يضمن أن الناس سوف يثورون ويتظاهرون » حتى 


4 





الطفل فى بطن أمه حيصرخ ويحتج ! . كا ذكر المشير أن شمس بدران 


واستدل المثسير عامر على عدم اخلاص عبد الناصر فى التنحى 
بالخطاب الذى أذاعه قائلا : لو كان عايز يستقيل بجد . لاكانت 
المسألة عايزة خطب ولا بكاء ونحيب من المذيعين والمذيعات كمقدمة 
جنائزية للخطبة ! . وأن الخطاب صور حرب يونية فى صورة حرب 
السويس » وذلك لاثارة العواطف وشحن ارادة التحدى والرغبة فى 
الشأر. ففى حرب السويس اعتداء من انجلترا وفرنسا ومعهم| 
اسرائيل » وفى حرب يونية اعتداء من امريكا وانجلترا واسرائيل . أى 
هناك دولتان كبيرتان وتأمر عالمى وخيانة وغدر ضد استقلالنا . ول 
يكتف عبد الناصر بذلك . بل تحدث عن انجازات الثورة » ووصف 
قدراتنا وقدرات الأمة العربية لرد العدوان وهزيمته فى جولة أخرى ! . 
« يبقى الشعب يقبل الاستقالة ازاى ؟ . واحد مجد أعماله » وهون من 
المزيمة » ورسم طريق الانتصار لو استمر فى الحكم » ثم ذكر اسم 
خليفته بدون تزكية لماضيه ولا الأمل فيه| سيفعله .» وفى آخر الخطبة 
بيقول ان قلبى كله معكم . وأريد أن تكون قلوبكم معى ! . فمبن 
يقول ان دى خطبة استقالة ؟ » ده واحد بيقول : امسكوا فى » واوعوا 
تسيبونى » أنا عارف ازاى أطرد اليهود » وباحبكم وعايزكم 
نحبونى !). 


وقد أنكر المشير واقعة إرساله ورقة بخط يده إلى عبد الناصر وهو 
يذيع بيان التنحى . وذكر أنه انتظر سماع استقالته مع استقالة عبد 
الناصر . ولكنه لم يسمع شيئا » فانتظر بعد الخطبة ولكن الاستقالة لم 
تذع , « وقلت لشمس : تأخير الاذاعة أفقدها قيمتها . لأن الناس 
حيقولوا ؛ ده استقال لما وجد رئيس الجمهورية بيستقيل . فلازم حد 


للا 





بروح يذيعها . وانتظرت أن الاذاعة تقطع إذاعتها وتذيع النبأ» لكن 
ماحصلش ! . لغاية مارجعوا اللى راحوا الاذاعة » وواضح من 
منظرهم فشلهم فى مهمتهم . فقلت هم : ايه ؟ ماوافقوش ؟ . 
"قالوا : طلبوا أمر من الوزير ! . قلت : الظاهر ان المسألة أكبر من 
كده ؛ أنا رايح بنفسى أذيع الاستقالة ! . ولكنهم ترددوا » وتلعثموا . 
وأخيرا قالوا ان سامى شرف أصدر لهم أمرا بإنك لو رحت الاذاعة 
يمتترك من التتكول 1 قلك ماشاء الله هن وصيلت لحك سام 
شرف !. وجن جنونى » وقلت : لازم أروح فورا دلوقت هناك . 
الناس حتعرف على الأقل أنا رحت الاذاعة علشان إيه . لكن خطر لى 
خاطر » فقلت اسأل حمال فى الأول » وقلت له : 


والله هزلت ياحمال ! . 

جمال : ايه بس ؟ مالك ياعبد الحكيم ؟ . 

عبد الحكيم : هل وصل الأمر ان سامى شرف يصدر أمرا بمنع عبد 
سامى شرف هو الذى يصدر أمر على ؟ . يبقى هزلت ولا ماهزلتش 
ياجمال ؟ . طيب أنا رابح الاذاعة وأشوف اللى يمنعنى مين ؟ . 


جمال : حاضر حنذيع الاستقالة حالا . 


عبد الحكيم : ومادام سامى شرف بيأمر » يبقى على صبرى 
بيشنق ! . ولازم هو كان أصدر أمرا للجرايد ماننشرش الاستقالة ! . 


51١ 





ثم ذكر المشير أن الاستقالة أذيعت ونشرت بطريقة نشر « فقد 
حتم ) ! : » أو استقالة شيخ بلد ! . 


وحتى نستكمل واقعة منع إذاعة استقالة عبد الحكيم عامر » نروى 
ما أورده منير حافظ من واقع عمله مع سامى شرف فى ذلك الحين . 
فقد ذكر أن الأمر مبذا المنع صدر من عبد الناصر . وأخذ سامى شرف 
فى التنفيذ » وهنا « دق التليفون . ورد سامى عليه » فإذا به عبد 


- بقى انت ياابن . . ! على آخر الزمن تمنع إذاعة بيان لى ؟ . 
ويرد سامى شرف : 


ب أناياافندم ؟ 1 أنا يكون لى ميت سنة فى القبر لو أرفع عينى فى وش 
سيادتك . ده أنا تلميذك ياافندم 5 ولو جيت ضربتلى بمسدسك مش 
ح ارفع عينى فى وش سيادتك ! : 


ومع ذلك ١‏ توقف هذه الاعتذارات سيل الشتائم ا مريرة التى 
تدفقت فى أسماع سامى شرف والقريبين من مكتبه ! . 


وده القفدة الطريفة الع خلقن الضبيوه قل الغة الدبلوماسية 
والسياسة » التى كان يتبادلها ضباط وحكام ثورة 1" يوليو» فى غنى 
عن التعليق . ولكنها تصور علاقات القوى بين السلطتين اللتين كانتا 
تحكىان مصر . ففى رواية المشيرعامر السالفة الذكر يخاطب عبد الناصر 
بقوله : والله هزلت ياجمال ! . ويحاول عبد الناصر ت#هدئته ! . وأكثر من 
ذلك اللغة التى كان شمس بدران يخاطب بها عبد الناصر . فينقل أحمد 
حمروش عن فؤاد مهداوى 3 الذى كان محافظا للصحراء الغربية ( 


"1 





وصلته بالمشير عامر وشمس بدران معروفة 2 أن حمال عبد الناصر عندما 
اتصل بشمس بدران يبلغه بقبوله بعدوله عن التنحى . وأنه سيرسل إلى 
لس الأمة .خطابا. بذلك » .ود علية "مسن بغرن فافلا : يادئ 
الداهية » ! . 


وقد روى شمس بدران لعبد الصمد محمد عبد الصمد أثناء محاكمته 
بعد وفاة المشير فى قضية محاولة الاستيلاء على القيادة العامة للقوات 
المسلحة ( وكانا معا فى السجن ) أن حسين الشافعى . الذى كان 
يرأس المحاكمة » سأل شمس بدران قائلا : 


- يعنى عايز تقول انك كنت مرشح لرئاسة الوزارة ؟ . 
شمن بدوان #:وزارة أيه ؟ أكثر 1 

الشافعى : أنا ماعرفتش حاجة زى دى ! . 

شمس بدران : وانت من امتى بتعرف حاجة ! . 


وقد روى له شمس بدران انه اتصل بعبد الناصر يوم ٠١‏ يونية » 
يلومه بسبب استعجاله فى العدول عن التنحى قائلا ٠:‏ مش كنت 
تستنى شوية لما تشوف زكريا ح يعمل ايه ؟ . وانت فى أى يوم تقدر 
ترجع » وزكريا مش حيتمسك بالحكم أو يقاومك لو مانجحش ! . 
وكانت وجهة نظر شمس بدران أن زكريا محيى الدين كان فى وسعه 
تبديد الأمريكان بضرورة حل المسألة » أويترك الحكم لعبد الناصر من 
جديد ! . وفى الوقت نفسه ببدد السوفيت بضرورة الوقوف موقفا حاسس| 
فى مسألة انسحاب اسرائيل من الأراضى العربية » أو يتفاوض مع 


روحلا 





الأمركيين وحدهم ولن انت رجعت وانت عارف انك لاحتاخد 
حاجة من دول ولا من دول » ! . 


على كل حال فان تحقيق الروايات السالفة الذكر جميعها يوصلنا إلى 
النتائج الآتية : 


أوها » أن ترشيح شمس بدران خلفا لعبد الناصر » لايمكن أن 
يأتى من جانب عبد الناصر » كما جاء على لسان المشير عامر » وذلك 
لسبب بسيط هو أنه لو كان هذا الترشيح من جانب عبد الناصر 
حقيقة » فا الذى منعه من تنفيذه . وهو الذى يملك هذا الحق . كما 
أنه الذى يملك القدرة على التنفيذ , لأنه هو الذى ألقى خطاب 


ثانيا ‏ أن الحجة التى ساقها المشير فى تفسير ترشيح عبد الناصر 
لشمس بدران » وهى رغبة عبد الناصر فى إثارة الناس ودفعهم إلى 
التظاهر ضد هذا الترشيح . تبدو لنا غير مقنعة تماما . فنحن مع 
التفسير الذى أورده منير حافظ . والذى يذكر أن عبد الناصر كان يدرك 
أنه لو أعلن اسم شمس بدران خلفا له » لتولى الحكم على الفور بقوة 
مجموعته العسكرية ( التى سنرى أنها كانت مستعدة تماما لذلك ) 
ولصادر بالتالى حرية الجماهير فى ابداء ثقتها به كما كان يبغى ويتوق . 
بل اننا نزعم أن الصيغة التى صيغ بها خطاب الاستقالة » والتى كان 
فيها دعوة صريحة للجاهير للتمسك بعبد الناصر . تكون قد فقدت 
مبررها لو أعلن عبد الناصر اسم شمس بدران خلفا له . 


الثا ‏ وإذا كان ترشيح شمس بدران قد جاء من المشير وهو ماأكده 
عبد الناصر للفريق محمد فوزى - فمعنى ذلك فى وضوح أن المشير عامر 


51 





كان يريد ضهان استمرار سيطرته على الأمور من خلال شمس بدران » 
وف صورة أفضل ! . فإذا ذهب عبدل الناصر وأصبح شمس بدراكن 
رئيسا للجمهورية . ومعنى ذلك أيضا أن مجموعة مكتب المشير هى 
التى ستحكم » ومعنى ذلك كذلك أن البلاد لم تدكب فقط بالنكسة , 
وإنما نكبت با هو أنكى » وهو سقوط الحكم فى يد صناع النكسة 
أنفسهم » وهم ا مشير ومجموعته العسكرية ! . 


افكت ادؤراية توفي 11 لانكاق :ريه وزيز غية اااي عل 
التنحى لم يكن اتفاقا ثنائيا » بل ثلاثيا ( حضره شمس بدران وشارك 
فيه لانجد له سندا من الروايات الأخرى » سواء منها ماهو موالى لعبد 
الناصر أو كان خصم سياسيا له . 


فقد أورد محمود الحيار أنه عندما توجه مع عبد الناصر إلى مقر القيادة 
العامة فى مساء يوم 6 يونيو » كان مع المشيرى مكتبه كيال الدين حسين 
وعبد اللطيف البغدادى . « وبعد قليل » خخرج البغدادى وكال الدين 
حسين » وبقى عبد الناصر وحده مع المشير» . ثم حدثت المشادة 
المذكورة بين الاثنين التى أوردنا نصها . 


وهذه الرواية تؤكدها رواية عبد اللطيف البغدادى . فقد ذكر أنه 
عندما كان فى مقر القيادة عند مجىء عبد الناصر ومحمود الحيار » دخل 
عبد الناصر غرفة النوم الملحقة بمكتب عبد الحكيم عامر» وطلب 
زكريا محبى الدين . وبعد خروج زكريا من عنده » أخبر عبد الحكيم 
بأن جمال يرغب فى رؤيته . فأحسست بالحرج ما يجرى . وأنه غير 
مرغوب أن نعلم ماذا يدور بيهما من حديث . لهذا انصرفنا ») . ومعنى ‏ 
ذلك أن الاجتماع كان ثنائيا وليس ثلاثيا ! . 


"1 





وتفيد رواية عبد الناصر السالفة الذكر للفريق مرتجى نفس المعنى . 
فقد ذكر أن الاتفاق كان بينه وبين المشير على التدحى وعلى ترشيح 
شمس بدران . وأنه طلب من المشير عدم إذاعة الخبر. وخاصة 
لشمس بدران » إلا فى اليوم التالى » ولكنه عرف أن المشير أبلغ شمس 
بدران بذلك فى نفس الليلة . ومعنى ذلك أن شمس بدران لم يكن 
حاضرا اللقاء ولم يكن طرفا مشاركا فى الاتفاق . 


خامسا ‏ أما ما أورده فؤاد مهداوى من أن حمال عبد الناصر عندما 
أبلغ شمس بدران بعدوله عن الاستقالة » رد عليه بقوله : « يادى 
الداهية » ! . أو الرواية التى نقلها عبد الصمد محمد عبد الصمد عن 
شمس بدران ». والتى انتقد فيها عبد الناصر لسرعة عدوله عن 
الاستقالة ,» نذلا مر ترك الفرصة لركريا محيى الدين لتجربة الوصول 
إلى اتفاق مع الامريكيين على الانسحاب الاسرائيل من الأراضى 
المحتلة ‏ فإن مثل هذه الروايات لاتعدو أن تكون تأكيدا للشعور 
بالصدمة الى أحين عا شمس بدران » لأن الأمور جرت على غير 
مايشتهى . سواء فيما يتصل بإعلان زكريا محبى الدين خلفا لعبد 
الناصر » أو عدول عبد الناصر عن التنحى واستمراره فى إدارة شئون 
البلاد . 


سادسا ‏ أن رواية المشير عامر التى أنكر فيها أنه بعث بورقة لعبد 
الناصر أثناء القاء خطاب التنحى . تبدو أقرب إلى الصواب . فان 
المطلع على الخغطاب يلاحظ أن عبد الناصر أعلن قراره بالتنحى فى 
الثلث الأخير من خطابه . وإذا كان قد قصره على اعلان تنحيه هودون 
المشير » فإن المعقول أن ينتظر المشير إلى نهاية الخطاب على أمل أن يعلن 
عبد الناصر تنحيه أيضا . وفى الوقت نفسه فإن الوقت المتبقى للانتهاء 
من الخطاب لم يكن يسمح بتحرك المشير لارسال ورقته لعبد الناصر . 


"515 





ذلك أن تحرك المشير كان بعد انتهاء عبد الناصر من المخنطاب وليس 
قبله . وهو ماحدث تماما : 


على كل حال » فإن هذا يبين فى وضوح أنه عند انتهاء عبد الناصر 
من إلقاء خطابه » كانت قد انطوت صفحة من تاريخ مصر » تميزت 
بإزدواجية السلطة » وبرزت واضحة عناصر الصراع الكامنة بين 
الرجلين اللذين كانا يتقاسمان الحكم . والتى كانت تختفى تحت مظاهر 
الصداقة والود والمصلحة المشتركة فى البقاء على قمة السلطة » وأصبحنا 
أمام صراع مكشوف . يقف فى طرفه عبد الناصر وأجهزته السياسية 
والشعبية » وفى طرفه الآخر يقف المشير عامر ومجموعته العسكرية . 
وهو صراع يحكمه ويحركه تصميم وعزم بالغين من جانب عبد الناصر 
على التخلص من المشير عامر ومجموعته الحاكمة , لتصحيح مسار 
البلاد » وانقاذها من الثنائية وتحكم اليش » وإصلاح أوضاع القوات 
المسلحة واعدادها للجولة التالية فى الصراع العربى الاسرائيل . 


وسرعان ماأخذت الأحداث تجرى سراعا فى كلا المعسكرين » بينا 
كانت القاهرة وجميع العواصم العربية تموج بتحركات اناهير ! 


1 





9 


أهدات ١‏ يونية المغيرة ! 


كانت هذه الحقيقة » وهى عزم عبد الناصر منذ البداية على 
التخلض من المشير عامر ومجموعته العسكرية إذا جدد الشعب ثقته 
به » هى التى جعلت أنصار المشير يشبهون الاتفاق الذى تم بينهما على 
التذحى » باتفاق موسى الأشعرى وعمرو بن العاص . عندما خلع 
موسى الأشعرى على بن أبى طالب » وثبت عمرو بن العاص 
معاوية ! . 


على أن المشير كان له رأى آخر . فقد شبه ما وقع بينه وبين عبد 
الناصر بها يحدث فى أفلام رعاة البقر ! » فقال : ( أنا رميت المسدس 
فى الأرض » ومشيت . وانا ماشى » راح وانده وضاربنى بيه ! . تماما 
زى أفلام الكاوبوى لما تلافى فارس لايمكن أن يضرب من الخلف » 
وآخر لايضرب أبدا وجها لوجه ! ) . 


وكان تحليل المشير لما حدث - كما رواه لعبد الصمد محمد عبد 
الصمد ‏ أن الفرصة سنحت لعبد الناصر لازاحته : « كان إبعادى من 


51 





اليش هى أمنية جمال من حداشر سنة . وتحققت برضائى ! . لا 
استقلت ( سنة 14517 ) لو كان قادر يقبل الاستقالة » كان قبلها ! , 
ولو كان قادر يعزلنى ‏ كان عزلنى ! . فالمسالة مش زى الناس ماهم 
فاهمين : وهوان اللى بيننا صلات وعواطف . اللى بيئنا « فرض وجود 
على إرادته ) !. 


هذه الحقيقة ‏ إذن ‏ يجب أن تكون قائمة فى أذهان الباحث وهو 
يحقق أحداث 4 يونية . فهل كانت هذه الأحداث مديرة ؟ . » أم أنها 
كانت انطلاقة شعبية تلقائية تتشبث با حياة والوجود . وتتخذ رمزا لها 
شعخص عبد الناصر ؟ : 


إن لدينا بعضص المصادر التى نحترمها ولانشك فى نزاهتها » رغم 
خصومتها لعبد الناصر » تؤكد عنصرالتدبير فى هذه المظاهرات . فقك 
أورد عبد اللطيف البغدادى أنه « بعد انتهاء خطاب عبد الناصر مباشرة 
سمعنا الحتافات . ورأينا تحركات شباب الاتحاد الاشتراكى فى 
الأوتوبيسات واللوارى 2 رغم الظلام الذى بكيم على المدينة الحظر 
الانارة » ورغم طلقات المدفعية المضادة للطائرات . واستنتجنا من هذا 
وتطالب ببقائه . وأردنا أن نشاهد هذا الذى يجرى بأنفسنا . فركبنا 
سيارة حسن ( ابراهيم ) نحن الثلاثة ( الثالث هو الدكتور رشوان 
فهمى ) وتوجهنا بها نحو منزل جمال » وهو قريب من منزل حسن . 
فوجدنا عددا ضخما من شباب الاتحاد الاشثراكى حول منزله » رغم 
قصر الوقت بعد انتهاء خطابه ! . فمن أين أحضروا هذه الأوتوبيسات 
واللوارى ليتواجدوا بهذه السرعة ؟ . لابد أن تكون قد جهرت من 
قبل » وأن هناك استعدادا لهذا التحرك ! ) . 


احم 





وهذا الذى أورده عبد اللطيف البغدادى , أكده الفريق عبد 
المحسن مرتجى فى مذكراته . فقد أورد أنه بعد بيان الرئيس مباشرة » 
تظاهرت فئات عديدة من الشعب تطالب بضرورة بقائه . « والأمر المثير 
للدهشة » كيف. أمكن لكل هذه اللجموع الممتطية السيارات » وتحمل 
الرايات واللافتات المدون عليها الشعارات والنداءات التى تطالب 
ببقاء رئيس الحمهورية ‏ أن تملأ الطرق ببذه السرعة المذهلة ؟ . وقد 
استمر اندفاع الجماهير والمظاهرات تسيرفى الشوارع والطرقات . هاتفة 
بعبد الناصر وبضرورة بقائه فى الحكم . وتحت ضغط هذه الأصوات 
كذا  !‏ أعاد رئيس الجمهورية النظر فى قراره السابق » وتنازل عنه » 
ووافق على أن يستمر على قمة النظام الحاكم فى مصر » رغم النكبة التى 
نزلت بالقوات المسلحة وبالبلاد » واستقطاع جزء من أراضى مصر » 
وهو مالم يحدث فى تاريخ مصر القديم أو الحديث » ! : 


وقد أورد عبد الصمد محمد عبد الصمد » عضو مجلس الأمة عن 
دائرة المشير . أنه عندما سمع خطاب البنجي اصطحب زميلين له . 
وأبرق لرئيس مجلس الأمة بأنه وأعضاء المنيا فى الطريق » وطلب امتداد 
الجلسة لحين وصوطم . « وأفزعنى ما رأيت فى كل الطرق حتى 
القاهرة . خرجت كل وسائل النقل قف القطاع العام والقطاع الخاص 
( بالأمر ! ) . وهرع الألوف من هؤلاء الصبية والفتيان » وكل واحد 
يحمل عصاه من غصن شجرة أو جريدة من نخلة » وينهالون بها عل 
السيارات الخاصة ضربا وتكسيرا وتحطيا » ومنها سيارثنا . حتى أخرج 
زميق عامر مسدسه » وطلب من السائق أن يخترق هذه الحشود » 
ولايقف مهما حدث . ونجونا من الموت بمعجزة . ومن بلدة العياط إلى 
بيتى فى الدقى » أوقفنا بعض شباب منظيات على صبرى ليفتشوا 
السيارة » بسبب سسيريات إشاعة عن تسلل جندى اسرائيل إلى داخل 
البلاد . وأخرجت لهم بطاقة عضوية مجلس الأمة بعد أن طليوا 


"1 





بطاقاتنا » وشرحت هم مهمتنا . وق الساعة العاشرة صباحا وصلت 
الس اام عيدو 2 


هذه هى الروايات التى تنحدث عن عنصر التدبير فى مظاهرات 
4 يونيو . ولكن فى المقابل توجد روايات أخرى تنفى هذا العنصر , 
وتؤكد على عفوية وتلقائية تلك المظاهرات . فيذكر منير حافظ » وكان 
الرجل الثانى فى مكتب المعلومات » الذى كان عبد الناصر يحكم من 
خلاله » ويرأسه سامى شرف أنه لم يكد عبد الناصر ينتهى من 
خطابه » « حتى انتبهت من ذهولى على ضجيج فى الصالة الخارجية 
للمكتب » حيث تجمهر الموظفون يتصايحون ويتسائلون ! . وعبر 
النافذة فى الشارع .» شاهدت منظرا فريدا : نساء فى ملابس البيت 
يجرين فى الطرقات يصرخن ويولولن » جنود الحرس الجمهورى نخرجوا 
من ثكناتهم القريبة وتجمهروا حول مدخل بيت عبد الناصر . مئات من 
الرجال والنساء انشقت الأرض عنهم » يصرخون ويبتفون . ثم صفير 
راكبى ال موتوسيكلات يسبقون موكب عبد الناصر وهو يعود إلى بيته , 
وسيارته تشق الطريق بصعويبة لتدخل البوابة » والجماهير وراءها , 
وعساكر الحرس يناضلون حتى استطاعوا اغلاق البوابة الحديدية على 
بيت عبد الناصر . ) . 


وبدأنافى دائخل المكتب نعرف ماكان يجرى خخارجه : عندما انتهى 
عبد الناصر من خطابه » وكان الوقت قبل الغروب » هاجت الجاهير 
التي كانت تقف ى الشارع تستمع إلى الخطاب من أجهزة الراديو فى 
المقاهى والمحلات » وانفجرت المشاعر المشحونة بأحداث الأيام 
الأربعة الماضية » والمتهاوية نفسيا » أمام المفاجأة القاسية التى اختتمت 
بها الأحنداك بالحزيمة . خترجت التموع تجرى ى الشؤارع: على غير 
فذق" التطفن ل كين الأقينة و والعضن ]ل لين الحورر امن 


1١ 





والبعض إلى قصر القبة » والبعض إلى بيت الرئيس بمنشية البكرى . 

ومع ساعات الليل » ظهرت ظاهرة جديدة » وهى تلك الىاهير التى 
تدفقت من القرى القريبة من العاصمة لتحتل الشوارع حول مجلس 
الأمة وميدان التحرير وسراى القبة . وظل الناس رجالا ونساء وأطفالا 
فى هذه الشوارع بلا نوم حتى الصباح فى انتظار مجىء الرئيس . لم 
يحركهم أحد . ونم يكن هناك من الجماهير من هو مستعد لأن يستمع 
لأية أوامر أو تعليات ») ! . 


ويفسر محمود اليار سرعة تجمع اللماهير حول بيت عبد الناصر 
عقب خطابه تفسيرا معقولا . فقد ذكر أن الجماهير الغاضبة التى كانت 
قد تجمعت فى الصباح قرب منزل عبد الناصر » والتى أمكن 
استدراجها إلى ميدان العباسية حتى لاتفتك بعبد الناصر عند اختراقه 
لها فى طريقه إلى قصر القبة لاذاعة خطابه ‏ عادت فورا فى أعقاب 
سماعها الخطاب إلى بيت عبد الناصرء لالتفتك به هذه المرة » وإنما 
لترغمه على العدول عن الاستقالة . 


والسؤال الآن : ماهى الحقيقة فى هذه الروايات المتناقضة ؟ . 

ربما كان أفضل مانتبعه هنا هو أن نحدد لهات التى يمكن أن تدبر 
هذه المظاهرات ( ثم لتتبع تحركاتها فى تلك الليلة التارضخية : وهذه 
الجهات لاتعدو أربع » هى : 


- سامى شرف على رأس مكتب المعلومات الذى يحكم عبد الناصر 
من خخلاله . 





تاغل ضبرق رفش الاحاد الاشستزاكن .. 
- وشعراوى حمعة وزير الداحلية : 


وبالنسبة لعبد الناصر » فيفهم من الرواية التى أدلى بها للفريق عبد 
المحسن مرتجى فى نوفمبر 19717 » أنه بعد اتفاقه مع المشير على التنحى 
وتسرشيح شمس بدران مكانه , فى مساء 6 يونية 3 كان متعبا ومرهمًا 
نفسيا وذهنيا . ولكن الحديث الذى دار بينه وبين المشير ظل يشغل 
تفكيره » فلم يتمكن من النوم إلا بعد أن تعاطى منوما . ومعنى ذلك 
أن عبد الناصر لم يفعل شيئا فى تلك الليلة بسبب الارهاق . 


على أن الواقع أن عبد الناصر كان لديه الكثير ليفعله فى تلك 
الليلة . وعمدتنا فى ذلك مكتب المعلومات . فيذكر منير حافظ أن عبد 
الناصر لم يكد يصل إلى بيته حتى أخذ يباشر اتصالاته التليفونية . وكان 
أولما مع محمد فايق » وزير الأعلام 4 الذى يستنتج منير حافظ أن 
المحادثة بينهما كانت بخصوص الخط الذى يتبعه فى الاذاعة بعد 
الظروف الجديدة . وإن كان الأقرب للمنطق أن تدور المحادثة حول 
ترتييبات خخطاب التنحى فى اليوم التالى . 

وكانت المحادثة الثانية لعبد الناصر مع محمد حسنين هيكل , 
بخصوص الاستقالة » وهى محادثة يصفها منير حافظ بأنها كانت 
طويلة . الأمر الذى يشير إلى أن عبد الناصر كان يضع طيكل الخطوط 
العامة التتى تصاغ فيها . 

وفى الساعة الثانية صباحا تقريبا » اتصل عبد الناصر بسامى 
شرف ء ليبلغه بها جرى بينه وبين المشير عامر فى القيادة العامة . وفيه| 
يبدو أن الحديث أثار سامى شرف , لأن منير حافظ سمعه يصرخ فى 


رثف 





عبد الناصر فى هستيرية وهو يقول : «١‏ فوق بقى ياشيخ فوق ! . هو 
انت إيه ؟ » حتفضل لامتى شايل ( . . . ) « قاذوراتهم » على 
دماغك ) . وأسرع منير حافظ يخلص ساعة التليفون من يد سامى 
شرف التى تشنجت عليها » واعتذر لعبد الناصر بحجة أن أعصابه 
فلتت منه . فنصحه بأن يعطيه مهدثا لينام ! . 


ومن واقع هذه الرواية نرى أن عبد الناصر كان يعد نفسه نطاب 
النكسة » سواء فيهما يتصل بالاذاعة » أو بإعداد الخطاب مع هيكل . 
التدبير يقتضى لقاءات مع من يكلفون به من وزراء وغيرهم . 


أما فيه| يتصل بسامى شرف » فيتضح من رواية منير حافظ السالفة 
الذكر آله كان معارا بسبت اعتزام عبد الناصر التتيقى: ومثين نعافظ 
هنا لايكتفى بتلك الرواية » إذ يورد أنه فى اليوم التالى » 4 يونيوء 
وبعد أن تمت كتابة خطاب الاستقالة على الآلة الكاتبة بمعرفة هيكل 
وسامى شرف - على نحو ماأوردنا ‏ انمار سامى شرف مرة أخرى » 
« وأخذ يصزخ ويبكى مثلم| يبكى ويصرخ أهل ميت ساعة خروجه من 
بيته)ء. وتحول صراخه إلى نشيج يبتز له جسده كله ! . وفى تلك 
اللحظة ‏ كما يقول منير حافظ ‏ اتصل هيكل تليفونيا بسامى شرف » 
ولما سمع صراخه سأل عن السبب » فرد عليه منير حافظ بأن « أعصابه 
تعبت شوية » » فأجاب هيكل ساخرا : « حقيقى ان اللى حواليه شوية 
عيال ! لما يفوق خليه يكلمنى ! ) . 

أما على صبرى » رئيس الاتححاد الاشتراكى . فان الصورة التى 
رسمها محمود الجيار عنه تذهب إلى النقيض قماما ما نسب اليه من دور 
فى تدبير المظاهرات . فقد أورد أن الدور الوحيد الذى لعبه الاتحاد 


قف 





الاشتراكى فى تلك الليلة » لم يكن مع عبد الناصرء وإنهما كان 
ضده ! . وأن الاتحاد الاشتراكجى أطلق فى تلك الليلة مظاهرة تدعو إلى 
تولية على صبرى رئاسة الجمهورية » وشعارها : (لا زكريا ولا 
رجعية » على صبرى رئيس الجمهورية » ! . وفى اليوم التالى 
٠‏ يونيو» وبينما كانت الى|هير تفرض قرارها بعودة عبد الناصر ء 
كانت لجان الاتحاد الاشتراكى - التى لاتعمل إلا بتعلييات من أعلى - 
كما يقول الحيار ‏ تنزع صورة عبد الناصر من مكاتبها فى الحيزة » وى 
الغربية » وفى الدقهلية . وهى المحافظات التى وردت منها تقارير 
اطلع عليها محمود الجيار بنفسه ‏ حسب قوله ‏ وتأكد حينها أن هذا 


وواضح أن هذه القصة عن نزع صور عبد الناصر من مكاتب 
الاتحاد الاشتراكى فى المحافظات المذكورة » هى قصة مستحيلة 
التصديق ! . ولعل التقارير التى اطلع عليها الجبار من صنع نيال 
بعض الموتورين من تلك المكاتب ! . فلقد كان معروفا أن عبد الناصر 
قد عدل عن استقالته منذ أن أخذت الاذاعة تذيع البرقيات التى 
تطالب بعدوله عن التنحى . وتلك خبرة اكتسبها الشعب المصرى من 
أزمة مارس ١964‏ لعرفة اتجاه الريح ! . وأما المظاهرة التى تطالب 
بعلى صبرى رئيسا للجمهورية . فلعلها مظاهرة عفوية تطوع بها بعض 
أنصاره » ولكن لا يمكن أن يأمر بها على صبرى » لسبب بسيط هو أن 
على صبرى كان من أركان النظام الذى استقر لعبد الناصر بعد حرب 
يونية » ولو كان هو الذى أطلق تلك المظاهرة , لما أبقاه عبد الناصر 
ساعة واحدة ! . 


وفى الواقع أن على صبرى كان من أوائل من تقاطر من المسئولين على 
بيت عبد الناصر فى أعقاب الاستقالة لحمله على العدول عن التدحى . 


حرضن 





ويقول محمود الجيار ‏ الذى يبدو أنه لم يكن له حبا كبيرا - أنه منعه من 
الدخول إلى مكتب عبد الناصر. « ولم يفهم على صبرى كيف يمكن 
أن أمنعه من مقابلة عبد الناصر » وصاح : 


المسألة خطيرة جدا . لقد ترك الجيش مواقعه واتجه إلى القاهرة 


وقد رد عليه الخيار بقوله . 


( وماذا تفعل أنت هنا ؟ . وماذا سيفعل لك عبد الناصر ؟ . لقد 
تنحى . أما الجيش فاذهب انت واجعله يعود إلى مواقعه ! ) . 


ومن هذه الصورة » نستبعد قيام على صبرى بأى دور فى تحريك 
مظاهرات 4 يونيو . لا فى صالحه ليكون رئيسا للجمهورية . ولا ى 
صالح عبد الناصر وبقائه فى الحكم ! . 


بيت عبد الناصر لحمله على العدول عن الاستقالة » وقد جاء أيضا عبد 
المحسن أبو النور والنبوى المهندس . وقد تذرعوا بحيلة لمقابلة عبد 
الناصر » هى أن مظاهرة شعبية اتجهت إلى بيت زكريا محبى الدين 
لقتله . ويقول الحيار : ١‏ ودخلت لأجدهم يحاصرونه ( عبد الناصر ) 
بالدموع والتشنج ٠»‏ ويرهقونه بأكثر ما هو مرهق . كنت أشعر بأنهم 
يتكلمون فقط من زاوية الخوف على مناصبهم . التى يستمدونها من 
عبد الناصر وجعلنى هذا الاحساس أتجاوز حدودى ) . 


احرص 





ف حجرة الطعام بمنزل عبد الناصر » لحتو يصدر قرارا برفقضس 


- ماجدوى أى اجتتماع يتم الآن ؟ . وماذا تفعل أنت هنا وأنت وزير 
الداخلية ؟ » والبلد كلها تغلى ؟ . قال شعراوى : وماذا أستطيع أن 
أفعل ؟ . العساكر انضمت إلى المظاهراث , والصورة جهدد بكارثة 
تكرر حريق القاهرة عام ١4657‏ : 


ويكمل مثير حافظ الصورة » فيقول انه فى تلك الأثناء » اتصل 
فتحى مهنس » مدير مكتب شعراوى جمعة ,يطلب مكالمته. 
« وبالبحث عنه , تبين أنه يبكى هو الآخر » ويرفض الرد على أى 
ل » أو الادلاء بأى شىء . بل انه قال لمن حاول استدعاءه 
للتليفون ‏ أنه لم يعد له شأن بشىء » ولايستطيع أن يفعل شيئا » ! 


ومن هذه الصورة التى يرسمها شهود العيان من منزل عبد الناصر 
ومكتب المعلومات ( تمشعك: قاما أ دور لشعراوى حمعة فى تدبير 


بقيت شبهة اذاعة تلغرافات التأييد لعبد الناصر من الاذاعة فى تلك 
الليلة . وهى ‏ كما ذكرت - تقليد متبع منذ ثورة *1؟ يوليو» يشتم منه 
الجمهور المصرى رائحة التدبير والافتعال . وقد روى مثير حافظ أصل 
هذه المسألة . فقد ذكر أن مدير الاذاعة » أمين حماد » اتصل بمكتب 
سامى شرف . ليسأل الرأى فى إذاعة التلغرافات التى وصلته تطالب 
عبد الناصر بعدوله عن الاستقالة. «فقلت له : مالمانع من 
إذاعتها ؟ . وبدأت أملى عليه ماعندى من برقيات . وبعد دقائق ‏ 


يفف 





سب ا ا ا 1 
البرقيات ؟ . عندئذ بدأت أقلق , لابد من تلقى توجيهات . واتصلت 
بالتليفون الداخلى أطلب محمد فائق فى بيت الرئيس ., فلم يستطع أحد 
أن يوصلنى به . وطلبت سامى شرف » فقيل لى أنه فى حالة لايمكن 
الرد على فيها . وأخيرا إذا بالسفرجى فى بيت عبد الناصر يقول لى : 
ان على صيرى أمامه . فقلت له ليوصلنى به . واستأذنته فى إذاعة 
البرقيات . فتردد برهة , ثم قال : « مافيش مانع . . ذيع ! ) . 
أسرعت إلى على خشبة أبلغه التعلييات . وبدأت إذاعة بعض البرقيات 
فى الاذاعة والتليفزيون . وكان عبد الناصر فى غرفته » وسمع إذاعة 
البرقيات » فأرسل إلى محمد فائق ليوقف إذاعتها 


من هذا العرض يتضح أن القوى السياسية المحيطة بعبد الناصر » 
والتى يمكن اسناد تدبير مظاهرات 4 يونيو اليها » لم تكن فى حالة 
يستدل منها على امكاءها القيام بهذا الدور . لقد كان هذا الدور فى 
حاجة إلى مشر قيادة وهيئة أركان لادارته » فضلا عن أعصاب من 
حديد ‏ لارجال يبكون ويولولون ويتشنجون وينهارون ! . 


والسؤال الآن : أين الحقيقة ؟ 


000 أن الرأى الذى ينسب مظاهرات 9 يونيو إلى تدبير الاتحاد 
شتراكى .» يغفل حقيقة هامة هى أن هذا التنظيم لم يكن يتمتع 
بشعبية بين م كه داه هذا الدور الضخم . لقد كان مكونا 
من قيادات غير جماهيرية وصلت إلى مواقعها بإرادة الحاكم ولم يكن 
لإرادة الجماهير دخل فى اختيارها . وقد أضعف من تأثير هذه القيادات 
ايان الجميع بشكلية العمل السياسى فى غياب الديمقراطية الحقيقية . 





وعندما تولى على صبرى الأمانة العامة . أقرمبدأً التفرغ 
السياسى ٠»‏ كما قرر مرتب نائب وزير لأمين كل محافظة » « مما نقلهم 
- على حد تعبير أمد حمروش - نقلة اجتماعية كبيرة » وجعلهم يدخلون 
فى دائرة المستفيدين من العمل السياسى ) . وق الوقت نفسه » تقررت 
للذين كانوا ينتدبون من وظائفهم للعمل فى الانحاد الاشتراكى . نسبة 
مئوية اضافية تصل إلى ربع مرتباتهم » مما خخلق تكالبا على الالتحاق 
به» وجعل الجماهير تنظر إلى قيادات الاتحاد الاشتراكى بوصفهم 
منتفعين لامناضلين ! . وقد كان على صبرى نفسه » على الرغم من أنه 
يقبع على رأس أكبر جهاز شعبى فى مصرء شخصية غير ججاهيرية ‏ 
إذ كانت له طبيعته الحادئة المنطوية . 


مثل هذا التنظيم كان فى وسعه فقط أن يخرج مظاهرات مأجورة 
لاستقبال زائر عند قدومه من الخارج ؛ أو التظاهر فى احدى المناسبات 
التى ترى السياسة المصرية حاجتها فيها إلى إظهار العنصر الشعبى . 
وفى ذلك كان يعتمد على جماهير القطاع العام ودواوين الحكومة بالدرجة 
الأولى » التى كانت ترى الاستجابة له , لأخها تتبح لما فرصة للراحة 
من العمل وقضاء بعض الوقت فى تبريج وحرية وانطلاق وصياح , 
تنفث فيها عن متاعبها المكبوتة . ولكن لم يحدث فى طول ثورة 1" يوليو 
وعرضها أن استطاعت تنظبمات الثورة » سواء كانت هيئة التحرير أو 
الاتحاد القومى أو الاتحاد الاشتراكى . إخراج الجاهير المصرية من بيوتها 
مساء ء ومهذا الحجم ال هائل 3 لتقضى الليل فى الطرقات قف الظلام ' 
تحقيقا لحدف رسمته لها هذه التنظيات ! . 


ولاذا نذهب بعيدا ؟ . , لقد كانت كل هذه القيادات السياسية 
والشعبية المنهمة بتدير مظاهرات 4 يونية » موجودة فى أزمة 
ماي و1911 » بعد أن أصبحت أكثر قوة وأشد نفوذا فى غياب حكم 


خرف 





المشير ومجسوعته 0 فقد كب اوه 
الوزراء ووزيرا للداخلية وأمين التنظيم الطليعى » وأصبح سامى شرف 
وزيرا برئاسة الجمهورية وعضو أمانة التنظيم الطليعى ومسئولا عن 
منطقة شرق القاهرة للتنظيم الطليعى . ومحمد فائق وزيرا للاعلام 
ورئيس منطقة غرب القاهرة للتنظيم الطليعى » وعلى صبرى نائبا 
لرئيس الجمهورية وعضو اللجنة التنفيذية العليا » ومحمد عبد المحسن 
أبو النور أمينا عاما للاتحاد الاشتراكى وعضو اللجنة التنفيذية . 


كانت كل هذه القيادات موجودة فى أحداث مايو 191/١‏ » ومع 
ذلك فلم تستطع إخراج صبى واحد من صبية المدارس يساندها فى 
صراعها مع السادات ! . فما بال جماهير 9 يونية التى لم يشهد تاريخ 
ثورة 7٠‏ يوليو لها مثيلا ! . بل إن أزمة مايو ١91/١‏ تحمل الدليل الدامغ 
على عجز هذه القيادات التنظيمى والسياسى والشعبى » وافتقارها إلى 
القدرة على تحريك الىاهير . لقد كان فى يدها الداخلية » والاتحاد 
الاشتراكى 0 والاعلام 2 والقوات المسلحة .» وم يكن لدى السادات 
شىء . ثم جردت نفسها طواعية وبسذاجة بالغة من كل هذه 
الأسلحة » وسلمتها للسادات » وقدمت له استقالاتها بطريقة 
مسرحية . فوجدت نفسها فى اليوم التالى فى السجون بتهمة محاولة قلب 
وتغيير دستور الدولة ونظامها الجمهورى وشكل الحكومة والاطاحة 
برئيس الجمهورية ! 


8 الواقع أن اهام مظاهرات 4 يونية بأنها مظاهرات مدبرة ٠»‏ هو 
اهام مهين جدا للشعب المصرى . لأنه يعنى ببساطة شديدة أنه 
شعب » لايساق فقط كالأغنام ؛ وإنها يساق وهو سعيد يردد الأناشيد 
والقصائد اللحاسية فى مناقب من ساقوه ! . وتاريخ نضال الشعب 
المصرى شاهد لايكذب على فساد هذا القول . 


رن 





عنصر التدبير الى الاتحاد الاشتراكى » وهى روايات أعلنا نزاهة رواتها 
واحترامنا لهم ؟ . 


فى الواقع أن رؤية كل من عبد اللطيف البغدادى والفريق عبد 
المحسن مرتجى لشباب الاتحاد الاشتراكى فى هذه المظاهرات » ليس 
دليلا فى حد ذاته على وجود عنصر التدبير فيها . فشباب الاتحاد 
الاشتراكى هو جزء من شباب هذا البلد » ومن الطبيعى أن ينفعل 
بالاستقالة ى| انفعل جميع شباب مصر . بل ربا لانجاوز الحقيقة كثيرا 
إذا قلنا إنه قد يكون أشد انفعالا ! » فقد عرفت معدن هذا الشباب 
و نكت ساوان :عنما لدعي نالحد الناسرائقه لماه بعفن 
المحاضرات عليه » وكان شبابا واعيا مثقفا » ويدرك ماما أبعاد المرحلة 
التاريخية التى يعيش فيها . ومن الطبيعى أن يسارع هذا الشباب إلى 
التعبير عن انفعاله بالتظاهر , كها فعل غيره من الشباب الآخر» وإذا 
كان لديه امكانيات أفضل للتعبير هيأتها له أجهزة الاتحاد الاشتراكى » 
مثل اللوارى والسيارات » فمن الطبيعى أيضا أن يستخدمها . ولكن 
ذلك لايعنى أنه تلقى تعلييات بذلك . 


وربها كانت حالة حسين كامل بباء الدين » قائد منظمة الشباب » 
مثالا على ذلك . فقد اندفع إلى مكتب المعلومات فى أعقاب الخطبة » 
ليقول بصوت عال : أن ثلاثين ألف فرد من منظمة الشباب مستعدون 
للزحف على بيت عبد الناصر , لإثنائه عن عزمه ! . ثم التفث إلى منير 
حافظ قائلا : ورقة .. ورقة ! », وكتب عليها نص برقية إلى عبد 
لناصر يناشده فيها باسم الاف الشباب العدول عن تنحيه ! . 


وواضح هنا أن حسين كامل بهاء الدين » لو كانت لديه تعليهات 


صن 





لاخراج الشباب فى مظاهرات وفقا لخطة مدبرة » لما كان فى حاجة إلى 
القيام بهذا العرض فى مكتب المعلومات التابع لعبد الناصر » وما كان 
فى حاجة لكتابة برقية لعبد الناصر يناشذه فيها العدول عن الاستقالة » 
وهو يعلم قبل غيره بالتمثيلية المدبرة ! . 


وعلى ذلك فلا نعتقد أن ماأورده الفريق عبد المحسن مرنجى 
بخصوص الرايات واللافتات المدون عليها الشعارات والنداءات التى 
تطالب بقاء رئيس الجمهورية » والتى تحملها السيارات التى تقل 
الجموع ‏ يمثل الحقيقة ! . ونعتقد أن الفريق مرتجى قد رأى هذا 
المشهد فى اليوم التالى ٠١‏ يونيو» وليس فى اليوم الأول . أو لعله راه فى 
الليل المتأخر ! . ذلك أنه إذا كان قد ثبت لنا أنه لم يكن ثمة عنصر 
تدبير فى هذه المظاهرات » فان وجود مثل هذه اللافتات المدون عليها 
النداءات فى أعقاب خطاب عبد الناصر مباشرة » يكون أمرا متعذر 
التصديق ‏ اللهم إلا إذا كانت هذه اللافتات قد كتبت على عجل 
بأيدى المتظاهرين . ولم تكتب بأيدى خطاطين مختصين كما جرت 
العادة . ومع ذلك » فنعتقد أنه لو كان عنصر التدبير موجودا بالفعل » 
لما بلغت الغفلة بمدبرى المظاهرات إلى حد أن يفضحوا أنفسهم 
بلافتات معدة من قبل على هذا النحو . فجاهيرنا ذكية » وقد تمرست 
بالدرجة الكافية لملاحظة هذه الأشياء بسهولة . 


أما ما أورده عبد الصمد محمد عبد الصمد فى روايته من أنه شاهد 
كل وسائل النقل فى القطاع العام والقطاع الخاص تخرج « بالأمر) ! . 
فنعتقد أنه مجرد استنتاج من جانبه » لأنه لم يرو لنا مصدر هذو 
المعلومة » ولم يقل لنا من هى الجهة الآمرة؟ : هل هى الاتحاد 
الاشتراكى أم هى وزارة الداخلية ؟ . مع أنه حين تعرض لقصة تفتيش 
سيارته بسبب: إشاعة تسلل جندى اسرائيل ٠‏ ذكر بضراحة أن الذين 


ضفن 





تعرضوا له هم « شباب منظيمات على صبرى ) ! . 


والرأى عندى أن الذى دفع الشباب إلى الخروج على طول الطريق 
من الصعيد إلى القاهرة ‏ كما يروى عبد الصمد محمد هو نفس الدافع 
الذى دفعه نفسه للخروج من بلدته ومعه نواب المنيا » والابراق لرئيس 
الأمة يطلب منه امتداد الجلسة حتى حضورهم . ثم السفر إلى القاهرة 
ليلا رغم مشاق الطريق . وهو أيضا نفس الدافع الذى دفع جماهير 
الأمة العربية فى بيروت وبغداد وعمان ودمشق وغيرها من العواصم 
العربية » إلى الخروج فى نفس الوقت مع جماهير الشعب المصرى » دون 
أن تكون وراءها سلطة الاتحاد الاشتراكى أو الداخلية المصرية . هذا 
الدافع هو التشبث بالحياة والوجود. وسط الخطر المحدق بالبلاد » 
والتعبير عن التحدى وإراداة الصمود مهما بلغت التكاليف 
والتضحيات . 


ومن المحقق أن الدولة فى مصر كانت قد انتهت باستقالة عبد 
الناصر » أو أنها توقفت عن الوجود » وعادت مقاليد الأمور إلى 
الجماهير . تقررها وفق ارادتها الحرة الطليقة . ولم يكن فى .وسع أية قوة 
أن تسيطر على الجماهير» لسبب بسيط هو أن كل قوة فى مصر كانت 
قد انتازت :افق انوان الحيقى ب واماريك نه لادنة السكرة كن 
اهارت الحكومة » التى كانت حاضرة ‏ غائبة أيام الحرب ! . واغبارت 
القيادة السياسية فثلة »عي الناضر + الذى كان يشعر شعوزا عميقا 
بأنه ذل الجماهير التى منحته ثقتها بلا حدود . ول يبق متماسكا صلبا 
سوى الشعب وسط كل هذا الاميار» فخرج إلى الطرقات يثبت وجوده 
وعدم اهتزازه » ويعيد تشكيل الحياة السياسية من جديد » ببيعته 
التارضخية لعبد الناصر . 


يفف 





والسؤال الذى يطرحه كثيرون : هل كانت جماهير الشعب المصرى 
وتناشده البقاء , لو كانت تعلم حقيقة ماحدث ؟ : 


والاجابة على هذا السؤال لاتدخل فى اختصاص المؤرخ . فليس فى 
مهمة المؤرخ الاجابة على الأسئلة التى تبدأ بكلمة « لو » . وإنما مهمته 
بعث الحدث التاريخى من الماضى . وإعادته كا كان أو قريبا ثما كان . 
وبمعنى آخر أن مهمة المؤرخ الاجابة على سؤال : كيف حدث التاريخ 
بالفعل ؟ . وليست الاجابة على سؤال : كيف كان يمكن أن يحدث 
التاريخ لو توفرت ظروف معينة ؟ . 


وعلى ذلك فكل مانستطيع أننفعله هنا هو تفسير تمسك الشعب بعبد 
الناصر فى ذلك اليوم التاريخى . وكان فى إمكانه أن يفعل العكس ء 
وهو أن يثبت وجوده وإرادته وصلابته عن طريق محاسبة عبد الناصر وكل 
من تسببوا فى هزيمته ! . ذلك أن هناك أقوالا قد صدرت تدين تمسك 
الشعب بعد الناصر » وتقول إنه خالف تقاليد الشعوب العريقة النى 
درجت على محاسبة قادتها وزعمائها اذا ارتكبوا أخطاء أو تسببوا فى هزائم 
عسكرية جسيمة » أو خسروا الحروب . وأنه لم يحدث فى التاريخ أن 
تسبب قائد فى مثل تلك الزيمة ال منكرة التى الحقت بمصر فى حرب 
يونية » ثم خرج الشعب بأسره ليعلن تمسكه به كى! لو كان قد حقق له 
أروع انتصار ! . وقد كتب عبد الصمد محمد عبد الصمد يصف 
خروج الشعب فى 9 يونية لاعادة عبد الناصر إلى الحكم » بأنه 
« مأساة) .. مأساة شعب جاهل . فكتب يقول : « ومهما قيل فى 
تبرير تلك المأساة » فهى ليست إلا انفعالا عاطفيا تمن لايعرفون إن 
كانت العريش احدى المدن المصرية أم مدينة فى اليونان » ! . 


نايف 





والحقيقة التاريخية هى أن الشعب المصرى لم يكن يعى حتى يوم 
9 يونيو طبيعة النظام الذى كان يحكمه . لقد أفلحت وسائل الأعلام 
منذ أزمة مارس ١985‏ إلى حرب يونية /1951 فى إقامة جدار سميك 
بينه وبين الحقائق . فصورت له الأخطاء التى ارتكبت فى حرب ١965‏ 
فى صورة أمجاد . وصورت له قادته العسكريين فى صورة كبار القادة 
العالميين ! » وأحفت عنه أخطاء القيادة العسكرية فى أزمة الانفصال 
السورى . كما أخفت عنه الصدام بين عبد الناصر والمشير عامر 
سنة 14519 بل صوّرت له البلاكتاثورية فى شكل ححاية واستتارة 
وتقدم ! . وزورت تاريخه حتى بات يقتنع بأن تاريخ مصر يبدأ من ثورة 
*1؟ يوليو! . وبالغت فى إنجازات الثورة حتى لم يعد يرى غيرها , 
ونجحت فى إخحفاء أخطاء الثورة حتى لم يعد يشعر بوجودها . 


وفى الوقت نفسه كانت أجهزة الدولة قد أقامت من عبد الناصر 
إلا .» وأقحمته بهذه الصفة فى قلب كل فتى وفتاة » وشاب وشابة » 
ورجل وإمرأة وطفل . كما أقامت من عبد الحكيم عامر إًِا آخر, 
وأقحمته هذه الصفة فى قلب كل جندى وضابط . ول يعد يسمح لأية 
قيادة سياسية أو عسكرية بالتطاول إلى هامة هذين العملافين فى 
شموخه| » حتى بدت جميع القيادات بعدهما أقزام فى أقزام . 


كان عبد الناصر والمشير عامر مايزالان يحتلان هذا المركز الرفيع فى 
قلوب الشعب وحتى إعلان النكسة . وأزعم أنه لو أعلن عبد الناصر 
استقالة المشير عامر مع استقالته » الحاءت مبايعة الشعب للأثنين معا 
بنفس الدرجةتقريبا . فحتى ذلك الحين لم يكن الشعب قد استوعب 
أبعاد المزيمة ». أو أدرك أبعاد مسئولية الاثنين عنها . ولذلك ظل 
تطريقة الفصذون الذاتى يكو اللفاتديق » السبا والسكوي» 
الاحترام والتقدير» خصوصا بعد أن أعلن عبد الناصر فى خطاب 


حاوف 





تنحيه أن المعركة كانت معركة ضد تواطؤ استعمارى لاقبل لمصر به , 
يتمثل فى تدخل أمريكى بريطانى إلى جانب العدو الاسرائيل , 
يستهدف حركة القومية العربية والنظام المصرى الذى يتزعم هذه 
الحركة » كها يستهدف الانجازات التى حققها تحالف الفلاحين والعبال 
والجنود والمثقفين والرأسالية الوطنية . 


وفى الحقيقة أن خطاب التنحى كان حافل بالأكاذيب الضخمة 
والخديعة وإخفاء الحقائق . فقد تحدث عن ( خطة العدو لغزو 
سوريا » . وأن « الأدلة كانت متوفرة على وجود هذا التدبير» » وأن 
« مصادر إخواننا السوريين كانت قاطعة فى ذلك » ! . مع أننا أثبتنا 
عدم صحة ذلك » وأثخنا أن عبك, الناصر كان يعرف ذلك من واقع 
المعلومات التى أرسلتها المخابرات المصرية والفريق محمد فوزى 
والفريق عبد المنعم رياض - وكلها تثبت عدم وجود حشود عسكرية 
اسرائيلية على الحدود السورية . 


كيا تحدث عبد الناصر فى خطاب التتحى عن تدخل حاملات 
الطائرات الأمريكية التى « كانت بقرب شواطىء العدو تساعد مجهوده 
الحربى » » وقال إن « طائرات بريطانية أغارت فى وضح التهار على 
بعض المواقع فى الجبهة السورية وفى الجبهة المصرية إلى جانب قيام عدد 
من الطائرات الأمريكية بعمليات الاستطلاع فوق بعض مواقعنا ) . 
وبنى على ذلك أن « الغطاء الجوى فوق قواتنا البرية لم يكن كافيا » إزاء 
تفوق حاسم فى القوى الجوية المعادية » بحيث أنه يمكن القول بغير 
أن يكون فى ذلك أثر للانفعال أو المبالغة( كذا ! ) » أن العدو كان 
يعمل بقوة جوية تزيد ثلاث مرات عن قوته العادية » . ولم يكن هذا 
الكلام صحيحا جملة وتفصيلا ك| أثبتنا . 


لظفا 





كذلك تحدث عبد الناصر فى الخطاب عن مفاجأة « أن العدوى 
الذى كنا نتوقعه من الشرق ومن الشمال . جاء من الغرب . الأمر الذى 
يقطع بأن هناك تسهيلات تفوق مقدرته وتتعدى الملبى المحسوب 
لقوته » قد أعطيت له » . ول يكن هذا الكلام صحيحا . فقّد خرجت 
الطائرات الاسرائيلية من الشرق كما رصدها الفريق عيد المنعم 
رياض ٠‏ وأبلغ القيادة المصرية بالشفرة » ولكن لم يكن ثمة من يحل 
رموز الشفرة - وبالتالى فقد جاء الحجوم الجوى من الشرق وليس من 
الغرب كما قال عبد الناصر . وكل ذلك أثبتناه فى هذه الدراسة . 


السورى قتالا بطوليا » معززا بقوى الشعب السورى العظيم وبقيادة 
حكومته الوطنية . ولم يكن ذلك صحيحا . لأن الحكومة السورية لم 
تكن حكومة وطنية » وفك هرمت اوسن االسورى اكنارديا هزمه 
أعداؤه » وكان موقفالجحبهة السورية من أكبر أسباب النكسة وسقوط 
الجبهة الشرقية . 


وفى الوقت نفسه أخفى عبد الناصر أخطاء القيادة العسكرية 
المصرية » وأظهرها فى صورة من غلبت على أمرها أمام قوى التواطؤ 
الاستعمارى . وأن انسحابها من خخطى الدفاع الأول والثانى كان 
اضطرارا : ١‏ المؤامرة كانت أكير وأعتى ) !. ولم يكن شىء من ذلك 
صحيحا . لأن أخطاء القيادة العسكرية كانت هى السبب ف المهزيمة 
ولم تكن قوة العدو . 

ومعنى ذلك بوضوح أن الحقائق كانت غائبة تماما عن ذهن الشعب 
المصرى . حين اتخذت هبته مساء يوم 4 يونية شكل التمسك بقيادة 
عبد الناصر ‏ بعد أن كانت تتجه فى صباح ذلك اليوم إلى محاسبته ! . 


خرن 





على أن هزيمة يونية 1١951‏ كانت بمثابة انفجار عنيف أحدث 
شرخا فى الجدار الذى أقامته الدولة الناصرية قبل الحرب لتخفى به 
الحقائق عن الشعب . وساعد الصراع بين عبد الناصر والمشيرء الذى 
سوف نتعرض له . على توسيع هذا الشرخ » وسمح للشعب شيئا 
فشيثا برؤية الحقائق جرداء » فتحطمت اطة ثورة 58 يوليو . لقد سقط 
المشير عن عرش اليش الذى تربع فوقه خمسة عشر عاما كاملة . وأما 
عبد الناصر فقد تولى بنفسه تحطيم الصورة التى كونتها عنه الج ماهير . 
ففى خطابه المشهور يوم 7 نوفمير ١9717‏ تحدث عن ( العناصر التى 
استغلت الوضع السياسى فى القوات المسلحة . واتخذت منه مركزا من 
مراكز القوة » وأقامت من نفسها طبقة عازلة فوق القوات المسلحة » . 
والتمس لنفسه العذر فى العجز عن تغيير تلك الأوضاع ٠‏ فقال : فيه 
ناس فى البلد متصورة أن حمال عبد الناصر لما يقول شىء . أو يعوز 
شىء » لازم ينفذ فى الحال ! . الناس مابتعرفش ايه المداخل » وايه 
الل بيجترئى ف الكواليس.-. الضراعات»يدكون موعودة بامتمرال: 
والاتجاه إلى مراكز القوى بيكون اتجاه قائد . فى سنة ١957‏ حاولنا ان 
احنا نتغلب على هذا بأن عملنا مجلس رياسة وغيرنا النظام » ولكن لم 
نستطع أن نتغلب » وكنا فى كثير من الأمور بتكون الحلول الوسط هى 
الحلول التى تمكن من السير بسلام وتجنب اصطدامات قد تكون لا 
أضرار بليغة . ثم اعترف بالأخطاء التى وقعت فى إدارة معركة 
يونية 1١9517‏ » ولكنه وصفها بأنها كانت «أكبر من شجاعة 
الرجال » ! . 


وهكذا حطمت هزيمة يونية /1951 المة ثورة " يوليو! . 


وقد أتت النتيجة سريعا . فإن هذا الشعب الذى هب فى 4 يونية 
يطالب عبد الناصر بالعدول عن التنحى ( لم يلبث أن هب مرة أخرى 


78 





فى فبراير ١954‏ - أى قبل مرور عام ضد عبد الناصر ! وذلك 
احتجاجا على الأحكام النتى صدرت فى حق قادة الطيران المسئولين عن 
تدمير الطائرات المصرية على الأرض ! . وكانت تلك أول مظاهرات 
تخرج ضد السلطة فى تاريخ ثورة *؟يوليو» منذ ان استقرت هذه 
السلطة فى يد المشير عامر وعبد الناصر بعد أزمة مارس ١984‏ . 


وربم| كان فى مظاهرات فبراير 1174 الاجابة على السؤال الذى 
رفضنا الاجابة عنه ! . فتضرفات الشعوت فى إطار معرفتها بالحقائق 
تختلف عنها فى إطار جهلها بتلك الحقائق ! . 


ومع ذلك . فربم| كانت حسابات الشعب المصرى مساء يوم 
4 يونية 19517 ء التى بناها على غريزته النضالية المجردة » أصدق 
حكما من أية حسابات تفرضها الحقائق . فلو أن هذا الشعب نخذل عبد 
الناصر فى ذلك اليوم التاريخى لارتكب أكير الأخطاء فى تاريخه وفى تاريخ 
الأمة العربية » ليس فقط لأنه يكون بذلك قد حقق رغبة الأعداء 
بالكامل وسمح هم بالتمتع بثار انتصارهم كاملة » وانا لأنه يكون 
بذلك قد حرم نفسه من القيادة الوحيدة التى كانت وقتها قادرة على 
انتشاله من هرة المهزيمة . التى حمل مسئوليتها القيادة العسكرية 
بالدرجة الأولى . لقد كانت مبايعة الشعب لعبد الناصر فى ذلك اليوم 
التاريخى . بالصيغة التى تمت بها . تحريرا له من سيطرة الجيش » 
وتفويضا كاملا له بممارسة سلطاته الدستورية كاملة فى خدمة مصالح 
الشعب وأهدافه العليا » وتخليصا للبلاد من ازدواجية السلطة , 
والخطوة الأولى الصحيحة فى طريق استرداد الأمة كرامتها بحرب 
أكتوبر . 


كوف 





5 


المواجهة بين الجيش وعبد الناصر ! 


ناقشنا فى الصفحات السابقة أحداث 4 يونية /1 ١95‏ » وفئندنا 
الروايات التى وصفتها بأنها مدبرة . وحللنا الأسباب التى دعث 
الشعب المصرى الى الوقوف إلى جانب عبد الناصر . وأوضحنا أنه وان 
كانت هناك حقائق كثيرة قد خفيت عن الشعب المصرى فى ذلك 
البوم » وكان خطاب التنحى مليثئا بالمغالطات . إلا أن حسابات 
الشعب المصرى ». التى بناها على غريزته النضالية » كانت أصدق 
حكى) من أية حسابات تفرضها الوقائع » وأنه لو خذل عبد الناصر فى 
تلك الليلة » لارتكب أكير الأخطاء فى تاريخه » وأن مبايعته له كانت 
بمثشابة تفويض كامل له بممارسة سلطاته الدستورية كاملة » واءهاء 
ازدواجية السلطة . 


وتشير الدلائل إلى أن عبد الناصر قد سارع إلى التشبث بالفرصة 


الاستقالة . الذى كان فى حقيقته طلبا بمنح الثقة . فعلى عكس 


55 





مايقول محمود الحيار » الذى يبالغ فى تمنع عبد الناصر » ويقول أنه لم 
يعدل عن الاستقالة الا فى اليوم التالى ‏ فإن منير حافظ يكشف أن هذا 
العدول قد حدث فى الساعات الأولى من بدء المظاهرات . فيذكر أنه 
بينها كان فى مبنى مكتب المعلومات . الذى كان يعج بزحام شديد , 
« ووسط الضجيج السائد فى الغرفة وخارجها » . أزت على مكتب 
سامى شرف اللمبة الحمراء للتليفون المباشر الذى يتكلم منه عبد 
الناصر » « فأسرعت أرفع السماعة » وإذا بصوت عبد الناصر يسألنى 

عمن أكون ؟ . فأجبت . وسكت برهة ثم قال : « أمال فين سامى 
ياحافظ ؟ . قلت : عند سيادتك فى البيت جره ياافندم . قال : 
الله ! » ليه مش قاعد مكانه ؟ . ولم أحس بنفسى وأنا أقول : هوه انت 
خليت حد يقعد مكانه؟ . صمت عبد الناصر لثوان » وقال : 
طيب » نادى سامى وخليه يقعد فى مكتبه » ومايسيبوش ! 


« أحسست وقتها أننى أول واحد يعرف أن عبد الناصر قد قرر أن 
و وا ش ف| دام قد بد أيعطى الأوامر , إذن فهو مازال رئيسا 
للجمهورية ! . ثم أخذ يصدر أوامره لسامى كرت كلاتن.: 


لايعاد إذاعة بيان التنحى ! . 


يذاع بيان زكريا محبى الدين . بعد مراجعته مع هيكل ( وهو 
البيان الذى يعتذر فيه عن قبول الرئاسة ) . 


2< لاتذاع أية بيانات سواه | 


ل الأذاعة 0 : 





على هذا النحو بدأ عبد الناصر يمسك فى يذه الخيوط منذ اللحظة 
الأولى لعدوله عن الاستقالة . وكانت أول طلقة أطلقها فى المعركة . 
هى التى صوبت إلى القيادة العسكرية » بمنع إذاعة استقالة المشير 
عامر وشمس بدران . 


وسرعان ماأتى رد الفعل من جانب الضباط والقادة الموالين للمشير 
عامر . ذلك أن خطاب التنحى - فى الحقيقة ‏ كان قد فرز القوى 
المؤيدة لعبد الناصر من الفوى المؤيدة للمشير عامر » وبسرعة 
غريبة !. ففى حين استقطب بيت عبد الناصر جميع القوى الشعبية 
والسياسية فور الانتهاء من خطاب التنحى » فان مبنى القيادة العامة 
وبيت المشير عامر فى الحلمية قد استقطبا جموع الضباط والقادة الموالين 
للم 


وفى البداية » وقبل أن يتضح للضباط والقادة خطة عبد الناصر فى 
التخلص من المشير عامر » كان التئحرك « بحسن نية  »‏ حسب تعبير 
الفريق مرتجى . وكان الحدف هو مطالبة المشير بالتدخل لدى عبد 
الناصر لاقناعه بالعدول عن الاستقالة ! . فلا تبين هذه القيادات 
والضباط أن المشير فد تنحى هو الآخر , اتجه التحرك إلى الضغط على 
الاثنين للبقاء معا! . وذلك القرار هو الذى اتخذه الضباط الذين 
تجمعوا فى الفيادة العامة فى تلك الليلة ‏ 9 يونيو . 


على أن هذا القرار كان مضادا للقرار الذى بيته عبد الناصر مئذ 
البداية » وهو التخلص من امشير عامر , وإعادة تنظيم الجبش . ومن 
ثم فان القرار كان يبدد كل أمل خخالج عبد الناصر فى التغيير إلى 
الأفضل » وإصلاح الأوضاع الفاسدة التى أدت إلى الحزيمة . 


ين 





ومن هنا سارع عبد الناصر إلى الوقوف فى وجه هذا التحرك . وكان 
سامى شرف هو أداته التنفيذية » وكان الفريق محمد فوزى هو محلب 
القط . وفيا يبدو أن تعامل الفريق محمد فوزى مع المشيرفى مقر القيادة 
العامة طول أيام الحرب ». قد جعله يكفر بذلك اللون من القيادة 
العسكرية الفردية التى تعتمد على الشللية وأهل الثقة » وتزدرى برأى 
أهل الخبرة . ولذلك فقد رحب بالتعاون مع السلطة الشرعية التى 
بايعتها الج|هير أولتها ثقة . 


ويعتقد البعض أن الثمن الذى دعا الفريق محمد فوزى للقيام مبذا 
الدور » هو الوعد الذى حصل عليه بتعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة 
بدلا من المشير عبد الحكيم عامر . ويذكر الفريق عبد المحسن مرتجى 
أن المشير عامر كان قد رشحه هو ( مرتجى ) فى الأصل أمام رئيس 
الجمهورية لتولى هذا المنصب , ولكن عبد الناصر ضرب بهذا الترشيح 
عرض الحائط . واختار الفريق محمد فوزى . واستئد الفريق مرتجى فى 
هذا القول الى ماأبلغه به المشير عامر شخصيا » وأكده صلاح نصر مدير 
المخابرات العامة فى ذلك الوقت . على أن ماسمعه عبد الصمد محمد 
عبد الصمد من المشير شخصيا يؤكد العكس . فقد نقل عن المشير أنه 
قال لعبد الناصر : «١‏ ان حبيت تاخد رأيى » أنا باارشح لك محمد 
فوزى تعينه قائد عام . وبعدين ترتبوا أموركم زى ماتشوفوا . وتعانقنا 
بحرارة ! » . وهذه الرواية تتفق مع رواية الفريق فوزى » الذى أورد أن 
شمس بدران أخبره يوم 6 يونية بأنه سيمسك القوات المسلحة » وان 
المشبر قدم استقالته . 


وقد كانت خطة سامى شرف والفريق محمد فوزى لاجهاض تحرك 
الضباط . هو الحصول على استقالاتهم 3 وذلك لتجريدهم من 
مناصبهم . وعزل تأثيرهم على القوات المسلحة . ومن الطريف أن 


وديا 





. فكرة تقديم الاستقالات نبعت من الضباط والقواد انفسهم . فيذكر 
الفريق مرتجى أن الرأى كان قد « استقر بيننا » نحن قادة أفرع القوات 
المسلحة » » على أنه طالما أن الرئيس والمشير قل تنحيا » وكنا نعمل نحت 
قيادته)| ‏ فيجب أن نقدم استقالتنا » « حتى نفسح المجال لغيرنا , 
ولانقيد من سيتولى المسئولية بأى قيود » تاركين له حرية الاختيار» . 
وقد اعتذر الفريق مرتجهى عن هذه الفكرة الساذجة قائلا : « كنا حتى 
ذلك الوقت حسنى النية » ولم ندر با يحاك فى الخفاء وخلف 
الكواليس » ! . 


ومن الطريف أيضا أن شمس بدران كان يرى فى البداية أن يقدم 
القادة استقالاتهم » وقد أخبر بذلك الفريق محمد فوزى يوم / يونية . 
فقد أبلغه بأنه سوف يقدم بدوره استقالته لعبد الناصر » وأن الواجب 
يحتم على جميع القادة أن يقدموا استقالاتهم أيضا لاعطاء الفرصة 
للرئيس للعمل بحرية بالنسبة للقوات المسلحة . 


ولم يكن شمس بدران مخلصا فى هذه النصيحة . التى انقلبت 
عليه ! » لأنه كان قد عرف من المشير بأن عبد الناصر سوف يتنحى 
أيضا . وأنه هو الذى سوف يخلف عبد الناصر فى رئاسة الجمهورية » 
ومن ثم كان من مصلححته أن يتولى الحكم وفى يده استقالات القادة 
ليختار مغهم من يشاء ! . 


وكان من الطبيعى أن يتشبث سامى شرف والفريق محمد فوزى بهذه 
الفكرة » ويتعلقا بها تعلق الغريق بطوق النجاة . فيقول الفريق مرنجى 
أن الفربق محمد فوزى اشترك معهم فى كتابة استقالته ! » « على الأقل 
فى الظاهر  »‏ حسب قوله ! . « ونظرا لأن البعض تأخر فى تقديم 
الاستقالة » فقد قام الفريق محمد فوزى باستعجال وصوها » متظاهرا 


>32 





بأن وزير الحربية شمس بدران هو الذى يستعجل وصوها ! والحقيقة أن 
المستعجل كان سامى شرف . وليس شمس بدران ). 


كان هذا فى ليلة 4 يونيو. وقبل أن يكتشف الضباط والقادة أبعاد 
الصراع . فلم| اتضح الموقف ف اليوم التالى ٠١‏ يونيو» بعد عدول عبد 
الناصر عن الاستقالة » وبعد أن أدرك الضباط أن « النظام الحاكم قد 
استمر دون تغييرء باستثناء الاستغناء عن نائب رئيس الجمهورية 
ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة  »‏ المشير عبد الحكيم عامر ‏ اتجه 
التحرك إلى الضغط على المشير ليعدل عن التنحى هو الآخر . ليسلب 
من عبد الناصر بذلك أية حجة فى أبعاده . 


فكم عدد الضباط والقادة الذين قاموا مبذا التحرك من أجل عودة 
المشير؟ . تشير المصادر إلى أن عددهم كان هاثئلا . فقد ذكر عبل 
الصمد محمد عبد الصمد » أنه عندما ذهب فى الساعة السابعة من 
مساء يوم ٠١‏ يونيو إلى بيت المشير بالجيزة » « رأيت الحديقة صفراء ! . 
فقد كان مئات من ضباط اليش من محتلف الرتب يملئون الحديقة . 
تعره هذا امسن عسي «وسووية: ا سين سكي انون 
وقاعات الاستقبال . وكان الحشد أشد تكدسا » ومن كبار قادة 
الجيش . وكان بيغهم الفريق محمد فوزى ) . 


كنت لطي انين النموظ ارم نمق السقرة دري 
للعدول عن التنحى بدوره » واستعادة السلطة من جديد , بعد أن 
خالف عبد الناصر شروط الاتفاق بينهم| » وامتنع عن إذاعة استقالته » 
وعاد فأذاعها بعد التهديد بطريقة « استقالة شيخ بلد  )‏ حسب تعبير 
المشير . ولذلك فقد خرج الفريق محمد فوزى إلى الضباط يعلن إليهم 
نبأ عدول المشير عن الاستقالة . ثم خرج المشير نفسه بعد ذلك خروج 


ل ا 





المنتتصرين ( حسب رواية عبد الصمد محمد عبد الصمد) : « كان 
رابط الجأش ! . وقال للمجتمعين :« أشكركم كل الشكر » وأرجو أن 
تتفضلوا بالعودة إلى مواقعكم . وإنشاءالله بكرة الساعة عشرة نتقابل فى 
القيادة » ! . 


على أنه فى اليوم التالى » وبين| كان الضباط والقادة يجتمعون فى مبنى 
القيادة العامة فى انتظار حضور المشيرالذى عدل عن استقالته - كان عبد 
الناصر يصدر قرارا بتعيين الفريق أول محمد فوزى قائدا عاما للقوات 
المسلحة ! . ويذكر الفريق مرتجى أن الفريق محمد فوزى كان فى مبنى 
القيادة مع الضباط . حين اتصل به سامى شرف تليفونيا , « على 
مسمع من الفريق القاضى » ولذلك انتقل لغرفة أخرى . ليكون بعيدا 
عن مسمع الفريق القاضى . وكان هذا الحديث اخطارا بتعيينه قائدا 
عاما للقوات المسلحة . إلا أن فوزى أخفى الخير. وطلب من القادة 
سرعة تقديم الاستقالات . متعللا باستعجال الوزير شمس ا . 
«وفى الساعة الثانية والنصف من ذلك اليوم » ١١‏ يونيوء أذيع هذا 
القرار » على أن ينفذ من الساعة الثانية ! . 


فكيف تمكن عبد الناصر من إصدار هذا القرار الخطبر » رغم تلك 
الحشود الحائلة من الضباط الملتفة حول المشير؟ . فى الواقع أن الفضل 
فى ذلك يرجع إلى خطأ حسابات المشير عبد الحكيم عامر نفسه . فقد 
أراد اختبار نوايا عبد الناصر نحوه » ويعود بإرادته لابإرادة الضباط » 
فذهب إليه فى صباح اليوم الذى حدده للقابلة الضباط فى القيادة العامة 
(١١يونية‏ ) » ليقول : 


-أنا كلت برة » ورجعت أنا واخويا حسن ( ودحلت بصعوبة 
شديدة . وفشوجثت بوجودهم ) الضباط ) » وكلت عارف انهم مش 


55 





رايح القيادة بكرة الساعة عشرة . ومن فضلكم كل واحد يروح 
موقعه » لأن ده مش وقت تظاهر من أجل المناصب .» ده وقت استعداد 
للأخل بالثأر» ! 


واستطرد المشير : « أنا جاى أشوفك . وأودعك , لأنى مسافر البلد 
أرتاح شوية ‏ ومش ح أروح القيادة ! . اللى قررته أنك » مادمت 
تحملت المسثولية كاملة , يجب أن تصلح الموقف « بحرية كاملة فى 
التصرف » . أنا ياحمال القدر حدد نهايتى » والحمد لله راضى 
بحكمه . والت ربنا يوفقك وتمحو هذا العار) . 


وقد ظن المشير أن عبد الناصر سوف يقدر هذا الموقف الكريم من 
جانبه 2 فيقابله بأكرم منه » ويعلن تمسكه به وعدم استطاعته الاستغناء 
عنه ‏ ولكن عبد الناصر سارع إلى قبول انسحابه متظاهرا بالأسى 
الشديد . قائلا : برضه ياحكيم تسيبنى وحدى فى الظروف دى . 
وتمشى ؟ . خلاص مش عايز تشتغل ؟ . معلهش ! . لكن ماتسيبيش 
أخوك وحده وتروح تقعد فى اسطال . هو احنا بيننا مناصب ؟ اح 
احتاج لك . وتبقى قريب منى » ! : 


ويعلق المشير عامر على هذا الموقف با يفهم منه إدراكه للخطأ الذى 
وقع فيه . فلو أنه بالغ فى وصف شعور الضباط » ومدى تمسكهم به , 
وأوضح أنه لايستطيع التراجع فى وعده لهم بالعدول عن الاستقالة - 
لما كان هناك مفر أمام عبد الناصر من قبول عودته . ولكنه يصوغ هذا 
الشعور فى صيغة التمنع » فيقول : «١‏ لوكنت عايز أرجع » كلت بالغت 
فى وصف شعورهم ». وقلت مثلا : انهم متمسكين بعودتى » 
وماقدرتش أرجع فى كلامى ) ! . على أن المشير فى الحقيقة كان يتوق 


"1 





للعودة » بعد أن ذاق مرارة الحرمان من السلطةيوما كاملا هائلا » ولكنه 
أخطأ الطريق . إذ ظن أنه يستطيع أن يتلاعب بعواطف عبد الناصر 
بمواقف الفروسية . ولذلك فهو يعلق على هذا الموقف قائلا : « أنا 
رميت المسدس فى الأرض » ومشيت . وأنا ماشى راح واخمده وضاربنى 
بيه » ! . على أن القضية بالنسبة لعبد الناصر كانت أكبر من قضايا 
العواطف والفروسية » لقد كانت قضية مصير شعب تعرض للهوان 
والمهزيمة والخطر بسبب قيادة عسكرية فاشلة . وكان استمرار هذه 
القيادة فى مراكزها » معناه استمرار جميع الأوضاع التى أدت إلى 
ا مزيمة » واستمرار العدوان . 


وبطبيعة الحال فلم يترك المشير هذا الموقف من جانب عبد الناصر 
بمضى دون تعليق . فقبل أن تنتهى المقابلة اهم عبد الناصر بأنه 
تراجع في| اتفقا عليه من الاستقالة معا . وقد رد عبد الناصر بدهشة : 

- أنا بجعت غصب عنى » بضغط الشعب ! . 

عبد الحكيم ساخرا: أيوه صحيح .. أنانسيت ضغط الشعب ! : 

عبد الناصر متسائلا : انت بتتكلم جد أو بتتهكم ؟ 

ثم قال المشير لعبد الناصر : أنا مازلت باشوف ان مصلحة البلد , 


ويقول المشير إن عبد الناصر « يظهر خخاف انى أرجع فى رأيى » 


اي 





وأروح القيادة ! . لأنه راح متلاعب بعواطفى . وقال : جرى ايه 
ياحكيم ؟ . انت طول عمرك قلبك أبيض وطيب . إيه اللى خلاك 
تتصور أن العلاقة بيننا تتغير فى أى يوم ؟ . ثم احتضنى وقبلنى » 
فتأثرت تأثرا كبيرا » وبادلته عواطفه ‏ ولو أنى عارفه  !‏ بأحر منها » 
وانصرفت » ! . 


هذه هى المقابلة المثيرة التى خلعت المشير عامر عن عرشه » وكان 
من الممكن أن تثبته لولا خطأ حساباته ! . وكان من الطبيعى أن تكون 
لها نتائج فادحة فى حركة الضباط . فلم يكد يصل إلى مسامعهم من 
الفريق محمد فوزى عدول المشير عن العدول ! 2 حتى أدركوا أن 
السبب لايرجع إلى المشير ء وإنما يرجع إلى عبد الناصر ! . ولذلك 
أطلقوا العنان لشورتهم . على النحو الذى ينقله لنا الفريق مرتجى 
بقوله : « حدث هرج ومرج وتوتر . وخروج عن اللياقة العسكرية ! , 
وترديد عبارات قاسية وسباب لرئيس أركان الحرب ( محمد فوزى ) » 
وحاولات تكتل ) . وأخيرا تم الاتفاق على كتابة عريضة لرئيس 
الجمهورية تطالب « بضرورة عودة الشير) ! . ثم تولى شمس بدران 
الاتصال بعبد الناصر ليطلب منه تحديد موعد لمقابلة وفد من الضباط 
لهذا الغرض ». على أساس أن «١‏ اليش كله مستاء من تنحى المشير 
وتعيين الفريق محمد فوزى بدلا منه ) ! . 


ويعلق الفريق مرتجبى على هذا الموقف قائلا انه لو كان المشير عامر 
يريد فى تلك الظروف أن يقلب نظام الحكم » أويعود للسلطة بالقوة , 
للا وقف أمامه حائل ! . فجميع الضباط كانوا على أتم استعداد لتنفيذ 
أى رغبة له » مهما كان مداها » سواء كان عن اقتناع أو عن يأس . 
كا يذكر أن السبب الذى منع المشير عامر من الرجوع إلى السلطة 
بالقوة » هو أن المشير« الذى يقدس الصداقة , لم يفكر حينذاك فى أن. 


>» 





يخون صديقه عبد الناصر » أو يقوم بأى عمل ضده » رغم ماقيل 
وأشيع عن اتفاق التنحى ثم التخلى عنه » والذى شبهه البعض با 
جرى بين أبى موسى الأشعرى وعمرو بن العاص أثناء التحكيم بين 
على ومعاوية ) ! 


على أن الحقيقة أن المشير عامر . مع إيماننا بمزاياه الشخصية . التى 
يسترف بها أعداؤه وأصدقاؤه على السواء » وبصفات الفروسية التى 
يتحلى بها فى غابة المنتفعين ‏ كان يدرك جيدا أن عبد الناصر لم يعدل 
عن تنحيه بقرار شخصى ؛ وإنما بقرار أصدرته الجماهير » ليس فقط فى 
مصر بل وف العالم العربى أيضا . وأن الجحيش » بعد قبول عبد الناصر 
تنحيه » كانت قد تدهورت سمعته » وحمل مسئولية ال هزيمة الى منى 
مها » وانعزلت قياداته عن قواعدها بعد أن أنهبك الحنود إنباكا شديدا 
نتيجة للأخطاء التى ارتكبت فى الحرب . وقد حمل الشعب الضباط 
بالذات مسئولية الحزيمة » بدليل سيل النكات التى أعقبت الحرب . 
وكانت جميعها تنصب على الضباط بالدرجة الأولى . ومن ثم فقد كان 
يدرك مخاطر الاصطدام بعبد الناصر فى ظروف ارتفعت فيها شعبيتة إلى 
القمة » وانخفضت فيها سمعة قيادات اليش إلى الحضيض . 


ومن المحقق ‏ مع ذلك أن ضباط وقادة الجيش كانوا أنفسهم 
ضحية من ضحايا قيادة المشير عامر الفاشلة وأخطائه القاتلة . ولذلك 
فإن ظاهرة التفافهم حول المشير فى ذلك الحين تعد ظاهرة مرضية 
وليست صحية . وقد اعتذر الفريق مرتجى عن هذه الظاهرة بقوله 
متسائلا : « هل كنا تحت جذب مغناطيس أبعد عنا الحقيقة المؤلة » وما 
انئات: البلاد على يد مراكز القوى + التى. جالت وضالت © وأحفت 
وأعلنت . طوال حمس عشرة سنة » وانتهت هذه النباية الفاشلة ؟ . 
يظهر أن الضغط النفسى والتوتر العصبى أثر على حسن تفكيرنا , 


ا 





وجعلنا نستسلم فى قبول أى وضع يجعل السفينة تسيرء بصرف النظر 
عن نوعية من سيقودها ) ! . 








تحركات المغير عامر فى أسطال 


كان واضحا أن حركة اليش على هذا النحو. تحذو حذو الحركة 
العرابية فى صدامها مع الخديو توفيق . فعندما أفلح هذا فى اسقاط 
حكومة البارودى فى "75 مايو1887 » وكان عرابى فيها وزيرا للحربية 
والبحرية ‏ بعث الضباط العرابيون إلى الخديو توفيق فى اليوم التالى » 
يبلغونه أنهم لايرضون البتة بغير عرابى ناظرا للجهادية » وأنه إذا لم 
يرجع إلى منصبه فى خلال اثنتى عشرة ساعة » فإنهم سيكونون غير 
مسئولين عما يحدث ما لايستحب وقوعه ) ! . 

لذلك حين عرف عبد الناصر ‏ الذى كان قارئا جيدا للتاريخ ‏ مبذه 
العريضة » ووفد الضباط الذى يريد مقابلته لتقديمها » رفض 
اللاجتماع بهذا الوفد . وقال لشمس بدران . الذى اتصل به ذا 
الغرض » انه « لن يكون مثل الخديو توفيق » ولن يقابل أحدا ! ») . 

على أن الأمور كانت فى تلك الأثناء تتطور إلى الأسوأ . فلم يكد 
يذاع قرار تعيين الفريق أول محمد فوزى قائدا عاما » حتى قرر ضباط 


حكن 





مكتبٍ المشير الخروج فيما وصفه أحمد أبو نار مساعد مدير مكتب المشير 
بأنه ومسيرة عسكرية » ! . وكانت الفكرة أن تتجه الى بيت عبد 
الناصر فى منشية البكرى ؛ للانضمام إلى الوحدات الأخرى » فلا تبين 
عدم وجود مشل تلك الوحدات », اتجهت المسيرة إلى مبنى القيادة 
العاف كانت تقر رو د ا كا سك مدن فهو راد 
« وليد » » وثلاث عربات جيب » استقلها الضباط إلى مبنى القيادة 
العامة . وهم يبتفون ١:‏ لاقائد إلا المشير) ! . 


وقد كان على عبد الناصر مواجهة الموقف بحزم » وإلا أسلم البلاد 
للفوضى . فعندما عرف أن قوة الحرس الجمهورى الموجودة لديه 
لاتتجاوز ٠ه"‏ جنديا » طلب من العميد محمد الليثى » رئيس الحرس 
الجمهورى » سرعة استدعاء وحدات دبابات كتيبة الحرس الجمهورى 
من مواقعها الدفاعية على القتاة » إلى القاهرة . وعندما سأله العميد 
الليثى «١:‏ هل تترك مواقعها الدفاعية ؟ » _ رد عبد الناصر قائلا : 
« نعم '! . مادام عاوزين يحاربونا فى الداخل » فسأر.هم كيف تكون 
الجبربه ) ! . 


ول يلبث عبد التناصر , فى نفس اليوم ١١‏ يونية » أن سارع الى قبول 
استقالات قادة أفرع القوات المسلحة . وهى التى لعب فيها سامى 
شرف والفريق محمد فوزى دورا كبيرا ى| رأينا . فقبل استقالة كل من 
الفرقاء الأول : سلييان عزت . ومحمد صدقى محمود » وأحمد حليم 
امام » وهلال عبد الله هلال » وعبد المحسن مرتجى . وجمال عفيفى , 
والفريق أتور القاضى . كما أحال إلى المعاش كلا من اللواء عبد الرحمن 
فهمى . واللواء عبد الخليم عبد العال . واللواء عثمان نصار ء واللواء 
حبزة البسيونى ( مدير السجن الحربى ) واللواء طيار اسماعيل لبيب » 
والعقيد جلال هريدى . واللواء محمد فؤاد علوى . وقام بتعيين الفريق 


1” 





عبد المنعم رياض رئيسا لهيئة أركان الحرب ». والفريق صلاح الدين 
محسن مساعدا للقائد العام » والفريق طيار مدكور أبو العز قائدا 
للقوات الحوية » واللواء البحرى فؤاد محمد زكرى قائدا للقوات 
البحرية . 


وقد أذيعت هذه الاستقالات والاحالات إلى المعاش والتعيينات فى 
إذاعة الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم ١١‏ يونية , لتقطع خط الرجعة 
على القادة المستبعدين » وسحب تأثيرهم على الحنود والرتب الأدنى من 
الضباط . وفى اليوم التالى أمر الفريق محمد فوزى بالتحقيق فى ١‏ المسيرة 
العسكرية » لضباط مكتب المشيرء وسحبت السرية والعربات 
00 


ووفقا لكلام المشيرء فقد تألفت فى أعقاب مقابلته لعبد الناصر فى 
صباح يوم ١١‏ يونية » لحنة برياسة زكريا محيى الدين » وعضوية الفريق 
محمد فوزى وسعد متولى ( كبير الياوران ) » لتطهير الجيش من 
أصدقائه وأنصاره . وقد أطلق عليها المشير اسم « لحنة تصفية عبد 


الحكيم ) ! . 


على هذا النحوء حاصر عبد الناصر الفتئة فى مهدها . ونجح فى 
تصفية تمرد ١١‏ يونية . وبقى شخص عبد الحكيم عامر . يمثل خطرا 
فعليا » ليس فقط على الاستقرار فى الجيش » وإنما على الاستقرار فى 
الحكم أيضا . وهكذا بدأت المرحلة الثانية من مراحل الصراع بين عبد 
الناضر والمشين , 


فلقد رأينا من العرض السابق . أن المشير عامر لم يكن له دور فى 
جنيع التحركات التى قام بها أنصاره من قادة وضباط الحيش المصرى . 


56 





وإنها تحركت مجموعات الضباط بدوافع ذاتية تماثل دوافع جماهير 
4 يونية » مع فارق كبير» هو أن جماهير يونية تمركت بدافع اللصلحة 
القومية العليا » أما الضباط الموالون للمشير » فقد تحركوا بمصالح ذاتية 
تلدرك أن إبعاد المشير إبعاد لهم » وبقاءه بقاء لهم » وكانت الدوافع 
بالنسبة لمجموعة شمسس بدران بالذات قضية حياة أوموت . لأن انتهاء 
حكم المشير » معناه سقوط العرش الذى حكموا من فوقه عشر سنوات 
طوال . 


وعندما نجح عبد الناصر فى تصفيةهذه الحركة ؛ بدا أن المعركة قد 
انتهت لصا حه مؤقتا » ولكن كان معروفا أن نفوذ المشير دا عل اليش 
فى ذلك الحين » أقوى من أى محاولة لتحطيمه . فقد كان المشير كما 
يعترف منير حافظ ‏ يتمتع « بشعبية مذهلة » بين أفراد القوات 
المسلحة » لم يكن من السهل القضاء عليها . ورغم الهزيمة فقد بقيت 
له « صورة البطل الاسطورى الشهم . والأب الروحى لكل من يرتدى 
الثياب العسكرية » ! 


وهكذا بدا واضحا أن التخلص من المشير كلية أمر قد لا محمد 
عقباه » ولايمكن تحديد اثاره . ومن هنا بات على عبد الناصر التفكير 
فى تسوية صعبة يتمكن بها من انهاء الأوضاع الفاسدة فى الحيش » 
وإنباء ازدواجية الحكم مع اغادة المشين الى فنتضنتت الناتبه :الأول لرئيسن 
الجمهورية ! . وهذا هو منشأ فكرة « العودة بدون اختصاصات » ., 
التى سنتعرض لا بعد قليل . 


على أن الأمر كان يتوقف على موقف المشير » وما إذا كان قد تغير بعد 
مقابلته لعبد الناصر يوم ١١‏ بولية ( التى علم فيها أنه لايريده على رأس 
الجيش . وتشير المصادر الموالية للمشير إلى أنه ظل ملتزما بهذا الموقف , 


محف 





وأنه كان قد استسلم للفكرة التى صارح بها عبد الناصر فى صباح ذلك 
اليوم » وهى أن « القدر قد حدد نهايتى والحمد لله أنا راضى 
بحكمه » ! . فيروى عبد الصمد محمد عن المشير قوله : « خرجت من 
مسكولية الحكم ! , ورحت بيت شمس بدراك » وقلت له يتصل 
بالقيادة ويقول هم إنى مش رايح » ويطلب من الضباط الانصراف . 
ثم طلبنا مصطفى ( عامر) نقول له احنا جايين فى الطريق » يعمل 
ترتيب مكان ننزل فيه أنا وشمس والحاعة اللى صمموا يبقوا معايا من 
جنود الحرس ») . 


على أن إرادة المشير ‏ فيهم| يبدو كانت أخخحر شىء يستطيع التأثير فى 
الموقف . فلم يكن خروجه من السلطة مسألة تنعكس نتائجها عليه 
وحده . وإنما كانت تؤثر فى مصالح كثيرين تحلقوا حوله . واستمدوا منه 
القوة والنفوذ . واستفادوا من وجوده فى الحكم . وقد سارع هؤلاء إلى 
الالتفاف حوله فى تلك الأزمة . ليدفعوا به بعيدا عما ارتضاه لنفسه من 
« حكم القدر) ‏ حسب تعبيره . 


وتشير المصادر إلى أن الذين التفوا حول المشير لم يكونوا جميعهم من 
العناصر الصالحة . فقد كان منهم على شفيق وعبد المنعم أبو زيد 
الخاصة 0 نجمع المصادر على أنها كانت جموعة فاسلة ! . وقد أطاح 
بها عبد الناصر بمساعدة شمس بدراث » فقدمت للمحاكمة » ثم 
السجن بالنسبة لهم « متعة  )‏ على حد قول منير حافظ ! : ثم انتهز 
فرصة حرب يونية ليطلق سراحهم » بحجة طريفة هى ‏ كما ذكر عبد 
الصمد محمد عبد الصمد _ ١‏ ليقاتلوا فى معركة شرف . ولايظلوا 


5 





سجناء كأسرى الأعداء » ! . على أن هذه الحجة تسقط إذا عرف أن 
هذه المجموعة قد أطلق سراحها بعد انتهاء الحرب ! . وهذا ماكشفه 
شمس بدران أثناء المحاكمة . 


فقد ذكر أن المشير « أملانى كشفا بأسماء الناس اللى يخرجوا من 
السجن . وكان من ضمنهم ضباط متهمون بالتامر, وأنا اللى كنت 
بحقق معاهم ! » فاتصلت بحمزة البسيونى » مدير السجن ال حربى ١‏ 
وقلت له : يخرج الناس دول ) . 


وقد سثل عم إذا كان عبد المنعم أبوزيد ضمن الكشف , فقال : 


هوه كان فيه قضية مصطفى كامل » بتاع المدفعية » وزغلول عبد 
الرحمن » وشوية أسراء » قلت للمشير عليهم . فقال : أيوه . كلهم 
يخرجوا . قل لحمزة يخرجهم ! . 


وقد اعترف حمرة البسيونى بأنه عندما أمل شمس بدران عليه كشف 
الأسماء للافراج عنهم ء سأله قائلا : ( ده فيه منهم ناس متهمين فى 
جناية ! . هل أفرج عنهم برضه ؟ ( فقال له شمس بدران مؤكدا : 
« أيوه ! » نفذ اللى بقول لك عليه » ! . فعاد حمزة البسيونى يسأله : 
حتى عبد المنعم أبو زيد ؟ » . فرد عليه شمس بالايجاب ! . 


سثل عن رأيه فى هذا الكلام قال : 


أيوه حصل ! . وهو سألنى : حتى عبد المنعم أبوزيد ؟ » قلت 
1 


له يوه وفك ألن باقول "لك عليه 1 


بام ؟ 





المتهمين قد تم « بغير الطريق القانونى » ! . فرد عليه شمس بدران 
ساخخرا : 


المشير والريس سايبين البلد » وماشيين » يعنى متنحيين » يبقى 
قانون ايه بقى ؟ » هى دى فيها قانون ؟ ») . 


وقد اعترف العقيد محمود طنطاوى سكرتير المشير عامر » بأن أوامر 
الافراج صدرت بعد اعتزال المشير. فعندما سأله رئيس المحكمة أن 
يذكر قصة الافراج عن عبد المنعم أبو زيد قال : 


0 اللى حصل يافندم » أنه لما رج السيد المشير » أبلغ أمرا شفويا 3 
فى نفس يوم الاعتزال » لحمزة البسيونى بالافراج عن عبد المنعم أبو 
زيد » وزغلول عبد الرحمن » وبعض الضباط اللى كانوا فى قضايا تامر 
أخرى . فأفرج عنهم » وحضروا البيت فعلا . ومش هو بس . ده كل 
اللى كانوا محبوسين معاه ) ! . 


ومعنى ذلك بوضوح أن الافراج عن هؤلاء المتهمين قد تم بعد انتهاء 
الحرب !. وهذا يسقط الحجة التى ذكرها عبد الصمد محمد عبد 
اللهم إذا كان يقصد بمعركة الشرف هذه ء المعركة ضك عبد 
الناصر | . 

وهذا ما أدركه عبد الناصر على الفور . فيذكرالفريق محمد فوزى أنه 


أ 
بعد ظهر يوم ١١‏ يونية اتصل به عبد الناصر » وأخطره بأنه علم أن 


74 





زيد وبعض ضباط الصف من السجن الحربى قبل اعتزاله » وأنه علم 
أنهم خرجوا فعلا . وقال إن هذا الاجراء غير سليم , وطلب منه 
«إعادتهم مرة أخخحرى إلى السجن الحربى » والاسراع فى 


محاكمتهم ) ! . 


ولكن هذا الأمر لم ينفذ » لأن هؤلاء سارعوا فور الافراج عنهم إلى 
بلدة المشيرفى أسطال . وقد اعترف بذلك شمس بدران »ء وقال انه رأى 
عبد المنعم أبو زيد وعلى شفيق فى البيت » « فحسبت أن وجودهم 
حيكرن عامل إثارة ‏ فطلبت من مصطفى عامر طردهم , وفعلا قام 
بطردهم ) ! . على أن ماأورده عبد الصمد محمد عبد الصمد يفيد أنهم 
ظلوا إلى جانب المشير فى اسطال ! . 


على كل حال فتشير المصادر إلى أن إقامة المشير فى بلدته اسطال لم 
تكن إقامة سعيدة . فقد كانت مليئة بالتوتر » بسبب الخشية من اعتقاله 
من جهة . والطمع فى رضوخ عبد الناصر للضغوط المنبعثة من داخحل 
الجيش عليه من جهة أخرى » فيعيده إلى مناصبه مرة أخرى . 


فيذكر عبد الصمد محمد أنه بعد ثلاثة أيام فقط من وصول المشير 
إلى اسطال . توجه إلى بيت المشبر لزيارته » ففوجىء برؤية عدد كبير 
من المواطنئين من بلدة سمالوط ! . وفهم من حسن عامر » شقيق 
المشير . أن هناك قوة قادمة من القاهرة إلى اسطال . « ومش بعيد ييجوا 
يعتقلوا المشير» ! . وطلب اليه الاتصال بصديق له فى « بنى مزار» » 
لمراقبة القوة » وإخطارهم تليفونيا قبل وصوطا بوقت مناسب . وقد علق 
عبد الصمد على هذه القصة قائلا : « كنت على يقين من أن المشير لن 
يستسلم . ولن يسلم وهو على قيد الحياة . وكنت أعرف أن القوة 
الموجودة مع المشير » عندها بضع مدافع صغيرة » وبضع بنادق سريعة 


هه" 





الطلقات . وهى كافية لحدوث مذبحة مخيفة » ! . 


ليفاجئه « ببتمثيلية أشواق »  !‏ على حد تعبير عبد الصمد - ويقول له 
حسب رواية المشير : 


أعمل ايه ! » اشتقت لك » قلت : أسأل عليه أنا , مادام هوه 
مثو :غاير سال 1 


ثم يطلب منه العودة إلى القاهرة ! . 


وقد استقر الرأى بين أنصار المشير على أن هذه المكالمة التليفونية من 
جانب عبد الناصر . هى « لعبة مكشوفة » وفيها امتهان لعقولهم ) !. 
ولكنيم اخخلقوا فى بواعنها :+ فبعضهم .ران أن الخرضن منها دعوة امير 
إل «القاهزة لوضعه فت المراقنة".. والبعضن الآعر ذه إلى العكدن 2 
وهو أن المراقبة فى بلدة المشير أيسر » « فالمباحث ترصد وتسجل كل زائر 
له هنا » والمكالمة التليفونية يسمعها جميع موظفى الثرنك من القاهرة إلى 
سمالوط »  !‏ وبالتالى » فلا يبقى إلا أسوأ الظنون » وهو أن عبد 
الناصر يريد استدراج المشير للاقامة فى بيته فى الجيزة » ليلفق له اتهاما 
يصعب إلصاقه به فى قريته ! . « وكان أسوأظن هو أصدق فهم ) ! . 
كما يقول عبد الصمد !| . 


على أن المشير كان له رأى أخخر . فقد تنبأ بأن عبد الناصر فى سبيله 
لاعادته إلى مناصبه . وقد صدق حدس المشير » فلم يكد يمضى يومان 
أخران » حتى كان عبد الناصر يبعث بصلاح نصر إلى المشير فى 
بلدته . ليعرض عليه العودة نائبا لرئيس الجمهورية . ووفقا لما رواه 


5 





المشيرء فإنه عرض عليه العودة إلى منصبيه السابقين » وجما : منصب 
اكب :رئيس اللمهصورية » ومتضب نائب: القفائد الأعن للقوات 
المسلحة » على أن يكون بدون اختصاصات - أى تظل أمور الجيش 
فى يد الفريق أول محمد فوزى . القائد العام » ويبقى المشير معهم| 
و كمنظر) !1  .‏ حسب قوله ! . 


وقد أكد هذه القصة شمس بدران » فذكر أثناء المحاكمة أن العرض 
الذى حمله صلاح نصر إلى المشير» هو أن يرجع كنائب أول لرئيس 
الجمهورية » ونائب القائد الأعلى » بدون سلطات . وقال أن المشير 
رفض . إذ اشترط عودة كل الضباط الذين خرجوا سببه من الحيش » 
وأنه قال لصلاح نصر : مااحبش اعمل نائب قائد أعلى بدون 
اختصاصات . وفيه ناس خرجت » ولازم يرجعوا . والا أبقى زى 


الطرطور) ! . 


وقد ذكر صلاح نصر أن الخلاف الرئيسى كان على قيادة الجيش . 
فقد اشترط المشيرالعودة للاشتراك فى الحكم بأن يتولى قيادة الجيش » 
وأن يعاد كل الضباط الذين طردوا . 


ويلاحظ أن عدد الضباط الذين خرجوا وقت العرض الذى حمله 
ماحم تصر إل لمشي ل يكن عبيرا., إذ رتك ركد نبسرة السباط 
قل اتسعت فى ذلك الوقت المبكر » وكان معظمهم من قادة الفروع 
الذين سبق ذكرهم 1 وهذا ماأبر زه رئيس المحكمة » فقد سأل شمس 
بدران : 


مين الضباط اللى المشير كان يطالب بعودتهم كشرط لعودته ؟ 5 





شمس بدران 5 مقدرش أحدد بالضبط 7 


رئيس المحكمة : فى الوقت ده ماكانش طلع معاش إلا بعض القادة 
من اللواءات | 8 


وواضح أن السبب الذى دعا عبد الناصر إلى تقديم هذا العرض » 
هو ماذكرناه من أن شعبية المشير كانت من القوة بحيث لايمكن 
مخاصرتها » خصوصا وقد كان الفريق محمد فوزى فى المقابل - يحظى 
بكراهية شديدة » سيت عسكوويية الصارمة وقفسوئه اليالغة ( حتى 
ليذكر شمس بدران أن الضباط عندما علموا بتعيينه قائدا عاما » 
هاحموه . و« كتبوا فيه محضر تحقيق اتعمل ضده فى البوليس » ! . 


والسؤال الآن : لماذا رفض المشير هذا العرض السخى من عبد 
الناصر » رغم الظروف السيئة الى كان يمر بها فى اسطال ؟ . 


لقد فسر بنفسه هذا الرفض لأصدقائه عقب انصراف صلاح نصر » 
فقال : 


- لقد قلت لصلاح نصر : قل لهال أنا لاأعرف المناورات ولا 
التماحيك ! . وحين) استقلت . لم أكن أناور ليبقينى . وقد كان فى 
وسعى أن أبقى بدون استئذانه » وعلى غير إرادتى ! . فلاذا ألقى 
الرغيف . وأعود لأستجدى منه لقييات , أو أقبلها كإحسان ء شاكرا 
له كرمه ؟ . 


كانث هى سبب استقالته فى سئة 147 . فقد كان سلبه إياها معناه 
إبعاده عن اليش تماما . .ولو كان عبد الناضر قادزا عل قبول استفالته 


خض 





لقبلها . ولكنه لم يقبل . فبقى ! . فإذا قبل الآن تجريده من هذه 
الاختصاصات . فسيعود بلا قوة » ثما قد يعرضه للهوان على يد عبد 
الناصر : « لورجعت من غير قوة » ومن غير كرامة » حيحاول يخلص 
كل ده ! . ولو قلت له رأى » يرفضه حتى ولو كان عاجبه ! . وأكثر 
من كده ان محمد فوزى ( يستطيع أن ) يصدر قرارا بإحالة مدير مكتبى 
للمعاش » ويصدق عليه حمال » وأنا أقراه فى الحرائد ) ! ١‏ 


أما السبب الثالث . الذى نقله عنه عبد الصمد محمد » فهو أن 
قبوله العوده بدون اختصاصات . معناه أنه سوف يتحمل مسئولية 
سياسة لايستطيع المشاركة فى تغييرها . أو على حل قوله : ايه الفائدة 
ابى أرجع وأتحمل المسئولية عن سياسة لاأومن بها » ومن غير ما تكون 
لى قدرة على تغييرها » أو إقناع عبد الناصر بتغييرها » ؟ . 


وقد أغفل عبد اصمد محمد ذكر الشرط الذى أورده صلاح نصر 
وشمس بدران » وهو عودة كل الضباط الذين طردوا من اخيش ٠‏ مع 
أنه شرط أساسى » يتفق مع ماعرف عن المشير من شهامة وحماية 
لأصدقائه ومن يلوذون به , وقد عبر عن هذا لصلاح نصر قائلا : 
« موش ممكن أرجع وناس طلعت » ! : 


على كل حال . فمن الغريب أن رأى أصدقاء المشير كان فى صف 
قبوله العرض . فقد نصحوه بأن « ينحنى للعاصفة حتى تهدأ » ثم 
يكون له التصرف الذى يراه » ! . ويبدو أهم كانوا فى حالة يأس . لأن 
عبد الصمد محمد يذكر أن العرض الذى أتى به صلاح نصر ء بدا كأنه 
« هبط عليهم من السماء ) . وقد حاجوا المشير بأن « كل الذين خخرجوا 
من الحكم . اختفت اساؤهم . وانطفأت أضواؤهم . ول يعد يذكرهم 
أحد » وانطووا فى ظلام النسيان ! . وقد ساعد هوء أورضى لهم هذا 


رحا 





المصير ! . فلماذا يتوقع أن يكون مصيره أفضل ., أو يحل لنفسه ماحرمه 
عل غيره ؟ ) . 


وقد علق عبد الصمد محمد على ذلك قائلا : « وشعرت » وقد 
أكون مخطا » أن كل واحد يبكتى على ليلاه التى ستهجره ! . فرئيس 
الشركة يتطلع ليكون رئيس مؤسسة . وهذا يتطلع إلى الوزارة تسن 
المدينة يتوقع أن يكون محافظا » وعضو مجلس الأمة يبقى عضوا إلى 
الأبد ٠‏ إذا لم يتطلع إلى أكثر . ومن فى الاتحاد الاشتراكى يرجو أن 
يعيش فى النفخة الكذابة والمظاهر اطايفة . . » . 


وهذه هى مغانم الحكم التى كانت رائد الجميع ! 8 


55 





عبد الناصر يصفى جيش المشير 


كاف إهها وا الشمر ع ااذه اعضنا ماف كايلة وهو المرفلن 
الذى ظل متمسكا بهحتى النباية ‏ نباية حياته المأساوية ! . وكان وراءه 
رغبة طاغية فى العودة إلى مركزه على رأس اليش , يصفها المقدم جلال 
هريدى , الذى كان ملازما للمشير فى بيته منذ اعتزاله حتى القبض 
عليه » بقوله : « أنا كنت شايف المشير بيبكى .» لأنه مارجعش ») ! . 


وقد كان نحليل المشير » ومعه شمس بدران . للأزمة مع عبد 
الناصر » أنها لا تعدو أن تكون صورة لأزمة ١14557‏ , حين قدم المشير 
استقالته فى أول ديسمير ١957‏ احتجاجا على سلبه بعض اختصاصاته 
بقانون عرض يوم 94> نوفمبر1957 . وكما أن عبد الناصر قد رضخ فى 
النباية فى الأزمة السابقة » فكذلك سوف يرضخ فى الأزمة الحالية ! . 

ويتضح هذا التحليل من التعليق الذى أوردناه للمشير عامر على 
العرض الذى حمله اليه صلاح نصر . فقد أثار قضية الاختصاصات 
فى أزمة ”195 ». وقال أن عبد الناصر « لوكان قادرا أن يقبل 


لما 





الاستقالة » كان قد قبلهاء وا كان قادر يعرلك: كان عزلني » ! . 
بعر عر 


وسوف نرى أن الاشارة إلى أزمة ١957‏ ظلت تتردد على ألسنة 
شمس بدران وأنصار المشير على طول الصراع الذى دار بين الحانيين » 
والذى انتهى بوفاة المشير. ففى محاكمة شمس بدران أمام حكمة 
الثورة » حين طلب منه رئيس المحكمة » حسين الشافعى . أن يدلى 
بأقواله عن « المرحلة التى أقام فيها فى بيت المشير» ‏ أجاب بقوله : 


- والله أنا شايف أن العملية بدأت قبل كده بمراحل طويلة ! . كان 


فيه أحداث طويلة تراكمت على بعضها . وأدت إلى هذا الموقف اللى 
احنا فيه » ! . 


وهنا أراد سين الشافعى أن يركز شمس بدران على مرحلة وجوده 
ديسمير ١957‏ » قائلا : 


مقدرش أقولا ! . لازم نبتدى من الأول ؛ علشان يبقى الموضوع 


حسين الشافعى : من الأول يعنى سنة كام ؟ . 
وفى أقوال شمس بدران فى التحقيق قال : « أريد أن أقول أن هذه 


الأزمة بدأت فى سنة 1957 , عندما شكل مجلس للرياسة » فوافق 
عليه المجلس . وكان من شأنه أن يأخذ اختصاصات المشير فى بعض 





التعيينات داخل القوات المسلحة . وهذا مادعا المشير إلى تقديم 
استقالته » . 


ومعنى هذا الكلام » أن شمس بدران كان ينظر إلى الأزمة بين 
المشير وعبد الناصر . باعتبارها حلقة فى سلسلة الصراع على السلطة 
بين الاثنين » وليست نتيجة لهزيمة يونية ! . ونظرا لاحتدامها » فقد 
كان يرى أنا تحناج فقط إلى مزيد من الصبر ! » فتنتهى إلى ماانتهت 
إليه أزمة ١957‏ » وهو رضوخ عبد الناصر ! . ففى حديثه مع محمد 
احمد » سكرتير عبد الناصر » أثناء الأزمة قال : « إن الأزمة بين الاثنين 
أعنف من أزمة 1951 ٠»‏ وتحتاج إلى وقت أطول » ! . 


كان يشاركه فيه المشير مشاركة تامة ) تقبي| قاتلا . ذلك أنه أغفل فارقا 
عظيما يقف بين الأزمتين » ويقف فى الوقت نفسه بين الرجلين ‏ وهو 
الهزيمة المخزية » التى يتحمل مسئوليتها المشير بالدرجة الأولى » والتى 
كانت تجعل من استمراره فى مناصبه واختصاصاته ضد طبيعة الأشياء » 
التاريخ . 


على أن المشير نظر إلى الصراع من الزاوية التى تروقه . ففى حديثه 
لكل من عبد الصمد محمد وزميله محمود عبد الله » قال مستئكرا : 
إذا كان عبد الحكيم عامر حينحنى . مافيش حد فى مصر حيقف 
قدامه ( عبد الناصر ) ! أنا مااسكتش وأدفن تاريخى بإيدى ! . هو أنا 
اشتركت فى طرد فاروق الأول » علشان استبدله بمستبد ثانى اسمه 
عبد الناصر الأول ؟ . وبعدين أروح أقعد فى اسطال » وألعن نفسى 3 
والتاريخ: يلعننى ) ؟ ش 


كه 





وقد كان فى هذا القول من المشير عامر مغالطة شديدة . فقد كان 
أكثر استبدادا من عبد الناصر » وأكثر من ذلك أن مجموعته كانت أكثر 
فسادا وارهابا . فقد أثيتنا فى حلقات هذه الدراسة الصلة بينه وبين حمرة 
البسيونى » مدير السجن الحربى » الذى كان يدين له وحده بالولاء » 
ويتلقى أوامره من شمس بدران ‏ وقد تمثل ذلك فى الاقراج عن عبد 
المنعم أبوزيد وزغلول عبد الرحمن وزملائههم| . وكان حمزة البسيونى ممن 
لحثوا إلى بيت المشيرء وأسبغ هذا عليه حمايته بعد اعتزاله . وقد قابل 
حمزة البسيونى ذلك المعروف بإلقاء مسئولية جرائم التعذيب على شمس 
بدران يد المشير اليمنى . ففى اعترافات حسين مختار أمام محكمة 
الثورة قال : 


لما لقيت حمزة البسيونى فى بيت المشير. أول ماشفته تضايقت » 
لأنى كنت أعرف انه قائد السجن الحربى . وكلمته عن التعذيب اللى 
حصل للاخوان المسلمين وغير الاخوان . فقال لى : « والله ياحسن . 
أنا ماليش دخل بالل حصل . والوزير شمس كان بيأمرء» وإحنا 


تنفذ ) !. 


ولسنا هنا فى مقام الدفاع عن حمزة البسيونى » الذى يكفى انتسابه 
لأى نظام سياسى لتلطيخ سمعته إلى الأبد وانم) يكفى إثبات هذه الصلة 
بين المشير وحمزة البسيونى حيث يصدر إليه أوامره « الشفوية » عن 
طريق شمس بدران » فتنفذ فى الحال كأما قانون ! . 


على كل حال » فنعتقد أن تقييم المشير الخاطىء لأزمة 19517 فى 
ضوء أزمة ١957‏ , هوالذى أودى بحياته . فقد قامت عليه كل 
حساباته وتحركاته » وسار على هذيه هو وأصحابه » فتركزت جهوده 


558 





وجهودهم على هدف واحد هو « فرض وجوده ) - حسب تعبيره ‏ على 
عبد الناصر . بقوة اليش : 


على أنه كان واضحا أن الاستعانة بقوة اليش فى ذلك ا حين لم تكن 
تتسنى إلا عن أحد طريقين : 


الأول > أن سرك الفيون ليفرظن" المشين. 
أو يتحرك المشير ليفرض نفسه على الجيش ! . 


صباح يوم ١‏ يونية » حين احتشد القادة والضباط فى مبنى القيادة 
العامة » ينتظرون إشارة منه للتحرك : ولكنه لل ةذل اثر أن 
يلعب دور الفارس » أو١‏ الكاوبوى  )‏ حسب تعبيره ‏ فرمى بمسدسه 
أمام خصمه 2 على أمل أن يعامله بالمثل ( ولكن عبد الناصر سارع إلى 
الاجهاز عليه ! . 


وبعد فشل المشير قى دور الفارس 2( لم يبق أمامه سوى دور 
المتآمر ! . وهو الدور الذى سوف يحكم المرحلة التالية حتى وفاة 
المشير . 


ونقطة البداية فى هذه المرحلة . هى انتقال المشير وأنصاره من 
أسطال إلى بيته بالجيزة . وتختلف المصادر فى تفسير هذه العودة . فيذكر 
عبد الصمد محمد أنبا تمت بناء على زيارة قام بها محمد حسنين هيكل 
للمشيرق أسطال ( موفدا من قبل عبد الناصر » وذلك فى أعقاب زيارة 
صلاح نصر بيومين أو ثلاثة . وقد نجح هيكل فى إقناع المشير بالعودة 
إلى القاهرة . ويقول أنه علم بذلك من حسن عامر حين توجه لزيارة 


كف 





المشير كالعادة فى المساء . فأبلغه بأن المشير وباقى الأصدقاء سافروا إلى 
القاهرة . وكانت دهشته كدهشتى . فانه لم يعرف إلا أن هيكل جاء 
لزيارة عبد الحكيم , واستنتج أن يكون أقنعه بالعودة ! . ومعنى ذلك 
أن عودة المشير كانت استجابة لرغبة عبد الناصر ! . 


عن أن اتتسن: رازن يورة امنيا احم “فقن:دكر أن زايا عديدين 
حضروا إلى المشير فى أسطال » وروا له أن هناك إشاعات ضده فى 
الاتحاد الاشتراكى : أنه سرق فلوسا , وانتحر . أو هرب إلى الخارج . 
وطلبوا منه العودة علشان الناس تعرف ! . 


ومعنى هذه الرواية أن العودة كانت بإرادة المشير وأنصاره 2 وم تكن 
استجابة لرغبة عبد الناصر . وهذا هو الذى نرجحه .» خصوصا وأن 
رواية عبد الصمد محمد لاتؤكده . بل تبنيه على استنتاج 5 وواضح أن 
هذه العودة هى نتيجة منطقية لرفض المشير التسوية التى عرضها عبد 
الناصر » وتمسكه باستعادة اختصاصاته كاملة » مع عودة القادة الذين 
أحيلوا على الاستيداع : فلم يكن فى وسع المشير البقاء فى اسطال . 
وإلا كان ذلك معناه قبوله نفيا الحتياريا 86 تلك البلدة النائية . 
واستسلامه الكامل للوضع الذى فرضه عبد الناصر » وهو مالم يكن 
أنصاره على استعداد للقبول به . ومن هنا الوفود التى قدمت إلى اسطال 
لحمله على العودة . 


وعلى كل حال . فإن عودة المشير إلى منزله بالجيزة » تمثل ‏ كما 
ذكرنا ‏ بداية مرحلة نشطة فى الصراع بينه وبين عبد الناصر . وهى 


الوجه الأول .» تصفية عبد الناصر لأنصار المشير فى اليش . 


5” 





والوجه الثانى » محاولة المشير وأصحابه الاستعانة با خيش 3 فرضص 
وجوده على عبد الناصر . 


وبالنسبة للوجه الأول . فقد رأينا كيف بدأت هذه العملية على 
نطاق ضيق ». حين أصدر عبد الناصر صباح يوم ١١‏ يونية قراره بتعيين 
الفريق أول محمد فوزى قائد عاما » ثم أصدر قراره بعد ظهر ذلك اليوم 
بقبول استقالات قادة الأسلحة وتعيين ارين . وفى نفس اليوم 
يهنا - رك نيقرل امور حامر الك عب الناضتر سكن لتطهد اتيش من 
أنصار عبد الحكيم عامر . أطلق عليها المشير اسم « لجنة تصفية عبد 
الحكيم » وسخر من جدوى هذه العملية قائلا : « يبقى لازم يسرحوا 


الجيش كله ) ! . 


وقد روى الفريق محمد فوزى فى مذكراته أن الرئيس عبد الناصر 
استدعاه إلى منزله فى السابعة من مساء يوم ١١‏ يونية » بعد أن طلب 
منه احضار آاخر كشف معدل عن ضباط القوات المسلحة . وم يكد 
فوزى يصل هناك حتى بدأ عبد الناصر فى دراسة أسماء أصحاب الرتب 
العظمى فى القوات المسلحة : ألوية » عمداء ‏ وأخذ يسأل فوزى عن 
سمعة وكفاءة وقدرة كل منهم . ثم أذ يركز فى تفكيره على تذكر هذه 
الشخصيات منذد بداية الثورة . 


ويقول الفريق فوزى انه هنا « تأكدت للمرة الثانية أو الثالئة من 
الصراع الذى كان موجودا بينه وبين المشير ‏ وكيف نجح المشيرى إبعاد 
عيبل الناصر كلية عن القوات المسلحة » حتى أسماء القادة الكبار. 
ومنهم دفعته ! . كما لست فى نفس الوقت عاطفة الرئيس الحساسة 
بالنسبة للمشير ! عندما يأتى ذكر اسم أحد من الضباط الذين كانوا 


حمق 





وركز فى اسثلته على الضباط الذين يعملون مع شمس بدران . وق 
نفس اللقاء لمح لى الرئيس بأنه سوف يلغى بعض القرارات التى كان 
يشعيين أن« الشهين اعدصنت نا صا هانة لبنيدت الك ولا" فلكالة 
ضاحكا : إنها قرارات كثيرة جدا » رد بقوله : سوف أكتفى الآن 
بقرارين فقط . وعلى هذا قرر الرئيس الغاء قرار منمح السلطة المالية 
« ميزانية نشرية » الخاصة بالشئون العامة » وكان حجمها سنويا منذ 
عام 1955 ., وحتى عام /951١من‏ درا إلى ؟ مليون جنيه سنويا . وم 
تكن هذه الميزانية تحت رقابة الدولة » بل كانت تصرف بامضاء أى ورقة 
من المشسير أو شمس بدران + أو حتى على شفيق ! . أمسا الشىء 
الثاننى » فكان تعديل قرار منح المشير سلطات قانونية فى تطبيق القانون 
رقم 55/76 . الخاص بالأحكام العسكرية ‏ وهى أحكام مسحوبة 
من صلاحيات القائد الأعلى للقوات المسلحة شخصيا » . 


كانت هذه هى بداية عملية تصفية جيش المشير» وقد بدأها عبد 
الناصر بنفسه ‏ كما رأينا . وسرعان مااتسع نطاق هذه العملية اتساعا 
كبيرا » تحت اشراف سامى شرف . الذى كان له سس حسب تعبير 
منير حافظ « شرف دور التنسيق فى هذه العمليات » ! . وكانت هذه 
العمليات تتم أساسا بين الفريق أول محمد فوزى ., القائد العام , 
واللواء محمد صادق . مدير المخابرات الحربية » واخرين . إلى جانب 
عناصر أخرى كانت تمد عبد الناصر بالمعلومات ! . 


وهكذا أخذت النشرات العسكرية تصدر تباعا » وكل منها يحمل 
فى قضية مؤامرة قلب نظام الحكم . إلى أن هذه النشرات قد بدأت فى 
الظهور فى يوم ١4‏ يونية . ففى محاكمة اللواء أحمد علوى قال إن 
) التتامس خرجت معاشات ق ١5‏ يونيو) ! . وكانت هذه النشرات 


ا 





تستهدف أصلا التكوينات الموالية للمشيرفى اليش والتى تدين بالولاء 
لشمس بدران . كما استهدفت الضباط الذين يزورون المشير فى بيته 
بالجيزة . وكان الغرض من صدور هذه النشرات على هذا النحو؛ هو 
تطويق المشير وفرضص العزلة عليه فى البيت وفى الحيش معا ! . 


وقد توجت هذه التصفيات يوم “71 يولية عندما أحيل على الاستيداع 
أفراد دفعة شمس بدران بأجمعهم » وهى دفعة 1444 التى كانئه 
القصص الكثيرة تروى عنها » والتى ظلت تتربع على عرش الصدارة 
فى اليش طوال السنوات العشر السابقة . وكان عدد أفرادها 
٠‏ ضابط » حسب شهادة كل من العقيد محمود طنطاوى.والنقيب 
محمد فتح الله . الملحقين بمكتب المشير. وقد تمت احالتهم إلى 
المعاش دون التحقق من مواقفهم ‏ ى) يعترف منير حافظ . 


ومنذ يوم ١77‏ يوليةكان قد بدأ تصاعد جديد فى المواجهة بين عبد 
الناصر والمشير » يتمثل فى حملة الاعتقالات التتى وقعت على أنضار 
المشير . ففى ذلك اليوم تم القبض على اللواء عبد الرحمن فهمى » وهو 
من أقطاب حركة ١١‏ يونية فى مبنى القيادة العامة ومن أنصار المشير . 
كها قبض على العميد طيار أيوب الوثيق الصلة بالمشير . وكلاهما كانا 
يترددان على بيث المشير. وقد أفلت حمزة البسيونى من الاعتقال فى 
الوقت المناسب . ولحأ إلى بيت المشير. فشمله برعايته وحمايته ! . 


وم يليث أن اتسع نطاق الاعتقاللات ليشمل دفعة شمس بدران 
برمتها . وفيما يبدو أن الأمر باعتقالههم صدر فى نفس الوقت مع أمر 


ويفا 





- هل كان شمس ثائرا للقبض على ضباط دفعته » أم تضايق لما 
جرى لهم ؟ . 


عباس رضوان ( بعد صمت ) : كان فى حالة تأثر شديد . 


للكلام اللى وضحته المحكمة بأنه يعتمد عليهم كركيزة لتنفيذ أى عمل 
يوكل إليهم ؟ : 


عباس رضوان : أنا لم أصل لتحديد مضبوط لهذه النقطة . 


حسين الشافعى : إن تأثره هذا مهم , لأنه كانا سببا فى تصعيد 
الموقف . 


عباس رضوان + الواقعة بشاعة دفعة ,48 كانت فى 8 يوليو .ويعك 
كذه جاءت أوقات فيها اتصالاات بين الريس والمشير . 

ومن المحقق أن اعتقال دفعة ١44/‏ قد هز شمس بدران هزا . 

فيذكر المقدم جلال هريدى أن شمس بدران « لم يظهر رد فعل عليه , 
عن خروج دفعته ٠‏ تأثر؛ وحصل لديه رد فعل ) !. 
١‏ 


عليه ايعق 9 أعر علية من : :ال الاقف شهيه والة.الاف 


"4 





فرد جلال هريدى قائلا : اللى حصل انه تأثر ! : 


وكان عبد الناصر يعتير دفعة شمس بدران بمثابة ( تنظيم سرى » 
داخل الجيش ! . ففى حديثه فى جلسة اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد 
الاشتراكى يوم ٠‏ أغسطس 14517 » أبلغ الأعضاء بأنه « اعتقل ضباط 
التنظيم السرى الذى أقامه شمس بدران داخل القوات المسلحة » 
وأغلبهم من دفعته العسكرية خريجى عام 19148 ) . وقال إنه عندما 
قابل شمس بدران بعد ذلك قال له : « ياشمس » منحتك ثقتى 
بالكامل . ولكنك للأسف اشتغلت لمصلحتك ومصلحة المشير من 
خلف ظهرى . أنا أمرت باعتقال جميع أفراد التنظيم ! . فارتجف , 
وارتبك كثيرا ) . 


كانت تصفية جيش المشير وخلع كل أنصاره ومؤيديه » ضرورة 
أوجبتها متطلبات الأمن وحماية النظام » وإنهاء الأوضاع الفاسدة فى 
اليش » وإصلاحه . ولكتبها كانت من العوامل الرئيسية التى أححت 
المعركة بين المشير وعبد الناصر . فلم تكد تبدأ بوادر الحركة فى 
٠‏ يوليو » حتى بادر المشير إلى الاتصال بأقرب أنصاره طالبا إليهم 
الالتجاء ببيته » وعلى رأسهم اللواء عثمان نصار » الذى يذكر أن المشير 
« كلمنى فى الفجر فى بيتى » وقال لى : تعال دلوقت » الضباط 
بيعتقلوا » وانت تقعد هنا بدل مايعتقلوك » ! . 


وق الوقت نفسه » أخذ جميع الضباط الذين يخرجون » يجيئوت إلى 
المشيرء ويطلبون إعادتهم ! . « وكان المشير» ‏ كما يقول المقدم جلال 
هريدى ‏ « شاعرا بحرج بالنسبة لضباطه . وقال لى «١:‏ إذا رجع 
الضباط » مافيش مانع أوطى وأبوس رجله ( عبد الناصر ) » ومافيش 
مانع ننتخبه رئيسا مدى الحياة ) ! . على أن المشير كان يعرف أن عبد 


يقفا 





الناصر لن يعيد هؤلاء الضباط إلى الخدمة العسكرية مهما أبدى من 
تنازلات » وأن الوسيلة الوحيدة لاعادة هؤلاء الضباط إلى مواقعهم » 
تكمن فى فرض عودته هو على عبد الناصر . ولذلك ينقل عنه جلال 
هريدى قوله : أنا عارف الريس . . وهذه المرة لن أسمح لأحد باتخاذ 
أى قرار» وجميع القرارات أنا اللى حاتخذها » ! . 


وتجريده من السلطة . وكان أهم ما اتخذ من اجراءات فى ذلك الحين » 
إجراء ان كبيران ٠‏ 


الاجراء الأول , رفع صورة المشير من وحدات اليش 
والثانى » رفع الحراسة عن بيت المشير , 


وبالنسبة للاجراء الأول » فقد أرسلت إشارة إلى جميع الوحدات فى 
يوم الجمعة 5١‏ يوليوء برفع صورة المشير. وقد أرسلت هذه الاشارة 
مفتوحة . ليعرفها كل فرد » ولتقطع كل أمل فى عودة المشير إلى 
اليش ! . وقد أغضبت هذه الاشارة بتلك الصورة أنصار المشير غضبا 
شديدا . فيقول الرائد محمد سمير فهمى فى اعترافاته أمام محكمة 
الثبورة » أن المقدم أحمد عبد الله » وهو من أركان حرب المشير فى 
المؤامرة » « كان زعلان » لأن الاشارة جت مفتوحة » وكان عايزها 
تيجى مقفولة » ! . وأنه كان إلى ذلك الحين « يتصور أن المشير 
سيتصالح مع الرئيس . ويعود ) . 


وقد صاحب هذا الاجراء فى وقت واحد تقريبا » أى قبيل الاحتفال 
بيوم وف يوليو, رفع الحراسة عن بيك المشير عامر فى الحيزة » ومحاولة 


إن 





استبدال حراسة جديدة مها . فكان هذا الاجراء إشعارا بأن سيف 


الخطر قد وصل إلى عنق المشير عبد الحكيم عامر ! . 


يفف 





ميليشيا الجلاليب فى بيت المشير 


قشع قراو رق القزائية تق بيك قمر يعات النونراسصاية اق 
موقف مشير . فقد صحبه عرض من جانب الفريق أول محمد فوزى 
لتعيين حراسة أخرى بديلة ! . ومن هنا فقد بدأ الأمر بمثابة تخيير المشير 
بين الاعتقال والاعتداء . فإذا قبل المشير عرض الفريق محمد فوزى 
بإرساله حراسة جديدة » فإنه يكون قد قبل تحديد إقامنه أو وضعه تحت 
حراسة جنود عبد الناصر . وإذا رفض ». فيكون قد جرد نفسه من 
الحراسة اللازمه التى تحميه من أى اعتداء محتمل » قد يكون على يد 
مظاهرة مدبرة ! . وسوف نرى أن المشير وأصحابه سوف يرفضون 
الخيارين المطروحين عليهم . وسوف يختارون البديل الثالث الذى 
ينناسب مع تطلعهم إلى استعادة السلطة » وهو الاستعانة بالجيش 
لاعادة المشير! . 


ومن المحقق أن عبد الناصر لايتحمل مسئولية دفع العلاقات بينه 
وبين المشير إلى ذلك المنحدر الخطروتلك الهوة السحيقة . ذلك أن قرار 


كفا 





رفع الحراسة عن بيت المشير» بكل ماسبقه مباشرة أو صاحبه من 
اعتقالات وغيرها من إجراءات » مثشل رفع صورة المشير من 
الوحدات - لم يكن إلا رد فعل لتحركات المشير وأصحابه بعد عودتهم 
فن :اشتطاك ١‏ :'وقلةاتطلقت هذه التجركات من فين التخليل 
الخاطىء الذى يرى فى أزمة ١951/‏ صورة مكيرة من أزمة ١951‏ 2 
واستخدمت نفس الأدوات ! . 


وقد كان من تلك الأدوات السابقة . التى استخدمها المشير للضغط 
على عبد الناصر ليعيد إليه اختصاصاته كاملة ‏ رفع شعار 
الديمقراطية ! . وشعار الديمقراطية أنشودة قديمة ينساها الحكام فى 
النظم الدكتاتورية وهم فى السلطة » ثم يتذكرونها فجأة عندما 
يتدحرجون من فوق مقاعد الحكم . فترتفع بها عقائرهم فى حماس 
مصطنع لخداع الجماهير» وحتى ينقلوا قضاياهم من صعيد المصالح 
الشخصية إلى صعيد المصالح العامة . ولكن اللجاهير تسمع وترى » 
ثم تبتسم فى سخرية » وتعرض عنهم فى أسف . 

وقد تذكر المشير عامر قضية الديمقراطية فى سنة 1957 », فلم يقدم 
استقالته لعبد الناصر مطلقة » وإنم)ا قدمها مسببة » وبناها على الصالح 
العام » فتحدث عن وجوب العمل لتحقيق الديمقراطية » ونحقيق 
حرية الصحافة . وإعطاء محررءها ضانات كافية للتعبير عن آرائهم 
بصراحة ! . ثم طبع تلك الاستقالة بالآلة الكاتبة » ووزعها على 
الضباط . وبهبذه الطريقة حمل عبد الناصر على الاذعان لشروطه » 
واستعاد اخحمتصاصاته كاملة . 


وعلدلما عاد المشير عامر من بلدته اسطال إلى بيته بالحيزة ( تذكر 
قضية الديمقراطية مرة أخرى » وكان قد نسيها منذ استعاد اتصاصاته 


لحف 





كاملة فى ديسمير957١‏ ! . ورأى الاستفادة ببذه السابقة . ولكنه لم 
يشأ أن يجهد ذهنه فى صياغة مطالب ديمقراطية جديدة » لأن الوضع 
السياسى فى مصر . فيم| يتصل بقضايا الحرية والديمقراطية لم يكن قد 
تقدم أنملة واحدة ولم يتغير عما كان عليه فى عام ١5551‏ !| . ومن هنا 
فقد رأى أن استقالته التى كان قد قدمها فى سنة ٠ ١4557‏ تصلح لكل 
زمان ومكان » وأنه يمكن الاكتفاء مها فى إثارة معركة سياسية نشطة ضد 
عبد الناصر » مع توسيع نطاق توزيعها بها يناسب -حجم الأزمة 
الحديدة ! . 


ويلقى عبد السلام فهمى » زوج أخث على شفيق » وسكرتير المشير 
العسكرى » بعض الأضواء على نشأة الفكرة عند المشير » فيقول إن 
المشير استدعاه بعد الاعتزال » وطلب منه تصوير الاستقالة التى كان 
قد قدمها فى سئة 1451 , قائلا : عايزك تكتبها على الآلة الكاتبة , 
وتطبع منها حوالى مائة نسخة . وفعلا طبعتها » وسلمتها له فى الحيزة . 
وبعدين قال لى : « احنا عايزين ٠٠٠١‏ نسخة ! . وطلب منى أعطى 
عاك امقس سافنا ,ودر قرفال دوق ل عدا وريز نشبا طلا 
فقلت له : مش عندى . قال : شوفها من دليل التليفون . فقلت 
للرائد حسن محفوظ : هات دفاتر التليفون » وانقل منها . وكانت 
الكشوف اللى يخلصها . يديها لى . وأنا أديها للمشير على طول . وجه 
فى ذهنى أنه حيبعث للضباط نسخ . خصوصا بعد حكاية 


ال 7٠٠٠٠١‏ نسخة ! . 
كانت فى وقت مبكر- أى قبل الاعتقالات » التى بدأت - كبا ذكرنا - 


منذ ١7‏ يوليو. ففى محاكمة شمس بدران سأله حسين الشافعى » 
رئيس المحكمة : 


اللنا 





هل استقالة المشير عرضت على الوحدات فى 7١‏ //ا؟ . 


فرد شمس بدران : جايزا؟ » وجايز 58 ! . ولكن حسين 
الشافعى عارضه قائلا : لا »يوم "١‏ يوليو ! ' 


وواضح هنا أنه لكى تصل الاستقالة إلى الوحدات ٠‏ لابد أن تكون 
قد طبعت قبل يوم د" بفترة كافية : 


وقد رأى عبد الصمد محمد عبد الصمد ١‏ فى منتصف شهر يوليو ) 
حسب قوله ‏ ( أكداسا ) من هذه الاستقالة فى بيت المشيرفى الجيزة . 
إذ يذكر أنه حين ذهب لزيارة المشير» « رأى أكداسا من أوراق مطبوعة 
فوق مائدة فى صالة بيت المشير . وقال لى أحد أفراد الأسرة : مش تاخد 
شوية ؟ . فأخحذت واحدة , فإذا مها خمطاب استقالة المشير المسببة فى 
ديسمير1957 . قرأتها سريعا . إذ كنت أعرفها وقت تقديمها ) . 


ويفهم من كلام شمس بدران أثناء المحاكمة أن الاستقالة وزعت 
على: أعضاء مجلس الأمة . وهذا يصور مدى اتساع نطاق التوزيع » إذ 
أرسلت للضباط بالبريد » ووزعت على الوحدات » ثم وزعت على 


بأنهم كانوا يتساءلون : لماذا ره الكلام عن الديمقراطية 
الآن » « وماقالوش ليه من زمان ؟ » . « فأراد أن يربهم أنه سنة ١457‏ 
قال هذا الكلام » ! . على أنه من الواضح أن تعجب أعضاء مجلس 
الأمة كان ينصب على عدم إثارة المشير قضية الديمقراطية وهو يتربع على 
عرش السلطة » وليس وهو يقدم استقالته ! . 


58 





وقد شرح العقيد محمد حلمى عبد الخالق . وهو من أنصار المشير » 
مطالب الحركة , فذكر أمها الدعوة إلى اجتماع مجلس الأمة . وقيام 
معارضة داشخل الاتحاد الاشتراكى وداخل مجلس الأمة « علشان نقدر 
نعبر عن وجهات النظر اللى منقدرش نقوها فى جرايدنا » ! . 


وقد سأله بحسين الشافعى : هل سمعتم قبل كدة أن المشير ردد هذه 
المبادىء عن الديمقراطية قبل أن يترك السلطة ؟ . 
وقد رد العقيد محمد حلمى قائلا : عمرنا ماسمعنا ! . 


دكتاتورية النظام الناصرى قائلا : 


احنا نظام ملتزم بميثاق . الميثاق واضح بالنسبة لتعدد الأحزاب . 
إذا أنشأنا أحزاب . سينشأ حزب يتلقى أوامره من قمة الاستعيار » 


وكان حسين الشافعى فى هذا الدفاع محاميا فاشلا . ففى الوقت 
سوى ترديد الادعاءات المهينة جدا للشعب المصرى », التى كان يرددها 
النظام الناصرى لسرير وتكريس دكتاتوريته » وى دمغ المعارضة 
المصرية بالخيانة والعمالة للولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتى ! . 


ومن الطريف أن أنصار المشير أنفسهم كانوا يعرفون أنه يخادع بهذا 
الشعار . ففى مذكرات عبد الصمد محمد يروى أنه عندما رأى استقالة 
الأسرة » بأن طبع هذه الاستقالة » وتوزيعها على الزائرين » لامعنى 


نكا 





له ! . لأن المشير رضى بعد هذه الاستقالة بالأخطاء الجسيمة , بل 
ورأس لحنة تصفية الاقطاع ! . وانى لاأوافق على هذه الفكرة . وإن 
كنتم تصرون على توزيعها » فأرجو اعفائى من الاشتراك فى شىء لست 
مقتنعا به » ولا أعرف كيف أدافع عنه ) ! : 


فل كل حال + فان هذا التنقساط السباسى من بعالت الكشين 
وأنصاره » قد نبه عبد الناصر الى احتهال حدوث تحرك مضاد فى عيد 
الثورة » فاتخذ تلك الاجراءات الاحتياطية قبيل بوم فا يوليو , وهى 
اعتقالات الضباط » ورفع صورة المشير من الوحدات » ثم رفع 
الحراسة عن بيت المشير ! . 


وقد ا تخل رد الفعل هله الاجراءات من جانب المشير وأنصاره 
2 كلين : 


الأول : القرار الذى اتخذه شمس بدران بمقاومة الاعتقال بالقوة . 


والشكل الثانى : الشروع الفعلى فى اعداد خطة لاستخدام الجيش 
فى فرض المشير على عبد الناصر . 


وبالنسبة للشكل الأول » فقد اتخل شمس بدران هذا القرار ردا على 
اعتقال دفعته » واحتياطا من امتداد الاعتقال اليه وإلى المشير وأنصاره . 
ففى مجلس عام عقد فى بيت المشير , وحضره مجموعة لواءات محالة عل 
المعاش . أثار شمس بدران ‏ حسب اعترافه ‏ قضية الاعتقالات , 
ووصفها بأنها « غير قانونية ) . ثم أعلن أنه سوف يقاوم الاعتقال لووقع 
عليه . 


3 


ولم يلبث أن أخذ فى توزيع الأسلحة على المقيمين فى بيت المشير . 


ونا 





فقد قرر أمين عبد العال وجمال فاووق . وهما عقيدان بالجيش ومن 
أنصار المشير . أن شمس بدران قد سلمها) طبنجتين وقال لما انه 
يمكتح] مقاومة اغتقالن] بالقوة . .وقد زعم كيمس بيداراك أنه كان رقضيد 
بهذا الكلام نفسه : « أنا قلت : أنا نفسى حأقاوم » ولم أقل لحمال أو 
أمين حاجة عن المقاومة » !. وقد رد عليه رئيس المحكمة بقوله : ( همه 
بعتيروك قدوة ومثل ») ! . ولكن شمس أصر على أنه قال هذا الكلام 
عن المقاومة فى المؤتمر العام الذى عقده المشير » « والناس كانوا كلهم 
لواءات » ». وبالتالى لايمكن أن يكونوا حل تأثير ! . وهنا سأله حسين 
الشافعى : 


- يعنى انت متصور أن أى واحد يقاوم السلطات العليا فى هذا 
الوقت ؟ 5 النباردة ( واحنا فى حالة حرب وطوارىء ( تعتقد أن واحد 
معاش ماسك طبنجة . له أن يقاوم السلطات ؟ . 


وأنا لم أخطر بأن فيه قانون طوارىء فى البلد ! . 


حسين الشافعى : أعلن قانون الطوارىء فى "١‏ مايو/951١‏ » وكان 
طوارىء ء وإذا كان فيه » كنت ما اتكلمتش ! . 


حسين الشافعى :هل كنت ملتزما أنت بهذا السند فى اعتقاللات 
الناش ادانة لكر 1 


58: 





وكأن حسين الشافعى بذلك يلمح باعتقالات كمشيش .» التى تمت 
فى ظل القانون السارى » وتعتبر وفقا لمنطق شمس بدران الجديد ‏ 
غير قانونية وتبيح لمن وقعت عليهم المقاومة بالقوة المسلحة ! . 


على كل حال » فلم يلبث مبدأ مقاومة الاعتقال بالقوة أن وضع 
موضع التطبيق » حين أرادت قوة من المخابرات اعتقال المقدم جلال 
هريدى - الذى كان يقيم فى بيت المشير ‏ ونصبت له كميئا . فقد سارع 
إلى إطلاق النار عليها » وانطلق إلى بيت المشير » حيث جرى تبادل 
إطلاق النيران بين الحرس والقوة » انتهى بعدم تمكن القوة من اعتقال 
جلال هريدى ! . 


ولالمووق سي ينان ليه هلم للدادقة لقره كل رقف اطناضةة. 
فذكر أن « جلال كان مرافق واحدة ! » ويتردد عليها » والمخابرات 
مراقبة بيتها وبيته . والست دى أخحدت عربية من عربيات المشير, 
وطلع جلال يقابلها . وكانوا عاملين كمين هناك خلال . وقالوا له : 
تعال ! . فقال : لا !. وضرب عليهم » وجرى على البيت » 
وصاح : حرس سلاح ! ' وطلع الحرس . وحصل ضرب نار) ! 1 


وقال شمس بدران أنه سمع هذه القصة من المخابرات » وأنه استاء 
جدا لهذه التصرفات . « وجيت جلال أمام المشير » وحاسيناه على 
هذا. وبكى جلال . وقال : أمشى يباأقندم! . قال له : 
لاياجلال ! . والمشير طيب خاطره » وقال له : معلهش ! ) . 

وقد سأل حسين الشافعى شمس بدران عما دفعه إلى الاستياء من 
جلال هريدى 2 مع أنه صاحب فكرة مقاومة الاعتقال بالقوة ؟ . وكان 
شمس بدران صريحا » فقد رد بأنه استاء لثلاثة أسباب هى : أن جلال 


نكن 





« هو اللى ابتدأ بالضرب عل القوة ) » وأنه « كان مرافق واحدة » »فى 
« أعطاها عربية ميرى من بيت المشير) ! . 


هذا على كل حال . كان تأثير حملة الاعتقالات التى وقعت على 
أنصار المشير من الضباط . والتى شملت دفعة شمس بدران فى نشأة 
فكرة مقاومة الاعتقال بالقوة + التى جعلت من بيت المشير فى اللخيزة 
قلعة تمتنعة على السلطة التى تحكم البلاد . 


والسش اااي ريون الور نوريف لقيو يناعة فل ريا هاه 
القلعة إلى دويلة قائمة بذاتها . فقد رأينا كيف رفض المشير وأنصاره 
عرض الفريق أول محمد فوزى تعيين حراسة جديدة لبيته » على أساس 
أق نه" لشو انه لزع اكور سن اليل شين بل مون نئي انه ون للك 
بقى التهديد الثانى » وهو أن يتعرض المشير لاعتداء من جانب مظاهرة 
مدبرة أو غيرها . ومن هنا نشأت فكرة تكوين ميليشيا خاصة تحمى 
المشير. بدلا من الحراسة المرفوعة » وتلك هى التى عرفت باسم 
وكرس شالبب 10 اللارن جلميع السو الها مظان 1ل 


وقد روى عبد الصمد محمد عبد الصمد قصة هذه الميليشيا » فذكر 
أنه فى ظهر أحد الايام » فوجىء بعدد من أهل قرية أسطال منتشرين 
د . « وعرفت منهم أنهم سيقيمون إقامة لايعرفون 
اه نهم جاءوا لحراسة قريبهم وزعيمهم الذى يحبونه ويفتدونه 

ا م رس مر كانت 
0 0 00000 
وحاولت أن أفهم من الذى اقترحها. فلم أعرف غير أن عددهم 
سيزداد ! . وأن كل واحد منهم تسلم بندقية » وسيقوم جلال هريدى 
وبعض ضباط الصاعقة بتدريبهم » ثم يعودون لزيارة ذويهم » لتأتى 


58 





طائفة أخرى ومتطوعون أخرون » ويتناوبون الأجازات ! . 


وسألت عن السبب فى هذا الاجراء ؟ . فقيل لى ماأقنعنى فى أول 
الأمرء وهو أنهم يخشون أن يفاجئهم على صبرى بمظاهرات*من 
منظاته » يتظاهرون ضد المشير» وقد يعتدون على بيته » كأسلوب 
ضغط وتشويه » وأنهم رأوا أن يقاوموا القوة بأهلهم وأقار.هم . 
ولايقاومونها بقوة من أهلها ! . 


( وامتعضت من هذه الفكرة » واستتكرتها . . وقابلت المشير » 
وقلت له : أنى أرى أن الذين استفادوا منك » هم الذين يضحون 
للمخاطر من أجلك 1 ولا كان أقرباؤك أول من استفادوا من اسمك 2 
ونحن الأصدقاء استفدنا أيضا أدبيا ‏ لذا فإنى أقترح إعداد كشف 
بأسماء الشباب من أبناء العائلة » وهم يزيدون على حمسين شابا من 
أبناء الأصدقاء ( ليقوموا مبذه الخراسة ( فهذه صورة أكرم وأليق من 
حيث المظهر ! . وهم يقيمون بالقاهرة ؛ وليسوأ كهؤلاء الدين تركوا 
أعالهم وديارهم . وانى سأحضر ابنى الأكبر الليلة » ليسلم نفسه 
لحلال هريدى » قائد هذا الحرس » . 


وارعاة سن م ان ل لفسا بوتافن المشتميم رسكراء 
وانصرف ليعود فى الليلة التالية ومعه ملابسه ‏ للاشتراك فى الحراسة مع 
شباب العائلة . ولكن فى اليوم التالى وجدنا إصرارا على بقاء حرس 
الحلاليب !ء وإقبالا شديدا على التدريب ! ») . 


ود قدر شمس بدران عدد أفراد هذه الميليشيا بخمسين فردا 
تقريبا ! » وقال إنهم كأنوا يعودون إلى أسطال ويأتى غيرهم . وكانوا 
يقيمول « فى الحنينة 2 ويأكلون فى البيت )!. وعندما سئل عمن كان 


ذف 





يدرهم » أجاب بأنه لايعرف ! . على أن حسين مختار » وكان يقيم فى 
بيت المشيرء ذكر أنه كلف بتدريب هؤلاء الأفراد » فعهد إلى نقيب 
يدعى عبد العليم ( نقيب شرف محمد عبد العليم ) » بتعيين « كام 
ضابط يدربوا الناس على السلاح » ! . وقد اعترف محمد عبد العليم 
بذلك . ولكنه ذكر أن المسئول عن تدريب « الصعايدة » كان جلال 
هريدى وحسين محختار ! . 


ون" ذكر التزيق مد فوزى عن هله الليقنيا آنا كانت تتكون مق 
8٠0٠‏ فرد , وأنهم اندمجوا مع أفراد سريتى الشرطة العسكرية اللتين 
وواهة؟ فردا ( و5١‏ عربة مصفحة كاملة التسليح والذخيرة , وكان 
المشير قد نقل هاتين السريتين الى منزله بأوامر منه . وقد قامت هذه, 
القوة العسكرية والمدنية بالدفاع عن منزل المشير » وقامت بوضع شكاير 
الرمل والمزاغل لاستخدام أسلحتهم فى الدفاع . 


تعن ذلك لطامت اقيفر اتيك لخر فيا 
التدريبات على الأسلحة ! . وقد جرى ذلك فى الوقت الذى كان المشير 
شمس بدران ». فإن بيت المشير فى الحيزة « كان فيه رشاشات 
جرينوف » ومدافع مضادة للطائرات ! » ومدافع مضادة للدبابات , 
والباقى بنادق عادية وقنابل يدوية » ! . 


- إيه الغرض من وجود الأسلحة التى تزيد فى حجمها عن متطلبات 
الحراسة ؟ . أجاب : 


58/8 





الحراسة كانت سحبت » والتمسك بالأسلحة علشان يسلح بيها 
الناس اللى حييجوا من « إسطال )» يتولوا الحراسة ! . والمشير كان داخل 
فى روعه أن ده تمهيد لاعتقاله أو تحديد إقامته . 


والسؤال الآن : كيف كان المشير يتوقع أن تكفى مثل هذه 
الميليشيا ‏ حتى ولو كانت تملك كل هذه الأسلحة لمنع اعتقاله » لو 


امو مو 


أراد عبد الناصر؟ . 


وقد رد على هذا السؤال عبد الصمد محمد » فقال إن عبد الحكيم 
كان يعرف أن بيته ( الذى كان يقع فى شارع الطحاوى ) فى الحيزة يقع 
بين كثافة سكانية راقية » وبجوار السفارات » وبالقرب من 
« شيراتون . و«هيلتون». وكوبرى الجلاء » والتقاء القاهرة 
بالجيزة . وفى مثل هذا الموقع لم يكن من الممكن أن تقوم معركة 
بالأسلحة الثقيلة » ولا بالمتوسطة . ولكنه كان يعتقد أنه إذا قدمت 
قوات البوليس لاعتقاله . وأخذت القروة التى ترابط فى بيته فى 
مقاومتها » فسيسمع الجيش بدوى الرصاص . « وسوف تجرح كرامته 
أن يعتقل البوليس قائد.هم الذى يحبونه . وربما كان فى حسابه أن قوات 
معيئة من اليش ستهب لنجدته ! . فإذا فكر جمال فى أن تعتقله قوة 
من اليش . حتى من فرقة ارس الجمهورى »ء فان هله القوة 
ستنضم اليه إذا قرر المقاومة ! . 

ومعنى ذلك أن المشير كان يستهدف ببذه المقاومة فى بيته » أن تكون 
نواة لمقاومة أكبر تأتى من جانب الجيش » الذى كان يثق فى أنه سوف 
يقف إلى جواره حتما إذا وقع الانفجار المرتقب بينه وبين عبد الناصر . 


على أن آمال المشير لم تكن تقف عند حد المقاومة المسلحة » فقد كان 


>44 





فى ذلك الحين يخطط لنقل المعركة من بيته إلى بيت عبد الناصر ! . 








التخطيط للاستيلاء على القيادة الشرقية 


بدأ تحول المشير إلى فكرة استخدام القوة المسلحة منذ أوائل 
يولية /1951 » وإن دخل فى مرحلة التنفيذ منذ أن تقرر رفع الحراسة 
عن بيته قبيل عيد الثورة فى 71 يولية . وكان الفارس الأول الذى 
اعتمد عليه المشيرنى ذلك الحين » هو المقدم أحمد عبد الله » وكيل قائد 
سلاح الصاعقة » وأحد أحلص أنصاره . 


وتكشف المحاكمات عمق الروابط التى كانت تربط المقدم أحمد عبد 
الله بالمشير عامر » من خلال اهتمام المشير بسلاح الصاعقة وضباطه . 
وهو مايكشفه أحمد عبد الله بوضوح فى اعترافاته أمام المحكمة . فقد 
ذكر أنه منذ أن كان ضابطا بالصاعقة فى سنة ١ » ١19865‏ والمشير حاطط 
عينه عليا . وكان باستمرار يسأل عنى , لأنه كان يشعر بأنى أقوم 
بواجبى . وكنت أشعر بتقدير معين من جانب المشير» لدرجة أننى 
سنة 1985 كنت فى أبو عجيلة مع جلال هريدى » وكان موقفنا 
كويس . والمقدم جلال وصل إلى سيادة المشير» وقال له : يظهر ان 


حلا 





أحمد استشهد ». فقعد يخبط على المكتب ويقول : مش ممكن الراجل ده 
يموت . وملذ سنة8مه9١‏ وطالع باستمرار » كنا احنا اللى بنختار 
للخدمة مع الريس ٠‏ ومسئولين عن حراسته . وق اليمن مثلا » كنت 
أنا المسكول عن حراسته . وكان لى أخ فى الاخوان المسلمين » نخد 
٠‏ سئين » وقعد ه سئين منهم فى السجن . فقدمت التماسا لسيادة 
المشير . وطلع » ! 5 


وعلى هذا النحو كان المقدم أحمد عبد الله يمثل , بالنسبة للمشير 
عبد الحكيم عامر » عنصرا طيعا يمكن عند اللزوم استخدامه . وقد 
قدم أحمد عبد الله بنفسه هذه الفرصة متطوعا , حين رأى أن الوفاء 
يقتضيه زيارة المشير بعد عودته من أسطال . فزاره فى أواخر يونية أو 
أواخر يولية » وحضر المقابلة شمس بدران وجلال هريدى . وفى هذا 
اللقاء ىا يقول أحمد عبد الله « شعرث بأن المشير مجروح ! . 
والكلمة اللى قالها بالضبط : أنا ماخرجتش من منصبى . وما تخلتش 
عن القوات المسلحة . وقد عرض على منصب نائب الرئيس . وأنا 
مارضيتش ! . ثم قال : عاوز أرجع لمنصبى الأول » ! : 


وهنا أبدى المقدم أحمد عبد الله استعداده للوقوف إلى جوار المشير » 
من منطلق الوفاء والشهامة : « كان لازم أشعره بأننا أولاده ورجالته » 
ومش حنتخل عنه » ! 1 وقد رد المشير_- حسب قول أحمد عبد الله بأن 
« العملية حتيجى مع الوقت » ! . ثم نصح أحمد عبد الله بعدم 
التطوع بالحضور اليه مرة أخرى بهذا الشكل المكشوف « أحسن تطلع 
على المعاش ! . لأن البيت مراقب . ولما نعوزك حنتصل بك » ! . 


على هذا النحو انتهت المقابلة الأولى بين المقدم أحمد عبد الله » 
ويتضح منها أنه لم تطرح فيها فكرة معينة عن كيفية تحقيق رغبة المشير 


نضا 





فى الرجوع إلى منصبه على رأس القوات المسلحة . على أن المقدم جلال 
هريدى يذكر العكس ٠‏ فيقول أنه « بين أول يولية و" يولية » حصلت 
مقابلة بين شمس ولمشير وأحمد عبد الله » وأثير فيها فكرة الذهاب 

قنأة ! . وعندما انتهت المقابلة » طلبنى المشيرء وقاللى : ياجلال » 
لما يحب أحمد عبد الله ييجى . اعمل ترتيب أن ماحدش يعرف ! . 
وكان هذا فى وجود الوزير شمس . وفى الطريق مع أحمد عبد الله إلى 
حسين مختار» سألته : همه جابوا لك سيرة مرواح المشير للقناة ؟ » . 


ومعنى هذا الكلام أن فكرة اللجوء الى القوة نشأت فى أوائل يولية . 
ونلاحظ أنها لم تتخذ شكل خطرات عملية » وانها مطارحة وجس 
نبض .» إذ كان المشير يرى ان « العملية حتيجى مع الوقت » ». إذا لم 
يذعن عبد الناصر ويعيده إلى القوات المسلحة طائعا . 


على أنه فى تلك الأثناء » كان الموقف قد أحذ يتدهور بين المشير عبد 
الحكيم عامر وعبد الناصر » بسبب الانشورات التى تحمل استقالة 
المشير عام ١457‏ . فقد سحب عبد الناصر العرض الخاص بمنصب 
نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة . الذى حمله اليه صلاح نصر . 
فعندما زار عبد الصمد محمد عبد الصمد المشير » ومعه زميلاه محمود 
عبد الله وحسن سعداوى ., لابداء رأهم فى وجوب عدم عودة المشير إلى 
الحكم ‏ علموا منه أن عبد الناصر قد « سحب منصب نائب القائد 
الأعلى » » وأنه رد عليه قائلا : « انت بتفكر إزاى ؟ . انت ناسى انى 
رفضت رياسة الجمهورية ؟ . عايزنى دلوقت ارجع نائبك » وفى أى 
وقت تطردنى » بعدما أكون كتبت على نفسى إنى المسثول عن 
الهزيمة » ولذا أبعدتنى عن الجيش . ورضيت أنا بهذا الابعاد ؟ . 


وكان المشير يلمح بحكاية رفضه لرياسة الجمهورية . إلى 


وى 





أزمة 19455 » إذ أعلن عبد الناصر أنه سوف يعلن تنازله عن رئاسة 
الجمهورية فى يولي و ١9"‏ , ويتفرغ للاتحاد اللاشتراكى . وقد فهم 
المشير عامر أنه المرشح الوحيد لرياسة الجمهورية بعد عبد الناصرء مع 
أن عبد الناصر حين أعلن هذا العزم » كان يناور » لأنه كان يعرف أن 
الشعب سوف يتمسك به » فيعود أقوى مايكون فى وجه المشير! . 
وهذا مافهمه عبد اللطيف البغدادى بسهولة » ولْم يفهمه المشير . 


وفيها يبدو أن المشير كان واهما أيضا فيها يتصل بعرض عبد الناصر 
عيه منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى جانب منتصب 
نائب رئيس الجحمهورية » بدون اختصاصات . ولعله اعتقد أن نيابته 
لرئيس الجمهورية ‏ وهو العرض الذى حمله اليه صلاح نصر على 
الأرجح ‏ يجعله بالتالى نائبا للقائد الأعلى . وقد نقل هذا الاحساس إلى 
شمس بدران وإلى غيره من أنصاره ومريديه . ولما تبين الحقيقة اعتقد 
أن عبد الناصر قد سحب منصب نائب القائد الأعلى ! . 


وعلى كل حال فنلاحظ أن الروايات التى تتحدث عن عرض عبد 
الناصر على المشير منصب نائب القائد الأعلى » محصورة فى إطار دائرة 
أنصار المشير ‏ أى شمس بدران وعبد الصمد محمد عبد الصمد . أما 
بقية الروايات والشهادات فتتحدث عن منصب نائب رئيس الجمهورية 
فقط وبدون اختصاصات . وعلى رأس هذه الروايات رواية عبد الناصر 
فى جلسة اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى يوم 
“ أغسطس /19517 » فقد ذكر أنه قابل عبد الحكيم ١.‏ وحاولت 
إقناعه دون جدوى بأنه ليس منطقيا أن يبقى بعد الهزيمة العسكرية 
قائدا عاما . ويكتفى بأن يكون نائبا لرئيس الجمهورية . وقد رفض 
كلامى رفضا باتا » . 





غل كل يهاه فاك الع لبرليك إن الفقل حططرة خرف فى فكرة 
الذهاب إلى القناة والاستيلاء على قيادة الجبهة الشرقية » التى كان 
كين نلك ردت ] تراد مااع قور الى ببرد ايارو 
أرسل فى استدعاء المقدم أحمد عبد الله » وحدد مكان المقابلة فى فيللا 
بال هرم 3 لتفادى المراقبة : ولكنه لم يتمكن من الذهاب 2 فأناب عله 
شمس بدران . وقد دار الحديث بين شمس بدران والمقدم أحمد عبد الله 
فى هذا اللقاء « عن االحاجات اللى بيفكر فيها المشير» ! . وقد عدد أحمد 
عبد الله من بينها : «١‏ الافراج عن المعتقلين » وخاصة العسكريين 
منهم . وسألنى : أخبار الصاعقة إيه ؟ ») . 


وفى الاسبوع التالى كان عبد الناصر يكيل الضربات للمشير 
وأنصاره ‏ على نحو ماذكرنا ‏ فقد اتسع نطاق الاعتقاللات ‏ على نحولم 
يسبق له مثيل - لضباط اليش » حتى شمل دفعة شمس بدران 
بأكملها . وفى الوقت نفسه رفعت صورة المشير من الوحدات . كما 
رفعت الحراسة عن بيت المشير . وعندئذ دخلت فكرة استخدام القوة 
مرحلة جديدة على يد المقدم جلال هريدى واللواء عثمان نصار . 


وبالنسبة للحلال هريدى » فلعل القارىء قد رأى فى الصفحات 
السايقة شيعا :من مغائراته ! . فهو القائد السابق لقوات الضاغقة : 
وهو ضابط جسور إلى حد التهور . ويبدو تعلقه الشديد بسلاحه من 
قوله أثناء المحاكمة :( الصاعقة أنا اللى عاملها » دى نتيجة عرقى » 
هى حياة أوموت بالنسبة لينا ! » . وقد أرسل إلى الأردن قبل بدء حرب 
يونية بيومين » ومعه ثمانون ضابطا وأربععاثئة جندى . وعاد إلى القاهرة 
فى أعقاب النكسة . ليخوض معركة أخخرى إلى جانب المشير . فلم يكد 
يعلم بتنحيه » حتى قدم استقالته » لسببين يذكرهما » وما : ماتربطه 
بالمشير من صداقة . « ولأن له أفضال كثيرة على ) . وعندما سافر المشير 


ناكا 





إلى بلدته اسطال » سافر معه » ثم عاد معه إلى القاهرة » وبقى معه 
بيته. لايفارقه حتى قبض عليه يوم 8؟ أغسطس . وربا لهذا 
السبب أن وصفه اللواء عثهان نصار » بأنه و كلب وولف » ! سبمعنى 
أنه ( مخلص للمشير بذاته » وبيحافظ على المشير ) ب حسب قول 
نصار , 


أما اللواء عثمان نصار » فهو من الحرس القديم للمشير . وقد لعب 
دورا فى تحركات الضباط الموالية للمشيرفى أزمة ١14517‏ . وكانت الأوامر 
قد صدرت له قبل تلك الأزمة » بالسفر إلى اليمن » ولكن المشير ألغى 
هذا السفر بعد موافقة مجلس الرئاسة على القانون الذى يحد من 
اختصاصاته . لحاجته اليه فى جواره . وقد استدل عبد الناصر- فى 
حديث له مع عبد اللطيف البغدادى ‏ بالغاء هذا السفر , على معرفة 
المشير ومشاركته فى التكتلات والنشاط الذى يجرى فى اليش . 


وعندما تفجر الصراع بين المشير وعبد الناصر » فى أعقاب حرب 
يونية 6 لعب عثهان نصار دورا هاما 6 تحركات القادة والضباط المطالبة 
بعودة المشير . وقد بلغ هذا النشاط دروته ف مبئى القيادة صباح 
يوم ١١‏ يونية الذى أشرنا اليه » حين تجمع الضباط فى المبنى انتظارا 
لاجتماع المشير بهم كي| وعد 3 بعد اعلانه عدوله عن الاستقالة . فعئندما 
وصل اليهم الخير بعدول المشير عن العدول . كان نصار على رأس 
التمرد الذى حدث ٠.‏ وكان هو الذى كتب العريضة التى تطالب عبد 
الناصر بضرورة عودة المشير إلى رياسة اليش . وقد اعرف بذلك فى 
المحاكمة . فقد ذكر أنه ذهب الى القيادة العامة لمقابلة المشير. وفقا 
لاشارة من المنطقة المركزية » وعندما علم الضباط بأن المشيرلن يعود » 
« نزلت فى القيادة » وكتبت قرارات ثانية » بأن المشير يعود تانى ليقود 
المعركة من جديد . طلعناها للفريق أول محمد فوزى ») . 


"5 





وكان هو ملهم الفكرة على الأرجح . لأنه برب من الاجابة على 
سؤال من المحكمة يسأله : 


- مين اللى فكر فى هذا الموضوع ؟ . 


فقد أجاب بقوله : «لما قعدنا فى المكتب ( مع قادة الفرق ) . قلنا 
نكتب قرارات ‏ واحدٍ قال نكتب ! . 


رئيس المحكمة : مين الواحد ده ؟ 7 


نؤيد الشورة والرئيس جمال عبد الناصر . ونرى أن المشير يعود لقيادة 
القوات المسلحة ! . 


ثم ذكر أنه قدم استقالته بعد إعلان الفريق أول محمد فوزى قائدا 
عاما للقوات المسلحة . « لأنى لقيت انى موش راح أقذر أتعاون مع 
الفريق أول محمد فوزى » ! . 


وعندما عاد المشير عامر من اسطال » اتصل به اللواء عثمان نصار. 
ثم انتقل للاقامة فى بيته عندما بدأت الاعتقالات فى يوم ١١‏ يوليو . 
ففى ذلك اليوم « كلمنى المشير فى بيتى فى الفجر . وكانت الساعة 
أربعة ء وقال لى : تعال دلوقت . . الضباط بيعتقلوا » وانت تقعد هنا 
بدل مايعتقلوك . وقبلت الضيافة » . 


ومن الطريفت أن حملة الاعتقالات لم تشمل اللواء عثمان نصار فى 
ذلك الوقت . مما أثار شك المشير وشمس بدران فيه لأول مرة ! . فعلى 
حل قوله : فى ثانى يوم أو ثالث يوم , المشير قال : « انت لم يطلب 


>35 





اعتقالك واللا ايه ؟ » . فقلت له : «١‏ أنا اتصلت بالبيت » وقالوا : 
مافيش حاجة ») ! . ثم قال لى جلال ( هريدى ) : ١‏ المشير وشمس 
بيشكوا فيك » ! . فقلت : « طيب ٠‏ أمشى » ! . وبعدين فكرت فى 
أن من حق الاثنين أن يشكوا فى » لأنى لم يطلب اعتقالى ) . 


لم تكن أزمة الشك سوى سحابة عابرة » بالغ جلال هريدى فى 
نقلها إلى اللواء عثمان نصار . لأن اللواء كان فوق الشبهات من ناحية 
ولائه وإخلاصه للمشير . فلم يبدأ نشاطه فى صف المشير بعد انتقاله 
إلى بيده » وإنما قبل ذلك . فقد شارك فى نشاط المنشورات وطبع 
استقالة المشير . ويقول جلال هريدى إن المشير كان صاحب فكرة كتابة 
المنشور » « فكنت باكتب » وكلهم كانوا بيملوا ! » واللواء عثمان نصار 
كال عمل كر 1 


وفى الحقيقة أن انتقال اللواء عثمان نصار الى .الاقامة فى بيت المشير 
فى تلك الظروف المثيرة من تصعيد الصراع » كان بداية دخول فكرة 
تحرك المشير إلى القناة للاستيلاء على القيادة الشرقية ‏ مرحلة جديدة . 
وكان قرار رفع الحراسة عن بيت المشير هو المفجر . إذ اعتبره أنصار 
المشير بمثابة تحديد إقامة أو بداية تدبير مضاد ضد المشير . 


ففى أقوال شمس بدران أنه « بعد شيل الحراسة من على بيت 
المشير » عثمان نصار فكر ان ده يمكن أن يكون تمهيدا لعمل حاجة ضد 
المشير : يعتقل » أو يتخذ ضده أى إجراء ! ». وأنه طالما أن التراسة 


انشالت . يبقى يحتمل ان الريس يانحد اجراء مع المشير . ولازم المشير 
تحدد موقفه ) ! . 


وأضاف شمس بدران أن عثمان نصار قال للمشير : « لازم سيادتك 


5536 





تقرر حاجة ! : فيه مناصب معروضة عليك » عاوز ترجع بالعافية أو 
انقلاب ؟ : سيادتك قرر حل : عاوز كده والا كذه ؟ 1 


وقد فسر اللواء عثمان نصار موقفه بقوله : « أنا قلت : لوأخدوا 
الحراسة القديمة » وتنحط سرية جديدة . تبقى تحديد إقامة ! : 


وقد علق حسين الشافعى على هذا القول ملاحظا : 


- تغيير الحراسة بحراسة ثانية » مافيهاش حاجة . لأن الحراسة من 
الدولة , اللهم إلا إذا كانت زى حراسة اسطال ؟ . 


شيلوا الحراسة ( وحطوا حراسة ثانية : وأنا علقت على كله : ده معناه 
تحديد إقامة ! . 


وهنا يأتى دور جلال هريدى . فوفقا لكلام اللواء عثمان نصارء 
فانه عندما علم بمسألة رفع الحراسة » قال : « لازم نستعين بمدرسة 
الستاعفكة ١‏ :.. ازاى اتقبل ان المنس بعشل بو الخد :من وسطنا 16 
فطلعث » وقلت للمشير ! ١‏ ويوم ماجت العساكر تمشى . طلعنا أنا 
وجلال للمشير . وقلت له عن المظاهرة اللى يمكن تيجى حوالين 
البيت » وقلت : سيادتك حتبقى محرج ! . وجلال هريدى قال 


على أن المشير لم يسكت الا ريث) خرجوا . ثم سارع إلى التداول مع 
شمس بدران فى الفكرة التى طرحها جلال هريدى وعثمان نصار. ثم 
أرسل شمس بدران اليهما ليسألهما عن تفاصيل الفكرة . ويقول عثمان 
نصار : « فشرحت له الموضوع ») ! . 


1 





لم يكن اقتراح جلال هريدى الاستعانة بمدرسة الصاعقة لنقل المشير 
إلى القناة » ابتكارا جديدا ينسب الفضل فيه اليه وحده » بل رأينا أن 
فكرة الاستعانة بسلاح الصاعقة كانت فى ذهن المشير منذ أواخر يونيو » 
وقد اختار لتنفيذها المقدم أحمد عبد الله » عندما تتطلب الظروف هذا 
التنفيذ 5 وم يكن المقدم جلال هريدى منعزلا عن هذه الفكرة فقك 
رأينا أنه عندما كان يرافق المقدم أحمد عبد الله بعد انتهاء زيارته الأولى 
للمشير » سأله عم) إذا المشير وشمس بدران قد أثارا معه فكرة « مرواح 
المشير للقناة ؟ » . ومعنى ذلك أن الفكرة كانت سابقة للمقابلة . 


وعلى ذلك فعلينا أن نضع اقتراح جلال هريدى فى إطاره الصحيح 2 
وهو أنه بداية دخول الفكرة فى حيز التنفيذ ! . 


وهذا ماتشير اليه الدلائل . ففى أواخر شهر يوليو. استدعى أحمد 
عبد الله لمقابلة المشير » أو على حد قوله : « اتصلوا بى فى الصاعقة , 
وقالوا لى : عاوزينك ! . فنزلت . ورحت البيت » وقابلت المشير فى 
حجرة نومه . وهو اتكلم شوية عن الأوضاع » وان الريس ( عبد 
الناصر ) يجوز مايوافقش على مطالبئا » ويجوز اننا نروح القيادة » وأقعد 
هناك . وأتصل بالوحدات . وأقول لهم إنى وصلت . وبالطريقة 
دى » مايحصلش اشتباك ! . وقال انه حييجى الأول الى الصاعقة , 
« وأنا عاوز كام واحد يحرسونى ») ! . 


ويقول أحمد عبد الله ان هذا الكلام من المشير قد أسعله : 
الحقيقة أنا انبسطت ! . لحاجة واحدة : هى أن ظهور المشير فى 
القيادة » حيمنع حدوث اصطدامات » ! . يقصد اصطدامات بين 
فرق اليش » فيهم| لو فكر عبد الناصر فى استخدام بعضها ضد البعض 
الآخر الذى يؤيد المشير. إذا تطلبت الظروف ! . 


لون 





هو أن انتقاله الى القيادة ووجوده بين القوات المسلحة » سوق يكون له 
مفعول السحر . فتتوحد جميع القوات حوله على الفور . ثم يارس 
ضغطه على عبد الناصر . ويمل شروط العودة ! : 


ولم يكن المشير نفسه استثناء من هذا الاعتقاد . بل لعله كان 
أشدهم اعتقادا فى ولاء الجيش له . فقد أعطى الحيش حياته » وكان 
يعرف كل ضابط تقريبا من ضباطه . كما قام بدور الأب لكل فرد فيه 
خير قيام » واختلف بذلك كل الاختلاف عن الفريق أول محمد 
فوزى . الذى عرف بعنجهيته العسكرية . وتجاهله قواعد العلاقات 
الانسانية فى تعامله مع الضباط . وبالتالى » كان المشير عامر يتوقع أن 
يرد اليه اليش هذا الدين » حماسا لعودته ء والتفافا حوله . وذهب فى 
ذلك إلى حد الاعتقاد فى ولاء الحرس الجمهورى نفسه له , رغم تبعيته 
لعبد الناصر ! . فففى حديث له مع المقدم أحمد عبد الله » قال المشير : 
أنا لما ح اوصل هناك » مافيش حد حيرفض أوامرى » . وعندئذل سأله 
أحمد عبد الله عما إذا كان قد تم ترتيب انضمم الحرس الجمهورى 
للحركة ؟ . فرد عليه قائلا : لأ ؛ مافيش حد . إنما هل فيه ضابط 
يضرب على ؟ . فرد أحمد عبد الله قائلا : لأ ! . 


وقد نسى المشير أن هذا الجيش الذى أفنى حياته فى سبيله » كان 
هو المسئول الأول عن تدميره والحاق أكبر الهزائم العسكرية خزيا به . 
فالجيوش لاتدار بالعلاقات الانسانية بين القائد وجنوده وحدها » بل 
تدار وفقا لأصول أحدث الفنون والعلوم العسكرية . ولم يكن المشير 
يملك من هذه الفئون الكثير ! . 


وهناك من الدلائل مايشير إلى أن كثيرين فى الجيش فى ذلك الحين . 


ملك 





كانوا يخشون أن تعود . بعودة المشيرء الأوضاع السابقة التى أدت إلى 
الهزيمة . فعندما فاتح المقدم عبد الله الرائد محمد عبد اللطيف بسيونى 
فى مسألة عودة المشيرء رد عليه بقوله : « كلنا بنحب المشير» ومافيش 
مانع إنه يرجع . إنما مانحبش الناس اللى معاه يرجعوا ! . قال : زى 
مين ؟ . قلت له : زى شمس بدران »؛ اللى كان بيعين القادة اللى 
اتسببوا فى المزيمة . . القادة اللى جريوا ! . وقلت له حاجة ثانية : لو 
رجع المشيرء لازم يحاكم الناس اللى جريوا فى سينا » واتسببوا فى 
الحزيمة » ويعدموا.نى ميدان عام ») ! . وقال الرائد بسيونى ان الناس 
تكره شمس بدران وجلال هريدى وعثان نصار . 


وعندما فاتح المقدم أحمد عبد الله الرائد سمير على يوسف . بطل 
عملية رأس العش ٠‏ فى رغبة المشير فى العودة الى الجيش قائلا : 
« المشير بيسلم عليكم ( كان موجودا معه مجموعة من ضباط 
الصاعقة ) . وهو عاوز يرجع !) رد عليه قائلا : ( حيرجع ! » حد 
مشاه ؟ » هو الل مشى لوحده ») ! . قال المقدم أحمد عبد الله ( انه 
عاوز يروح المنطقة الشرقية » علشان يضع الرئيس أمام الأمر 
الواقع ! ) . وقد رد سميريوسف قائلا : ( إذا كان المشير عاوز يرجع 3 
يرجع ميرى ! » . وحاول اقناع أحمد عبد الله بالاقلاع عن الفكرة ‏ 
فتظاهر بالتراجع ! . ومن الغريب أن الرائد سمير يوسف كان أحد 
المتهمين فى المؤامرة » رغم شهادة زملائه بصحة كلامه ! . 


وعلى كل حال . ففى الفترة التالية » كانت معالم الخخطة لعودة 
المشير ع تتضح شيئا فشيئا » من خلال اتصالاته وأنصاره بضباط 





6 


المشير يستعد للزحسف على الفقنساة 


أوضحنا فى الصفحات السابقة نشأة فكرة استخدام القوة لنقل المشير 
عامر الى القيادة العامة بمنطقة القناة » والاستيلاء عليها ‏ من خلال 
ثلاث شخصيات رئيسية من أنصار المشيرء هم : المقدم أحمد عبد 
الله » والمقدم جلال هريدى , واللواء عثمان نصار . ورأينا كيف أن 
قرار رفع الحراسة عن بيت المشير. كان نقطة تحول فى هذه الفكرة » 
انتقل بها من مرحلة التفكبر الى مرحلة الاعداد والتنفيذ . كما أوضحنا 
أن هذا التخطيط كان يعتمد على اعتقاد راسخ لدى المشير وأنصاره » 
بأن محرد ظهوره بين القوات المسلحة » سوف يشعل نار الحماسة فيها , 
فتلتف حوله على الفور. ويستطيع من خلاها أن ييارس ضغطه على 
عبد الناصر ويمل شروطه . 


فى ذلك الحين كانت القوة الرئيسية التى اعتمد عليها هذا التخطيط 
منل البداية » هى قوة الصاعقة 3 التى كان المقدم جلال هريدى يؤمن 
بقدرتها على تنفيذ هذه المهمة بكفاءة تامة . ولذلك كان كما يقول 


م 





شمس بدران ‏ « مندفعا على طول الخط . وكان بيلسن كلام على 
الريس ». ويقول للمشير : لازم ترجع » ! . وكان جلال هريدى يعتقد 
أن لديه وحدات صاعقة تملأ القنال ! » وكان يضيف اليها وحدات 
المظلات . وبالتالى كان يعتقد ‏ كبا يقول شمس بدران ‏ أن لديه قوات 
« تقدر تفتح عكا ! ) . 


وكان يشارك جلال عريدى فى هذه الثقة بقوات الضاعقة + المقدم 
أحمد عبد الله » الذى كان يبنى ثقته على صفة الطاعة المطلقة فى ضباط 
الصاعقة » أو على حد قوله : 


ضباط الصاعقة لو قلت لواحد : نفذ أى حاجة ‏ لا يمكن أن 
يقول لك : ليه ؟ . هم متعودون : نفد . يعنى نفد ! . 


- حتى لو كان الأمر من غير قياداته ! . 


فرد عليه أحمد عبد الله بها يفيد أن المشير هو القائد المؤبد 

عقة ! » فقد قال فى أنفة : 

-لما ييجى يقول له : سيادة المشير عاوز كده ! » يقول : حاضر 
يا أفندم ! . 


مع ذلك فعندما بدأ المقدم أحمد عبد الله اتصالاته بضباط 
الصاعقة . ١‏ يجد من بعضهم الانقياد الأعمى الذى كان يتصوره . 
ففى شهادته أمام المحكمة ‏ وكا ذكرنا ‏ يعترف بأنه عندما تحدث الى 
كل من الرائد سمير على يوسف . قائد عملية رأس العش . الذى كان 
يقود احدى الكتائب . والرائد فاروق شكرى - أبديا الاعتراض : 





)0 وسمير يوس بالذات قعد للساعة ثلائة بالليل يعارضنى 5 وفاروق 
شكرى ما كانش موافق )») ! . 


على أنه بالنسبة للرائد سعيد عثمان » وهو كبير المعلمين فى 
الصاعقة . وأقدم ضابط فى المدرسة بعد أحمد عبد الله فقد قبل 
التعاون على الفور . ورب| يرجع الفضل فى ذلك الى صلته الوطيدة 
بالمقدم أحمد عبد الله » الذى يذكر أنه كان يعرفه منذ مدة طويلة وهو 
مدرس بالمدرسة « واشتغل معايا فى العمليات . وأنا كلمته ان المشير 
يجوز يوصل للقيادة ان ما حصلش اتفاق ( مع عبد الناصر) . 


وقد اعترف سعيد عثمان بأن الخطة ‏ كيا وردت فى ورقة سلمها له 
أحمد عبد الله كانت تقضى بأن يتوجه المشير الى انشاص » ( وبعدين 
نطلع معه على القصاصين ) !. 


وقد سأله حسين الشافعى عما اذا كان أفراد القوة التى كان مقررا أن 
تقابل المشير فى انشاص ( وهى تبعد ثلاثة كيلو مترات عن المدرسة  )‏ 
سوف تتوجه الى هناك على الاقدام ؟ . فرد بقوله : 


كان حيروحوا فى عربات . 

- كام عربية ؟ 

ست عربات . 

كانت توجد فين ؟ 

المدرسة كان لها عربيات فى جراج المدرسة ء. وكان فيه عربيات 
منتشرة من أيام العدوان بعيدة عن المدرسة فى حته اسمها مزرعة 
الدواجن . 





وقد اتفق على اتخاذ مشروع الدفاع الجوى كغطاء لخروج الصاعقة , 
حيث كان فى وسع المدرسة ترتيب عمل التمرين بحيث يكون توقيته 
موافقا لخروج القوة للقاء المشير عامر . وكانت المصادفة هى التى أبرزت 
هذا الغطاء . فقد وردت اشارة بأن اللواء سلييان مظهر سوف يأتى 
للتفتيش على الدفاع الجوى . فرأى المقدم أحمد عبد الله فى ذلك فرصة 
لغطاء التحرك . أو على حد قوله : « أنا قلت : اذا كان يحصل حاجة 
زى كده » يمكن نستغل ظرف زى ده ) ! . 


فى عمارة الشربتلى فى الدقى » يوم ؟؟ أغسطس . وفى هذا اللقاء ‏ كما 
يقول أحمد عبد الله شرح المشير الخطة أكثر » « وسألنى : تقدر تطلع 
عبد الناصر) . حاجيلكم مدرسة الصاعقة . علشان تخرج معانا , 
وهناك حاروح القصاصين 0 لأتصل بالوحدات ( وأقول للقادة 3 ا 
وصلت !)© . 


على أن الاعتماد على مدرسة الصاعقة وحدها لتنفيذ الخطة . لم يكن 
كافيا » اذ كان من الضرورى تأمين مساندة القوات الحوية ضد أى 
نتحركات برية مضادة . وقد أسند هذا الدور الى العقيد طيار تحسين 
زكن؟ بعد تجنيده لصف المشير على يد المقدم أحمد عبد الله . 


ففى شهادة تحسين زكى أمام محكمة الثورة » قرر أن أحمد عبد الله 
حضر اليه » وأبلغه بأنه زار المشير. وعلم منه بأن هناك مفاوضات 
تجرى مع الريس لرجوعه » « علشان البلد تبقى يد واحدة » ! ( أى 
لا تنقسم بين عبد الناصر والمشير! ) . وقد رد عليه تحسين زكى 
متسائلا : « وبعدين صدقى محمود والشلة ترجع ثانى ؟ . ») فرد عليه 


آم 





أحمد عبد الله : « مش معقول ! » ثم خاطبه قائلا : المشيرعاوزك ! . 
بتروح له ! . قلت له : طيب ! . وقلت فى نفسى : أعطيه ميعاد, 
ولا أذهب ! : وبالفعل » ما نزلتش مصر حسب موعدى . ولكن فى 
وما يصحش ! . قلت ران أيضا ! ا 
الساعة ١”‏ مساء » ضرب التليفون . وقال لى : : المشير منتظرك » 
ما يصحش ! . نزلت » وقلت له فين العربية ؟ . لقيته راكنها فى شارع 
فى الزمالك . وفيها حسين مختار . وف السيارة حود على الدقى ! . 
قلت له : بيت المشير فى الحيزة على البحر ! . قال : المقابلة فى شقة 


ثانية ) !1 . 


وقد جاء المشير ومعه عباس رضوان . حيث عقد الاجتماع فى حضور 

أحمد عبد الله . وقام المشير بعرض مسرحى من ثلاثة مشاهد . « فبعد 
شوية ) - حسب قول تحسين زكى كى  ١‏ طلع الطبنجة » وحطها على 
الترابيزة » ٠!‏ وقال: لى : ازائ الخال ؟:.. قلت له : اخنا أسفين ا 
حدث . وتكلمنا عن الطيران والدفاع الجوى » ! 


ثم انتقل المشير الى المشهد الثانى » فسأل تحسين عن صلاح قاهر , 
وعن الرائد عبد الكافى صبحى . ومنيب الحسامى . وأحمد نصير . 
وكلهم ضباط فى الطيران . وذلك لابهام تحسين زكى بأن جميع القوات 
الخو مولي[ 


ثم انتقل الى المشهد الثالث . فذكر أنه توجد مفاوضات بيئه وبين 
الرئيس عبد الناصر . لعودته الى قيادة اليش » واذا فشلت » فسيعمل 
اليش حركة لاعادته . « فهل تقدر تقدم لى أية مساعدات ؟ ) 





ويقول تحسين زكى : «١‏ أنا فوجئت ! . وبعدين سألنى عن طائرة 
هيلوكوبترله ؟قلت له : 0 قال : شوف لى أى طيارة 
ياأأخى ! . قلت له : يمكن ألاقى طيارة هيلوكوش .2 ولكن الطيارة 
ا هيلوكوبتر فيها خطورة عليك ! . قال : أبدا » أنا طرت فيها أثناء 
المحركة . وأحمد (عبد الله ) قال له : يا فندم » لازم نعجل 
بالخطة ! . فطلب منى المشير أن أتصل بأحمد يوم "؟ . وهو ماشى قال 
لى : 

اا 0 . 


هذه هى الرواية التى رواها العقيد طيار تحسين زكى عن الاجتماع 
اهام الذى دار بينه وبين المشير عامرء وهى تغفل بعض الوقائع التى 
يرويها عباس رضوان . فقد ذكر أن أحمد عبد الله وتحسين زكى كانا 
يريدان استعجال العملية ! . وأن تحسين زكى قال للمشير : لابد من 
الاستعجال . وقد سأله المشير عن القواعد اللحوية » فأخيره بأن 
« موقفها طيب ). فقال المشير ان كلمة السر للعملية هى : 
( نصر) . 


علسرنين امكيف د عاو انها شر 
فعلا ! 


ولكنه زعم أنه لم يكن ينوى التنفيذ ! . على أن حسين الشافعى 
أفحمه بقوله انه لولم يكن داخلا فى دور التنفيذ , لما أعطاه المشير كلمة 
اسن !.. وقد دافع تحسين زكى عن نفسه بأن « سيادة المشير كان محرج 
لأنى قلت له : لا ! » فهو قال لى كلمة السر عنلشان يورطنى » ! . 


كين 





وواضح أن هذه الحجة واهية » لأن المشير لم يكن ايعرض مستقبل 
الخطة للخطر . البفصى العامة مر العواية لتحكين رق د وهو فا 
ينكره - لولم يكن ية: يثق فيه ثقة مطلقة ! . 


وقد أورد أحمد عبد الله عن هذا الاجتماع الله عندما وصل المشير 
وتطه عباس زفجران :14 قعبدنا فى الصالوت والثين سال سيق : 
امكانياتك ايه ؟ . قال : بخصوص القاعدة اللى أنا فيها » فيه ناس 
أعرفهم . ويمكن فيه ناس فى غرب القاهرة أعرفهم 3 انها مطار ألماظة 
أنا ما أعرفش حد » ! . 


واستطرد أحمد عبد الله قائلا إن المشير أعطى كلمة السر بالنسبة 
0 . أى أن أية أوامر مسبقة بكلمة ( نصر ) تعتبر 
صادرة من المشير . وأوضح أنه لايعرف كلمة السر هذه إلا اثنان : 
الأول .» وح ال ل ا 
والثانى » العقيد تحسين زكى . باعتباره مسئولا عن الطيران ! . 


ويتضح من المحاكمات أن هناك استجابات أخرى حدثت من 
جانب بعض ضباط الطيران . فقد اعترف العقيد محمد علوى الغمرى 
فى التحقيق أنه عندما سأله حمال قاووق عن موقف الطيران » قال انه 
يمكن اخراج سرب لضرب منزل الرئيس » وسرب لضرب الاتحاد 
الاشتراكى » وسرب لضرب الاذاعة ! . كما أكد الطيار عبد الكاى 
صبحى للعقيد محمد حلمى عبد الخالق , أنه « جاهز بأسرابه ) . وقد 
زعم محمد حلمى عبد الخالق أن عبد الكافى صبحى فى هذا القول 
« كان يتكلم عن العمليات ضد اسرائيل ) ! . ولكنه ذكر أن عبد 
الكافى كان مندفعا » وكان يقرن التنفيذ بالقوة » وأنه رشح له تحسين 
زكى » وقال عنه إنه ماهر . وقد دافع عبد الكافى عن نفسه بقوله : 


كن 





« هو سألنى عن تحسين . فقلت له : انه ممتاز ! . 


على كل حال . اذا كانت الخطة قد أمنت موقف الطيران لتحييد 
موقف اليش , إلا أهها لم #بمل أمر اليش . فقد كان مقررا أن ينتقل 
اللواء عشمان نصار إلى مقر قيادة القوات البرية فى منطفقة دهشور . 
للاستيلاء عليها » وقيادتها . لأنه كان قائدا لهذه القوات » ويعرف 
الكثيرين من ضباطها ! . 


وقد برزت مشكلة تأمين القاهرة أثناء انتقال المشير إلى القناة . وقد 
أسند إلى الوزير السابق عباس رضوان هذه المسئولية . فقد تقرر أن 
ينتقل إلى مقر الشرطة العسكرية لاستخدامها فى السيطرة على جميع 
أجهزة الأمن فى القاهرة . يعاونه أفراد من إدارة المخابرات العامة , 
يتولى تجهيزها صلاح نصر . وتقوم باعتقال كبار المسئولين فى الدولة , 
وعلى رأسهم زكريا محيى الدين . وعلى صبرى . وأمين هويدى , 
وشعراوى جمعة » وسامى شرف ». والفريق أول محمد فوزى ., واللواء 
محمود السباعى مدير أمن القاهرة . 


وتشير المحاكمات إلى أن المشير انفق مع صلاح نصر على القيام بهذه 
المهمة » فى زيارة قام بها مع شمس بدران . فقد ذكر شمس بدران أنه 
زار المشير فى الصباح الباكر من ذلك اليوم بطريق الصدفة « فوجدت 
عربة المشير واقفة على الباب ! . واستغربت انه طالع فى هذا 
الوقت !. وسألته . فقال : أنا نازل ألف لفة » لأن فيه اشاعات 
كثيرة » ولازم أورى نفسى للناس ! . وبعدما خلصنا اللفة » قال لى : 
أوصلك ؟ . قلت له : لا ! . قال : أنا عاوز أفوت على صلاح 
نصر » لأنه خرج من المستشفى ورجع البيت امبارح ! . فقلت له : 
أروح معاك ! . ولقيته طلع ورقة من جيبه فيها العنوان ! . فحسيت 


7٠ 





أنه كان طالع أساسا علشان يروح لصلاح نصر ! 2.0 


وأهمية هذه القصة أنها توضح أن المشير كان ينوى الذهاب إلى 
صلاح نصر بمفرده » لولا مجىء شمس بدران » وأنه حاول التخلص 
منه بالزعم بأنه كان يريد أن « يلف لفة » . ثم عرض عليه توصيله إلى 
بيته » ولكن شمس أصر على معرفة الغرض الحقيقى من خروج المشير 
مبكرا » فاعترف المشير بأنه كان يريد الذهاب إلى صلاح نصر . 


وواضح أنه لو كان المشير ينوى زيارة صلاح نصر لذلك السبب 
البرىء ؛ وهو خروجه من المستشفى » لما كان فى حاجة الى كل هذه 
السرية » والخروج مبكرا » وإخفاء وجهته عن شمس بدران فى 
البداية ! . وربها كانت حساسية موقف صلاح نصر على رأس جهاز 
المخابرات هى التى دفعت المشير إلى اتخاذ هذا الموقف الحذر» حتى 
من شمس بدران نفسه ! . 


وعلى كل حال . فقد ووجه شمس بدران بأقوال عباس رضوان » 
التى قال فيها إن المشير حدد له واجبه » وهو: الاعتقالات . وأن المشير 
قال له : حتأخذ جماعات أمن من عند صلاح . وسأله حسين 
الشافعى : 


- هل أنت متصور أن المشير يزج باسم صلاح نصر ؟ . 


من عند صلاح ! » ودى ( أى هذه العبارة ) تشمل صلاح وحسن 
عليش وعمر على ! . وماقالش : صلاح يتدخل ! . 


"1١ 





أى أن شمس بدران هنا يثبت الواقعة » ولكنه ينفى مسئوليتها عن 


فى ذلك الحين كانت المشكلة تكمن فى الفرقة الرابعة المدرعة » التى 
كانت ذات أهمية خاصة فى نظر اللواء عثهان نصار » ليس فقط ( لسهولة 
حركتها » » وإنها لأنه كان من الضرورى « الوصول اليها قبل ما أوامر 
الرئيس توصل لما » ! . ولم يكن أحد من الضباط المقيمين فى بيت 
المشير من سللاح المدرعات » ولذلك كان الاعتتاد على ضباط الصاعقة 
غالبا فى الحصول على أسماء قادة الألوية والضباط فى هذه الفرقة ‏ 
وتجنيدهم فى صف المشير عند تحركه إلى القناة للاستيلاء على القيادة 
العامة هناك . 


وتقدم المحائات نماذج طِذه المحاولاات المحمومة , فيذكر الرائد 
حسين مختار » الذى كان يقيم فى بيت المشير | ذكرنا ‏ أنه عندما كان 
النقيب على شوقى » وهومن الصاعقة » فى بيت المشير» « دخل المقدم 
جلال ( هريدى ) » وقال له : « ياعلى » تقدر تجيب لنا مجموعة خرائط 
عن منطقة القناة » وأسماء قادة الألوية المدرعة ؟ . فقال له : 
حاضر ! . وقد اعترف النقيب على شوقى بأنه أحضر الخرائط بالفعل 
لحلال هريدى «١»‏ وسألنى عن قواد ألوية المدرعات . فقلت له : فيه 
اسمين معايا ! . فقال لى : اكتبهم !) . وقد تطلبت معرفة هذين 
الاسمين من على شوقى السفر إلى أبو صوير لمقابلة ضابط مدرعات من 
أصدقائه » هو الملازم محمود بدر عباس » حيث أل يستدرجه إلى أن 
تمكن من معرفة اسم قائد اللواء بالاضافة إلى اسم ضابط آخر . 


وف الوقت نفسه ع كان المقدم أحمد عبد الله يبحث بدوره عن أسماء 
قادة الألوية المدرعة . فقد طلب من النقيب على عثان » وهو من 


إنلضا 





الصاعقة . السفر إلى الاساعيلية » للاستعلام عن وجود كتائب 
مدرعة بها » ومعرفة أسماء قادتها - أو على حد قول على عثمان : 
وسألنى : مافيش كتائب مدرعات فى الاساعيلية ؟ . قلت له : 
ماعرفش ! . فقال لى : ابقى اسأل لنا مدحت ( الريس ) لما تروح 
الاسماعيلية ! » . ( ومدحت الريس كان ضابطا بالصاعقة أيضا ) . 


ونلاحظ أن عددا من ضباط مكتب المشير قد خرجوا أيضا للبحث 
عن أسماء قادة الألوية المدرعة ! . ففى محاكمة النقيب محمد فتح 
الله » من أعضاء المكتب الادارى للمشير » أورد أنه اصطحب زميله 
الرائد عبد السلام فهمى » زوج شقيقة على شفيق . لزيارة النقيب 
فاروق عبد الحميد » وهو نائب قائد كتيبة مدرعة ‏ لسؤاله عن ١‏ التغيير 
فى.قيادات الفرقة الرابعة » وأساء قيادات الوحدات المدرعة » . وى 
الوقت نفسه . قابل العقيد حلمى عبد الخالق . وهو من المدفعية 
المضادة للطائرات » النقيب فاروق عبد الحميد لهذا الغرض يوم 
4 يولية » وأحذ ‏ وفقا لرواية النقيب فاروق عبد الحميد نفسه ‏ 
« يتكلم عن إشاعة عودة المشير . وبعدها سألنى عن اسم قائد اللواء 
( المدرع ) فقلت له إنه لم يتغير! . فسأل : وغيروا مين تانى ؟ . فقلت 
له : مافيش ! . وأرسلت له اسم قائد اللواء مع عباس ) ( محمود بدر 
عباس السالف الذكر) . 


على أنه يتضح من شهادة النقيب عبد السلام فهمى أن الثقيب 
فاروق عبد الحميد كان متورطا فى التعاون هع مجموعة المشير بشكل 
أكبر . فقد روى أنه ( النقيب فاروق عبد الحميد ) قد عرض تقديم 
ذخيرة للحراسة ! . وقد أبلغ النقيب محمد فتح الله هذا العرض 
للمشير . ولكنه اعتذر » اذ كان يبدو أن الذخيرة التى كانت موجودة فى 
البيت كانت كافية . وعندما سأل حسين الشافعى النقيب فاروق عبد 


م 





الهميد عن صحة هذا القول » اعترف به » وعلله بقوله : « كنت عاوز 
أعرف : هل اللى فى بيت المشير ناويين يستخدموا القوة أم لا ؟ » . 


وقد جرى لقاء بين عباس رضوان وبين كل من النقيب اسماعيل 
حمدى . من المدرعات . وفاروق يحيى . بعد أن اصطحبها اليه عبد 
السلام فهمى من عند كوبرى الجامعة . وفى هذا اللقاء أخذ عباس 
رضوان يسأهما عن الضباط الموجودين فى السلاح : « مين اللى عندكم 
من الضباط ؟ ». وبعد أسبوعين من هذا اللقاء ( أى بين 
© و٠٠‏ أغسطس ) - وكما يقول عبد السلام فهمى ‏ « لقيت فاروق 
جايب اسماعيل » وطالع بيه على الصالون فوق ! . فأنا استغربت ! » 
علشان عارف ان المشير كان بره . وطلعت أشوف ايه . لقيتهم قاعدين 
فى الصالون مع المقدم جلال ؛ فرحت قاعد ! . فراح وانمد اسماعيل 
على جلب » وتكلم معاه بصوت واطى ! . فدى لفتت نظرى شوية . 
وكتمعسه نيقول اله : فين أماكن القرقة الملارعة ع .ولقظ تراه + 
وكان اساعيل بيجاوبه ! ) . 


وأعمية هذا اللقاء أنه تبين فيه أن الفرقة الرابعة المدرعة كانت متصلة 
برئاسة الجمهورية مباشرة بجهاز لاسلكى » ولذلك اتفق على احراق 
هذا الجهاز لمنع الاتصال . فقد سأل حسين الشافعى النقيب عبد 
السلام فهمى » عما إذا كان قد سمع شيئا عن جهاز لاسلكى , 
وإحراقه ؟ . فأجاب : و« سمعت . بس مش عارف من جلال 
( هريدى ) واللا من اسماعيل ( حمدى ) » لأنى كنت استرق 
السمع ! ») . فقال حسين الشافعى : 


دليف أنكرك :1 لمد كان السؤال هن يفي الانمال بالفر فق 


5215 





مش واخد بالى ! . 


على أن هذه الاتصالات كان معروفا أنها لن تجدى كثيرا » طالما أنها 
بعيدة عن قائد الفرقة الرابعة المدرعة . ومن هنا سوف تتركز الجهود فى 
التوصل إليه . ولكن أحدا لم يدر فى ذلك الحين أن الوصول إلى قائد 


الفرقة الرابعة المدرعة كان يعنى الوصول بلمؤامرة الى مايتها 
المأساوية !. 


كنا 








ضسطط اضتطضمسات عبد التماصصر 


فى تلك الأثناء » كانت قد ظهرت بعض الخطط البذيلة » التى 
استهدفت عبد الناصر نفسه » وقامت بالدرجة الأولى على اختطافه ! . 
فقد اقترح المقدم جلال هريدى على المشير اقناع عبد الناصر بزيارته فى 
البيت » حتى اذا ما حضر يتم اعتقاله على الفور ! . 


وقد اعترف شمس بدران بهذا المخطط . فعندما سأله حسين 
الشافعى » رئيس المحكمة : 


- هل اقترح جلال احضار الريس للبيت للقبض عليه فى منزل 
المشير؟ , 


أجاب بقوله : أيوه » هو اقترح ! . وفيه شهود ! . 


حسين الشافعى : انت قلت فى التحقيق ان جلال قال مرة » من 


لفن 





مدة سابقة ليوم 74 ( أغسطس ) : ليه المشير ما يجبش الرئيس هنا » 
وأنا أعتقله ؟ . 


ويمكن لنا فهم هذا المخطط . اذا عرف أن الاتصالات لم تنقطع 
فى تلك الأثناء بين المشير وعبد الناصر . ففى شهادة عباس رضوان ذكر 
أن المحاولات لابرام الصلح بين المشير والرئيس لم تنقطع حتى يوم 
4 أغسطس ( وهو اليوم السابق على اعتقال المشير) . وكانت بعض 
هذه الاتصالات تتم بالواسطة . عن طريق عباس رضوان أو شمس 
بدران » وبعضها الآخر يتم بالاتصال المباشر بين المشير والرئيس ء 
سواء عن طريق المكاتبات . أو عن طريق المقابلات الشخصية . 


فعندما تقرر رفع ا-لتراسة عن بيت المشير» أرسل المشير كما يقول 
عثيان نصار خطابا الى عبد الناصر يحتج فيه على هذا القرار . ويقول 
عثمان نصار انه علم بذلك من جلال هريدى . وف يوم ٠١‏ يوليو توجه 
المشير لمقابلة عبد الناصر فى بيته » وعاد مساء ‏ حسب رواية عثمان نصار 
أيضا ء « وقابلناه فى اليوم التالى » وقال المشير ان الضباط المعتقلين 
طلعوا » وروحوا بيوتهم » وأنه كلم الريس فى كل شىء » والريس وعد 
بدراسة كل شىء » وأن الريس جامل المشير خالص » وطلع الضباط 
من السجن . وقال المشير : بلاش كلام دلوقت , أو اتصال بأى ضابط 
فى الخدمة ‏ الا اللى أقول عليه فقط ! » علشان نعطى فرصة ان الأمور 
تمشى هادية بينى وبين الريس ») . 


وكلام المشير عن الضباط المعتقلين الذين أفرج عنم , لايجب أن 
يفهم منه أنه يشمل دفعة شمس بدران » الذين تشير الدلائل الى أنهم 
ظلوا الى لحظة اعتقال المشير معتقلين . ففى يوم 74 أغسطس ., عندما 


1 





أعطيت الأوامر بتنفيذ الخطة » ذكر شمس بدران لعثمان نصار أنه سوف 
يصحب معه ( ثلاثة من أعضاء دفعته 6 وقد أثار هذا القول دهشة 
5005 


حتأخذهم ازاى ؟ . 
فرد عليه شمس بدران فى غموض : معمول ترتيبهم ! 


وقد أورد جلال هريدى أن شمس بدران كان يدبر تريب أعضاء 
دفعته . كما اعترف الضابط جمال قاووق بأن شمس بدران كلفه 
بالتحرى عن المعتقلين من أعضاء دفعته » وعن مكان اعتقالهم » واأسم 
قائد المعتقل . وقال انه توجه الى الكلية الحربية » وسأل النقيب فاروق 
نور الدين . وأحضر البيانات المطلوبة » وسلمها لأمين عبد العال » 
الذى سلمها بدوره لشمس بدران . 


وعندما سئل شمس بدران عن الأسباب التى دفعته الى اجراء هذه 
التحريات 2 أجاب مراوغا : 


أعرف اتمسكوا على ى أساس ؟ ء وجايز ان اثنين أو ثلاثة منهم 
اسه لاسا أمل أروح للريس . وأكلمه 


"14 





شمس بدران : أنا سألت عن الجهة المسئولة عن المعتقلين. وكان ذهنى 
أسأل الجهة دى : مين هم الناس المعتقلين ؟ . مش أهريهم زى ما قال 
جلال هريدى ! . ولوكنت عاوز » كنت اتخذت خطوات ايمجابية ! . 


حسين الشافعى : انت ما لحقتش ! . 


على كل حال . ففي| يبدو أن خطة اعتقال الرئيس عبد الناصر ى 
بيت المشير . كانت تبدو متعذرة » بسبب تعذر استدراج عبد الناصر 
من اسطال . لظروف الصدام والصراع بينهها . ومن هنا . طرأت 
الفكرة الثانية » وهى اعتقال عبد الناصر فى بيته ! . 


وكان شمس بدران هو صاحب هذه الفكرة . فقد كان فى تلك 
الأثناء يتردد على بيت عبد الناصر للتوفيق بينه وبين المشير- كما ذكرنا . 
وقد استوحى من هذه الزيارات فكرة استدراج عبد الناصر الى باب 
ا خروج 2 ثم يتم اختطافه ! . 


وتلك كانت الخطة التى بلغ نبؤها عبد الناصر » عن طريق أحد 
الجواسيس فى بيت المشير . فقد أورد منير حافظ أنه كان لأحد موظفى 
مكتب المعلومات قريب يعمل فى بيت المشير.» وجرى تجنيده » حتى 
اله أخذ ينقل وقائع ما يدور فى بيت المشير يوما بيوم ! . وقد نقل أن 
هناك تدبيرا لاعادة المشير بالقوة الى قيادة القوات المسلحة » وأن من بين 
الوسائل التى قد يستتخدمونها لتحقيق هذا الغرض ». أن يقوم شمس 
بدران بزيارة عبد الناصر » بدعوى محاولة اصلاح ما بيله وبين المشير . 
وعندما تنتهى الزيارة » وكا تعود عبد الناصر » سوف يودع ضيفه عند 
الباب الداخلى للبيت » وتكون سيارة شمس قريبة » وى حقيبتها اثنان 


"16 





من المسلحين بالبنادق سريعة الطلقات » وسوف يقترب عبد الناصر من 
السيارة » وهو يصافح شمس موردعا » وعندئذ يخرج الرجلان المسلحان 
فجأة من حقيبة السيارة » ويرغمانه » ومعهم شمس بدران . على 
دخول العربية . التى تنطلق مهم فورا الى بيت المشير . وهناك » يلتقى 
المشير من مركز القوة والانتصار. مع عبد الناصر المخطوف » وتدور 
بينها المفاوضات » التى يفرض فيها المشير شروطه كمنتصر على عبد 
الناصر . 


وقد تطوع جلال هريدى » أثناء المحاكمة , بتأكيد هذه الرواية أثناء 
شهادته . فقد روى أن المشير « فى إحدى الجلسات » كان بيحكى » 
وجاب سيرة شمس .. فأنا سألته : ايه اللى غيره ؟ . فقال لى : انت 
ما تعرفش شمس ! » هو كان فى مه انه » فى احدى مقابلاته للريس » 
يستدرجه لغاية الباب » وينزلوا الناس من العربية » ويخطفوا 
الرمسن !0 : 


على أن هذه الخطة لم يقدر لها التنفيذ أيضا » بسبب احكام الحراسة 
فى بيت عبد الناصر فيهم| يبدو . فقد كان يتقاسم. الحراسة فى بيت عبد 
الثافير ؛ السكرنارية الخاضة ع واطرس المهورئب السكرتافة 
الخاصة داخل أشواق البيت » والحرس الجمهورى خارجه . ومن ثم 2 
فلو فشلت السكرتارية الخاصة فى منع عملية الاختطاف داخل البيت » 
فان الحرس الجمهورى خارجه يمكن أن يوقف ويحبط العملية . 

وعلى كل حال » فقد بدا أنه لا مفر من الاعتاد على خحطة الاستعانة 
بايش لفرض المشير على نحو ما ذكرنا . والمضى قدما فى محاولات 
استمالة الأسلحة المختلفة لصف المشير . ولا كانت هذه الجهود لم تفلح 
حتى ذلك الحين فى الاتصال بقائد الفرقة الرابعة المدرعة » فمن هنا 


رضن 





ظهرت أهمية اللواء سعد عثمان فى الخطة ! . 


واللواء سعد عثان كان قائد مدرسة المدرعات حتى نشوب حرب 
يونيه » كما تولى قيادة المدرعات . وكان بهذه الصفة أقدر من أى ضابط 
آخر على الاتصال بقائد الفرقة الرابعة المدرعة » واقناعه بالتعاون مع 
حركة المشير. وفى الوقت نفسه . كان أصلح من يتولى قيادة الفرقة 
الرابعة المدرعة » فى حالة رفض قائدها الاشتراك فى الحركة . لذلك 
تركزت الجهود على تجنيده » كنخطورة أولى فى طريق تجنيد قائد الفرقة 
الرابعة . 


عثمان نصار بمحاولات فى هذا الشأن لم تفلح » ولكن اللواء أحمد 
علوى نجح فيها فشل فى تحقيقه اللواء عثمان نصار . 


واللواء أحمد علوى كان من كبار أنصار المشير. وكان عند نشوب 
حرب يونيه 19517 وبداية المحجوم الجوى الاسرائيل على المطارات 
المصرية » ضمن مرافقى الوفد العراقى . فى احدى الطائرتين اللتين 
توجهتا الى القناة » وأصيبت طائرته أثناء تحليقها فوق فايد . وهى على 
وشك المبوط » فاستشهد أحد الطيارين » وأصيب اللواء أحمد علوى 
مع أحد الصحفيين العراقيين . وفى شهر يوليو بدأ الاتصال بالمشير 
عامر . وعندما بدأت حملة اعتقالات الضباط فى يوم ١1‏ يوليو » اتصل 
به جلال هريدى فى الفجر لتحذيره » وعرض عليه الاقامة فى بيت 
المشير . ولكنه فضل الاقامة فى منزله . 


بالاتصال بصديقه سعد عثان .» ليصل عن طريقه الى قائد الفرقة 


لديف 





الرابعة المدرعة . وقد نجح فى هذه المهمة » على النحو الذى أثار حسد 
اللواء عثيان نصار ! . 


علوى », فى عمارة الشربتلى فى الدقى . يوم ١4‏ أغسطس . وق هذا 
«الموضوعات التى تتعلق بالعمليات » وموقفها . والاستعواض » 
وما تم فيها . والفرقة الرابعة المدرعة : موقفها . ومكانها » واسم قائد 
الفرقة ! . وقد رد اللواء سعد عثران بأنه و حدثت تغيبرات كثيرة فى 
أوضاع القوات المدرعة » ولكنه مش ملم بها » . على أنه ذكر اسم قائد 
الفرقة الرابعة ‏ وهو الغرض الأسمى من اللقاء ‏ وقد علق اللواء أحمد 
علوى عليه بقوله انه « ضابط ممتاز) . 


وهنا طلب المشير من اللواء سعد عثان الاتصال بقائد الفرقة الرابعة 
المدرعة ,. ليسأله عن الفرقة » ووضعها. «١‏ وتدريب الأولاد 
الصغيرين »  !‏ يقصد الضباط الصغار ‏ ثم كلفه بالحضور للقائه مرة 
أخرى فى نفس الشقة . وقد تم هذا اللقاء بالفعل بشكل ثنائى بين 
المشير واللواء سعد عثهان فى يوم ١9‏ أغسطس . 


وفيه| يبدو أن المشير اعتبر مسألة ضم قائد الفرقة الرابعة المدرعة الى 
صفه أمرا منتهيا » بعد لقاءاته مع اللواء سعد عثمان . ففى يوم "١‏ 
أغسطس تقابل مع المقدم أحمد عبد الله فى عمارة الشربتلى أيضا , 
ليخيه باعتزامه الانتقال الى مدرسة الصاعقة . للذهاب الى 
القصاصين . وذكر أنه « حيأخذ لواء مدرع ) ! . وعندئل سأله أحمد 
عبد الله : « سيادتك كلمت حد ؟ » . فأجاب بالنفى » ولكنه أبدى 
قناعته بأنه حين يصل هناك سوف يطيع الجميع أوامره ! . 


ين 





فى ذلك الحين كان اقتراب زيارة عبد الناصر للخرطوم » الحضور 
مؤقمر القمة » قد أخذ يدفع المشير الى التعجيل بتنفيذ العملية . وهذا 
هو سر اعلانه يوم ؟؟ أغسطس عن عزمه على الذهاب إلى مدرسة 
الصاعقة ومنها الى القصاصين . ليستلم قيادة الجيش الميدانى الوحيد فى 
تللق الف . 


وفى نفس اليوم مساء , كان أحمد عبد الله يأتى بالعقيد تحسين زكى 
الى فيلا الدقى » حيث عقد الاجتماع الهام , الذى أشرنا اليه » والذى 
حضره كل من المشير وعباس رضوان وأحمد عبد الله . وفى هذا 
الاجتماع حدد المشير لآأول مرة ميعاد تنفيذ العملية » وهويوم 
9 أغسطس . على أن أحمد عبد الله طلب منه تقديم الميعاد , « لأنه 
بظهر أن المخابرات بدأت تعرف حاجة بالنسبة لى  »‏ على حد قوله . 
فوافق المشير على يوم 1” على أن تصدر الأوامر النبائية يوم 57 . وكان 
فى هذه المقابلة أن أفضى المشير عامر لكل من تحسين زكى وأحمد عبد 
الله بكلمة السر . وهى « نصر) . 


وى اليوم التالى تسلم المشير دعوة من عبد الناصر للقائه بمناسبة 
سفره الى الخرطوم . فقرر المشير أنه اذا لم يوافق عبد الناصر على مطالبه 
فى هذا اللقاء » فانه يكون فى حل من تنفيذ العملية . ولذلك يذكر 
جلال هريدى ان المشبر عاد الى بيته فى فجر يوم ١5‏ أغسطس ,2 
واستدعاه اليه فورا » كما استدعى كلا من عثمان نصار وشمس بدران » 
وقال : « أنا قررت أروح القناة يوم ١1‏ » لأن عندى ميعاد مع الريس 
يوم ©؟ » واذا ربنا سهل » وتم الاتفاق , انتهت المسألة » . وقال لى : 
هات ورقة وقلم » وأملى : المشير يروح القنال » وشمس بدران يروح 
الفرقة الرابعة المدرعة » وعثمان نصار يروح دهشور . وقال المشير : أنا 
سأعطى شمس جواب . وأعطى عثمان نصار جواب لقائد الفرقة . 


وفضى 





وحصل شوية كلام على : مين يروح مع السيد المشير , ومين يروح مع 
الوزير شمس . وعثيان قال : الذهاب لدهشور عاوز وفنت » علشان 
أعمل اتصالات بالسكرتير بتاعى فى دهشور . 


« وانفضت جلسة فجر يوم 74 » ورحنا نمنا . والساعة حوالى 
,م مساء» طلبئى المشير علشان نلعب شطرنج » والتليفون 
ضرب . واكشير قام يرد عليه » وجاء عباس رضوان » وعثمان نصار 
وراه ! . وقام المشيرء ودخل حجرة ثانية » وجاب خريطة » وعليها 
بيان عن جميع القوات فى القناة » . 


وقال جلال هريدى ان جماعة المدرعات - وفقا لأوامر المشير- كانت 
تتضمن « الوزير شمس » ومعه سعد عثمان » وعلوى . وأمين عبد 
العال » وماهر اسماعيل . وقال المشير لعباس رضوان : انت مسئول 
تأمين القاهرة بواسطة جماعات من المخابرات العامة . وأنا بصيت 
للسيد المشير » فقال لى : لأ » دول من عند صلاح ( نصر ) . وعباس 
رضوان فوجىء بالأوامر بتاعة المشير» وسأل عن البوليس الحخربى ‏ 
فالوزير شمس قال : البوليس الحربى جاهز . فقال عباس : عايزين 
شوية صاعقة . فالمشير قال : خذ معاك عشرين من الصاعقة لتأمين 
القاهرة وقت العملية ) . 

ثم ذكر جلال هريدى أن « عباس رضوان كان من رأيه الانتظار الى 
أن يسافر الريس للخرطوم » » وه« شمس قال ان العملية عايزة رأى 
عام » . وقال المشير ان الأوامر لاغية الى أن تتم مقابلة الرئيس . 


وقد روى عباس رضوان القصة با يتفق كثيرا مع رواية جلال 
هريدى . فذكر أن «المشير يوم 75 قال أنه حيروح القيادة الشرقية ( 


فقن 





ومعه مجموعة من الضباط . يوم /317” . وشمس يروح الفرقة المدرعة . 
وفك خضل تقاقن مع خفن الصادعل موضيوع الفرقة فى دمشيون».وائة 
راح يعمل اتصالات . فقيل له : اعمل اتصال . واذا لم يمكن لك , 
تبقى تروح مع المشير! ) . ثم ذكر عباس رضوان ان الذين حضروا 
هذا الاجتماع هم ) المشير » وأنا » وجلال هريدى » وعثئان نصار . 
بس !). 


رضنا 





1١ 


اعتضال المشسيير عساسر 


على هذا النحوء تحدد يوم /ا" أغسطس لبدء تحرك المشير الى 
القناة» للاستيلاء على القيادة الرئيسية الميدانية الوحيدة فى ذلك 
الوقت . وهى قيادة الجبهة الشرقية ‏ إذا لم يتم اتفاق بينه وبين عبد 
الناصر فى اللقاء الذى كان سيتم بينها يوم ؟ أغسطس . وهذا ما دعا 
المشير الى الاسراع فى تأمين موقف الفرقة الرابعة المدرعة . ففى يوم 
4 أغسطس نفسه . أى اليوم الذى أصدر فيه أوامره ببدء العملية » 
أرسل اللواء أحمد علوى الى اللواء سعد عثمان » لابلاغه بأن «المشير 
عاوز يقابل قائد المدرعات » ليفهم منه موقف الضباط ) ! . ويقول 
اللواء سعد عثمان : « قلت : طيب ! . ونزلت يوم 0" » ومريت على 
قائد المدرعات فى بيته » فلم أجده . وأحذت تليفونه » وطلبته » 
واتكلمت معاه . وجالى » وكان مستعجل . قلت له : المشير عاوز 
يطمئن منك على كده » ويشوفك ! . قال : آه ! . وأحذت منه ميعاد 
الساعة 4 . ورحت له . ول أجده ) ! 1 


اقفن 





ولم يأت قائد الفرقة الرابعة المدرعة أبدا . لأن المشير اعتقل فى نفس 
اليوم ‏ الأمر الذى يثير علامات استفهام حول دور قائد الفرقة المدرعة 
فى هذا الاعتقال ! . فنلاحظ أن هذا القائد لم تطلب شهادته فى 
القضية » رغم أهميتها . بل لم يتردد اسمه فى المحكمة من جانب 
الشهود أو المتهصين أو رئيس المحكمة . وأكثر من ذلك أن حسين 
الشافعى اعتير عدم ذهابه لمقابلة المشير. تبربا من المقابلة » مع أن 
واقعة عدم ذهابه فى تلك المرة » لا تعنى أنه لم يكن ليذهب مرة أخرى 
لو كان المشير طليقا . بل لقد أشاد حسين الشافعى بهذا الموقف » 
وقارن بينه وبين اللواء سعد عثيان . فعندما برر الأخير استجابته لمقابلة 
المشيٌ عندما طلب اليه اللواء أحمد علوى ذلك بأن عدم اجابة طلب 
المشير « ليس من الأدبيات السليمة ) !- رد عليه حسين الشافعى 
ساخرا : 


ما هو قائد المدرعات ما قلش أدبه ! . ولكن لما طلب لأآن يقابل 
المشير . قال : سلم لى عليه ! » وزاغ ! » لأنه شعر أنه طلب ليس له 
ميرر » وقد يساء فهمه ! ) . 


على أنه يرد على ذلك بأن واقعة دعوة عبد الناصر للمشير لزيارته فى 
سعد عثان لقائد الفرقة الرابعة المدرعة برغبة المشير فى رؤيته ‏ وبالتالى 
فلا يمكن أن يكون لهذا القائد دور فى هذا الاعتقال . 


وفى الحقيقة أن دعوة عبد الناصر للمشير عبد الحكيم عامر لزيارته , 
كانت جزءا من خطة مرسومة بعناية لاعتقاله » وهى خطة مرسومة 


فض 





بطبيعة الحال قبل يوم ١8‏ أغسطس . ميعاد مقابلة المشير لقائد الفرقة 
الرابعة المدرعة . وهذه الخطة مستوحاه ‏ كما هو واضح ‏ من خطة 
شمس بدران اعتقال عبد الناصر ء وكاد يتم تنفيذها قبل يوم 5" 
أغسطس . لولا اعتراض محمود الجيار» الذى لعب فيها ‏ دون أن 
يدرى ‏ دور الطعم , وهو ما يرويه بقوله : 


الاستعجال . وعدت لأجده يقول لى ان المشير قد عاد مرة أخرى يمتنع 
عن لقائه. وأنه قد حول بيته الى قلعة مسلحة . ويباجم عبد 
الناصر » . « ومرة أخرى ذهبت الى بيت المشير» وفى هذه المرة قلت 
له : الى مق كنرك الأخرين يعيقون بالعلافة بينك وبي عبد الناضر © . 
ثم قلت : من أجل العلاقة بينك وبين صديق عمرك ورفيق نضالك » 
أعدهم الى حيث كانوا » وتعال قابل عبد الناصر ! . 


« وجاء عامر الى بيت عبد الناصر ء ولكن الجو فى البيت لم يكن 
عاديا » كان فى البيت أنحرون من رجال الثورة يجتمع بهم عبد الناصر . 
وبعضهم من خصوم عامر الألداء » ومن الذين احترفوا فيا مضى 
الايقاع بين الصديقين . 


ولاحظت حركة غير عادية داخل البيت » وخارجه : اجتماعات 
مختلفة ف حجرات مختلفة » وحراس يتحركون هنا وهناك وسألت 
محمد أحمد . فقال لى : لقد تقرر اعتقال المشير! . 

) وأحسست بالأرض تميد تحث قدمى . وصرخت : مستحيل ١!‏ . 


«لم يكن قد سبق لى أن تمردت على قرار لعبد الناصر » ولكننى فى 


رفن 





هذه المرة لم أستطع أن أقبل . وأعلنت أننى مستعد أن أموت دفاعا عن 
الرجل الذى صحبته بنفسى من بيته » والذى أحسست بأننى لن أكون 
رجلا مالم أعده بنفسى الى بيته . 


« وكان تصرفى مفاجأة بالطبع . ولكن المفاجأة الأكبر كانت تصرف 
عبد الناصر تعدواتت مرجي هري باموادا + ومع له 
وسط دهشة الآخرين ‏ بأن أصحب المشير الى بيته فى أمان تام » ! . 


وقد فسر التيار موقف عبد الناصر باقتناعه بوجهة نظره : « من 
المؤكد أن حجتى كانت قوية » وهى أنه لا يجوز اعتقال رجل كلفت بأن 
أحضره للتفاهم . وعبد الناصر ‏ رحمه الله 0 يقدر هذه الاعتبارات 
التى تفرضها الرجولة » وان كنث أعتقد أ نه فعل هذا لدافع أ 
أيضا » هو أن قرار اعتقال المشير كان عبئا على عواطفه » وكان يسره 
أن يؤجله » حتى وهو مقتنع بضرورته ) . 


على كل حال . فقد ظلت خطة استدراج المشير الى بيت عبد الناصر 
تمثل بالنسبة لمرافقى عبد الناصر» أفضل السبل للتغلب على 
الصعوبات التى وضعها المشير فى طريق اعتقاله » والتى تمثئلت فى 
تحويل بيته الى قلعة مسلحة . فقد أشرنا الى التفسير الذى قدمه عبد 
الصمد محمد » والذى ذكر فيه أن المشير قد حدد مكان المعركة فى بيته » 
0 ا » وى وسط مثل هذه 


الكثافة لا يمكن أن تقع معركة بالأسلحة الثقيلة ولا بالمتوسطة » فاذا 
وفعت 2 ووضل دويها 00 اليش 2 فسوف تتحرك القوات الموالية له 


لنجدته . 


هف 





فى يوم لاا أغسطس » لتقدم لمجموعة عبد الناصر الفرصة الملائمة 
وذلك عن طريق توجيه دعوة له الى مقابلة عبد الناصر » يتم فيها 
اعتقاله ! 


وهناك روايتان فى هذا الصدد . الأولى » وهى رواية المشير. وقد 
أوردها عبد الصمد محمد نقلا عن مصطفى عامر وابن عمهما عامر . 
والثانية » رواية منير حافظ , 


وبالنسبة لرواية عبد الصمد محمد . فيذكر أن عبد الناصر عرض 
على المشير الصلح بالشروط التى يقبلها عبد الحكيم » وأن يتم هذا 
الصلح بعد عودته من الخرطوم . ولكى يطمئن المشير على صدق نيته » 
فقد أوهم عبد الناصر المشير برغبته فى أن يصحبه معه الى الخرطوم 
بصفته النائب الأول له » ويبقى زكريا محيى الدين نائبا مؤقتا أثناء 
غياءه) . واتفقا على أن يزوره عبد الحكيم فى مساء الجمعة 
© أغسطس ليتناول معه طعام العشاء » ثم يتباحثان فى أعمال المؤتمر . 
على أن التدبير كان فى ذلك الوقت معدا لاعتقال المشير فور وصوله » 
بيد| تنجه قوة الى بيت عبد الحكيم فى الحيزة لاعتقال من فى البيت » 
وتفتيشه تفتيشا دقيقا » على أساس أن أحدا فى البيت لن يقاوم فى غياب 
صاحبه . لأن مثل هذه المقاومة لا يمكن أن يأمر بها الا عبد الحكيم » 
ولأنه لا نتيجة من المقاومة مادام عبد الحكيم مقبوضا عليه فى بيت 


أما الرواية الشانية » فيرويها منير حافظ من داحل مكتب سامى 
شرف . وفيها يذكر أن عبد الناصرء بعد كل ما وصله من معلومات 
عن نشاط المشير وأنصاره » كان مضطرا الى انباء هذا الوضع قبل سفره 


كزين 





الى الخرطوم . ومن ثم » فقد « تلقى المشير دعوة الى مقابلة عبد 
الناصر » وتصور من حوله ( المشير) أن الضغط قد أتى ثاره » وأن عبد 
الناصر ينوى الاستسلام . بعد أن تأكد أن قوات المشير سوف تكون 
لها الغلبة » وأنه ربا حدد الموعد بالذات ليدعو المشير لاصطحابه معه 
الى الخرطوم . ومن ثم وافق المشير على المقابلة . 


وفى تلك الأثناء ‏ كا يقول مئير حافظ ‏ « كانت هناك استعدادات 
تجرى لانباء عملية المشير . وتمت لقاءات متعددة لهذا الغرض فى تكتم 
شديد » بين قائد الحرس الجمهورى الليثى ناصف » وبين شعراوى 
جمعه وسامى شرف . وامعانا فى التكتم » تمت اللقاءات فى منطقة 
مهجورة بنادى الشمس | وقد فوجى ء أعضاء السكرتارية الخاصة 
( المنوط بهم الحراسة داخحل أسوار البيت ) بأن أفرادا من الحرس 
الجمهورى » بملابس الميدان » قد انتشروا فق الحديقة المحيطة 
بالبيت » وتخفوا بين أشجارها ! : 


) وجاء المثسير ء ووراعه عربة الحراسة : وما ان دخلت عردنته 4 
حتى أغلق الباب دونها » وألقى القبض على من فيها . ودخل المشير 
الى بيت عبد الناصر ليواجه محكمة على أيدى عبد الناصر ومن بقى فى 
الحكم من زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة ) . 


ونقطة الخلاف بين الروايتين تتعلق بالمبررات التى ساقها عبد الناصر 
للمشير عند دعوته اياه لزيارته . فرواية عبد الصمد محمد تزعم أن عبد 
الناصر قال للمشير انه سوف « يصحبه الى الخرطوم ) ٠»‏ بيلها لا تذكر 
رواية منير حافظ ذلك ». وتقرر أن أصدقاء المشير هم الذين تصوروا 
ذلك , 


قرضنا 





وفى الحقيقة أن ما رواه رجال المشير فى المحكمة » تمن هم لصيقى 
الصلة به » مثل شمس بدران وعباس رضوان وعثمان نصار » ليس فيه 
شىء من دعوة عبد الناصر للمشير لاصطحابه معه الى الخرطوم . فقد 
اقتصرت رواية المشير لهم على أن عبد الناصر قد دعاه لمقابلته » وأن هذه 
الدعوة يمكن أن تحل الخلاف بينه) أوالا تحل . وواضح أن عبد الناصر 
لو كان قد عرض على المشير الذهاب معه الى الخرطوم » لاستنام هذا 
الى هذه الدعوة » ولما مضى فى خطة الزحف على القناة . ولكن من 
الثابت أن المشير فعل العكس ماما » فان دعوة عبد الناصر له قد دفعته 
الى مضاعفة استعداداته. وتحديد موعد تنفيذ الخطة اذا فشلت المقابلة 
فى حل الخلاف بينبها ! وعلى كل حال فقد اعترف شمس بدران بأنه 
صاحب التفكير فى أن عبد الناصر ربما دعا المشير للقائه بغرض 
اصطحابه معه الى السودان لحضور مؤتمر القمة بالخرطوم . 


والسؤّال الآن : ماهى الحقيقة فى اعتقال المشير ومحاكمته واعتقال 
أنصاره ؟ . 


ان التحقيق التاريخى الذى أجريناه فى هذا الصدد من واقع 
الشهادات والروايات المختلفة » يثبت أن عبد الناصر » بعد أن تبين 
أن المشير قد حول بيته الى دولة داخل دولة » وأصبح مصدر خطر على 
النظام » أصدر أمره باحضار المشير الى بيته » واجراء محاكمة له بمعرفة 
زملائه أعضاء مجلس الثورة السابقين الموجودين فى السلطة . وقد تم 
الاتصال بالمشير عن طريق سكرتارية عبد الناصرء وتحدد الموعد الذى 
سيحضر فيه » وهو الساعة السابعة من مساء يوم ١١‏ أغسطس . 


وقبل أن يصل المشير كانت قد تشكلت قوتان : القوة الأولى » بقيادة 
الفريق محمد الليث ناصف » ومهمتها اعتقال المشير فور حضوره . أما 


سس 





القوة الثانية » فكانت بقيادة الفريق أول محمد فوزى » القائد العام 
سسا بن - كم يقول الفريق فوزى من قرا تباجا 
التسليح المقرر لما كيا وكيفا» وأضيف ا الاتضيال 
اللاسلكى » وأوكلت قياداتها إلى مدير الشرطة العسكرية اللواء سعد 
عبد الكريم » ومهمتها مهاجمة بيت المشير عامر فى الجيزة » واعتقال كل 
من فيه من الأنصار المتمردين » بين| تقوم اللنشات الحربية بمراقبة 
اللوقااين الكل 


وبالنسبة للفرقة الأولى » فقد قبضت على مرافقى المشير فور وصوله 
كي و اوسن ا ربكا : العقيد محمد 
طنطاوى » والرائد أحمد أبو نارء والمساعد أبو المعاطى . واثنان من 
صف الضباط . وأما المشير. الذى دخل الى بيت عبد الناصر » فقد 
حوكم بمعرفة كل من زكريا محبى الدين » ومحمد أنور السادات ‏ 
وحسين الشافعى . 


والخلاف حول ما اذا كان عبد الناصر قد حضر هذه المحاكمة أم 
لا ؟ . فرواية محمود الخيار تفيد أن عبد الناصر كان فى الاسكندرية عند 
« انتهزوا فرصة سفر عبد الناصر الى الاسكندرية » وقرروا اعتقال 
المشير. ونقله الى الهرم » بحجة استجوابه » مع أن استجوابه كان 
يمكن أن يتم فى بيته ) 7 

ويضيف ان الاعتقال « تم فى مشهد لم يكن سهلا على مثل المشير 
أن يتحمله . فقد حرجت السيدة زوجته وراءه » وهى تصرح متشبثة 
به وتصمم على أن تذهب معهء والجيران يتفرجون ويمصمصون 


يفال 





بشفاههم  !‏ ولكنهم قالوا لما : لا يمكن أن تصحبيه . وطلب المشير 
أن يتصل تليفونيا بعبد الناصر » فوافق عبد المنعم رياض . الذى كان 
يصحب القوة » وطلب مكتب عبد الناصر ‏ ولكن لواب كان : 
لا ! . ومن المؤكد أن عبد الناصر لم يكن ليرفض أن يتصل به المشيرء 
أوأن تصحب المشير زوجته » ولم يصدر أية أوامر بهذا المعنى ) ! . 


وواضح من هذه الرواية أن محمود الحيار يخلط بين واقعة اعتقال 
المشير يوم "”٠©‏ أغسطس ٠.‏ وواقعة نقل المشير من منزله ‏ بعد أن تحددت 
اقامته فيه الى استراحة فى المريوطية يوم ١‏ سبتمبر . فاعتقال المشير 
تم فى بيت عبد الناصر ء باتفاق جميع الآراء ( فيما عدا رأيه ) » وهى 
واقعة ثابتة لا مجال للجدل فيها . 


وهذا الخلط من جانب محمود الجيار أمر غامض وغير مفهوم . 
فاعتقال المشير داخعل بيت عبد الناصر حدث مثير لا ينسى » ولابد أن 
يكون قد ترك فى ذاكرة الجيار أثرا يذكره على الدوام . وحتى لو كان عبد 
الناصر قد أبعد محمود الحيار عن البيت ساعة الاعتقال » نظرا لما يعرفه 
من تعاطفه معه ودفاعه عنه ‏ فان هذا الاعتقال لم يكن ليخفى عن 
ال حيار عند عودته الى البيت ! . 


وعلى كل حال . فان هذا الخلط من جانب محمود الخيار » فى هذه 
الواقفعة » ينسحب على روايته الأخرى التى يذكر فيها أن عبد الناصر 
كان فى الاسكندرية عند اعتقال المشير . فواضح الآن أن هذه الرواية 


وفى الواقع أن رواية منير حافظ فى هذا الصدد أدق . فقد أورد أن 
عبد الناصر كان حاضرا الاعتقال والمحاكمة © () وقد تكلم ( وكان 


وض 





حديثه متصلا » أحصى كل الأمور وتطوراتها من بدئها الى نبايتها , 
وأبى كلامه بأنه لم يعد هناك مفر من التحفظ على المشير» وانسحب 
الى غرفته فى الدور العلوى » . وقد استمرت المحاكمة الى الساعة 
الثانية بعد منتصف الليل » أى أكثر من حمس ساعات كما تقول احدى 
الروايات . 


فى الوقت الذى كانت تجرى فيه محاكمة المشيرفى بيت عبد الناصر » 
كان الفريق أول محمد فوزى يتجه الى بيت المشير فى الجحيزة على رأس 
الفرقة العسكرية التى أسند قيادتها إلى العميد سعد عبد الكريم , 
لاعتقال أنصار المشير . وكان يساعده من القادة العظام الفريق محمد 
صلاح الدين مسن . 


وكانت هذه العملية هى أخحطر العمليات وأصعب جانب فى 
الخطة » لأن قيام معركة عسكرية فى حى سكنى راق به كثافة سكانية 
عالية » كان جديرا باحداث مذبحة رهيبة سوف ترتج بها أنحاء مصر , 
وقد تؤدى ‏ اذا طالت ‏ الى تدخل اليش لاهائها بكل ما يترتب على 
ذلك من اثار . 


ويفهم من رواية شمس بدران أن الضباط فى بيت المشير كانوا قد 
عرفوا بأمر الفرقة المهاجمة قبل وصوها الى البيت . وأخذوا يستعدون 
للتصدى ها ومقاومتها . فيذكر أنه فى ذلك اليوم (الجمعة ه؟ 
أغسطس ) . كان فى الاسكندرية » ولكئه كان حريصا على العودة 
لمعرفة نتائج اجتماع المشير مع الرئيس عبد الناصر » وقد عاد فى الحادية 
عشرة مساء ليتصل تليفونيا ببيت المشير لمعرفة الأنباء » فعرف أن المشير 
لم يعد بعد . فطلب ابلاغه فى بيت صديقه حس تخليل تليفونيا بمجرد 
عودة المشير . « والى حصل ان جلال ( هريدى ) كلمنى ؛ وقال لى 


ام 





في رصاق عله اليج «ونجا »| البيتت ىقترا اه قري لنت 
كت الشيزة + ازلفيكت: الاب ارسطنا قي والمتااع كررع + والنايج بواج 
مواقع ضرب النار . وجالى واحد اسمه عبد الحليم » وقال لى : كل 
شىء مام يا فندم ! . يعنى القوة جاهزة للتصدى لأى هجوم ! ) . 


( وبعدين طلعت قعدت فى الصالون لغاية ما توصل المدرعات . 
بوكداتوة عنمت رفن وفبوض ان 'وزرلك ج القيك الدرعات عاض : 
البيت وعلى رأسها جماعة من الضباط . وكان موجود الفريق فوزى 
وصلاح محسن وسعد عبد الكريم » . وعرض الفريق محمد فوزى 
الدخول الى البيت للتفاهم معى » باعتبارى أقدم واحد ) . 


وماحدث بعد ذلك يختلف فى روايته شمس بدران وجلال 
هريدى . فيذكر جلال هريدى أن شمس بدران رد على الاقتراح الذى 
تقدم به الفريق محمد فوزى بالدخول الى بيت المشير للتفاهم ٠‏ بقوله 
مخاطبا الفريق محمد فوزى : نط ! . . ما تعرفش تنط ؟ . « فالفريق 
محمد فوزى رد عليه بقوله : ايه الكلام ده يا شمس ؟ » . على أن 
شمس بدران يبرر هذه الواقعة » التى يسلم بصحبتها » بأن جلال 
هريدى عندما عرف برغبة الفريق محمد فوزى فى الدخول الى البيت » 
اقترح اعتقاله » وأحذه رهينة لتنصرف القوة . وأن هذا هو السبب الذى 
دعاه الى مخاطبة الفريق محمد فوزى » عندما ألح فى الدخول . بقوله : 
«اذا كنت عاوز تخش . نط السور! . وكان قصدى أعجزه عن 
الدحول !). 


ويعارض حال هريدى شمس بدران قف هذه النقطة ( اذ ينهم 
اللواء فؤاد نصار بأنه صاحب فكرة اعتقال الفريق محمد فوزى عند 
دخوله الى بيت المشير للتفاوض . ويذكر أن عثمان نصار هو الذى أبلغه 


شن 





بخبر قدوم قوة المدرعات الى بيت المشير : « يومها حضر عثمان نصار , 
رقال نل نه قوات عند اجامعة ف وجا تعلبا. ,ثانا كلست" الورير 
شمس وقلت له : تعال ! . وكلمت عباس رضوان » وقلت له : 
تعال! . ولا حضر شمس . قلت له : معنى كله ان المشسير 
اتمسك ! . وعثمان نصار قال لى : أنا عاوز أجيب فوزى رهيئة » . 


وقد وصف النقيب محمد عبد العليم الموقف داخل بيت المشير وقت 
محاصرة الدبابات له بها يصور حالة التوتر والغليان السائدة فيه . فقال : 
« كل الناس كانت مسلحة : جلال هريدى معاه مدفع ! » والوزير 
شمس معاه بندقية ! » واللواء عثمان نصار كان معاه بندقية ! » وأمين 
عبد العال معاه بندقية ! » . ووصف بداية الصدام بقوله : « أنا كنت 
موجود فى هذا اليوم » وكنت فى المكتب حين سمعت زعقة : حرس 
سلاح ! . وخحرجت . لقيت اللواء عثيان نصار بيقول : فيه مدرعات 
عند كلية ال هندسة » وجاية البيت . ولم أصدق هذا الكلام » واتصلت 
بالتليفون بأحد حراس المشير. وجه عسكرى قال : فيه لنشات فى 
البيحن 1 ووحك عد النكز ولفيت لشاف نعلا 1 : وق هذا الرقت 
سمعت زعقة : حرس سلاح ! تانى . والأبواب قفلت . وكان فيه 
صعايدة مواجهين للقوة من داخخل السور ! . وجه القائد العام » وقال 
جلال هريدى : انتم موش حتخدونا الا جثث ! . فقال القائد العام 
لشمس بذران : افتح علشان أدخل ! . فقال له : نط من على 
السور . وكل الضباط المحالين على المعاش كانوا بيعترضوا على دخول 
القوة !) . 


فى ذلك الحين كانت هناك مهمتان أمام رجال المشير داخل البيت 
الأوراق والمستئدات ا موجودة بالمنزل . وق ذلك يقول شمس بدرات » 


ايفرضن 





إن جلال هريدى « طلع فوق . وحرق أوراق معرفهاش ٠‏ ويمكن 
كانت فى كومودينو حجرة نوم المشير أو فى الخزيئة . وأنا جت لى فكرة 
الحريق فى هذه اللحظة . فأنا عارف ان فيه رزم من استقالة المشير 
مكدسة على المكتب . فجبت الناس اللى كانوا موجودين فى بيت 
المشيرء» وقلت هم : شيلوا الورق وأحرقوه . وكان عندى ورق تانى 
بأسماء ضباط الدفعة اللى كتمها أمين عبد العال وقاووق » ودوسيه فيه 
برقيات الشفرة اللى جابه مسعد المنيدى . والمفروض أن مسعد 
امسلك:...وبعدين كان فيه تقزيريى مخابرات خربية عن موقف اليهود 
فى سيناء . وأنا عاوز أجنب الناس دى كلها المساءلة لما نمشى . فأنا 
رحت جبت الورق اللى عندى » وحرقته أو أمرت بأن حد يحرقه » . 


أما المهمة الشانية » فهى تحذير اللواء سعد عثان » الذى كان 
مفروضا أن يكون فى تلك الأثناء مجتمعا مع قائد فرقة المدرعات الرابعة 
فى انتظار مقابلة المشير لاستمالته إلى جائب حركته . وفى ذلك يقول 
شمس بدران إن جلال هريدى جاء اليه بين! كان يحرق الاوراق فى غرفة 
نوم المشير » وقال له : سعد عثمان عنده اجتماع » كلمه سيادتك علشان 
يمشى ! . قلت له : نمرته كام ؟ 6 فراح جاب النمرة » وطلبثت سعد 
عثمان » ومعرفش مين رد على , المهم أنا كلمت أبو نار , وقلت له : 
المنزل محاصر » وانتم انصراف ! . 


ويفهم من كلام الثقيب محمد عبد العليم أن عباس رضوان قد لعب 
دروا فى اقناع رجال المشير بالتسليم للقوة . فعلى حد قوله » عندما سثل 
عما فعله غباس رضوان قال : « جه وتفاهم مع اللى جوه واللى برة 
علشان الناس تسلم ») ! . 


وقد رأينا كيف ذكر جلال هريدى أنه عندما علم من عثان نصار 


وفنا 





بأن قوة المدرعات فى طريقها الى البيت » اتصل بعباس رضوان يطلب 
اليه الحضور . وفيما يبدو أن عبد الناصر فى تلك الأثناء كان قد طلب 
إلى عباس رضوان التدخل . فقد ذكرت جريدة الأهرام أن عباس 
رضوان « طلب اليه أن يذهب الى البيت ويقنع الضباط بالتسليم » أو 
يصطحب أسرة المشير الى منزل آخر آمن لكى يمكن أن تتصرف القوة 
مع المعتصمين المسلحين » . 


ولا تذكر الأهرام صراحة أن جمال عبد الناصر هو الذى طلب إلى 
عباس رضوان تنفيذ هذه المهمة » ولكن فى شهادة شمس بدران يذكر 
أنه بينا كان فى غرفة نوم المشير. « دخل عباس رضوان علشان يكلم 
الريس » فقطعت المكالمة » وعباس كلم الريس , ومحصلش تغيير فى 
وان الريس ١:‏ 1 


وعلى كل حال » فقد انتهت المفاوضات بين الفريق محمد فوزى 
والضباط المعتصمين بالاستسلام . وق ذلك يقول شمس بدران : 
فوزى قال لى : انت مطلوب للاعتقال . فجبت شنطتى ورحت 
معاه ! ! ) . هكذا بكل بساطة . دون أى إشارة الى طبيعة المفاوضات 
الى :ذارت: !:., 


ونعتقد أن وعودا قد بذلت للمعتصمين » عن طريق عساس 
رضوان » أقنعتهم بالتسليم . فصحيح أنه كان من المتعذر عليهم 
تحقيق نصر على القوة المهاجمة » ولكن من المحقق أنه كان فى وسعهم 
تصعيب الموقف ثماما على هذه القوة » بحيث لاتصل إليهم إلا على 
جلث سكان المنطقة التى يقع فيها بيت المشير! » وبعد فضيحة 
عالمية ! . ولا شك أن نجاح عبد الناصر فى اعتقال المشير قد جرد 
المعتصمين من مبررات المقاومة » فأصبحت بلا هدف . فوق أنها 


يان 





معركة يائسة » ومن هنا جاء اخبيار المقاومة السريع . 


على كل حال » فمن الضرورى هنا أن نستكمل صورة ماحدث » 
بها رواه الفريق محمد فوزى فى مذكراته . عن واقعة حصار بيت المشير » 
فيقول : 

« عندما وصلنا الى باب المنزل الرئيسى يوم ه/م/ ١6‏ 2 
وجدته مقفلا بسلسلة حديدية وقفل . وخلف الباب كان يقف شمس 
بدران » وعثان نصارء وعبد الحليم عبد العال » وجلال هريدى , 
واخرون » وجنيعهم مسلحون بالرشاشات القصيرة » وى أيديهم 
وجيوبهم قنابل يدوية . 


« أخطرت شمس بدران ٠‏ فلم يذعن للأمر . وق هذه اللحظة 
وصل عباس رضوان . وهويقيم بمنزل قريب من منزل المشير » ليسأل 
عليه . وعندما علم بعدم وجوده بالمنزل طلب منى الانتظار فترة » الحين 
معرفة الموقف داخحل منزل المشير» واصطحب معه شمس بدران » بينما 
بقى الضباط المتقاعدون خلف باب الحديقة الخارجى : 


الحديقة الخارجى 3 وطلبا منى الدخول مع قائد القوة 3 مبادرين 
بدران يلقون أسلحتهم والقنابل اليدوية على الأرض . 

«(أصدرت الأمر رقم و١‏ » وهو أمر علنى فى الميكروفون 
وذخيرة أولا » حيث كانت لوارى حمولة ‏ طن جاهزة لركويهم بعد 


84 





تفتيشهم » حيث توجهوا برفقة ضباط وحرس إلى السجن الحربى . 


وتلا ذلك صدور الأمسر رقم 9>»» وهو يخص نزول الأفراد 
المدنيين بدون أسلحة أو ذخيرة . ثم أصدرت بقية الأوامر على التوالى » 
وهكذا رحلت الضباط المتقاعدين الى السجن الحربى ؛ وكان آخرهم 


«وأمرت بدخول قوتى إلى المنزل : البدروم » والدور الأول » 
والسطوح ٠‏ والحراج , والحديقة فقط . وذلك لجمع الأسلحة والذخيرة 
والقنابل اليدوية » وترحيلها الى معسكر عابدين فى حمولة ١‏ لورى 
سعة " طن . وساعد القوة ضباط الشرف ؛ والمساعدون من قوة شمس 
تداك +" وامععرقت :هذه لعي طول اللسلر: 


و حوالى الساعة الخامسة فجر يوم 7١‏ / 8 //14510 » اتصلت 
بمكتب الرئيس عبد الناصر . وأبلغته : « المهمة انتهت بخير) . 


لمحن 





المشير ومسرحية الانتحسار 


شبيها . فقد أسغرت المحاكمة التى عقدت للمشير .والتى استمرت الى 
الساعة الثانية صباحا كما ذكرنا ‏ عن قرار اتخذه عبد الناصر بتحديد 
إقامته . ويقول عضو سابق بقيادة الثورة إن الاعتقال كان مقررا أن يتم 
فى قصر الطاهرة » ربا لأن أحدا لم يتصور أن تنتهى المقاومة فى بيت 
المشير ببقائه صا حا للسكنى . فلا نجح الفريق فوزى فى مهمته على 
الناصر مايمنع من عودة المشير إلى بيته لتحديد إقامته . 


ومن المحقق أن الاعتقال على هذاالنحو كان مفاجأة كبرى للمشير» 
ليس فقط لأنه كان يتوقع حدوثه فى بيته فى الحيزة » حيث أعد العدة 
للقائه ومواجهته على نحو ماذكرنا ‏ وإنما لأنه وقع بين كانت الخطة لنقله 
إلى القناة قد نضجت . وتحدد ميعاد التنفيذ » وأوشكت الأمور أن 
تنتقل مقاليدها إلى يده بعد أن كانت فى يد عبد الناصر ! . لذلك تذكر 


حصن 





تعفن الصادر أن المثتين اول التسلل مع نيت يك القاصر يعد 
محاكمته » على أمل العودة إلى بيته ‏ الذى لم يكن يعلم بها دار فيه 
وقيادة المقاومة منه . ولكن ضاط الحراسة تصدوا له » ومئعوه . وهنا 
فقد أعصابه » وفتتح صدره وطلب منهم أن يضربوه بالرصاص ! . 
ولكنهم ردوا عليه فى أدب جم : لا حرجنا ياسيادة المشير! . 


وقد نقل موسى صبرى ( عن السادات فيما يبدو ) أن المشير عامر 
حاول الانتحار فى أعقاب ذلك . فبينا كان يجلس معه بعد انصراف 
دورة المياه » وعاد ليرتمى على إحدى الأرائك وهو يقول : أنا أخدت سم 
سيانيد ! . وقد سارع السادات إلى استدعاء الأطباء » الذين أجروا 
للمشير عملية الانقاذ . ( ونزل زكريا محيى الدين وحسين الشافعى ( 
غرفته » ولم ينزل » ! . 


ويروى منير حافظ القصة بصورة مختلفة . فيذكر أن عبد الناصر لم 
يكد يصعد إلى غرفته » بعد أن أعلن المشير بضرورة التحفظ عليه » 
حنى أخخل المشير يدور فى الغرفة » وقد فتح قميصه . وخلص رقبته من 
رباط العنق » ثم طلب رؤية عبد الناصر ليتحدث معه مرة أخرى . 
وجاء الرد بأنه قد نام . فظل يدور فى الغرفة » ثم طلب كوبا من الماء , 
وأخرج شيئا من جيبه ابتلعه بسرعة » ثم شرب الماء » وألقى بالكوب 
عل الأرض 6 فأحدث دويا مزعجا » وهو يصيح : عشان تستريح 
ناش هال إزميا قراو الهاج الله عليه 11 


ومع امختلاف الروايتين فى التفاصيل . إلا أنه| يتفقان فى محاولة 
المشير الانتحار فى بيت عبد الناصر . وهى محاولة غريبة فى الواقع ! , 


رذانا 





لأن اعتقال المشير كان مفاجأة له كه ذكرنا ‏ وليس من المعتاد أن يحمل 
المرء سما فى جيبه للانتحار عند اللزوم ! . وإذا كان خالص النية فى 
الانتحار حمًا » فإنه عادة يختار سم| سريع المفعول لتجنيب نفسه الاما 
الاطلاق » ونرى أن المحاولة كانت مسرحية قصد بها التلويح 
بالانتحار » لا الانتحار بالفعل » وذلك أملا فى إحداث هزة عاطفية 
لدى عبد الناصر قد تعيدهما إلى علاقاته| السابقة » أو على الأقل تشعر 
عبد الناصر بنية المشير على إنهاء حياته فى حالة اعتقاله ومحاكمته 
عغلانية: !1 


وعلى كل حال » فقد فشلت ال محاولة فى إحداث أى تأثير » وبالتالى 
فشلت فى إحداث أى تغيير فى قرار عبد الناصر . وبذلك تأكد المشير 
أنه انتهى إلى غير رجعة » وانعكس ذلك فى حالة اليأس التى تملكته , 
والتى روى منها منير حافظ صورة منها على النحو التالى : 


الميدان كاملة , وق يده بندفية سر يعة الطلقات » ووقف كأنه يستعد 


ثم هتف ساخرا : ياأمى ! , أنا خفت خلاص ! . 


ثم غلبه التأثر ء فمد يله الى قميصه يمزقه » ويقترب بصدره 





يا صلاح ان كنت شاطر! ») . 


على كل حال فان اعتقال المشير عبد الحكيم عامر على هذا النحو, 
وتصفية المقاومة فى بيته كما مر بنا » لم يسدل الستار تماما على مسرحية 
الصراع بينه وبين عبد الناصر ‏ فقد بقى دور أخير يلعبه أنصار المشير 
الذين كانوا بالخارج وقت أحداث محاصرة المدرعات لبيت الجيزة » 
وظهرت خطة جديدة لخطف المشير وانقاذه ! . 


وكان بطل هذه ا خركة الجديدة هو الرائد حسين محتار » الذى كان 
مقيا فى بيك المشيتزب كا ذكرنا د ولعب :دون همرة الوصل بين المشين 
والعقيد طيار نحسين زكى . 


وكان حسين مختار وقت مهاحمة مدرعات الفريق أول محمد فوزى 
لبيت المشير عامر فى الجيزة » فى الخارج يقوم بنزهة مع زوجته , 
واتعشينا فى كازينو الام . وأنا بافسحها بالعربية » لقيت جو غريب 
حوالين بيت المشير. فرحت طالع دوغرى » ووصلت مراتى البيت . 
وقلت : فرصة ! . أستخبى فى الصاعقة » ! . 


على أنه لم يكد يقترب من انشاص » حتى وجد البوليس الحربى 
يقوم بتفتيش العربات . فكر راجعا الى القاهرة » للاستعانة ببعض 
أصدقائه فى توصيله الى انشاص مرة أخرى . وقد استطاع بمعونة كل 
من النقيب مختار الفار الضابط بالصاعقة » وسعيد عثمان » كبير 
المعلمين بالصاعقة .» ومصطفى شحاته . وهو نقيب بالصاعقة ‏ 
الوصول الى انشاص . حيث جرت هناك الاتصالات اللازمة بالضباط 
الضالعين فى الخطة لدراسة الموقف وتقرير ما يتبع . 


ننانا 





ويقول مختار الفار ان حسين مختار كان يرغب بصفة خاصة فى لقاء 
الرائد فاروق شكرى . وهو قائد يجموعة بالصاعقة . وقد أبدى فاروق 
شكرى رأيه بضرورة الاتصال بالمقدم أحمد عبد الله . ولكن الأخير لم 
يكن موجودا فى ذلك الحين بالمدرسة ولا البيت » أذ ثوجه الى 
الأسواغيلية , 


على أنه أمكن أخيرا الاتصال بأحمد عبد الله » الذى أصدر تعلياته 
لحسين مختار بالنزول الى القاهرة لمقابلة تحسين زكى ! . وفى ذلك يقول 
حسين مختار ان كلا من الرائد سعيد عثران والنقيب مصطفى شحاته أتيا 
اليه وقالا له : « احمد عبد الله عرف انك هنا . وبيقول لك انك تنزل 
عند تحسين (العقيد طيار نحسين زكى ) . وقد أكد هذا الكلام محتار 
الفار نقلا عن أحمد عبد الله نفسه ء فقد ذكر أنه عندما عاد الى 
القاهرة , قاسثل انك عببك الله ق عضر دلساف اليوم (5؟ 
أغسطين )2 وأبلعة أن الرائن حسين داز موسود عندنا فى اللارسة 
( الصاعقة ) . فقال لى انه فات على هناك » وشاف الرائد » وقال : 
ينزل على مصر! » . 


ومعنى هذه الأوامر من المقدم أحمد عبد الله للرائد حسين مختار 
بالاتصال بتحسين زكى . هو أن الرأى كان قد استقر على انقاذ المشير 
واختطافه .» عن طريق القيام بعمل مشترك بين الصاعقة والطيران ! . 
ولاشك أن القارىء يذكر أن تحسين زكى وأحمد عبد الله كانا الوحيدان 
فى الخدمة اللذان أفضى اليهما المشير عامر بموعد تنفيذ اللخطة وكلمة 
السر . وهى « نصر) ! . 


فوكل باق نكر ارق معد ناكرا مدن 
النثقيب محتار الفار والرائد حسين تار الى القاهرة 2( حيث توجها الى 


عضن 





المطار . « وقابلنا العقيد تحسين » ! . وقد زعم حسين مختار أن المقابلة 
كانت لغرض أن يتقصى العقيد تحسين زكى حقيقة ما حدث فى بيت 
المشير! . فهو يذكر أنه لم يكن يعرف ما وقع فى بيت المشير » « وقلت 
له : يمكن سيادتك تروح لغاية هناك . وتشوف ايه بالضبط ؟ . 
فقال : طيب ! » . على أن حسين مختار لم يكن فى حاجة لمن يتقصى 
له » فقد عرف منذ اللحظة الأولى أن المشير اعتقل . وفى ذلك يذكر 
مختار الفار انه عندما جاء اليه حسين محتار لمساعدته على الذهاب الى 
انشاص . قال له : «المشير اتحددت اقامته » ! . وقد أكد تحسين زكى 
ذلك . فقد ذكر أنه فى يوم ٠ 7١‏ وقبل المغرب بشوية » لقيت أحمد نصر 
بيقول : الصاعقة سألت عليك . فاتصلت بهم » ولقيت هناك سعيد 
( عثمان ) وحسين مختار . وقال حسين مختار : « أمبارح قبضوا على ناس 
عند المشير . وعرفت انهم حددوا اقامة المشبر) ! . 


وعلى ذلك فان مقابلة حسين مختار وسعيد عثان لتحسين زكى فى 
المطارء انما كانت بهدف دراسة الموقع والاتفاق على طريقة تنفيذ خطة 
خطف المشير من بيته وانقاذه » ثم تنفيذ الخطة الأصلية بعد ذلك ! : 


ويتفق كل من حسين مختار وتحسين زكى على حدوث عدة لقاءات 
فى اليومين التاليين . يذكر حسين مختار لقاء تم فى كازينو الجمل بالهرم 
فى انو 5ه كل ايدكر عبيون رز لقناء أخر وريه وحم لناءى 
الزنالق فى السناعة الادية عكرة فداه . وفك درست فى :هده 
الاجتماعات فكرة اختطاف المشير . فوفقا لرواية تحسين زكى » فان 
حسين مختار ومختار الفار تحدثا اليه عن « ناس من الصاعقة تروح بيت 
امقس وتخطفه ... 'وعسين قال'ى هات لناطيارة هيلركوبتر غلشان 
كده ) ! . ويقول تحسين زكى انه رد على حسين مختار بقوله : « والمسألة 


خفن 





دى سهلة كذه ؟ . ما فيش داعى للحاجات دى ! . وبعدها رجعت 
المطار» ! . 


ولا ينكر حسين مختار هذا الكلام ( ولكنه يدعى انه كان مجرد فكرة 
عابرة : (الما تمحسين قال لى عن الى حصل . جانى شعور بخطف 
المشير . وبعدين استبعدتبا سرعة ) !. 


على أن الحقيقة أن سبب الاستبعاد يرجع لأسباب أخرى خارجة عن 
ارادة حسين مختار ! . وهذا ما يكشفه الملازم امام حسين , الذى كان 
يخبىء حسين مختار عند أخخيه فى شارع بور سعيد . فيذكر أن حسين 
مختار أخبره يوم 4؟ أغسطص أنه سوف يتقابل مع العقيد تحسين زكى 
عند جامع الزمالك ٠‏ « فأنا أخحذت بعضى ورحت جامع الزمالك 
صدفة ( ! ) . لقيت عربة بها ثلاثة ضباط من الصاعقة هم : سعيد 
عثمان » وعبد اللطيف البسيونى » ومختار الفار » وقالوالى : اركب ! . 
وبعد ماثة مثر نزلونى » ونزل مختار الفار معايا » وقال لى : قل لحسين 
مختار : فاروق شكرى مش حيقدر يعمل حاجة » علشان أحمد عبد 
الله اتقبض عليه » ! . 


اعتقال الضباط 2 وبذلك فشلت الخطة ومائت فى مهدها 1 


ولاشك أن هذا الفشل الذى منيت به هذه الخطة » وكذلك الفشل 
الذى منيت به نخطة نقل المشبر الى القناة » يثيران الانتباه . فواضح أن 
عد السام لكين فق الوه : قد انعكست على عدم كفاءته فى 
التامر ! :1 اذنرى فى كل من الميدانين : التردد , وعدم وصوح الرؤية 3 
والعجز عن تحديد الهدف . والتخبط فى اتخاذ القرارات » والاعتهاد على 


"46 





عناصر من نفس الطراز ‏ عناصر يغلب عليها الاندفاع العاطفى 
والتصرف المسرحى . فاذا وجدت نفسها أمام الخطر الحقيقى . 


وهذا ما حدث عندما حاصرت مدرعات الفريق أول محمد فوزى 
بيت المشير. فقد انهار فى سويعات ماتم بناؤْه فى شهرين من 
استعدادات ! » وسارع الجميع الى الاستسلام . وعلى رأسهم شمس 
بدران ! . ذلك أن الجميع » ب| فيهم المشير » كانوا ينظرون الى هذه 
الاستعدادات من جانبها المسرحى . وليس من جانبها العملى ! » فلم 
يستقر فى يقين أحد منهم أن ينفذ تهديد المقاومة الى الحد الذى يدمر 
الجى السكنى الذى كان يقع فيه بيت المشير ! ؛ بل اعتمدوا على أن 
عبد الناضرز هن الذى سوف يضع هذا العامل فى الاعتبار » وسيمتلع 
عن اتخاذ اجراء يصل بالصراع الى هذه الذروة من الخطر ! . 


ونلاحظ أن هذا هو نفسه ما حدث فى سيناء » وأدى الى نشوب 
الحرب . فقد كان حشد الحيوش المصرية فى سيناء جرد حشد 
مسرحى » هدفه القاء الرعب فى قلب اسرائيل » ومنعها من تنفيذ 
خططها العدوانى . فلا تداعث الأحداث على النحو الذى أدى الى 
نشوب الخرب . تخاذلت القيادة العسكرية سريعا منئل اليوم الأول من 
الحرب . وأصدرت قرارها القاتل بالانسحاب . الذى قضى على كل 
أمل فى انقاذ اليش المصرى من الكارثة التى ألمت به ! . 


معنى هذا الكلام أن عبد الناصر ظل طوال الخمسينيات 


والستينيات - حيث وقع الحكم الفعلى فى يد الجيش ‏ يخشى نمرا من 
ورق ! ولوأنه استجمع شجاعته » واستخدم القوى الشعبية فى اسقاط 
تسلط اليش . لنجح فى ذلك نجاحا باهرا » ى)| نجح بفضل ججماهير 


>38 





4 و١٠‏ يونيه فى مواجهة استفزازات المشير وأنصاره » واسقاط المؤامرة 
التى هددت باستعادة المشير سلطاته غير الدستورية . ولكن عبد 
الناصر كان يخشى الجيش أكثر ما يئق بالقوى الشعبية التى منحته من 
التأييد والثقة ما لم تمنحه لأحد من قبله ! » ولذلك عانت مصر فى عهده 
من الحكم البوليسى ما كاد يضيع الانجازات العظيمة التى حدثت فى 
مجال التحرير الاقتصادى والاجتماعى والسياسى » وفى الوقت نفسه 
منيت بهزيمة عسكرية فادحة ومخزية معا » وسقطت سيناؤها تحت أقدام 
الاحتلال الاسرائيل » فكانت نهاية مأساوية حزينة لأول حكم تمتعت 
فيه مصر باستقلال حقيقى منذ قرون بعيدة ! , 


على كل حال » فسرعان ما تطورت الأمور تطورا خخطيرا حين أصدر 
عبد الناصر يوم الأربعاء ١‏ سبتمبر/951١‏ قرارا بنقل المشير من 
منزله » حيث تحددت فيه اقامته » الى استراحة فى المريوطية » لما تبين 
اق اسشدرا هق الاتصالاف'اللتارعية شرا م جد تينظ الأشباعاتك 
وتأليب الرأى العام ضد عبد الناصر وهى جرد ذريعة . 


وكان الفريق أول محمد فوزى . القائد العام للقوات المسلحة » هو 
الذى أسند اليه أيضا فى هذه المرة مسثولية تلك العملية . ففى الساعة 
الثانية والنصف من بعد ظهر ذلك اليوم » توجه الى بيت المشير على 
رأس قوة عسكرية » كان يرافقه فيها الفريق عبد المنعم رياض ٠‏ رئيس 
هيئة أركان الحرب . والعميد سعد زغلول عبد الكريم » قائد الشرطة 
العسكرية » حيث أبلغ المشير عامر بالتعليهات الجديدة . 

على أن المشير عامر رفض تنفيذ الأمر الذى تحمله القوة مهما كان 
الثمن . الأمر الذى دعا الفريق عبد المنعم رياض الى التدخل حاولا 
اقناع المشير بالقبول . وشعر المشير بأن الحلقة تضيق حول عنقه » 


وهم 





فتظاهر بالامتثال » ولكنه قرر تكرار المحاولة التى جرت فى بيت عبد 
الناصر . وهى محاولة الانتحار المسرحية ! . فيذكر الفريق رياض انه 
قال له ان « كل شوء سوف ينتهى فى خمس دقائق ! ) . وهنا لاحظ 
العميد سعد زغلول عبد الكريم ان المشير يلوك شيئا فى فمه » فأخبر 
الفريق رياض » الذى صاح بأن المشير قد خحدعه » وأصر على 
اصطحابه الى المستشفى لاسعافه . ولكن المشير هدده بعصا كان 
يحملها ! . فعتب عليه الفريق رياض هذا التصرف . وأمر رجاله 
بحمل المشير بالقوة الى خارج المنزل للتوجه به الى المستشفى . وعلت 
الضوضاء با أثار انتباه أفراد أسرة المشير » الذين تبادر الى اعتقادهم أن 
القوة تعندى على المشير . فدخل بعضهم الحجرة . واضطر الفريق 
رياض الى استرضاء المشير عن طريق تقبيل رأسه , لاقناعه بالنزول 
معه ! . وعندما تبين للمشير أن ضباط القوة سوف محملونه عئوة 
بالفعل » قبل النزول معهم على قدميه ! . 


وفى الطريق الى المستشفى لاحظ العميد سعد عبد الكريم أن المشير 
يكرر النظر الى ساعته » كمن ينتظر نتيجة معينة » فطلب منه الفريق 
عبد المنعم رياض أن يلفظ ما يمضغه فى فمه. وجرت محاولات 
“حراج مافى فمه بالقوة » فاضطر المشير الى اخراج المادة التى فى فمه 
عل دفعتين » ( وهى مادة تشبه اللادن الأصفر فى ورق سلوفان » ! . 
فاحتفظ به النقيب محمد نبيل عقل الذى كان يجلس الى جواره » وهنا 
فال المشير انه لا يمكن القبض عليه أو اعتقاله حيا ! . 


ويقول الفريق محمد فوزى ان أقوال المشير وتصرفاته فى ذلك الوقت 
كانت قاطعة الدلالة على أنه كان ينوى الانتحار . لضيقه بالاجراءات 
التى اتخذت ضده من تضييق حريته وتحديد اقامته بعيدا عن أفراد 
أسرته . وأنه طلب منه ابلاغ الرئيس عبد الناصر بالعدول عن هذه 


اه" 





الاجراءات التي ليست قى صالحه ولا فى صالح البلاد ولا فى صالح 
رئيس الجمهورية . وأعطى مهلة لتلقى رد عبد الناصر فى نفس الليلة » 


والسؤال الآن : ماهى المادة التى تناولها المشير؟ . لقد سأله العميد 
سعد عبد الكريم عنها بعد نقله الى الاستراحة » فرد فى البداية بأنها 
« أسيرين »! . ثم عاد فذكر أنها ١‏ سيانور» ! . وقال ان السيانور منه 
ما يذوب فى الماء » ومنه ما يذوب فى الكحول ! . ولكن العميد سعد 
عبد الكريم رد عليه بأنه يعلم أن السيانور مادة سريعة المفعول . وقد 
مرت عليه ساعات وهو سليم ! . فضحك المشير! . 


على أن تقزيو مستشفى المعادىئ سرعان ما جاء ليقبت أن المادة التق 


تناولها المشير كانت مادة الأقيون ! . ومعنى ذلك أن المشير كان هنا أيضا 
يلوح بالانتحار . ولم يكن ينتحر بالفعل ! . 


بدنكنا 





١ 





أعسدام المشسير عساصسر ! 


على كل حال فان محاولات المشير المسرحية للانتحار قد قدر لما أن 

تأتيا بعكس النتيجة التى أرادها المشير من التأثير على عبد الناصر . وأن 

تنقلبا عليه انقلابا مأساويا كما سوف نرى . وقد تمثل ذلك أول ما تمثل 

فى موقف الفريق أول محمد فوزى . فقد رأينا كيف صدق فى البداية 

محاولة المشير الانتحار » فلما مضى الوقت دون أن يسقط المشير أو يظهر 
عليه علامات التسمم . أدرك الفريق أول محمد فوزى أن المشير قد قام 

بمحاولة مسرحية . وأخذ يتصرف على هذا الأساس . فيذكر اللواء 
طبيب محمد عبد الحميد مرتجى . قائد مستشفى المعادى العسكرى 2 

الذى حمل اليه المشير ‏ أنه عندما وصل الفريق أول مهمد فوزئ الى ' 
المستشفى مع المشير عامر , أخبره بأنه يعتقد بأن الأمر لا يخرج عن كونه 

مسرحية , وأنها ليست المرة الأولى التى قام بها المشير مهذه المحاولة ! . 


بل انه حين رأى الفريق أول محمد فوزى العميد طبيب محمود عبد 
الرازق مازع مندفعا لاسعاف المشير عامر ( استمهله متوقفا 2 وقال لَه 


هم 





ان تلك المحاولة ليست الأولى » وأنها قد حدثت من قبل . وأبدى عدم 
انمه تحاف لمجا رلة اد برطيدما طالني اللو كيج عمل عل اميد 
مرتجى من الفريق محمد فوزى بقاء المشير عامر فى المستشفى لتلك 
للية : رففق الفرق قؤزى هذا الطلب: راصرعل أن يقادر مين 
المستشفى الى مكان اعتقاله قبل الساعة الخامسة مساء » ( سواء 
أجريت عملية غسيل المعدة أم لا » ! . وبالفعل . فقد انتهت 
اجزاءاك سكاف لشو الداع 5ه 6 مساءاه وغادر شق إل 
امترعة ا بو 


وهذا يفسر تلك الحقيقة » التى يعترف بها الفريق فوزى . وهى أنه 
لم يأمر بملازمة المشير فى استراحة المريوطية ملازمة دائمة تكفل منعه من 
تناول أية مادة سامة ‏ وهو التصرف الذى كان بحق ‏ موضع نقد 
السيدة نجيبة » ابنة المشير عامر » التى واجهت سلطات التحقيق بتلك 
القاعدة القانونية التى تقول ان « من يقيد حرية انسان » يعتبر مسئولا 
عن الحفاظ على حياته ») ! . 


وفى الحقيقة أنه لم تكد تقضى أربع وعشرون ساعة على وصول المشير 
عامر الى استراحة المريوطية » حتى كان قد فارق الحياة ! . فها هى 
الحقيقة فى موته ؟ » وهل انتحر كما ذكرت السلطات الرسمية » أم 
اغتيل كما أعلنت أسرته ورددت الاشاعات ؟ . هذا هو السؤال الذى 
نجيب عنه هنا من واقع القرائن والأدلة . 

فواضح من الأقوال التى أدلى بها الرائد طبيب ابراهيم على بطاطة , 
فى التحقيقات التى أجرتها النيابة العامة » أنه كان فى حجرته فى 
الاستراحة بعد السادسة من مساء يوم الخميس ١4‏ سبتمير /1951 2 
حين سمع استغاثة السفرجى » فاندفع الى حجرة المشير » حيث وجده 


اق 





راقدا على الفراش فى حالة غيبوبة » ونبضه ضعيف . فأمر باعطائه 
حقنة كورامين وحقنة أمينوفلين » كما أجرى له تنفسا بالاكسجين وتنفسا 
صناعيا . لكن ذلك كله لم يجد شيئا » وتوفى المشير فى الساعة 
5,5٠‏ مساء . 


وذكر الطبيب » اعتمادا على أقوال السفرجى كا هو واضح  !‏ أن 
المشير كان قد دحل دورة المياه بعد السادسة بقليل 2( ثم عاد الى حجرته 
ليجده السفرجى على الخال الذى سلف ذكره . 


وقد ذكر تقرير المعاينة الرسمى أنه تبين من فحص الحثة « وجود 
شريط رفيع من قاش لاصق سميك ». يلتصق أسفل جدار البطن 
الأمامى , يخفى تحته جزءا من شريط معدنى ما يستعمل لتعبئة أقراص 
الريتالين . به انثناء بأحد طرفيه » ببحيث يحمل على الوجه المقابل 
لحدار المعدة فجوتين اسطوانيتين من ورق السلوفان الشفاف . ظاهر 
أنبها معبأتان بادة بيضاء . ويحمل على الوجه المقابل للاصق فجوة 
وحيدة اسطوانية ممائلة من ورق السلوفان معبأة أيضا بادة بيضاء . 


ومن تحليل المادة التى كانت تحتويها فجوات هذا الشريط المعدنى ‏ 
ثبت أنها مادة « الأكونتين ) » وتزن ١5٠١‏ ملليجرام . وهى مادة 
استخلص التقرير الشرعى أن المشير تناول قدرا منها فى منزله » وأنه 
تناول أيضا كمية من «الأفيون ) لتساعده على تحمل أعراض سم 
«الأكونتين » بتأثير المادة المخدرة المسكنة للالآم . وأن ذلك قد أدى الى 
( هبوط سريع بالنبض والدورة الدموية والتنفس )») . 


ونمحدث تقرير النيابة العامة عن مصدر حصول المشير على هذه 
الكمية من سم «الأكونتين ) . فذكر أنه تبين من أقوال الشهود من 


وه 





رجال المخابرات العامة » ومن فحص السجلات .» فى التحقيق الذى 
أجرى بناء على بلاغ أمين هريدى » وزير الحربية والمشرف على تلك 
الادارة بعد صلاح نصر ‏ أن صلاح نصر كان قد تسلم 5٠٠‏ ملليجرام 
من هذه المادة فى يوم ٠١‏ أبريل ١951‏ » مقسمة على ست عبوات 
بمقادير متساوية » فى فجوات من المعدة أصلا لوضع حبات الريتالين 
فى الأوراق المعدنية الخاصة . وأن إحدى هذه الأوراق تكمل الورقة 
المضبوطة على جغان المشير وما مادة الأكونتين . 


وقال تقرير النيابة العامة إن صلاح نصر اعترف بأنه تسلم مادة 
سامة . لم يتحقق من نوعها » ول يتبين كيفية تعبئتها » وأنه وضع هذه 
المادة فى مكتبه » وظلت فيه بحالتها الى أن مرض فى ١١‏ يوليو » وانتقل 
من مكتبه فى 7٠‏ منه الى احدى الاستراحات . ثم أعفى من منصبه فى 


5 أغسطس . 


هذه هى القرائن والأدلة التى أورها تقرير النائب العام » محمد عبد 
السلام » الذى صدر فى ٠١‏ أكتوبر 1951 , تحت عنوان : « قرار فى 
حادث وفاة السيد المشير عبد الحكيم عامر » - والذى استنئد اليها فى 
قراره باعتبار الوفاة انتحارا . 


على أن هذا القرار تعرض للطعن من أسرة المشير . فقد أنكرت ابنة 
اشير السيدة امال عبد الحكيم » أن يقدم والدها على الانتحارء 
على أساس أنه مؤمن بالله » وأنه لم يكن ممن بهربون من المسئولية . كما 
أنه كان يرغب فى محاكمته . ودللت على فساد فكرة الانتحار بأن والدها 
طلب فى يوم انتحاره كتبا والة للحلاقة » وليس من المعقول أن يبتم بهذا 
الطلب وهو يدبر التخلص من حياته ! . 


كوه 





اما بالنسبة للشريط اللاصق . الذى أورد تقرير النائب العام أنه 
وجد مخفيا على جسد المشير- فقد أبدت السيدة أمال عبد الحكيم 
تشككها فى صحة وجوده أصلا » على أساس أن والدها كان يستحم 
يوميا » فكيف يمكن أن يظل حاملا الشريط باستمرار ؟ . 


كم| استبعدت السيدة نجيبة عبد الحكيم أيضا فكرة انتحار والدها , 
وبنت رأبها على ثلاثة أسس : أوها » أن والدها لم يكن متخوفا من أى 
اجراء يتخذ ضده . وبالتالى لم يكن لديه ما يدفعه إلى الانتحار من 
موقف يخشاه . ثانيا » أن والدها لم يغادر حجرة الجلوس منذ أن 
حضرت القوة لا عتقاله حتى لحظة اصطحابها له خارج المنزل » حتى 
يقال انه تمكن من وضع الشريط حامل المادة السامة . 


على أن هذه الأقوال يمكن الرد عليها بأن المشيرء رغم ايمانه بالله » 
قام بمحاولتين - ولو مسرحيتين - للانتحار» الأولى فى بيت عبد 
الناصر , والثانية » فى بيته . والمحاولة الأخيرة ثابتة باعتراف السيدة 
نجبية » فقد ذكرت أنها رأت والدتها تصرخ فى وجه الفريق رياض 
عندما جاء للقبض هلى والدها . وقالت انها لاحظت أن فى فم والدها 
شيئا ما » فصرخت محذرة » وطلبت أن يبادروا بنقله إلى المستشفى على 
الفور. كا أكد هذه المحاولة أيضا محمد السيد أمين عزب » زوج 
السيدة نجيبة » فقال انه لاحظ شيئا ما فى فم المشير عند اعتقاله . 
وواضح من هاتين المحاولتين أن ايعان المشير بالله لم يمنعه من التلويح 
نالا سان + 


أما الحجة التى تذرعت بها السيدة أمال عبد الحكيم » وهى أن 


فان ما أورده تقرير النيابة العامة من وجود اثار متعددة متقاربة ومتراكبة 


باه ؟ 





ومختلفة الألوان فى جسد المشير فى موضع الشريط اللاصق - يمكن أن 
يفسر احتفاظ المشير بالشريط إلى لحظة اكتشافه .» وهو أن المشير كان 
ينزع الشريط قبل الاستحام » ثم يعيد لصقه بعده » خصوصا وقد 
ذكر تقرير النيابة العامة أن الشريط قد فقد معظم خاصة اللصق لهذا 
الس ١‏ 


وعلى ذلك . فان الحجج التي ساقتها أسرة المشير للتدليل عن أن 
موته لم يكن انتحارا » لا تقف فى وجه القرائن والأدلة التى ساقها تقرير 
البباية العامة فق أثباك انار لم1 : 


واذا كان الأمر كذلك . فهل معنى ذلك أن قرار النيابة العام هو قرار 
سليم » وأنه يثبت حقا أن وفاة المشير عامر كانت انتحارا وليسث 
اغتيالا ؟ . أحشى أن أقول ان الدراسة المتأنية للقرائن تثبت العكس 
تماما مما انتهى اليه قرار النيابة العامة ! . 


فمن الأمور المثيرة حقا أن التقرير الشرعى قد أكد أن فحص عينات 
البول والدم والأحشاء » التى احتفظ بها عند التشريح » قد أثبت أن 
المعدة والأمعاء بنوعيها والأحشاء » وجدت خالية من أى أثر للسيانور 
أو الأكونتين أو السموم المعدنية العادية . كا أكد أن ورقة السلوفان التى 
كان قد لفظها المشير عامر فى السيارة التى نقلته الى مستشفى المعادى 
بعد اعتقاله . قد وجدت خالية أيضا من أى أثر للسيانور أو 
الأكونتين ! - ومع ذلك فقد قرر التقرير أن المشير قد مات متسما بوادة 
الأكونتين ! . 


فكيف توصل هذا التقرير الشرعى الى العكس تماما مما تثبته 
التحليلات الكيرائية ؟ . لقد قام بمحاولة مصطنعة للتخلص من هذا 


مه 





التناقض عن طريق الزعم بأن المشير قد تناول « ملليجراما واحدا » ! 
من سم الأكونتين فى بيته بالجيزة عند القاء القبض عليه وقال إنه من 
المسلم به علميا أن تناول هذا القدر البسيط يكفى لاحداث الوفاة دون 
أن يظهر له أثر فى التحقيق ! . 


وم يستطع التقرير الشرعى أن يثبت لنا كيف تمكن من معرفة أن 
المشير قد تناول بالفعل هذا المقدار البسيط . الذى لا يتجاوز ملليجراما 
واحدا .» رغم أن عدم وجود أثر لهذا السم فى جسد المشير يجب أن يقود 
الى العكس - الأمر الذى يدل على اجتهاد من جانب واضعى التقرير 
يتجاوز اختصاصاتهم العلمية التى يجب أن تقوم على حقائق مادية 
وليس على التتخمين والاستنتاج - وذلك مجاراة للسلطات التى تريد أن 
تبدو الوفاة انتحارا ! . 


ومع ذلك » فحتى لو وضعنا هذا المخمين من جانب التقرير الشرعى 
موضع الاختيار » لوجدنا أنه لا يقوم بدوره على أساس صحيح » وأن 
القرائن الموجودة تؤدى إلى عكس النتيجة التى توصل اليها أيضا ! . 
فمن الثابت أن الشريط اللاصق الذى قيل إنه وجد على جسد المشير » 
كان يحتوى على ١6١‏ ملليجراما من سم الأكونتين - وفقا لما أورده 
التفرير نفسه - واذا كان الأمر كذلك » فكيف يمكن القول ان المشير 
قد تناول « مللليجراما واحدا » من هذه الكمية الضخمة . أى بنسبة 
١6١ : ١‏ ! - وبتلك الدقة التى أوردها التقرير لتبرير عدم وجود أثر 
لهذا السم فى جثان المشير؟ . 

وأليس من البديبى ؛ اذا أراد المشير الانتحار» أن يتناول هذه 
الكمية التى يحتفظ بها كلها » أو معظمها . بدلا من أن يعنى نفسه 
بوزن ملليجراما واحدا منها ؟ . وفيم احتفظ بكل هذه الكمية اذا كان 


الك 





ينوى استمخدام هذا المقدار البسيط ؟ . وأكثر من ذلك » لماذا حتفظط 
بكل هذه الكمية بعد تناول ما تناوله منها ؟ » وهل يكون الفرد الذى 
ينفذ عملية الانتحار فى حالة تسمح له باعادة لصق الشريط مرة أخرى 
بعناية فى هذا المكان » بعد أن فقد مبرر بقائه ؟ . وأليس من الطبيعى 
ان يتخلص منه بعد أن انتهى غرضه ؟ . وألا يقود الاستنتاج 
الصحيح - اذن - الى أن وجود هذا الشريط انا كان للتمويه وتوجيه 
التحقيق إلى أن المشير قد مات منتحرا بسم الأكونتين ؟ . 


فانيا ف لقنن ده التشرون القترعق ومن رسكنا تناول كدير هذا 
الملليجرام الواحد ») من ١‏ الأكونتين ) بأنه كان فى اليوم السابق على 
الوفاة » وفى بيته بالجيزة . على أننا نعلم ‏ من عرضنا السابق ‏ وما رواه 
كل من الفريق أول محمد فوزى والفريق عبد المنعم رياض والعميد 
سعد زغلول عبد الكريم واللواء طبيب محمد عبد الحميد مرتجى 
جد عا عمو في زر دن مون ب اق لاقيف يع دلت 
الى مستشفى المعادى . حيث تمت اجراءات اسعافه فى الساعة ٠هر؛‏ 
مساء . وقد شهد اللواء طبيب محمد عبد الحميد مرتجى بأن الأطباء 
« قاسوا نبضه وضغط دمه » واطمأنوا على حالته » » وأنه غادر 
المستشفى فى « حالة صحية جيدة ) ! . فكيف يكون نبض المشير 
وضغط دمه فى حالة عادية » ويشهد الأطباء بأنه أصبح عند مغادرته 
مستشفى المعادى « فى حالة صحية جيدة » - بينما سم « الأكونتين ) 
يعمل فى جسله ؟ . 

ثالشا. من الثابت من شهادة الرائد طبيب ابراهيم على بطاطة . 
الذى أشرف على رعاية المشير طبيا فى استراحة المريوطية » أن المشير 
عامر ظل فى ( حالة صحية جيدة ) » حتى الساعة الخامسة من مساء 
اليوم التالى ( الخميس ١4‏ سبتمبر) ‏ أى بعد أربع وعشرين ساعة من 


لفن 





اسعافه بمستشفى المعادى ! . فقد ذكر أنه تسلم النوبة فى الاستراحة 
من زميله النقيب مصطفى بيومى حسنين فى العاشرة من صباح ذلك 
اليوم » وقد شرح له زميله الحالة وتطوراتها » وطمأنه إلى أن الحالة تسير 
الى التحسن » وفصل له الاجراءات التى اتبعها . وقد باشر الرائد 
طبيب ابراهيم على بطاطة بدوره رعاية المشيرء الذى كان حسب 
شهادته « يبدوقى حالة صحية جيدة ) ! . ولا كان لايتناول غذاء نظرا 
لاستمرار حالة القىء » فقد رأى تغذيته عن طريق محلول الجلوكوز فى 
الوريد » كما عالجه من ألم فى أسنانه فى الساعة الرابعة عن طريق 
المس » وأعطاه حقنة مسكنة من النوفالجين . وفى الساعة الخامسة مساء 
دخل حجرته 2 فوجده ثاثا » ( وكا ضغط دمه ونبضه طبيعين » 
حسب قوله . ومعنى ذلك أن المشير ظل إلى آخر لحظة فى حالة صحية 
حيلة ! . 


فكيف ‏ إذن ‏ يمكن القول بأن سم الأكونتين كان يسرى فى دم 
المشير طوال تلك الساعات الطويلة » دون أن يترك أثرا فى ضغط دمه 
أو نبغمه ؟ . وكيف يظل ١‏ فى حالة صحية جيدة  )‏ حسب تعبير 
الأطباء الذين باشروا حالته ‏ حتى الساعة الخامسة مساء » ثم يموت 
فجأة بعد ماثة دقيقة ؟ ‏ أى فى السادسة وأربعين دقيقة ؟ . 


الساعة الخامسة ‏ لحظة أن تركه طبيبه وضغط دمه ونبضه طبيعيان - 
المشصس؟! + 


فاذا حدث بين الخامسة والسادسة من مساء يوم الخميس 
١4‏ سبتمسر/ا"9١‏ ؟. 


ف 





من الواضح من الأدلة التى بين أيدينا » أن نقل المشير عبد الحكيم 
عدر إن بحاس القريز ف 1 0ك شري عرنه عن ره أنه 
اإعالات خارحة 3 السلطة الشرعية ف القولة ب كبا يقول الفريق 
محمد فوزى فى مذكراته ‏ وانم| كان لابعاده عن أسرته » وتنفيذ حكم 
الاعدام فيه ! . 


فمن الأمور الخطيرة » التى كشفها تحقيق النيابة العامة » أن كلا من 
الممرض والسفرجى ٠»‏ اللذين اخشيرا لخدمة المشير فى استراحة 
المريوطية » كانا من موظفى الحرس الجمهورى ! . وهو اختيار مثير 
حقاء لأن الممرض والسفرجى . هما عادة أقرب الناس صلة 
بالمريضش » وأكثرهما ترددا عليه دون شبهات . فالأول يقوم برعايته 
وحقنه عند اللزوم » والآخر يقدم له الطعام ! . 


وده الصفة يمكن تنفيذ حكم الأعدام فى المشير : اما بحقنة 
أى شك فى قاتله » ولن يقاومه بأية صورة من الصور ! . 


وقد رأينا من العرض السابق أن السفرجى كان هو الذى استغاث 
بالرائد الطبيب ابراهيم على بطاطة . ولا ندرى حقا هل كان هو الذى 
نفذ حكم الاعدام عن طريق طعام أوشراب » ثم اصطنع الاستغاثة - 
أم نفذه الممرض عن طريق حقنة قاتلة » وترك مهمة الاستغاثة 
للسفرجى ؟ . وان كان الاحتمال الثانى هو الأرجح 1 

وحتى تكتمل الصورة » فقد حرصت الحكومة على أن تحذف من 
تقرير النائب العام » الذى نشر بالصحف . ما احتواه من عبارة تفيد 
أن الممرض والسفرجى كانا من الحرس الجمهورى . وهذا ما كشفه 


0 





موسى صبرى » رئيس تحرير ( الأخبار» فى تحقيقه ال هام للحادث . فقد 
أورد أن محمد فائق » وزير الاعلام فى ذلك الحين » استدعى اليه ثلاثة 
من المسئولين فى صحف «١‏ الأخبار» . « والأهرام » و« الجمهورية  »‏ 
وسلم لكل منهم قلم| أسود » وطلب اليهم أن يجروا أمامه بالقلم الأسود 
بضعة فقرات فى تقرير القائد العام » بحيث يطمس أصلها تماما ! . 
ركان مك هذه الففيرانك الى طلية ملدسها فلك لقي القاصة 
بالممرض والسفرجى ! . 


ولكى تكتمل الصورة أكثر » فان النيابة العامة لم تستدع لتحقيق 
الحادث فور الحادث » وانما استدعيث بعد مضى ست ساعات تقريبا 
عليه » أى فى الساعة الثانية عشرة مساء تقريبا ! . وأكثر من ذلك أن 
معاينة الطبيب الشرعى للجثة لم تتم الا بعد تسع عشرة ساعة من 
الوفاة » أى فى الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم 16 سبتمبر! . 


وواضح أن السبب فى هذا التأخير الذى لا مبرر له . انما هو اعداد 
جثة المشير لتبدو وفاته فى صورة انتحار » وذلك عن طريق الشريط 
الللاصق , الذى أعيد نزعه ولصقه عدة مرات . حتى فقد معظم 
خاصية اللصق ! . بالاضافة الى ما يستلزم ذلك من اجراءات . 


ومن المحقق أن هذا الشريط اللاصق لم يكن فى جسد المشير» عند 
اعتقاله من بيته فى اليوم السابق على الوفاة . ويمكن معرفة ذلك بسهولة 
عن طريق مناقشة دعوى تقرير النيابة العامة » التى تزعم أن المشير قد 
حصل عليه من صلاح نصر ! . فمن الثابت مما أوردناه فى سياق هذه 
الدراسة ‏ أن اتصالات المشير عبد الحكيم عامر بصلاح نصر » لم تكن 
للاتفاق على الانتحار » وانما للاتفاق على الانقلاب ! . وفرق كبير بين 
الاتفاقين ! . وقل جرثت هذه الاتصاللات فى وقت كان المشير أبعد 


م 





ما يكون فيه عن فكرة الانتحار. اذ كان معبأ بروح التحدى . ممتلثا 
بالثقة فى اخحضاع عبد الناصر لارادته » وكان أنصاره يحقنونه يوميا 
بجرعات كبيرة من الثقة بالنفس . عن طريق اقناعه بولاء الجيش له , 
وأن محرد ظهوره فى الجيش سوف يفجر مشاعر الحب له » فتجرف فى 
طريقها عبد الناصر وكل من يلوذ به . 


وعندما اعتقل المشير عامر فى بيت عبد الناصر فى يوم الجمعة 75 
أغسطس 19517 » وفقد الأمل لأول مرة فى النجاح » وبدأت فكرة 
الانتحار تلوح فى ذهنه ‏ كا تمثلت فى محاولته المسرحية - أعفى صلاح 
نصر من منصبه فى اليوم التالى مباشرة ‏ أى يوم 7١‏ أغسطس ! . 
وبالتالى استحال تماما حصول المشير من صلاح نصر على هذا الشريط 
للانتحار به ! . 


وفى الواقع أن الشخص الوحيد الذى كان يمكنه الحصول على هذا 
الشريط من مكتب صلاح نصر- كان هو الشخص الذى ورث صلاح 
نصر فى مكتبه » وى منصبه ! . ومن المعروف أن سامى شرف كان هو 
المسثول غير الرسمى عن المخابرات العامة بعد صلاح نصر » حتى فى 
وجود المشرف الرسمى أمين هريدى وزير الحربية » وذلك بحكم ادارته 
لكتب عبد الناصر من جانب ». ولطابع الحكم الفردى من جانب 
5 


وبمكن فهم دوافع قتلة المشير- لاتبريرها ‏ اذا عرف أن تصفية المشير 
جسديا كانت نحل اشكالات كثيرة 0 فهى تزيل خطرا قائم| يتهدد نظام 
الحكم 2 وتخلص الجيش من تأثيرات ضارة فى وقت كان أحوج ما يكون 
فيه الى الانصراف الى التدريب والاستعداد لحولة ثانية مع العدو 
الاسرائيل ٠»‏ وى الوقت نفسه تعفى النظام ‏ اذا اضطر الى ذلك من 


0 





محاكمة المشير محاكمة علنية » يمكن أن يفصح فيها عن أسرار هامة جمز 


ولا نستطيع أن نجزم بدور لعبد الناصر فى هذه العملية » رغم أنه 
هو الذى أصدر الأمر بنفسه بتقل المشير عامر من بيته بالجيزة الى 
استزاضة المريوطية... فمكل هذه الأدوار تؤدينا غادة أجهرة' المخايرات 
دون الحصول على اذن من رئيس الدولة » لأنها تعلم أنها تتتخذها 
لصالحه . ولحايته . وقناعتنا الشخصية أن أخلاقيات عبد الناصر, 
كزعيم وطنى ومناضل شعبى » تمنع تلك الأجهزة من الاقتراب منه فى 
مثل تلك القرارات » التى يمكنها أن تأخذها على عاتقها بسهولة ! . 


ومن المحقق أن المشير عامر قد قدم لهذه الأجهزة التغطية الكافية 
بمحاولتيه المسرحيتين للانتحار » ان لم يكن قد ألهمها الفكرة ذاتها ! . 
ولعله خفف عنها ضميريا وزر الفعلة النكراء » فاذا كان المشير قد عير 
عن رغبته فى الانتحار » فهل تكون مساعدته على انهاء حياته وزرا كبيرا 
من الأوزار ! . 


وهكذا اختفى المشير عبد الحكيم عامر من المسرح السياسى فى مصر, 
بتلك الطريقة المأساوية » بعد حمسة عشر عاما كاملة » لعب فيها , 
بفضل سيطرته المطلقة .والمستمرة على الجيش ., أفدح الأدوار سلبا 
وايجابا . ومن ثم فان سقوط المشير عامر لا يمثل سقوط قائد جيش . 
وانما يمثل فى الحقيقة سقوط نظام ! . فقد اختفى النظام الذى كان 
يتميز بثنائية السلطة » وانفرد عبد الناصر بالحكم لا شريك له فيه , 
وأصبح مسئولا مسثولية كاملة عن البلاد منذ ذلك الحين . وهدفه 
الأسمى هو ازالة اثار المزيمة المخزية التى لحقت بمصر فى حرب 
يونية ل1951 » ويذلك بدأت صفحة جديدة من صفحات هذه 


الحرب . 


م 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 








المفستعسل, السزا بستر 


ست العاساتعسز «ج المنتهسن تعنبفة 
#اعسادتة بساعء المجببسرر 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 








عبد الخاصر والسوفيت واعادة بناء الجيش 


ف الوفت الذى كان الصراع يدور على أشده بين المشير عامر وعبد 
الناصر فى الأشهر الأربعة التالية الخربت بونية /51ة١ء‏ كان عبلك الناصر 
بحدث انقلابا عميقا صامتا فى السياسة المصرية الخارجية » وهو انقالاب 
لم توله الجماهير اهتماما فى ذلك الحين » وان كانت قد أخذت تحس باآثاره 
تدريجيا على مدى السنوات التالية حتى وفاة عبد الناصر فى 7 
الاتحاد السوفيتى . 

وكانت الطزيمة الساحقة قد ألقت بظلالها الكثيفة على العلاقات 
المصرية السوفيتية » بعد أن بدا للشعب المصرى أن الاتحاد السوفيتى 
قد تخلى عن مصر فى أحلك أيامها. وبدت الأمور فى شكل هزيمة 
السلاح السوفيتى فى وجه السلاح الأمريكى . وهكذا انحدرت سمعة 
الاتحاد السوفيتى فى مصر الى الحضيض فى ذلك الحين . 


وكان المشير عامر قد نفض يده من مسئولية الهزيمة وألقاها بكل 


8 





بساطة على شياعة الانحاد السوفيتى « الصديق الغادر» ! » أو 
« الصديق الخاثن » ! . وأخذ يذيع بين رجاله « ما يقطع بتواطوء 
روسيا »  !‏ على حد تعبير عبد الصمد محمد . الذى يعلق على ذلك 
قائلا : « وحينما ذكر لنا المشير هذا النبأ ! » ظننت أن فيه مغالاة ‏ 
لقرعي الجوزف للتيرقة رلتررعون 11 


وبالتالى » فقد تبلورت سياسة المشير وأنصاره » التى كان ينوى 
تنفيذها عندما ينجح فى ١‏ فرض وجوده ) على عبد الناصر » ف ثلاثة 
خطوط خصها العميد أحمد عبد الله فى وضوح على النحو الآتى : 
«القضاء على التغلغل الشيوعى فى أجهزة الدولة » وازالة العداء 
المستحكم مع أمريكا ومحاولة التفاهم معها على اعتبار أن فى يدها حل 
المشكلة » والابتعاد عن الروس قدر الامكان » لسبب غريب هو أنه 
« نظرا لتزويدهم لنا بالسلاح » فهم أصل البلاء » ! . 

وكان من رأى شمس بدران » كما شرحه لأحمد عبد الله » هو« أن 
الموقف الحالى لا حل له الا فى وجود حكومة يرأسها شخص ترضى عنه 
أمريكا » ! . وقد اعترف شمس أمام المحكمة باجراء اتصالات مع 
أمريكا وقتذاك . فقد قال : 


شمس بدرات : فيه اتصالاات بأمريكا » وفيه اتصالاات أخرى 
جانبية . أنا عملت هذا الاتصال سنة /1951 . كانت علاقات سيئة 


5382 





حسين الشافعى : يعنى انت النهاردة مهذا » تسقط أى احتمالات 
قوة الذاتية للدول العربية ! . 


كتين منواك + لها الأول العمل السابي: 1 + 


وهنا أندذى نكسي الشافعى استنكاره لملا التحول من جانب شمس 
بدران » فقد خاطبه قائلا : منذ انقلاب سنة 14517 ١‏ وانت اللى كنت 
تدير البلد من أوها لآخرها » » ١‏ والنباردة » وانت مانتش فى السلطة » 


ما تفشل المعركة العسكرية يبقى ده الشعار اللى تستتر وراءه » ؟ . 


وقد كانت تلك فى الحقيقة ‏ هى الأزمة الفكرية التى وقع فيها 
المشير وأصحابه . فلم يسأل أحد منهم نفسه فى ذلك الحين : « كيف 
بكو ان يلكا انها ريا» رومض لاذه الحون انان بن عرية 
ساحقة . واسرائيل تحتل بالسلاح الأمريكى أراضى ثلاث دول 
عربية ‏ الاعتاد على النوايا الحسنة للولايات المتحدة فى تحرير الأراضى 
العربية ؟ ») 


على أن عبد الناصر كان يعرف الاجابة على هذا السؤال » وقد عبر 
عنها بقوله : « ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ) . ومن هنا اتجه عبد 
الناصر الى مصدر القوة العسكرية المناهضة للقوة الأمريكية » وهى 
الاتحاد السوفيتى » وبذلك افترقت الطرق بينه وبين المشير عامر افتراقا 
لالقاء بعده » ولم يكن مفر من أن يلعب هذا العامل دوره فى تصفية 
المشير جسديا » وانهاء تأثيره ونفوذه على اليش اخباء تاما ! 


فى ذلك الحين كان عبد الناصر قد توصل الى أن سياسة عدم 
الانحياز التى انتهجتها مصر . وكان هو أحد مؤسسيها ء والتى 


لذن 





استمرت حتى حرب يونية  ١951/‏ قد خلقت موقفا غير متكافىء بين 
مصر واسرائيل أدى حد كبير الى هزيمة يونية . فبيدا حصلت اسرائيل 
على دعم وتأييد الولايات المتحدة الكاملين فى المجالين العسكرى 
والسياسى . با مكنها من صنع انتصارها فى الحرب . وأدى الى عجز 
مجلس الأمن عن اصدار قرار يجيرها على الانسحاب الى خطوط المدنة ‏ 
فان عدم الانحياز قد أدى الى وقوف الاتحاد السوفيتى فى الحرب موقف 
المشاهد ؛ نظرا لعدم وجود اتفاقيات بينه وبين مصر تتيح له التدخحل » 
كما أدى الى وقوفه فى مجلس الأمن موقفا متهادنا » با سمح بصدور قراره 
بوقف اطلاق النار دون الزام اسرائيل بالانسحاب الى حدودها 
الذويية: 


وبالتالى فقد قرر عبد الناصر أن سياسة عدم الانحياز لم تعد تكفى 
لمواجهة آثار العدوان ! . وأنه لم يعد مفر من الانحياز الكامل للاتحاد 
السوفيتى » لتوريطه توريطا تاما فى الصراع العربى الاسرائيلى ! . 


وقد كان هذا هو التطور الخطير الذى تبدى من خلال الحوار 
التاريخى المثير الذى دار بين عبد الناصر وبين كل من الرئيس السوفيتى 
« بود جورنى » » ورئيس الأركان « زاخاروف )» بعد أربعة عشر يوما من 
هزيمة يونية /ط951١‏ . 


كان هذا اللقاء هو أول لقاء يتم بين عبد الناصر والقادة السوفيت 
بعد النكسة . وقد تم فى ظروف تختلف عن كل اللقاءات السابقة , 
فقد تم ك) يقول عبد المجيد فريد ‏ أمين عام رئاسة الجمهورية 
وقتذاك. بعد أن « ولت أيام المجد التى كانت فيها أعلام الناصرية 
تخفق فى ساء المنطقة » والتى كانت فيها ذراع الناصرية الطويلة تمتد 
الى كل مكان . فالأعلام الناصرية كانت منكسة » وذراعها شبه 


فض 





مشلولة » وكانت الهزيمة قد فتحت أمام العدو سماء مصر وأرضها » 
فكان بوسع طائرات اسرائيل أن تحلق فى سماء القاهرة فى أى وقت 
تشاء » وكيفما تشاء .» وكان بمقدور اسرائيل أن تضرب أى هدف 
موجود على خريطة مصر على طول الجبهة الممتادقامن قناة السويس الى 
القاهرة دون أن تجد مقاومة حقيقية ! ) . 


كانت القياذة الستوفيعية قد طليكة ال عي الداضن # عدن ساعها 
بخطاب التنحى المشهور فى 4 يونية » العدول عن الاستقالة » 
وأشارت الى أن وفذا سوفيعا عل 'مستوي عال سوت يز وو القاهرة ف 
أقرب فرصة . للبحث فى الوضع السياسى والعسكرى لمصر بعد 
المزيمة . وبالفعل جاء الوفد السوفيتى وعلى رأسه الرئيس السوفيتى 
بودجورنى ورئيس الأركان » ليستقبل فى القاهرة استقبالا شعبيا منقطع 
النظير . وعقدت جلستان رسميتان فى قاعة الاجتماعات فى قصر القبة 
فى يومى 7١‏ و7 يونية 19517 , حضرها عن الجانب المصرى مع عبد 
الناصر كل من زكريا محبى الدين وعلى صبرى والفريق أول محمد فوزى 
ومحمود رياض . وتناولت أهم قضايا الساعة التى تتمثل فى الموقف 
العسكرى الخطير على القناة » وسماء مصر المكشوفة فى وجه العدو, 
واحتمال عبور اسرائيل القناة » واعادة بناء القوات المسلحة المصرية » 
واعادة بناء العلاقات المصرية السوفيتية على أساس جديد . 


ولم يضيع عبد الناصر وقتا فى احاطة الرئيس السوفيتى بود جورنى 
علما بها استقر عليه رأيه فى شكل العلاقات المصرية السوفيتية بعد 
النكسة ٠‏ ففى اللقاء غير الرسمى الذى تم ف نفس يوم زيارة الوفد 
السوفيتى » أبدى استعداد مصر للانحياز المطلق الى جانب الاتحاد 
السوفيتى ف صراعه مم الولايات المتحدة » وأبدى رغيته ف ادخال 


وفضا 





المضرية اق مقابل تخظية ساء مصر المكشوفة وآغادة بناء اليش 
المصرى . 


وفييا ايندو أن السرئيس بود جورنى أراد التأكد من اجماع القيادة 
المصرية على هذا الرأى » اذ كان موضوع هذا الحديث الشخصى بينه 
وبين عبد الناصر هو أول ما طرحه عند انعقاد أول جلسة رسمية فى 
اليوم التالى ! » اذ قال : 


وان الحديث الذى تم معكم بصفة شخصية ومبدثية بعد وصولى 
الى القاهرة أمس . قد أبرقت به الى موسكوء وركزت على نقطتين 
هما : موضوع الدفاع اللتوى » وموضوع الانحياز وعدم الانحياز . كما 
أبلغت موسكو أيضا الرغبة فى ادخال سفن من الأسطول السوفيتى فى 
البحر الأبيض المتوسط . وأعتقد أن هناك موافقة مبدثية على هذا 
الموضوع ( الأخير) » ومن الأفضل أن يبدأ العسكريون من الجانبين 
بحث التفاصيل الخقاصة به . مثل تموين السفن من الموانى » 
والاجراءات المشتركة عند مهاحمتها جوا . . الى آخخره ) . 

وقد أدرك عبد الناصر غرض بود جورنى من اثارة هذا الكلام » فرد 
قاثئلا : «كما تعرف » ان باقى أعضاء اللجنة العليا الممثلة للقيادة 
المصرية » وغير الموجودين اليوم فى هذه القاعة » موافقون أيضا على هذه 
ا موضوعات 2 وقد تم بحثها معهم قبل حضورك : 


عدم الانحياز » فأثار مشكلة الاثار التى يمكن أن تترتب عليه قائلا : 


وأما عن موضوع عدم الانحياز » فالمكتب السياسى ف موسكو 


سن 





رحب با قلته سيادتكم عن الوقوف مستقبلا الى جانب الاتحاد 
السوفيتى » غير أنهم فى موسكو تساءلوا عما اذا كان مفيدا اعلان ذلك 
موسكو عن الأشكال المقترحة للعلاقة بكم : هل هو الشكل القديم » 
أم اتفاق ومعاهدة من ناحية المبدأ بالكامل » ولكن قد يحدث نتيجة لهذه 
العلاقة الجديدة بيننا وبينكم بعض المشاكل بالنسبة الى علاقاتكم مع 
الدول العربية » با فى ذلك بعض الدول التقدمية العربية'! ) . 


وقد رد عبد الناصر قائلا : « بشأن موضوع الانحياز » فاننا فى 
الحقيقة نعتير منحازين فى الأصل ! . ومن أجل هذا تعرضنا للعدوان 
عام 1165 ثم عام 19517 . كما سنتعرض لعدوان آخر طاما أننا نسير 
فى هذا الخط . والأمريكان يعرفون ذلك جيدا . احنا عارفين ان 
الأمريكان لن يتركونا . ولكن المهم بالنسبة لنا : نشوف فين مصلحة 
بلدنا ؟ . بالنسبة لعلاقاتنا معكم » كان ينقصها حاجة واحدة » وهى 
التعاون العسكرى ! . الناس عندنا أيام المعركة تساءلوا : أمال فين 
أصحابنا الروس ؟ . أنا كنت عارف أنه لا يمكن حضوركم عسكريا 
طالما أنه لم يسبق الاتفاق معكم على الترتيبات العسكرية اللازمة 
لذلك ) ., 


« بالنسبة للمستقبل » أنا شايف ان أعداءنا دائم| حيكونوا 
الأمريكان . وكذلك هم أعداؤكم أيضا. لذلك علينا أن ننظم 
التعاون بيئنا . لأنه من غير المنطقى أن أكون محايدا بين اللى يضر بنا 
واللى بيساعدنا . تنظيم التعاون بيئنا يحتاج الى تفكير عميق منا » لأن 
أى تصرف من مصر ستكون له ردود فعل كثيرة فى العالم . ان نتيجة 
الاتفاق بيننا وبيتكم ستغير كثيرا من ميزان القوى فى العالم . اننالم نتتخل 


مضنا 





هذا القرار بشكل عاطفى » لكنه جاء نتيجة لدراسة وبحث عميقين . 
أنا أوافقكم ان مثل هذا الاعلان سيكون له رد فعل كبير فى العالم 
العربى » وقد نحدث انقسامات . وتعلن بعض الدول العربية 
انحيازها الى أمريكا . . فى الحقيقة . فان هذه الدول أصلا منحازة الى 
أمريكا . وبالمثل هناك فى افريقيا دول منحازة تماما لأمريكا رغم أنها 
تعلن شكليا عن انتهائها الى الدول غير الملحازة ! . 


« فاذا كنا نطلب منكم أن تكونوا معنا فى وقت الحرب . فيجب أن 
نكون معكم أيضا فى وقت الحرب ووقت السلم . والآن علينا أن 
نبحث كيفية تنظيم علاقاتنا معكم . نحن مستعدون أن نعقد اتفاقية 
سرية أو علنية . المهم أن الواضح لنا الآن هو عدونا الأساسى : 
الولايات المتحدة الأمريكية . وأن السبيل الوحيد لامكانية استمرار 
نضالنا هوأن نتحالف مع الاتحاد السوفيتى . اننا نناضل ضد الاستعمار 
ونؤيد التحرر الوطنى . قبل المعركة » كنا نخشى صحافة واذاعات 
الغرب أن تتهمنا بالتحيز » ولكن الآن لا بهمنا شىء فى هذا الموضوع . 
نحن على استعداد لتقديم تسهيلات لسفن أسطولكم من بور سعيد الى 
السلوم » وبعد ذلك من العريش الى غزة . 


« وبالنسبة للدفاع الجوى . أفضل أن يكون على غرار الدفاع 
المشترك » أى مصرى - سوفيتى . وبذلك يشترك ضباطنا وجنودنا فى 
الدفاع الجوى . ب| يكسبهم الخبرة العالمية من كوادركم المشتركة معنا . 


ان اليهود اليوم فى سيناء » ونحن اليوم نجهز خط دفاعنا على الضفة 
الغربية للقناة. بعد ذلك اذالم يخرج اليهود من سيناء بالطرق 
السلمية . فلابد أن نقاتلهم لاخراجهم منبا . ان عملية اخخراج اليهود 
من سيناء هى مسئوليتنا وليست مسئوليتكم . أما الدفاع الجوى عن 


ا 





أراضى الجمهورية . فهذا ما نطالب بمشاركتكم فيه . 


و هناك احتمال آخر تجب دراسته معا » وهو أن اسرائيل قد تعير قناة 
السويس من أجل مهاجمتنا والتوغل فى عمقي الحمهورية العربية 
المتحدة . ان مواجهة مثل هذا الاحتتال تدخل فى نطاق مسئوليات 
والتزامات الدفاع المشترك بيئنا وبينكم . انى أعتقد أن اسرائيل » فى 
مثل هذه ا حالة » ستكون مدفوعة لشن هذا الحجوم من أمريكا » بعد 
أن يتأكد الأمريكان من موضوع الارتباط بيننا وبينكم » وبعد أن تدخل 
سفن الأسطرل "الستوفشي. "المراقالمصيركة غنة أذللف جيل 
توازهم ا 

ثم أوضح عبد الناصر تصوراته بالنسبة لردود فعل هذا التحول فى 
سياسة مصر الخارجية من عدم الانحياز الى الانحياز» فذكر» في) 
عع صر : أن هناك ثلاثة آراء فيها : 


الأول » ويقول بالاتفاق مع الأمريكان باى شكل : ١‏ زملاء لنا 
كائر بحسا ق خلس الترزاك وكيم عرجرا بعد ذلك رشرراى خالا 
فى الوقت الحاضر . أنا شفت واحد منهم منذ ثلاثة أيام » وكان من رأيه 
أن نتفق مع الأمريكان بأى شكل » وأن نترك اليمن للملك فيصل . 
وهناك مجموعة فى البلد تردد هذا الرأى » وتلقى اللوم فى كل ما حدث 
علىٌ شخصيا لأننى أسأت العلاقة مع الأمريكان . 


أما الرأى الثانى » فيطالب - وفقا لكلام عبد الناصر ‏ بالحياد التام 
بين الأمريكان والسوفيت . 


وأخيرا » الرأى الثالث » ويطالب « بضرورة الاتفاق الوثيق مع 


يغضنا 





الاتحاد السوفيتى والتعاون الكامل معه . 


وكان من رأى عبد الناصر أن هذا الخلاف فى الرأى فى مصر لن 
يكون له تأثير فى الموقف . لأنه ل حسب قوله ‏ 1 يتعدى «حلود 
الكلام ) 1!. 


على أنه استدرك بالنسبة للقوات المسلحة . التى كان يعرف أن 
الاتحاد السوفيتى لا يخفى عنه ماكان يجرى فيها من أنصار المشير 
عامر ‏ فطمأن بودجورنى إلى أن الاجراءات التى اتخلت منذ أيام 
لمواجهة التسيب الذى كان موجودا داخل القوات المسلحة » هى 
اجراءات حاسمة ! . ولكنه أبدى أمله فى أنه « عندما يتم فعلا تدعيمنا 
من جانبكم . ويتم التعاون الكامل بيننا وبيتكم » فسيكون لذلك أثر 
طيسب جدا 0 سواء فى داخل مصر أو فى العالم العربى . 


أما بالنسبة لتقدير عبد الناصر لأصداء تحوله من سياسة عدم 
الانحياز إلى سياسة الانحياز فى العالم العربى » فكان من رأيه أن 
الدول التقدمية سوف تضطر إلى أن تتبع مصر فى هذا التحول 
السياسى ! . فقد ذكر لبودجورنى أنه عرض الموضوع على الرئيس 
الأتاسى ؛ رئيس سوريا » « فقال إنهم أيضا يبحثون هذا ا موضوع 0 
وطلب منا ألا ننفرد بقرار فيه » فأرسلت له أمس رسالة بذلك . كما 
شرحت الموضوع لبوتفليقة » وزير خارجية الجزائر » فاستغرب الأمرفى 
أول وهلة ! » ولكنى أعتقد أنهم سيضطرون إلى السير فى هذا الخط 
بعد ذلك . نظرا لموقف ملك المغرب وبورقيبة منهم » ! . 


على أن عبد الناصر نسى فى هذا الحديث توضيح علاقته المستقبلية 
مع الصين . لقد كانت الولايات المتحدة هى عذدوه الوحيد 2 ولكن 


لضن 





الاتحاد السوفيتى كان له عدوان : الولايات المتحدة والصين ! . لذ 
نرى بودجورنى يفتتح باب الحديث فى هذه المسألة بطريقة غير مباشرة 
قائلا : 


- سمعت خيرا فى الاذاعة أن الصين أعلنت استعدادها لتقديم 
السلاح لكم ! . 


ولم يتردد عبد الناصر فى حسم هذه المسألة » فقد قال : 


- اتصلت بنا الصين فعلا . وأبدت استعدادها لتقديم أسلحة 
خفيفة فقط . كا انهم استنكروا إيقاف القتال! . عموماء فإن 
الأصدقاء الصيئيين غير مدركين لطبيعة أرض سيناء ولبعض الأوضاع 
المحلية » لذلك فإن رأمهم هو عدم إيقاف القتال » والانسحاب إلى 
داخل الدلتا » والاشتباك مع القوات الاسرائيلية المهاجمة داخل 
القرى . ومن رأءهم أيضا أن التركيز على الدفاع عن القاهرة والمدن 
الكبرى ليس أمرا 9 .١‏ 


وهنا أوضح بودجورنى حقيقة العلاقات العدائية بين الاتحاد 
السوفيتى والصين . با لايدع لعبد الناصر محال للشك فى أن الاتحاد 
السوفيتى يعتبر الصين عدوا لايقل عن الولايات المنحدة . فقال : 


- الصين تقوم بمهاحمتنا إعلاميا فى كل مكان , مرددة أن الاتحاد 
السوفييق كان 0 7 سبق أن خحان الفيتناميين . إننا نعرف 


دعاياتهم وتحركاتهم . انم الآن يحاولون أن نفقك سوريا 2 فهم 
يدفعوما إلى القتال 0 » بصرف النظر عن النتائ نج المتوقعة 
مله ! . 


احضن 





وهنا حسم عبد الناصر هذه القضية أيضا . فقال : 


أعتقد أن الصين متطرفة فى مواقفها » وهى بذلك تخدم مخططات 
الأمريكان ! : 


وهذا القول حدد موقفه من سياسة الانحياز الجديدة التى ينوى 
اتباعها » وهى أنها سياسة لاتستهدف فقط الامريكان » بل والصين 
التى تخدم مخططات الأمريكان  !‏ وان كان فى قرارة نفسه لايجد وجها 
للمساواة بين الولايات المتحدة والصين . ففى خحتام هذه الاجتماع 
التاريخى قال لبودجورنى : « إننا جميعا متحمسون لتوثيق الروابط 
والعلاقات معكم . وإن القيادة السياسية فى الجمهورية العربية المتحدة 
على استعداد للانحياز اليكم ضد معسكر الاستعار» ! . 


وقد ظن عبد الناصر أن القيادة السوفيتية سوف تجد فى هذا العرضص 
السخى فرصة العمر . ولكنه نسى أن السياسة السوفيتية فى ذلك الحين 
كانت تقوم على ثلاثة أسس : 

الأساس الأول , عدم التورط العسكرى فى الصراع العربى 
الاسرائيق بأى حال من الأحوال . 

ثانيا ( أن مصر ء بموقعها البارز ى حركة عدم الانحياز » كانت 
يجعل منها دولة مستقلة كبيرة » ولكن موقعها فى الدول المنحازة يجعل 
منها دولة تابعة تدور فى فلك الاتحاد السوفيتى : 


القا ع أن اسرائيل هى دولة ولدت لتبقى » وهى لاتمثل الخطر 
الأساسسبى عل العرب ( وإنما يمثل الخطر الأساسى الولايات المتحدة 


16 





الأمريكية . وقد عبر بريجينيف عن هذا الرأى للرئيس الخزائرى هوارى 
بومدين بقوله : : ران اسرائيل لاتستعبدكم 3 ولكن امريكا يمكنها 
ذلك » !. 


وعلى هذا النحوء سرعان مافوجىء عبد الناصر بتحفظ الرئيس 
السوفيتى بودجورنى ازاء العرض الذى قدمه بالانحياز الى الاتحاد 
السوفيتى » وبابدائه استعداد بلاده لمساعدة مصر فى إطار سياسة عدم 
الانهاز تذون بكاحة اليا عد هله السياسة : 


ففى رد الرئيس بودجورنى على عبد الناصر فى نفس الحلسة قال : 
« أعتقد أن موضوع عدم الانحياز ليس مستعجلا بقدر استعجال 
موضوع الدفاع الجوى . لقد وافق رفاقى فى موسكو على ضرورة 
الاشيراك اليجوفكن ياكس جيل مكن لتدعيم الدفاع الحجوى عن 
جمهوريتكم بالكامل . ورغم أن مكانة الجمهورية العربية المتحدة 
معروفة فى العالم » ولايشك أحد بأنها تقبل فى يوم من الأيام أن تكون 
تابعة لأى دولة مهما كانت إلا أن وجود قوات عسكرية أجنبية على 
أرض دولة ذات سيادة » موضوع حساس ف الموقف الداخلى . ولذلك 
فإن من الأنسب أن يكون الدفاع الجوى مصريا , على أن تقدم له 
مساعدات سوفيتية ) . 


وهنا سأل عبد الناصر الرئيس بودجورنى : « كيف ستساعدونا لو 
وقع فى الأيام الحالية عدوان اسرائيل جديد علينا ؟ . يجب الأخذ فى 
الاعتبار أنه لامجال لنا للانسحاب من مواقعنا الحالية » وسنبقى فيها 
حتى الموت . انتم انسحبتم إلى غبر الفولجا . بالنسبة لنا لايوجد 
فولحا » بل يوجد خلفنا ماثة كيلو متر فقط للوصول إلى قلب 
القاهرة ! ) 





وقل رد بودجورنى قائلا : « سألتنى ماذا نعمل لو حدث عدوان 
اسرائيل جديد ؟ . أولا » أعتقد أن قواتكم المسلحة لم تستعد حتى 
الآن بالقدر الكاف لمواجهة مثل هذا العدوان . ثانيا » أعتقد أنه من غير 
المرغوب فيه » أو المطروح . أن يشترك الاتحاد السوفيتى فى حرب فى 
الوقت الحاضر ! . لذلك » فالمهم الآن هو أن ندعم قدراتكم بأسرع 
مايمكن . حتى تستعدوا لمواجهة المفاجات . ان العدو قريب منكم , 
انه غلى مسافة لاتزيد على ماثة ميل . وانت قلق لاتنام » ونحن مثلك 
تماما رغم بعد المسافة بيئنا وبينكم . 


وهنا عدل عبد الناصر اقتراحه » للوصول إلى صيغة تضمن 
« التحالف التام ) مع الاتحاد السوفيتى » مع بقاء مصر فى معسكر عدم 
الانحياز » فقال : 


و بالنسبة للاتفاق السياسى بيننا » فان هناك عدة مقترحات » ولكل 
مقترح مزاياه وعيوبه . والذى لاشك فيه أننا فى قرارة أنفسنا نسير جنبا 
إلى جنب مع الاتحاد السوفيتى » وهناك تحالف تام بيننا . لقد تم 
تعويضنا بالأسلحة والمعدات التى فقدت فى الحرب بالمجان . اننا نوافق 
على شكل الارتباط الذى ترونه » بشرط واحد » وهو انخحتيار الشكل 
المناسب الذى لايؤثر على سمعتنا أو على مركزنا القيادى فى العام 
الثالت ع . 


بودجورنى : طبعا » هذا شرط أساسى . وأرجو أن تتأكدوا أننا 
حريصون جدا على أن يبقى المركز النضالى للجمهورية العربية المتحدة 
داخل هذا الحزء من العالم دون أن يتأثر . 


يكنا 





اليوغسلافى وزميل عبد الناصر فى حركة عدم الانحياز » عند مروره به 
أثناء عودة الوفد السوفيتى الى بلاده . وكانت الجملة التى استخدمها 
بالضبط هى « نخشى أنه سيغضب عندما نذكر له موضوع الانحياز 
وعدم الانحياز ) 1!. 


غرهد | التسطري اتقو حي الناضر. والقيافة اسرد عانقا فصن 
فى معسكر عدم الانحياز » مع تمتعها بمزايا الدولة المنحازة الى الاتحاد 
السوفيتى 5 وق هذا الاطار دار الحوار حول كيفية إعادة بناء القوات 
التدليدة القرية :ققد قلعن الناصرد: 


( تلخيصا لما دار من حوار معكم » فقد برز موضوعان أساسيان 
هما : الأول » إعادة بناء القوات المسلحة بحيث تكون قادرة على القيام 
با مهام المطلوبة منها . والأمر الثانى » تدعيم دفاعنا االجوى بحيث 
يجرى تحسينه وتقويته كل يوم فيصبح أقوى من اليوم الذى سبقه . 
ويجب ألا ننسى أن اسرائيل مازالت لديها السيطرة الحوية » ويصلها 
بصورة مستمرة طائرات جديدة وطيارون مبود متطوعين » لذلك مازالوا 
متفوقين علينا » ولابد لنا أن نبذل أقصى الجهد كى نكون على استعداد 
لمواجهة أى عدوان اسرائيى جديد . ان وضعنا يختلف عن وضعكم فى 
الاتحصاد السسوفيتى » نحن نغيش فوق خسة فى الماثة فقط من 
أراضينا ! . أما عن النقص عندنا فى الطيارين فهو أمر حيوى.. إننا 
ندرك أن موضوع تخريج وإعداد الطيارين المقاتلين صعب ويحتاج إلى 
وقت . ولذلك طلبنا منكم الآن طائرات » وطلبنا أيضا طيارين ! . 
ولهذا عليكم أن تسارعوا فورا بدعم دفاعاتنا وتقويتها يوما بعد يوم » 
وتلبية مطالبنا من طائرات ميج 7١‏ . كما يجب أن يتوفر لدينا نوع جديد 
من الطائرات ذات المدى البعيد » وهى التى تنقصنا حاليا ) . 


الذتنا 





زاخماروف : عن الاعداد العسكرى . ستصلكم حلال يومين أو 
ثلاثة أربعون طائرة ميج 3١‏ . مع عمال التركيب والتجهيز . وذلك 
بالاضافة اللى ست طائرات ميج 51١‏ من النوع المجهر للتدريب . كما 
توجد /" طائرة سوخوى . عموما » سيصبح لديكم فى وقت قريب 
جدا عدد من الطائرات المقاتلة أكثر بما كان لديكم قبل العدوان . 


« أما بالنسبة للمدرعات » فسيصلكم قريبا مائة دبابة . ونحن على 
استعداد لارسال المزيد من المدرعات كلما توفرت أطقم الدبابات 
عندكم . لكنا لن نرسل دبابات لتحفظ فى المخازن ! .») 


عبد الناصر : نحن فى حاجة إلى خبراء فى التنظينم والتدريب » نظرا 
لأن قواتدا المسلحة لم تقم فى الفثرة السابقة بتدريبات الخرب أو 
بمناورات حقيقية . ولالأسف , فقد كانت الثقة الممنوحة للقيادة 
العسكرية أكثر من الواقع ! . 


ثم إننا نحتاج إلى أعداد كبيرة من الخبراء العسكريين » على أن 
يكون كبيرهم على اتصال مباشر بى من أجل التغلب على أية صعوبات 
وحلها فورا . كما أرجو ألا تكون مرتباتهم على حسابنا ! . 


بودجورنى : لقد بحثنا الموضوع تفصيلا فى موسكو ء وقررنا إرسال 
نحو من ألف إلى ألف ومائتى خبير من مستوى القيادة العامة إلى كافة 
المستويات . ولو أن موضوع الخبراء قد يثير دائم) بعض الحساسيات فى 
مثل هذه الحالات . ولكن حكمة الجانبين وحسن التفاهم والنوايا 
الحسنة يمكا أن تتغلب على تلك الحساسية . 


على أن بودجورنى كان فيها يبدو قلقا بخصوص المدف الذى 


2228 





يبغيه عبد الناصر من التسليح : هل هولمجرد الدفاع عن النفس وتحرير 
رفضا باتا ‏ فقد سأل عبد الناصر قاثلا : 


- لى نقطة أريد استيضاحها .2 وقد وردت فى حديثكم : هل تطلبون 
المزيد .من الظائرات ميدق القضاء نائيا عل اشرائيل:؟ , 


ولم يرد عبد الناصر ردا مباشرا . فقد تساءل قائلا : 


ماهو الدفاع وما هو ال هجوم ؟ » وماهى أسلحة الدفاع » وماهى 
أسلحة الحجوم ؟ . عندما تبدأ الحرب ليس هناك مايسمى بأسلحة 
للهجوم وأسلحة للدفاع . المهم بالنسبة لنا عندما نطلب الطائرات 
ونضع مواصفاتها » أن نكون قادرين على ضرب جميع مطارات اسرائيل 
عند بدء العمليات الحربية . وكا قلت لكم إن اسرائيل قادرة على 
ضرب مطاراتنا حتى مرسى مطروح . 


اسرائيل ! . ولذلك اكتفى الرئيس السوفيتى مبذا الرد دون أن يطلب 


كان هذا على كل حال » مااستطاع عبد الناصر الاتفاق عليه 
والحصول عليه من السوفيت فى مجال إعادة بناء القوات المسلحة 
المصرية » وحماية سماء مصر المكشوفة » وصد اسرائيل عند محاولة القيام 
بهجوم جديد يستهدف عمق الأراضى المصرية . 

وفيها عدا ذلك » فقد افترق الرأى بين السوفيت والعرب فى طرق 
حل الصراع العربى الاسرائيل افتراقا تاما ! . 


نوا 





وهذا مااتضح فى اللقاء التاريخى الذى عقد فى موسكو بين كل من 
الرئيس الجزائرى هوارى بومدين والرئيس العراقى عبد ال رحمن عارف , 
نيابة عن مؤتمر القمة العربى الأول الذى عقد فى القاهرة فى 
يوليو1951 » وبين القادة السوفيت وعلى رأسهم الزعيم السوفيتى 
بريجينيف . فى 17 يوليو » ودار فيه أعنف حوار جرى حتى ذلك الحين 


من الرضتراء. يردي والرعراء'العزت ا : 


فقد فاجأ الزعيم السوفيتى بريجينيف الرئيسين العربيين برأى الدول 
الاشتراكية الذى يقضى بضرورة انهاء الصراع بين العرب واسرائيل 
بالوسائل السياسية لا العسكرية . وكانت الذرائع التى دعم بها وجهة 
النظر هذه » هى أن العدو الاسرائيل.على بعد مائة كيلو مثرا من 
القاهرة » وهو قريب من دمشق . ويحتل المرتفعات المسيطرة عليها . 
وان الاسرائيليين كانوا فى الحرب متفوقين فى التكتيك العسكرى , 
وكذلك فى الطيران واستخدام الدبابات والمشاة المحمولة » وكذلك فى 
التعاون بين القطاعات المختلفة . « فضلا عن أن نسبة عدد جيشهم 
لعدد السكان تبلغ ١6‏ فى: المائة إذ يبلغ "6٠‏ ألفا من هر؟ مليون 
لسمة ») بينم| تبلغ نسبة جيش مصر واحد فى المائة , وكذلك الال 
بالنسبة الحيش سوريا . ومن ثم وعلى حد تعبير بريجينيف - : « هل 
يجوز أن تقوم دول بالحرب وهى فى مثل هذه الحالة ؟ . نحن لانقول 
هذا لنؤلكم ولا لنحمل أحدا المسثولية » ولكن من أجل أن يؤخذ ذلك 


فى عين الاعتبار) . 

وأضاف بريجينيف : « إننا لانكاد ننام منذ شهر كامل : كيف نوقف 
الجيش الاسرائيل عن الزحف على القاهرة أو على دمشق ؟ . لقد 
ضغطنا على أمريكا » وقطعت الدول الاشتراكية علاقاتها مع 
اسرائيل . وكل هذه خطوات جدية لم نتسخذ مثلها من قبل خلال 


8 





السئوات العشر الأخيرة . . ومنذ 8 يونيو بدأ الاتحاد السوفيتى يرسل 
طائراته بالامداد وبالاسلحة إلى الجمهورية العربية المتحدة وإلى 
سورية » مرورا بالأجواء الموالية للعرب . وأمكننا استعواض كميات 
كبسيرة من الأسلحة التى فقدت فى الحرب » وذلك عن طريق 
5ه سفرة جوية وه١‏ باخرة ناقلة . وأرسلنا مايقرب من 48 ألف طن 
استعال الأسلحة والعتاد ) . 


وهنا وأضاف جريشكو أن مصر قد أصبح لديها حتى ذلك الحين 
٠‏ دبابة و٠6"‏ طائرة » وأكثر من ٠٠١٠١‏ مدفع» وغيرها من 
الأسلحة 


ثم قذف بريجينيف برأيه ورأى الدول الاشتراكية فى ضرورة اللجوء 


« بشأن الحل السياسى » فان الدول الاشتراكية ترى أنه اذا اتخل 
قرار انسحاب اسرائيل من الأراضى المحتلة » يمكن اتخذ قرار انهاء 
حالة الحرب ! . علم| بأننا استشرنا جميع رجال القانون الدولى » فقالوا 
أن انهاء حالة الحرب لايعنى الاعتراف بالدولة الصهيونية . إن الحل 
السياسى سيعطى الفرصة للعرب للاستعدادوتدعيم القدرة الدفاعية . 
ان كسب هذا الوقت يعطى الفرصة لجميع البلدان العربية لأن تنبض 
عسكريا واقتصاديا ) . 


وقد عزز بريجينيف رأيه بالتشكيك فى إمكان العرب الانتصار على 
اسرائيل قائلا : « يوم حاربنا هتلر واحتللنا برلين » كانت لدينا قوات 
عسكرية كثيرة تبلغ ١5‏ مليون مقاتل . ولكن فى حربكم مع اسرائيل 


ينانا 





لم يكن لديكم أى تفوق عددى » فكيف تنتصرون ؟ ) . 


بل لقد أبدى بريجينيف ألمه لارتباط سمعة بلاده بسمعة العرب ! 
قائلا : ١‏ اننا متألمون . لأننا طرحنا سمعتنا مع سمعتكم ! . ولأننا 
وجدنا أحدث طائراتنا وأحدث صواريخنا فى مراكز بحوث الولايات 
المتسنة الامريكية: كا ارسلت احنف:دناناتنا إلى المانيا الخربية 11 
فى الوقت نفسه نتألم أكثر عندما نسمع أن ضباط اسرائيل يقولون عن 
دباباتنا وطائراتنا التى تركتموها أنها من أفضل أنواع الأسلحة ! . ان 
عمليات عسكرية كبيرة ضد سورية وضد الجمهورية العربية المتحدة فى 
المستقبل معناها سقوط النظم التقدمية . وإذا حدث ذلك وجاءت نظم 
جديدة » فستعمل على إنهاء كل شىء والاعتراف باسرائيل » وهذا 
معناه ضياع سمعتنا مرة أخرى ! ) : 


ثم قال بريجينيف : « انكم تطلبون منا أن نأخذ على عاتقنا مسئولية 
الدفاع الجوى وارسال خمسين طيارا سوفيتيا للحماية الجوية . 
وتتصورون أنه إذا تم ذلك فستنتهى جميع المشاكل ؟ . إن هذا تصور 
غير صحيح . فهناك العديد من الصعوبات التى ستنشأ عند التنفيذ 
العملى . فالأوامر ستختلط بين ضباطنا وضباطكم بحيث يصعب 
فهمها . وعند ذلك تحدث الفوضى فى العمليات . وهناك جانب آخر 
للمشكلة » إذ لايمكن استخدام الطيارين وحدهم . ولابد من اشراك 
وحدات معاونة معهم . وإلا تسهل عملية اسقاطهم . وهذا معناه أن 
نشترك بتشكيلاتنا وبجيوشنا . ماذا تكون ردود الفعل فى هذه 
الحالة ؟ . من المحتمل - فى هذا الظرف - التوسع فى المعارك والتوسع 
فى الحرب . كما أن هذا الشكل من الاشتراك فى العمليات معناه قيام 
قوات أجنبية بالدفاع عن بلد لم تجهز قواته الوطنية بعد . وهذا شكل 


غير سليم . ) . 


584 





وهنا تقدم كوسيجين لمساندة رأى بريجينيف . فقال : « لقد طرحتم 
قضية سياسية عندما قلتم إن الدول العربية لن تقبل الموافقة على إنهاء 
حالة الحرب . وأنكم تعتبرون ذلك أمرا مستحيلا . فإذا اتخذنا موقفكم 
الآن» وقلنا مثلكم . فاذا يبقى ؟ . لايبقى الا استمرار الحرب . 
ومعنى استمرار الحرب أن اسرائيل لن تنسحب » وسوف تؤيدها فى 
هذا الموقف أمريكا وألمانيا والعديد من الدول الأخرى . فى هذه 
الحالة : هل أنتم مستعدون للحرب ؟ ) 


« أود أن أقول لكم انكم تتبعون سياسة خالية من المرونة . 
ولايمكن ممارسة مثل هذه السياسة مع الاستعمار . إنى أرى أن 
الشعارات الثورية فى الوقت الحاضر قد تكون ضد مصلحة العرب 
أنفسهم . إن ثورية الكلام إذا لم تستند إلى قوة فعلية » تكون 
خيانة ! . يجب ألا تمارسوا سياسة جامدة مع الاستعمار » بل يجب اتباع 
المرونة اللازمة ) . 


بل لقد دعا كوسيجين الزعاء العرب الى التفاهم مع الرئيس 
الأمريكى جونسون » قائلا : « لقد لمست فى حديثى الأخير مع 
جونسون أنه كان يريد مساعدة اسرائيل بكل قوة » ولكنه فى الوقت 
نفسه يخشى أن يفقد العالم العربى » وكذلك لايريد أن يقطع علاقاته 
بائيا مع العرب . هذا الموقف يجب الاستفادة منه . إن .جونسون يعرف 
أنه إذا فقد البلاد العربية فإنه سيفقد أيضا أفريقيا . إذن فبالوسائل 
السياسية يمكنكم الحصول على نتائج كبيرة . تكلموا معهم كيفما 
تشاءون ! . لايجب أن تنسوا أن النضال السياسى لايعنى التراجع 
والانسحاب النهائى » بل قد يكون بعده تقدم ) ! . 


وقل رد عبد ال حمن عارف قائلا :0 لكن موضوع انباء ليرب معناه 


ان 





فتح الملاحة فى قناة السويس . ومعناه أيضا التفاوض معهم ٠‏ وقل 
يكون بعده صلح ! » . 


ولكن كوسيجين رد قائلا : « أبدا » التفاوض ممكن إجراؤه عن 
طريق الأمم المتحدة : وإذا لم ينسحبوا فحالة الحرب تبقى مستمرة . 


وهنا تساءل” بومدين قائلا : ( إننا اليوم ف الدور الذى جب على 
المعتدى أن يدفع الثمن . لنفرض أن العرب سيقبلون إنهاء حالة 
اللرت .“هل هذا سنيعى: التهاء- المشكلة والضحات: اسراتي نكل 
00 


وقد رد كوسيجين قائلا : « إذا لم ينسحبواء ستبقى الحرب 
مستمرة . اننا دائا نقول : بشرط انسحاب اسرائيل من الأراضى 
العربية المحتلة ) . 


على أن بومدين تشكك فى إمكان انتهاء المشكلة « مبذه البساطة ) . 
وقال ان الامريكان لديهم الورقة الرابحة ولن يتركوها إلا بعد حل 
المشكلة كما يريدون » ولن يقبلوا أى قرار فى الأمم المتحدة إلا إذا عبر 
عن وجهة نظرهم . و١‏ إن المشكلة ذات شقين : الأول » مانتج عن 
حرب عام 1948 » أو مايسمى بقضية فلسطين . والثانى » مانتج 
عن حرب /1951 » أو مايسمى بمشكلة العدوان . ان سياسة أمريكا 
هى إنهاء هذه المشكلة بشقيها نهائيا لصالح اسرائيل » وعلى حساب 
النظم التقدمية . ان امريكا الآن فى مركز القوة » ولن تثرك الفرصة دون 
أن تستغلها استغلالا كاملا أى باسقاط النظم التقدمية فى الجمهورية 
العربية المتتحدة وسوريا أولا » ثم فى العراق ثانيا . اننا أمام خيارين : 
إما أن نعترف بالأمر الواقع » ونتفاوض على حساب النظم التقدمية 


ل جنا 





لنحفظ الأراضى » أو نتشدد فى مواقفنا » . 


وقد تساءل بريجينيف عم هو معنى الأمر الواقع على حساب النظم 
التقدمية ؟ . فأجاب بومدين بأنه إذا قبلت هذه النظم المقترحات 
والشروط الامريكية » فسينتج عن ذلك سقوطها ! . ولكن بريجينيف 
رد بأن العدو الاسرائيل « يستطيع أن يتحرك مرة أخرى . ويضرب 
بكل قوته الأنظمة الثلاثة » على أساس أن حالة الحرب مازالت قائمة » 
وبعد ذلك تأتى حكومات جديدة تسير حسب رغبة امريكا ) ! . 


وتساءل كوسيجين : هل أنتم ضد فكرة إنباء حالة الحرب » حتى 
بعد عودة المعتدين إلى خطوط الهدنة ؟ . ماهو الأهم بالنسبة لكم : 


بومدين : لايمكن الجواب عن هذا بلا أو نعم . . اننا نريد الآن 
التأييد الدبلوماسى والدعم العسكرى » علما بأن هناك فعلا أسلحة 
وصلتنا وأخرى فى طريقها . . 


بريجينيف ( مقاطعا بغضب ) : ولكن لايوجد لديكم الآن جنود ولا 
ضباط مدربون ! . أنا أقترح أن تسجل مواقفنا واراؤنا خطيا » 
والتاريخ سيحكم فى المستقبل من هو المصيب ومن منا كان 
المخطىء ! . نحن الآن أمام أمر واقع .. إننا إذا حللنا اراءكم جيدا 
نجدها إما متطرفة أو أنها ستؤدى إلى هزيمة جديدة ) ! . 


وهنا انتقد بومدين الأمم المتحدة لأنها ترفض إدانة اسرائيل » 


واعترفت بالأمر الواقع ) !. وقد رد بريجينيف قائلا :( فلنك: 
عمليين : أين تحطمت ال١٠68‏ دبابة وال٠0٠60ه‏ مدفع؟ . لقد 


لكا 





تحطمت عند الحدود ! » ولم تتحطم فى معركة ! : وقد نجح 
فقاموا بصله » ! . 


وتناول الحديث مسألة مرور العلم الاسرائيل فى قناة 
السويس », كجزء من إنهاء حالة الحرب . فى مقابل انسحاب قوات 
اسرائيل . وقد رد بومدين بأن مرور هذا العلم الاسرائيل فى قناة 
السويس معناه الاعتراف باسرائيل . ولكن كوسيجين قال إن « هذه 
قضية نظرية » فالألمان كانوا يمرون فى ممراتنا المائية » وكنا فى حالة 
حرب معهم . وقد قبلنا ذلك لأننا كنا فى حاجة لمثل هذه الحركة من 
الناحية الاقتصادية ! » . كما ذكر أن ا موضوع بالنسبة لاسرائيل يعد 
موضوعا نظريا.» «(«لأن سفنها كانت تمر فى القئاة تحت أعلام 
أخرى ») ! . 


وقد عرز بريجينيف قول كوسيجين قائلا : ماذا هم لو مر فى القناة 
العلم الاسرائيل أو لم يمر ؟ . ماقيمة الشكليات بالنسبة لعمل ضخم 
فى البلاد كالسد العالى فى أسوان » أو كمشروع صناعى ضخم » أو 
مشروع زراعى كبير؟ 5 ماذا يهم فى هذه الظروف لو صدر قرار بإنهاء 
حالة الحرب . شرط أن يكون قبله انسحاب القوات الاسرائيلية ؟ . 


وقد رد بومدين قائلا : « كلامك غير صحيح وغامض ») ! . فقال 
كوسيجين بأعصاب باردة : ( الكلام واضح ظ لكن المترجم هوالمسئول 
عن أى غموض ! » . 


1م 





بومدين : إن إنهاء حالة الحرب يؤدى حتما الى الاعتراف بالوجود 
الاسرائيل » وهذا أمر صعب جذا بالنسبة لحكومة القاهرة 
وللآخرين !. 


بريجينيف : دعوا إسرائيل تنسحب . ثم فسروا القرار | تريدون » 


يومدين : إذا أجرينا حساباتنا على هذا الأساس ٠‏ فإننا نتقدم 
خطوة .» والعدو يتقدم عشر خطوات . بصراحة » اننى لست متفقا 
معكم فى هذا . وإذا كانت المشكلة مطروحة بهذا الشكل » فعلينا 
عندئذ أن ننظر إلى القضية كلها » أى قضية فلسطين بأكملها من أجل 
حلها بصورة نبائية » وبالتالى تحقيق السلام كاملا . فى هذه الجالة 
يصبح الانسحاب من الأرض المحتلة جزءا من كل . هذا هو محليل 
إخواننا جميعا ) . 


وهكذا انتهى اللقاء بين كل من هوارى بو مدين وعبد الرحمن عارف 


فى ذلك الحين كان الاتفاق قد تم بين الاتحاد السوفيتى والولايات 
المتحدة على تقديم مشروع سوفيتى - أمريكى فى الأمم المتحدة » يرتكز 
على نقطتين رئيسيتين : الأولى » إنهاء حالة الحرب . والثانية » 
الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة » هذا بمخللاف مواضيع فرعية 
العرب رفضوا هذا المشروع فى الأمم المتحدة » فأفلتوا فرصة انسحاب 


لض 





ولم يلبث مؤقر الخرطوم فى المدة من 9؟ أغسطس إلى أول 
سبتمبر 19517 أن أغلق الباب ههائيا فى وجه أى انسحاب سلمى 
وااخانة العتاؤات: الشوورقء- صل م امراتيل ٠‏ ولااغار فنهيها + 
ولاتفاوض معها . وبذلك انفتح الباب أمام الحل الباقى الوحيد » وهو 
ا رب : 


وانصافا لعبد الناصر فإنه طرح أبعاد الموقف العسكرى والسياسى 
بوضوح تام أمام المؤتمرء بها كان كفيلا باتخاذ قرارات أكثر واقعية تنقذ 
الضفة الغربية من الاحتلال الاسرائيل . ولكن مناخ التطرف الذى 
كان سائد قبل حرب يونية حجب لحد كبير متطلبات الواقع المرير 
الناشىء عن الهزيمة بكل حجمها وثقلها » وفى الوقت نفسه لعبت 
الجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية دورا فى إذكاء حدة التطرف والمزايدة 
على عبد الناصر نفسه . با أبعد الدول العربية المعتدلة فى ذلك الحين 
عن الاعتدال » وقدف بها إلى جانب المتطرفين . 


وهكذا رغم الايجابيات اطامة التى أفرزها المؤتمر » وهى بعث روح 
التحدى والتصدى فى نفوس العرب . وإحياء الأمل فى القدرة العربية 
الناشئة عن الاتحاد » وتخصيص إعانة سئوية من دول البترول لدول 
المواجهة تنئال مصر بمقتضاها 40 مليونا من الحنيهات . وتنال الأردن 
*؛ مليونا ‏ إلا أن اللاءات الثلاث كرست الاحتلال الاسرائيل للضفة 
الغربية » وأتاحت الفرصة لاسرائيل لبناء المستوطنات اليهودية فيها , 
حتى بلغت عند كتابة هذه السطور ١٠١*‏ مستوطنة » وفقا لأرقام إيريل 
شارون 'وزير الدفاع الاسرائيل . لتعل الوجود الاسرائيل فى الضفة 
الغربية أمرا لارجعة فيه ! . 


وكان عبد الناصر قد رسم صورة الموقف أمام الملوك والرؤساء العرب 


مانا 





فى مؤقر الخرطوم على النحو التالى : 


فقد, أعلن أن « الموقف العالمى الآن يختلف تماما عا كان عليه عام 
65 . ففى ذلك العام اتفقت كل من أمريكا والاتحاد السوفيتى على 
الوقوف فى وجه العدوان الثلاثى . أما فى سنة ١951‏ فقد وافقت 
أمريكا والاتحاد السوفيتى على حق اسرائيل فى الوجود والحياة » كما اتفق 
الاثنان أيضا على إنبهاء حالة الحرب » . وقال : 


«إنناقى مصر نستطيع الانتظار حتى نستكمل استعدادنا 
العسكرى » وعلدثل نقوم بالعمل الوحيد الذى تفهمه اسرائيل جيدا » 
وهو تحرير الأرض بالقوة . ولكن مايقلقنى حقيقة هو الموقف فى الضفة 
على الاطلاق ! . 


« إننى أتابع بالتفصيل كل مايحدث فى اسرائيل اليوم . لقد اندجت 
الأحزاب الثلاثة » التى تمثل قمة التطرف فى اسرائيل . فى كتلة واحدة 
تحت اسم «١‏ ليكود » » وهذه الكتلة تصر على الاحتفاظ بالضفة الغربية 
بأكملها » وعدم التفريط فى شبر منها . 


« ولهذا يجب أن نسرع بالتحرك » ونبذل أقصى جهدنا لاستعادة 
القدس والضفة الغربية بالوسائل المتاحة لدينا فى الوقت الحاضر , لأننا 
لو تأخرنا قليلا فلن تعود القدس . ولن تعود الضفة الغربية . إن الضفة 
الغربية مزدحمة بسكانها العرب » وقد سقطوا الآن فى قبضة الاحتلال 
اليهسودى . فى الوقت الذى نقف نحن مكتوفق الأيدى لانستطيع أن 
نفعل شيئا من أجلهم . إن أطماع اليهود فى الضفة الغربية قديمة 


ام 





ومعروفة » إنهم يطلقون عليها اسم « بهوديا وسماريا » ويعتبرونها جزءا 
من « أرض الميعاد ») . 


« إنى أعتير أن كل. يوم يمر على الضفة الغربية وهى تحت الاحتلال 
الاسرائيل » هو خطوة على طريق ربطها باسرائيل . إننا أيها السادة 
حاولنا أن نتحرك عسكريا لكننا هزمنا » حاولنا أن نغلق خليج العقبة 
فى وجه الملاحة الاسرائيلية » لكننا لم ننجح » قضينا عشر سئوات فى 
الاعداد العسكرى لتحرير الأرض المغتصبة » لكنا لم نتمكن فى الغهاية 
من قنقيو اند ف الثاى فيا اليدا: كل اذه الليقائق للا يخ عن 
ذكرها لأننا لم نرتكب خيانة » كل مافعلناه أننا حاولنا وفشلنا . لقد 
كانت لدينا فى الماضى مصيبة واحدة » وأصبحت لدينا الآن مصيبتان : 
مصيبة سئة 1914/4 2 ومصيبة سنة 1951 . 


«إنى أرى أن يذهب الملك حسين كى يتفا 
الأمريكان . ويتفق معهم على استرجاع الضفة الغربية . وأنا مستعد أن 
أعلن هذا الكلام على الملأ » لأن أمريكا وحدها هى التى تستطيع أن 
تأمر اسرائيل برفع أيديها عن الضفة الغربية . إن تحرير سيناء مفجل 
فى الوقت الحاضر إلى أن يقضى الله أمراكان مفعولا . أما بالنسبة 
للضفة الغربية فليس هناك من وسيلة لاخراج اليهود منها إلا بعمل 
سياسى . 


« أنا قلت إننا على استعداد لأن ندفع ثمنا مقابل استرداد الضفة 
الغربية . نحن الآن ليس فى استطاعتنا حميعا استعادة الضفة الغربية 
فلسطين ضاع فى عام ٠ ١448‏ والنصف الآخر ضاع فى عام 
177 ! . وإذا كان هدفنا الآن استعادة الضفة الغربية بالعمل 


8 





السلمى . فلا بد من دفع الثمن » ! ١‏ 


ولكن ما هو الثمن الذى كان عبد الناصر على استعداد ليدفعه 
العرب » فى سبيل استرداد الضفة الغربية ؟ إنه لم يحدد ثمنا معينا , 
ولكنه اشترط ألا يكون هذا الثمن « تصفية القضية » . وفى الوقت 
نفسه حذر الملك حسين من « الصلح مع اسرائيل أو التفاوض 
معها)» !. وأباح له « توثيق علاقته مع الامريكان واقترابه منهبم 
أكثر » ! . كما اقترح على الدول والقيادات العربية التى هى على علاقة 
طيبة بالأمريكان . الاتصال بهم . واقترح أن يقوم الملك فيصل بمثل 
هذه الاتصالات « بحيث ينوب عنا فى شرح وجهة نظرنافى القضية » . 


ومعنى هذا الكلام » أن عبد الناصر فرق بين تحرير سيناء وتحرير 
الضفة الغربية . فحدد لتحرير سيناء ‏ حسب قوله ‏ « العمل الوحيد 
الذى تفهمه اسرائيل جيدا » وهو تحرير الأرض بالقوة » » معتمدا فى 
ذلك على الاتحاد السوفيتى . أما الضفة الغربية » فحدد لتحريرها 
العمل السياسى وحده . واعتمد فى هذه الوسيلة على الولايات 
المتحدة » الذى ذهب فى الحصول على تأبيدها إلى حد نصحه الملك 
حسين « بتوثيق علاقته بها ) » وتفويض الملك فيصل فى الاتصال بها 
باسم المؤتمر . 

وبذلك ترك عبد الناصر لكل طرف عربى تحرير أرضه بالوسيلة 
المناسبة » دون تزامن أو ترتيب زمنى معين . بل إنه أعطى الأولوية 
لتحرير الضفة الغربية من خلال العمل السياسى وحده . 


على أن مصدر التناقض فى هذا الحل الذى طرحه عبد الناصر » هو 
أنه فى الوقت الذى كان يرى أن كل يوم يمر على الضفة الغربية فى يد 


اوم 





اسرائيل يعتير خطوة على طريق ربطها بها » وفى الوقت الذى كان يوقن 
بأن الولايات المتحده وحدها هى التى تملك أن تأمر اسرائيل 
بالانسحاب من الضفة الغربية ‏ فإنه رفض أن يدفع الثمن الذى 
حددته الولايات المتحده لهذا الانسحاب . وهو حق اسرائيل فى الوجود 
والحياة » وإنهاء حالة الحرسب ‏ وهو ثمن كان الاتحاد السوفيتى أيضا 
يرى وينصح بدفعه . فاشترط على الملك حسين عدم التفاوض مع 
اسرائيل وعدم الصلح معها . وتصور أن الولايات المتحدة سوف ترى 
فى تقارب الملك حسين معها ثمنا كافيا لانسحاب اسرائيل من الضفة 
الغربية ! . وبذلك دلل عبد الناصر على قصور أيديولوجى شديد ! . 


ذلك أن هذا التنازل لصالح العدو الأساسى . وهو الولايات 
المتحدة .» كان أخطر من التنازل لصالح العدو الفرعى . وهو 
اسرائيل . وقد شرح هذه القضية بريجينيف وهو يخاطب بومدين وعارف 
بقوله :« اسرائيل كدولة » ليس لما وزن بالنسبة للدول الأخرى . لأنه 
ليس لها المقومات الاقتصادية » إذ أنها تعيش على المساعدات التى 
تأتيها من الجانب الآخر . وإذا قطعت عنها أمريكا القروض والاعانات 
فستموت وتنتهى بعد فترة وجيزة . لقد قلتم انكم لن تتكلموا مع 
اسرائيل » ولكن ستتكلمون مع الأمريكان . هذا شىء جديد بالنسبة 
لنا . إن اسرائيل لاتستعبدكم » ولكن أمريكا يمكنها ذلك !) . 


وعلى كل حال , فقد رفضت كل من منظمة التحرير الفلسطينية 
والجزائر دفع هذا الثمن أو أى ثمن لقاء استرداد الضفة الغربية » رغم 
تحذير عبد الناصر الصريح ١‏ بأننا لو تأخرنا قليلا » فلن تعود القدس 
ولن تعود الضفة الغربية ) ! . 


فقد أعلن الشقيرى أنه « كمواطن عربى ٠‏ وكرئيس ٠‏ أرفض دفع 


يكنا 





هذا الثمن » وأعلن الآن اننى غير موافق . وأقرر لكم بشكل قاطع , 
باسم منظمة محرير فلسطين , أنه لايوجد ملك أو رئيس دولة لديه 


أما بوتفليقة عن الجزائر » فقد أعلن أن « الحل السياسى بالنسبة 
للضفة الغربية فيه أخذ وعطاء . والخطورة هنا تكمن فى أننا قد نتبع 
الأسلوس نفسه بالنسبة لسيناء والمرتفعات السورية . وإذا وافقئا الآن 
على مبدأ الأخذ والعطاء فى العمل السياسى » فليس واضحا أمامنا إلى 
أى مدى سيكون الأخذ . وإلى أى مدى سيكون العطاء » ! . 


وهذا الكلام البليغ كان معقولا قبل حرب يونية ل951١‏ , وقبل 
احتلال اسرائيل لسيناء والضفة الغربية والجولان . أما وقد أصبح فى 
يدها كل شىء , ولم يعد فى يد العرب شىء » وبعد أن أعلن عبد 
الناصر فى وضوح تام أنه « ليس من وسيلة لاخراج اليهود من الضفة 
الغربية الا بعمل سياسى » . كما أعلن أنه « ليس فى استطاعتنا جميعا 
استعادة الضفة الغربية عسكريا  )‏ فإن هذا الكلام كان يساوى تماما 
« إعطاء » الضفة الغربية لاسرائيل . 


ومن هنا يتضح معنى عبارة كوسيجين التى وجهها لموارى بومدين 
فى لقاء موسكو السالف الذكر : « إن ثورية الكلام » إذا لم تستند على 
قوة فعلية » تكون خيانة ) ! . 


كان مؤثمر الخرطوم فى جوهره مؤمرا لتحرير الضفة الغربية بالدرجة 
الأولى » وليس لتحرير سيناء التى كان عبد الناصر يعرف الطريق إلى 
رونا بوجيلة ‏ لشرن شك ١‏ مع ون كا رو دن 
وسيلة لم تكن الدول العربية المعتدلة فى المؤممر لتعتمدها بسبب خوفها 


كن 





من الاتحاد السوفيتى من جهة » وبسبب علاقاتها بالولايات المتحدة من 
جهة أخرى . 


وفى هذا الضوء يمكن فهم التناقض الذى وقع فيه المؤتمر . فلو أنه 
اعتمد القوة العسكرية لتحرير الضفة الغربية » كما فعل عبد الناصر 
بالنسبة لسيناء » لكان منسج] مع نفسه . ولأخذ فى تجهيز القوة 
العسكرية اللازمة لهذا التحرير من أى مكان . ولكن المؤتمر اعتمد الخل 
السياسى وسيلة للتحرير » واعتمد على الولايات المتحدة بالذات 
لتحقيق هذا الغرض .» وأسند إلى الملك حسين والملك فيصل مهمة 
الدخول فى اتصالات مع أمريكا على هذا الأساس . ولكنه فى الوقت 
نفسه سد الطريق فى وجه هذا الحل بلاءاته الثلاث ‏ ومن هنا فشلت 
جميع الجهود السلمية التى بذلت مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ 
ذلك الحين . لأن هذه الجهود رفضت دفع الثمن الذى حددته الولايات 
المتحدة منذ البداية » وهو إنهاء الحرب وعقد الصلح مع اسرائيل ! . 


على كل حال ». إذا كان مؤتمر الخرطوم قد فشل فى إرساء أساس 
الحل السياسى . فقد نجح عبد الناصر فى إرساء الحل العسكرى الذى 
لاتعقيد فيه ولايحتاج إلى تنازلات » وهو توريط الانمحاد السوفيتى 
عسكريا فى النزاع بكل الطرق . وعدم الساح له بالفكاك من 
التزاماته ! . 


وكان الاتحاد السوفيتى قد أعلن منذ البداية عزوفه التام عن التورط 
العسكرى ‏ كا رأينا ‏ فعندما طلب هوارى بومدين وعبد الرحمن عارف 
من القادة السوفيت ». فى لقاء موسكو المنعقد فى يوليو/951١‏ ؛ ( أن 
يأخذوا على عاتقهم مسئولية الدفاع الجوى . وإرسال خمسين طيارا 
سوفيتيا للحماية الحوية  »‏ أجاب بريجينيف قائلا : « إن هذا معناه أننا 


00 





سنشترك بتشكيلاتنا وبجيوشنا ! . ومن المحتمل فى هذا الظرف التوسع 
فى المعارك والتوسع فى الحرب . إن هذا الشكل من الاشتراك فى 
العمليات معناه قيام قوات أجنبية بالدفاع عن بلد لم تجهز قواته الوطنية 
بعد . وهذا شكل غير سليم » . وقال كوسيجين : « إذا أرسلنا قوات 
إليكم . فلا بد أن تقوم أمريكا وبريطانيا بإرسال قواتها إلى إسرائيل 
أيضا . لاأقصد بذلك أننا خائفون » ولكن أقصد أنه يجب التفكير 
جيدا فى عواقب الأمور قبل تأزيم الموقف . نحن نسمع أن بعض 
العرب يقولون إن الروس خائفون . ولكن الحقيقة أنه لابد أن نفكر 
جيدا » وأن نحل المشاكل برعوس باردة ) . 


لهذا السبب سرعان ماسحب الاتحاد السوفيتى الوعد الذى أعطاه 
بودجورنى لعبد الناصر خلال وجوده فى القاهرة » بإرسال مجموعة من 
الطيارين السوفيت . ثم عاد . تحت ضغط عبد الناصر ء فوافق على 
أن تستخدم مصر الخراء السوفييت الطيارين الموجودين فى مصر . 
وعددهم 5ه طيارا . وقد أعلن عبد الناصر هذا الخبر فى جلسة مجلس 
الوزراء يوم /ا ابريل ١957‏ مبتهجا , واستطرد قائلا : « ومازلنا نضغط 
عليهم لارسال عدد أكبر من الطيارين . لكنهم لم يوافقوا على الزيادة 
المطلوبة حتى الآن ! ») . 


وقد شرح عبد الناصر لمجلس الوزراء فى هذه الجلسة الأسباب التى 
تدفعه إلى توريط الانمحاد السوفيتى فى الصراع العربى الاسرائيل 
عسكريا » فقال إنه ييدف إلى « أن يشعر الأمريكيون بأن السوفييت قد 
دخلوا المنطقة بأنفسهم . وهذا عامل نفسى مهم جدا بالنسبة 
للأمريكان » يحسبون له ألف حساب » . 


ثم قال : « إن قواتنا أصبحت الآن فى حالة جيدة ؛ لكئنا غير 


للك 





قادرين على الحجوم بسبب تفوق اسرائيل فى الطيران والمدرعات . كما 
أننا نعانى من نقص شديد فى العربات وف مركبات الجنزير إذا أردنا 
أن نتوغل فى سيناء . لقد شرعنا فى تشكيل فرقتين عسكريتين وافق 
السوفييت على تسليحه| بالكامل . وأحب أن أبلغكم أن وسائل 
ومعدات العبور قد وصل بعضها بالفعل . أما بشأن تزويدنا بالطائرة 
الجديدة » فقد وعد الروس ببحث الطلب ٠‏ وأعتقد أنهم سيوافقون 
عليه . 


6 


وكأنما أراد عبد الناصر أن يجيب على بعض الاعتراضات التى قد 
تنشأ فى صدور بعض الوزراء بشأن هذه السياسة » فقال : 


الا نتمحاد السوفيتى يمكنها تزويدنا بالأسلحة والمعدات اللازمة 
والخيرة ( وذلك لسببين 1 


الأول » أنه لا يوجد لدينا أموال سائلة لشراء كل هذه الأسلحة من 
أسواق الغرب . 


والثانى » أنه ا تستطيع امدادنا مبلذا الجم وممذه 
النوعية من السلاح » الا الاتحاد السوفيتى )1 . 


وقد وصف الفريق أول محمد فوزى حالة القوات المسلحة المصرية » 
فى اجتماع مجلس الوزراء فى فبراير ١974‏ » فقال انها « بلغت الآن نسبة 
/ من حجمها الذى كانت عليه قبل معركة © يونيو») » واستطرد 
قائلا : « ان الأسلحة السوفيتية قدمت الينا بدون ثمن ) . ووصف 


حالة الأسطول البحرى المصرى بقوله ان مصر « لما الآن السيطرة 





الكاملة فى البحر) . وتحدث عن صعويات الدخول فى معركة ضد 
اسرائيل فى ذلك الحين » فقال انه « من سوء حظنا أننا خسرنا فى حرب 
يونيو نحو ثلاثة عشر ألف عربة عادية ونصف جنزير ! . واننا الآن فى 
حاجة الى مثل هذا العدد من العربات للدخول فى حرب سيناء » . 


قلاف اطيق كاتاه كورة هن الناهيت لمرزويط الاقياة السريكن 
عسكريا تؤتى ثارها تدريجيا . ففى جلسة ه يونية 1954 لمجلس 
الوزراء » أعلن عبد الناصر موافقة الروس على وضع ١٠١٠١‏ طيارا 
سوفيتيا فى مصر تحت القيادة المصرية . وقال : ( ان هذا العدد من 
الطيارين سيتيح لنا التفرغ لتدريب العدد المطلوب من الطيارين 
المصريين . وأحب أن أقول لكم ان عامل الوقت قد أصبح ضد 
اسرائيل ) . 


ولم تلبث حرب الاستنزاف أن جرت الاتحاد السوفيتى جرا الى 
التورط العسكرى ‏ كما سنعالج ذلك فيا بعد بتفصيل أكبر- ففى 
يناير 1910١‏ . وحتى يوقف عبد الناصر الغارات الاسرائيلية فى 
العمق . سافر الى الاتحاد السوفيتى » ليطلب من السوفيت أن يرسلوا 
الى مصر صواريخ يمكنها مواجهة الطائرات التى تطير على ارتفاع 
منخفض » وقوات لتشغيلها » وقد وافق القادة السوفيت تحت هذا 
الضغط . فأرسلوا وحدات صواريخ سوفيتية مع رجاطا ومعداتها . وى 
أول ابريل وصلت ثلاثة أسراب من المقاتلات الروسية بطياريها للدفاع 
عن سماء القاهرة والاسكندرية وأسوان . فى الوقت الذى كانت القوات 
الروسية تدير بطاريات صواريخ سام ” المعقدة وتتولى مهام الدفاع ضد 
الطائرات الاسرائيلية . 


وف يونية 191/٠‏ . وبعد زيارة عبد الناصر للاتحاد السوفيتى فى 


وق 





9 يونية 191٠١‏ » استطاع أن يعلن فى اجتاع اللجنة التنفيذية العليا 
للاتحاد الاشتراكى . أن الاتتحاد السوفيتى قد وافق على 48 / من 
طلبات مصر من الطائرات والصواريخ الجديدة وطائرات الهيلو كوبتر 
وسيارات النقل . وقال فى انتصار : 


« لقد تمكنت أيضا من الحصول على موافقتهم الحزئية على أن يشترك 
الطيارون الروس مع طيارينا المصريين فى الطلعات الحجوية . كذلك 
بالنسبة للصواريخ أرض / جو وافقوا أيضا على أن يتحرك بعضها مع 
مجموعات صوارمخنا شرقا للقئاة . كما وافق الروس أيضا على ارسال 
معدات وأجهزة ألكترونية حديثة خاصة بالتشويش على رادارات اليهود 
الأرضية أو الموجودة فى طائرات الفانتوم . وستحضر فى خلال أيام قليلة 
مجموعة من العليماء السوفييت لدراسة الحوانب العلمية الناتجة عن 
استخدام الأجهزة الحديدة على الطبيعة . وى خلال شهر أغسطس 
المقبل سوف يصلنا صواريخ سام # » الحديدة بمعداتها الكاملة , 
ومعها أيضا الأطقم التى تم تدريبها فى الاتحاد السوفيتى ») . 


ثم قال عبد الناصر انه يرى أن الشىء الوحيد الذى سوف يرغم 
الأفريكيين عن الحل الايجابى » «( هومدى اشتراك الروس مع قواتنا 
العسكرية فى مصر . أى أن احتمال الوصول الى حل سلمى عادل » 


والآن » أصبح الروس موجودين معنا . وأصبحت صواريخهم مع 
صواريخنا . وطياروهم مع طيارينا . وطبعا الروس لا يقبلون عسكريا 
ألاضرها لهذا ارئ أن تلاهنا فق «استراك الكنوه السنوفيت معنا : 
يعتير أكبر قدرا من أية عملية ردع عسكرية » لأن الأمريكان يخشون 
جدا الوجود الروسى فى المنطقة بهذا الشكل . ولهذا السبب فقط 


15 





سيضطرون أن يفكروا جديا فى ايجاد حل سلمى صحيح . دون أن 


وفك 1ن ونون قط الماره اغا هزد الناماى بسكل عد اللضالية 
وعزمه الذى لا يلين بناء الجيش الذى بدده المشير عامر فى سيناء فى 
يونية 19517 . ولولا حرب الاستندزاف لتغير وجه الصراع العربى 
الأمترائيان: ولكن هذه قصة أخرى سيحين الكلام عنها : 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 











لخسز اغسزاق التستاصزة إيبلات 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 











اغسراف المدمسرة اسلات 


قبل أن تبدأ مصر حرب الاستنزاف » كانت ظروف المواجهة 
المصرية الاسرائيلية فى جبهة القناة » هى الظروف التى تنشأ عادة بين 
جيوش دولة غازية وجيوش دولة محتل جزء كبير من أرضها . فقد أخل 
الجنود الاسرائيليون على الضفة الغربية للقناة يتفننون فى تمريغ أنف 
اجنود المصريين فى التراب » ويواجهونهم بمختلف ألوان التحدى » 
فكان بعضهم ينزلون للاستحام فى مياه القناة » بينم| يجلس البعض 
الآخر على الشاطىء الشرقى للقناة لصيد الأسماك » كا قامت بعض 
نقط مراقبة العدو بوضع مكبرات الصوت على الساتر الرمى » لتذيع 
منها الأغانى العربية » وتطلق النكات والضحكات ‏ هذا فى الوقت 
الذى صدرت الأوامر صارمة للقوات المسلحة المصرية بتجنب اعطاء 
الاسرائيليين أية ذريعة لاستثناف المعركة قبل استكمال الاستعدادات 
الدفاعية ! . 


وكان ذلك أمرا قاسيا على النفس . لأن القناصة الاسرائيليين كانوأ 


44 





يعملون بنشاط دون مقاومة » وكانت التحديات مستمرة من جانب 
مدفعية العدو وطيرانه . ويقول هيكل فى كتابه : « الطريق إلى 
رمضان » ان الفريق أول محمد فوزى لم يستطع تحمل مسئولية اصدار 
القرار للجنود المصريين بعدم الرد على التحديات الاسرائيلية » فحول 
مسثولية اصداره الى عبد الناصر بصفته القائد الأعلى للقوات 
المسلحة » فصدر القرار باسمه ! . ومع ذلك فقد قدم عدد من الحنود 
المصريين الى المحاكمة العسكرية لعدم اطاعتهم له ! . 


ف هذا المناح ( وف الميدان البحرى ( وقع حادث اغراق المدمرة 
الاسرائيلية ايلات يوم "١‏ أكتوبر ١1951/‏ » كقنبلة هائلة فجرت الموقف 
ليس فقط على المستوى المحل . بل وعلى المستوى العربى والعالمى 4 
وكاد يبدد بقلب خخطط كل من الطرفين المتحاربين » وكان نقطة تحول 
فى استراتيجية اسرائيل تجاه المناطق العربية المحتلة . 


وعلى الرغم من شهرة هذا الحادث . الا أنه يعد أكثر الأحداث 
غموضا » وهو لغز عسكرى فى بعض جوانبه الأساسية ! . اذ كيف 
وقع هذا الحادث ؟ , ومن قام به ؟ » ومن أصدر الأمر به ؟ . كل هذه 
أسئلة اختلفت فيها المصادر الاسرائيلية والمصرية ‏ على قلتها ‏ انختلافا 
بينا . كما أن ما قدمته المصادر المصرية مقتضب لا يشفى الغليل » فوق 
أن ما يخفيه أكثر مما يعلنه ! . 


ووففا للرؤاية الأآسر اقيلية قان المدهرة ايلك كانت ف طاورية 
روتينية فى المياه الدولية » على بعد ثلاثة عشر ميلا ونصف من 
بور سعيد » حين صربت بصاروخ مصرى . وبعد بضعة دقائق 
ضربت بصاروخ آخر أصاب محركها . وبعد ساعة ونصف أصيبت 


بصاروخ ثالث أغرقها . وبعد دقائق قليلة أطلق عليها صاروخ رابع 


4٠ 





وقد أوضحت الرواية الاسرائيلية » التى أذاعها قائد البحرية شلومو 
ايريل 5:81 5010700 أن الصواريخ أطلقت من زورق صواريخ سوفيتى 
الصنع من طراز ١‏ كومار » 1607087 » وأن الزورق كان داخل بور سعيد 
كما يعتقد ! . وأبدى اعتقاده بأن السوفييت قد يكونون هم الذين 
أطلقوا الصواريخ ! . وأن هذه هى الرة الأولى التى يستخدم فيها 
صواريخ بحر بحر فى معركة بحرية ! . وقد أيد بن جوريون فكرة أن 
السوفييت هم الذين أطلقوا الصواريخ وأغرقوا المدمرة ! . 


وفى الكتاب الذى ألفه تبرنس بريتى 51818 ©76:606 عن اشكول 
تحت اسم : 5361 :0 امكاطوع تمسك مبذه الرواية ‏ أو بأهم مفرداتها ‏ 
فقد ذكر أن القواعد التى أطلقت الصواريخ كانت داخل بور سعيد أو 
قريبا منها » وأنه مازال هناك شك قوى فى أن اطلاقها كان بواسطة 
السوفييت » نظرا لأن الكفاءة التى تم بها اطلاق الصواريخ الأربعة 
تفوق مقدرة المصريين ! . 


وقد تخل موشى ديان فى مذكراته المنشورة تحت عنوان : ١‏ قصة 
حيانى » » عن قصة الصواريخ الأربعة ! . فقد ذكر أنها اثنان فقط : 
أحدهما أوقف المحرك , والثانى أسكن المدمرة القاع . ولكنه تمسك بأن 
المدمرة كانت على بعد ثلاثة عشر ميلا ونصف من شاطىء بور سعيد » 
خارج المياه الاقليمية ! . 


على أن الرواية المصرية تروى قصة أخرى ! . وقد أدلى مها اللواء 
مصطفى كامل » المتحدث العسكرى بلسان القيادة العليا للقوات 


4١١ 





الصحافة العالمية . 


فقد أكد أن المدمرة الاسرائيلية ايلات قد ضربت « داخل المياه 
المصرية الاقليمية بميل واحد تقريبا» » وأنها قد غرقت - بالتالى - 
داخل المياه الاقليمية المصرية . كما أنها ضربت من البحر وليبس من 
اللبر. وعلى حد قوله » « كانت زوارق الطوربيد المصرية داخل الميناء 
حين شوهدت المدمرة الاسرائيلية تدخل مياهنا الاقليمية » وتحركت 
الزوارق » ووجهت ضرباتها المباشرة الى المدمرة») . وقد أطلق 
صاروخان فقط على المدمرة » الأول فى الساعة 7556 , ه مساء . والثانية 
5 ره مساء ! . 


كذلك تحدث اللواء مصطفى كامل عن صاروخين آخرين أطلقا 
على « هدف متحرك ظهر على شاشة الرادار بنفس حجم المدمرة 
ايلات » بعد ساعتين من اصابتها » فوجهت اليه ضر بتان مباشرتان فى 
الساعة ١9‏ ,لا مساع . 


وأما بيخصوص من أصدر الأمر باطلاق الصاروخين على المدمرة 
ايللات ٠»‏ فقد أوضح أن المهمة التى قام مها زورق الصواريخ المصرى 
كانت ( تنفيذية » . فقد « طلبت مواقعنا الاذن ها بالضرب . وأعطى 
لها الاذن بضرب المدمرة اذا دخخلت مياهنا الاقليمية مرة أخرى ) . 

ومعنى هذا الكلام أن القيادة قد وافقت على طلب ضرب المدلمرة . 
وان كان اللواء مصطفى كامل لم يحدد من كانت هذه القيادة : هل 
كانت القيادة العسكرية أم القيادة السياسة ؟ . م يسأله أحد ذلك . 


نيلك 





على أنه نظرا لأن الحادث لم يكن حادثا حربيا عاديا » اذ كانت صفته 
السياسية تفوق صفته العسكرية » والنتائج التى يمكن أن تثرتب عليه 
هى نتائج سياسية وليست نتائج عسكرية ‏ فقد كان من المفهوم أن 
القيادة السياسية العليا » ممثلة فى عبد الناصر » هى فى نفس الوقت 
القيادة العليا للقوات المسلحة » قد وافقت على طلب ضري المدمرة . 


على أن اللواء مصطفى كامل تفادى بمهارة الاجابة على سؤال هام 
حول ما اذا كانت الصواريخ التى استخدمت فى ضرب المتمرة ايلات 
« من نوع جديد ) . فقد رفض التعليق ! . ولكن الدوائر العسكرية 
فى واشنطن كانت تعرف أن المصريين قد حصلوا على هذه الصواريخ 
منذ عام ١1457‏ ! » اذ أعطى السوفييت لمصر فى ذلك الحين ثلاثة 
زوارق صواريخ موجهة من طراز « كومار) . 


ومعنى هذا الكلام أن الصواريخ التى أغرقت المدمرة ايلات كانت 
موجودة لدى المصرين منذ خس سنوات ! . وكانت ‏ بالتالى - صواريخ 
قديمة ! . ولم تسلم للمصريين بعد هزيمة يونية فى اطار خطة اعادة بناء 
القوات المسلحة كما كان المعتقد ! . 


وأهم من ذلك كله ؛ أن هذه الصواريخ لم تشتهر , وم تبرز فى صورة 
أحدث الصواريخ » الا عندما استخدمها المصريون لأول مرة ى 
تاريخها ! . فكأن الحادث نفسه هو الذى أبرز أهمية هذه الصواريخ » 


وتلك نقطة هامة جدا » لأن الاستراتيجية العالمية البحرية لم تتغير 
بسبب اختراع الصاروخ السوفيتى )) ستايكس )51371 ) ( وفقا لمصطلح 
حلف الاطلنطى  )‏ وانما تغبرت بسبب استخدامه » وبعد أن وضع فى 


41 3* 





الاختبار على يد القوات البحرية المصرية . وفى هذا الضبوء يجب تقييم 
الحادث ! . 


على كل حال » فلم تتمثل أهمية حادث اغراق المدمرة ايلات فى 
ذلك الجين فى مجرد تدمبر زورق صواريخ صغير لسفينة حربية ضخمة - 
لأول مرة فى التاريخ ! - بكل ما ترتب على ذلك من آثار - وانما تمثلت 
فى أن هذا الحادث صدر عن مصر بالذات ! . 


ففى ذلك الحين كان العالم يعتقد أن مصر بعد هزيمة يونية 
1 » قد سقطت فى هوة ليس لا قرار. ولم يعد يحول بين 
اسرائيل » الجحائمة على شاطىء القناة » وبين الوصول الى قلب 
القاهرة . قوة عسكرية ذات قيمة . فجاءت ضربة ايلات بمثابة 
انتفاضه عملاق أشخنته الجراح » وسقط وظن الناس أنه مات وانتهى » 
فاذا به ينتفض فجأة , وتدب فيه الحياة » ويستجمع قواه » ويصوب 
ضربة ساحقة الى خصمه . فيصيبه فى صميم كبريائه » ويمرغ أنفه فى 
الرغام ! . 


نعم » كانت ضربة ايلات رمرا ماديا ومعنويا لحيوية الشعب العربى 
فى مصر » وقدرة مصر الدائمة المتجددة على الهبوض بعد سقوط . 
والبعث بعد موت . والثأر لكرامتها الجريحة مهما تكالبت عليها قوى 
العدو وأخنتها الجراح . وهوما تمكنت من تأكيده بعد ست سنوات فى 
حرب أكتوبر */191 . 

على أن هذه الضربة قد مثلت . فيا يختص بوجهة النظر التاريخية » 
حدثا عسكريا فريدا فى تنفيذه وملابساته » وقصة قائمة بذاتها تزدحم 
بالاثارة والغموض والبطولة ! . فهو حدث لم تحركه أهداف عسكرية أو 


415 





سياسية كتلك التى تحرك مثله من الأحداث ». وانما حركته بواعث 
تعكوية يكل ل تلقام البقاء ليون لشن المأفتيه ران هكين 
بقاء الشرف العسكرى المصرى الذى أصيب دون جريرة فى حرب 
يونية 19517 » والتعبير عن الجوهر الحقيقى للوطنية المصرية وروح 
النضال العربية التى صهرتها حقب ودهور وأجيال . 


وفى الوقت نفسه . وكما يظهر الفحص التاريخى العلمى للحادث » 
فلم تصنع القيادة السياسية العليا هذا الحادث بالدرجة الأولى » وانم| 
صنعته وطنية ضباط وجنود البحرية المصرية » وجرت اليه القيادة 
السياسية فى عمل لم يسبق له نظير» يصور فداحة الأزمة النفسية , 
وعمق الجراح التى أصابت كرامة العسكرية المصرية . والتى كانت 
تبحث فى يأس محموم عن طب ودواء » حتى ولو كان فى عمل 
انتحارى » يحكى للأجيال أن مصر العربية لم يركبها الذعر من هول 
المزيمة » با ان نار الثأر وارادة التحدى كانت تستعر وتضطرم تحت 


الرماد . 


وحتى يمكن فهم الظروف النفسية التى جرى فيها هذا الحادث . 
لابد من الاشارة الى تلك الحقيقة » وهى أن ميزان القوى العسكرى 
بين البحرية المصرية والبحرية الاسرائيلية بعد هزيمة يونية 1١951/‏ » 
ظل فى صالح الجانب المصرى . أى على العكس ماما ما كان عليه 
الحال فى القوات البرية والجوية ! . ليس فقط لأن البحرية المصرية لم 
تتأثر مبزيمة يونية ١951/‏ أيا تأثير » وان| لأن اسرائيل لم تحتفظ بأسطول . 
كبير » اذ كان اهتيامها الأول منصبا على الطيران والقوات اليرية . 


وفى الحقيقة أن اسرائيل كانت تعتمد بالدرجة الأولى على حماية 
الأسطول الأمريكى ف البحر المتوسط وللسيدة جولدا مايير قول 


حم 





مشهور فى هذا الصدد » بأن اسرائيل ليست فى حاجة لاسطول كبير » 
لأن لما فى الأسطول السادس الأمريكى ما يغنيها ! . 


مع ذلك فقد تكونت لاسرائيل قوة بحرية مؤثرة » تملك على الرغم 
من صغرها ‏ قوة نيران عالية . فقد كان عدد أفراد القوات البحرية 
الاسرائيلية نحو ثلاثة آلاف من الجنود النظامية » كما كانت تملك 
4 سفينة حربية » تتخل قاعدتها فى حيفا » مع بعض التسهيلات فى 
أسدود (التى كانت الخطة تقضى بتطويرها لتصبح قاعدة 
للغواصات ) » فضلا عن ميناء ايالات . 


كذلك كانت اسرائيل تملك غواصتين من طراز « اس »© » 
بريطانيتى الصنع » احداهما هى « راحاف » 539810 التى كانت تملك 
نظاما حديثا للاستكشاف تحت الماء بواسطة الموجات الصوتية » وقواعد 
لاطلاق الصواريخ ضد الغواصات . والأخرى هى ١‏ تانين ) 18010 . 
والى جانب هاتين الغواصتين كانت هناك غواصة ثالثة حصلت عليها 
اسرائيل من انجلترا فى ١18‏ ماي و951١‏ » وهى من طراز « تى ) 7 » 
وقد تسلمتهاف بورتسموث . وأطلقت عليها اسم « لفياثان ) 
صوط ٠6/1‏ » وقد جهزت بأجهزة استكشاف محسنة تحث الماء » كما 
زودت بقواعد لمدافع الماكيئة للاستخدام فوق السطح . 


أما المدمرات . فقد امتلكت اسرائيل ثلاث هى : ايلات » ويافو 
6 ». وو نوجا ») ١/008‏ وهى بريطانية الصنع أيضا . وتتحدث 
المصادر المصرية عن مدمرة أخرى هى « حيفا » . على أن « اد جار 
أوبالانس » يذكر أها استخدمت فى ذلك الحين كفرقاطة مضادة 
للغواصات ». على الرغم من أنها كانت فى الأصل مد مرة » وأنها كانت 


عاك 





سابقًا المدمرة ابراهيم الكبير » النى اغتنمتها اسرائيل من مصر ى حرب 
19465 !. 


والى جانب سفينة خفر سواحل ألمانية الصنع . وسفينة ساحلية 
للداورية » وثلاث سفن انزال- فقد امتلكت اسرائيل أيضا اثنى عشر 
زورقا من زوارق الطوربيد » ثلاثة منها صنعت فى ايطاليا » وثلاثة فى 
بريطانيا » وستة فى فرنسا . وكان كل زورق مما يبحمل طوربيدين » 
ومدفع عيار 5٠‏ مم ء ومدفعين عيار ٠١‏ مم ضد الدبابات . 


وعندما بدأت الأزمة التى أدت الى نشوب حرب يونية /1951 » 
سارعت اسرائيل الى اعداد أسطولها للحرب . فأدخلت عليه أحدث 
التجهيزات » وزودته بأجهزة الرادار الحديثة » وبمزيد من المدافع 
المضادة للطائرات . 


على أنه لما كان الاسطول الاسرائيل لا يستطيع منافسة الأسطول 
المصرى » الذى كان يملك أكير قوة بحرية ضاربة فى المنطقة بأسرها - 
فقد انحصرت مهامة فى حماية الشواطىء الاسرائيلية من ال هجوم . ومنع 
نزول أية فوات على الشاطىء » والحيلولة دون أعمال التخريب » 
واقناع الأسطول المصرى بنقل أكبر عدد تمكن من قطعه الى البحر 
الأحمر» حتى لا يبقى منه فى البحر المتوسط ما يكفى للمهاجمة تل أبيب 
والمراكز السكانية الحامة على السهل الساحلى ! . 


أما الأسطول المصرى » فكان أكير بكثير من الأسطول الاسرائيل » 
كا كان أحدث منه أيضا . فقد كان تعداد أفراده أحد عشر ألفا ء 


معظمهم من المجندين لفترة قصيرة . وكان عدد قطعه البحرية يبلغ 
المائة من مختلف الأنواع » وتتكون من اثنتى عشرة غواصة سوفيتية 


41 





الصنع من طراز « فى » لا و« أر) 8 » وثانى مدمرات » سث منها 
سوفيتية الصنع من طراز و سكوريو») 51010 » واثنتان بريطانيتا 
الصنع من طراز « زد ) 2 . فضلا عن اثنتى عشرة قطعة ساحلية 
مضادة للغواصات » وعشر كاسحات ألغام » واثنين وثلاثين زورقا 
حربيا » كان أهمها ثانية عشر زورقا من زوارق الصواريخ السوفيتية 
الصنع » منها عشر من طراز « أوسا» 098 » وثمانية من طراز 
( كومار» . وكان كلا النوعين يحمل صواريخ سطح ‏ سطح سوفيتية 
تسمى « ستايكس » » ومداها عشرون ميلا . وكانت زوارق 
الصواريخ الأخرى من طراز « أوسا ) » ووزنها ١١١‏ طنا . مزودة ب 
4 قواعد لاطلاق الصواريخ . أما زوارق الصواريخ الأخرى من طراز 
« كومار» ء ووزنها ماثة طن . فكانت مزودة بقاعدتين فقط . ولكن 
كلا من النوعين كان يجرى بسرعة 4٠‏ عقدة فى الساعة » أى 7١‏ كيلو 
مترا (العقدة > ميل بحرى - ١1855‏ مترا ) 


وعندما نشبت حرب يونية 194517 » كان معظم الأسطول المصرى 
فى البحر الأحمر ! . ذلك أن حور النزاع ‏ كما هو معروف ‏ كان يدور 
حول اغلاق مضيق تيران فى وجه الملاحة الاسرائيلية فى خليج العقبة . 
وكان قد أذيع وقتها أن بعض الدول البحرية قد قررت الدخول فى 
خليج العقبة بالقوة » وكسر القيود التى فرضتها مصر ء الأمر الذى 
جعل من الضرورى مواجهة ذلك بالقوة اللازمة من القطع البحرية . 

على أن اسرائيل » فى الوقت نفسه » قامت ببعض الخدع لتحمل 
مصر على سحب أكبر عدد من قطعها البحرية من البحر المتوسط الى 


البحر الأجمر , لتقلل من أخطار مهاحمة الأسطول المصرى تل أبيب 
والمراكز السكانية المزدحمة على الساحل ! . فقد عمدت الى نقل أربعة 


4148 





زوارف طوربيد الى ميناء ايلات بالطريق البرى » وتركتها تصل خبهارا » 
ثم تمخر مياه الخليج أمام العقبة متجهة الى الجنوب . حتى اذا اختفت 
عن الأنظارء انتظرت حتى يجن الليل » ثم عادت مطفأة الأنوارء 
وأعيدت بالطريق البرى مرة أخرى ! . وفى اليوم التالى كررت نفس 
العملية » واستمرت فى ذلك فى الأيام التالية » حتى أعطت الانطباع 
بأن الاسرائيليين يبعثون بزوارقهم الحربية الى الحنوب لمهاجمة شرم 
الشيخ ! . 

وقد نجحت هذه الخدعة فى حمل القيادة المصرية على ارسال عديد 
من القطع البحرية جنوبا عبر قناة السويس الى البحر الأحمر ! . 
ويعترف بذلك الفريق بحرى فؤاد ذكرى » قائد القوات البحرية فى 
أعقاب حرب يونية » فيقول ان القوات البحرية المصرية توزعت على 
هذا الاساس . فأرسل القسم الأكبر من هذه القوات الى البحر 
الأمر . وبقى القسم الأصغر فى البحر المتوسط . وكان السبب فى 
ارسال القسم الأكبر الى البحر الأحمر » هو التأثر بالفكرة التى سادت 
وقتذاك بأن عمليات اسرائيل سوف توجه ضد شرم الشيخ والغردقة ! . 


وعندما نشبت الحرب . لم تسند الى القوات البحرية المصرية مهام 
هجومية ! » عل الرغم من توافر الوحدات ذات القدرات القتالية 
المؤثرة كما ذكرنا ‏ وانما كلفت أساسا بمهام دفاعية تتمثل فى الدفاع عن 
السواحل والموانى » وتنفيذ امهدف السياسى المخاص بالسيطرة على 
الملاحة بمدخل خليج العقبة . أما القوات البحرية التى بقيت فى 
البحر المتوسط , فقد كانت من القلة بحيث لم توفر تفوقا معينا على 
البحرية الاسرائيلية » التى تركزت أساسا فى البحر المتوسط . وبالتالى 
لم تنشب معارك بحرية كتلك التى شهدها الميدان البرى أو الميدان 


1 





الجوى . والتى ذهب ضحيتها السلاح المصرى اللجوى . ومعظم 
الأسلحة اليرية . 


وعلى هذا النحو خرجت البحرية المصرية من حرب يونية ١951/‏ 
كاملة ‏ كما ذكرنا . وبالتالى لم يتعرض أفرادها للامتهان الأدبى الذى 
تعرضت له القوات البرية والحوية » واحتفظوا بروحهم المعنوية العالية 
دون مساس . وأكثر من ذلك . فقد تملكتهم فكرة أنهم أقدر من غيرهم 
على الثأر للكرامة العسكرية المصرية الجريحة » ما جعلهم يشكلون قوة 
ضغط على القيادة السياسية لاسناد هذا الدور اليهم ! : 


ومترعنا لها تشديه ابورافل سم ضف شرة الظفن ووغونة القرفه 
لتقدم لأفراد البحرية المصرية كل المبررات لانتزاع هذا الدور! . فقد 
دأبت على ارسال بعض وحداتها البحرية للمرور قرب سواحل بور 
سعيد للاستطلاع 2 ولم تتورع عن انتهاك المياه الاقليمية المصرية ٠‏ ف 
محاولة لأظهار سيادتها البحرية وتفوقها العسكرى الذى كسبته فى حرب 
يونية ! . 


وهكذا أخذ شعور أفراد البحرية المصرية يتعبأ يوما بعد يوم بالغضب 
والسخط والرغبة العارمة فى تلقين العدو درسا لا ينساه . وكان أكثر 
ما تركز هذا الشعور فى قوة لدشات الصواريخ » التى كانت تشعر برغبة 
جامحة فى اخختبار القوة التى بين أيديها » والتى لم تتح لها ظروف المزيمة 
الخاطفة فى حرب الأيام الستة الفرصة لأداء هذا الاختبار! . 


وكانت تلك هى بداية الأزمة لق وقعت بين القيادات البحرية هذه 
اللندشات وبين القيادة السياسية العليا » مع سعى هذه القيادات 
البحرية باستمرار للحصول على أمر بضرب وحدات العدو البحرية كلما 





احترقت الميأه الاقليمية ضر » وتقدير القيادة السياسية العليا لعواقب 
هذه العملية الخطيرة فى وقت ايقاف اطلاق النار» ودون أن تكون قد 
استعدت عسكريا لمواجهة الاحتمالات التى يمكن أن تترتب على مثل 


هذا الاجراء ! . 


حتى اذا كان يوم ١‏ يوليو 19517 - أى بعد شهر واحد من انتهاء 
|الحرب ‏ تفجرت الأزمة على نحو مأساوى مثير ! : 


ففى الساعة 7,٠6٠‏ تقريبا من ذلك اليوم » صدرت الأوامر 
بخروج زورقين من زوارق الطوربيد المصرية فى مهمة استطلاعية أمام 
شاطىء بور سعيد . وكان الزورق الأول بقيادة النقيب عونى أمير 
عازر. والثانى بقيادة النقيب ممدوح شمس . وفى أثناء مهمتههم! أبلغا 
بوجود وحدات ببحرية اسرائيلية ( تتكون من المدمرة ) ايللات (( وثلانة 
لنشات طوربيد ف المياه المصرية . ولكن قيادة القاعدة أصدرت | 
الاسرائيل ويجود الزورقين المصريين » فلم يتردد فى اطلاق النيران عليه 
فى الال . فانفجر زورق النقيب ممدوح شمس نتيجة أصابة مباشرة 2 
ولم يصب الزورق الثانى بقيادة النقيب بحرى عونى عازر . 


وقد كان فى وسع النقيب عونى الفرار عائدا الى قاعدته بعيدا عن 
مرمى النيران الاسرائيلية » ولكن الرغبة فى الثأر وروح الفداء حملته على 
الهجوم بمفرده على المدمرة الاسرائيلية » فأمر بتجهيز الأنابيب لاطلاق 
الطوربيدات » ولكن عامل الأنابيب استشهد فى تلك الأثناء » فلم 
ينطلق الطوربيد . وهنا قرر النقيب عونى الاصطدام بالمامرة ليحدث 





بها أكبر خسارة تمكنة » وهو ما تم » واستشهد النقيب عونى ورفاقه فى 
مشهد تاريخى مثير . 


جرت أحداث هذه المعركة المأساوية نحت أبصار أفراد قوة 
اللنشات . الذين شهدوا مصرع زملاثهم بنيران المدمرة ايلات , 
لا لأسباب تتصل بتفوق العدو. وانما لأسباب تتصل بحذر القيادة 
وحشيتها من عواقب المبادرة بالضرب ! . 


وقد أضاف هذا الحادث لمشاعر السخط فى نفوس الجميع . وتأجج 
الرغبة فى الثأر . وفى ذلك يقول المقاتل محمد عبد العاطى , أحد أفراد 
قوة زورق الصواريخ الذى ضرب ١‏ ايلات » في| بعد : « كان شعورى 
هو الانتقام من الأعداء» واد بثأر زملائنا أبطال السويس و«الرائد 
عونى عازر وجميع شهداء القوات المسلحة » ! . ويقول المقاتل محمد 
على ؛ وهو الخندى الذى كان له شرف اطلاق الصاروخ على ايلاات : 
« كان أمل دائ) أن أكون جاهزا للانتقام من الأعداء » وتخليص ثأر 
اللنشات قى السويس وبور سعيد ) 1 


ومن الغريب أن اسرائيل نسيت هذا الاعتداء الذى ارتكبته المدمرة 
ايلات » عندما أصيبت المدمرة نفسها يوم "١‏ أكتوبر! . فقد رفعت 
عقيرتها باللاحتجاج على هذا العمل بحجة أنه خخرق فاضح لوقف 
اطلاق الئار من جانب مصر دون أن يكون قد سبقه استفزاز ! . وأنه 
و خرق خطير للقوانين البحرية الدولية » ! . مع أن حادث اغراق 
المدمرة ايلات لا يعدو عن كونه » فى كثير من دوافعه » ردا على حادث 
اغراق الزورقين المصريين . 


على هذا النحوء أنخل الستار ينفرج عن الفصل الثانى من معركة 


ضيف 





ايلات . وأبطال المعركة على النحو الآتى : قوة لنشات الصواريخ معبأ 
شعورهم بالشأر لمصرع زملائهم على أيدى الوحدات البحرية 
الاسرائيلية » والغضب لأوامر عدم الاشتباك مع هذه الوحدات وتحقيق 
النصر عليها . وقوة البحرية الاسرائيلية التى أسكرها النصر فى معركة 
اللنشات يوم ١١‏ يوليو1951 ! . لقد أصيبت المدمرة ايلات حقا يوم 
١‏ يوليوء ولكن أمكن سحبها الى ميناء أسدود حيث تم اصلاحها , 
وعادت مزهوة بالنصر » وهى ترفع على أعلى صواريخها ‏ طبقا لبعض 
التقاليد البحرية ‏ رمز النصر » وهو : علم اسرائيل » و« مقشة » ! . 
ثم أخذت تستعرض عضلاتها من جديد أمام شاطىء بور سعيد قرب 
المياه الاقليمية » تحت أبصار ررجال البحرية المصرية المتربصين للثآر . 


وقد حانت الفرصة يوم ١؟‏ أكتوبر1950 , حين أخحذت 
« ايلات » » على رأس بعض الوحدات البحرية الاسرائيلية الأخرى » 
تقوم بعمليات استفزاز أخرى قرب الياه الاقليمية منذ الصباح الباكر . 
وى الساغة 1١,٠‏ صباحا عادت فاخخترقت الياه الاقليمية بالفغل 
شهال شرقى بور سعيد » حتى وصلت الى بعد خمسة أميال فقط من 
الشاطىء ! . فبلغت بذلك قمة الاستفزاز. على أن طلعات 
الاستكشاف الحوى والبحرى المصرى التى انطلقت من بور سعيد » 
لم تلبث أن دفعت المدمرة الى الاستدارة » والابتعاد عن خط المياه 
الاقليمية عائدة الى عرض البحر . 


على أن المدمرة إيلاث لم تلبث أن عادت مرة ثالثة فى الساعة الخامسة 
مساء 4 قادمة مسن نفس الانجاه الأول 4 لتقترب من خط الحدود للمياه 
الاقليمية المصرية . ثم دخلت بالفعل الياه المصرية مرة أخرى ! . 


رشك 





فى تلك الأثناء » ومنذ الصباح الباكر » كان أفراد أسراب زوارق 
الصواريخ يعيشون على أعصابهم » ويشعرون بأن ساعة الثأر قد 
حانت . ولذلك حين صدرت لم الأوامر فى الصباح للاستعداد 
والتجهيز للتحرك . لوجود أهداف معادية بالقرب من المياه الاقليمية ‏ 
تلقوا هذه الأوامر فى غبطة . وسارعوا إلى اتخاذ إجراءات الاستعداد . 
ولكن الأوامر لم تلبث أن صدرت مرة أخرى بالعودة إلى الاستعداد 
العادى , مما أصابهم بالإحباط . وفى ذلك يقول المقاتل البحرى عبد 
العزيز ابراهيم : 


« عندما صدرت الأوامر فى الصباح بتجهيز اللنش للابحار لظهور 
هدف معاد . جهزت الصاروخ نسرعة ٠,‏ وفك سالتق ضابط تسلبح 
اللنش : هل الوصلات تمام ؟ إن أرواحنا فى عمل هذه الوصلات ! » 
فأجبت - وأنا متأكد من قولى ‏ : تمام يافندم ! . ولكن عندما صدرت 
الأوامر مرة أخحرى بعدم الطلوع 2 زعلكا اند الزعل » وجلست لتناول 
الغداء حزينا متأسفا ! » . 


على أنه مع عودة إيلات إلى اختراق المياه الاقليمية المصرية مرة 
أخرى قبل الظهر » صدرت الأوامر مرة أخرى بتحرك زوارق 
الصواريخ . فبدأات الاستعدادات على الفور » وتم ضبط الهدف على 
شاشة الرادار » وأيقن الجميع أنه لاتراجع هذه المرة . ولكن ظنهم قد 
حاب . فقد صدرت الأوامر مرة أخرى بالعودة الى الاستعداد العادى 
وإلغاء التحرك ! . الأمر الذى كان له أسوأ الآثر فى نفوس الجميع . 
وى ذلك يقول المقاتل حسين عمارة : « كان شعورنا غريبا عندما صدر 
الأمر بالخروج للقاء العدو ثم ألغى » ثم صدر الأمر مرة ثانية ٠‏ ثم 
ألغى » ! . ويقول المقاتل على عبد الله : « عندما صدرت لنا الأوامر 
بالتحرك ثم ألغيت زعلت , لأما ألغيت . ثم صدرت مرة ثانية» 


121 





وألغيت أيضا . فكنت فى أشد حالات الزعل ! ) . 


وهكذا كان المناخ النفسى لأفراد أسراب زوارق الصواريخ يقترب 
من حالة التمرد » حين صدرت الأوامر للمرة الثالثة بالتتحرك للاشتباك 
مع العدو عند اختراق المدمرة للمياه الاقليمية المصرية مرة ثالثة فى 
الخامسة مساء . 


وما حدث بعد ذلك يعد لغزا ! . هل حاولت القيادة العامة للقوات 
المسلحة التراجع فى أمرها الذى أصدرته بالاشتباك وتدمير المدمرة 
إيللات ؟ 2 و قام النقيب اليبحرى أحمد شاكر عبد الواحد القارح 
بإصدار هذا الأمر على مسئوليته الخاصة ؟ . وهل غرقت ايلات بفعل 
الصاروخين اللذين أطلقهها زورق النقيب أحمد شاكر. أم أصيبت 
فقط . وأكمل اغراقها الزورق الثانى بقيادة النقيب لطفى جاد الله ؟ . 


بالنسبة للسؤال الأول » فللنقيب أحمد شاكر عبد الواحد فى هذا 
الصدد ثلاث روايات , تتكامل مع بعضها البعض » وترسم صورة 


والرواية الأولى تمضى على النحو الآتى : 


« لقد أرسلنا إلى قيادة القوات البحرية « تقرير موقف كامل » صباح 
يوم السبت » يتضمن تحركات العدو شمال شرق بورسعيد » فى محاذاة 
المياه الاقليمية المصرية على مسافة اثنى عشر ميلا بحريا من الساحل 
( الميل البحرى - 1885 ) . وقد سجل الاستطلاع الجوى والبحرى 
والبرى امختراق المدمرة الاسرائيلية مياهنا الاقليمية فى الساعة 
ث“لارا١ا‏ صباح السبت » حيث اقتربت إلى مسافة خحمسة أميال من 


ه25 





مدخل بوغاز ميناء بورسعيك |. وقد رفعثتث حالة الاستعداد فى قاعدة 
بورسعيد البحرية إلى درجة الاشتباك الفعلى . وكانت أسلحتنا فى 
ولد فق لجا + 


« وتلقينا من قيادة القوات البحرية الاشارة التالية : ( يصير تواجد 
ا موضوعة 2 مادام داخل مياهنا الاقليمية ) ! 


« وقد تحرك التشكيل ليفاجىء المسدمرة المعادية ؛ وهى على 
مسافة ١١‏ ميلا بحريا من شاطىء بور سعيد » أى داخخل مياهنا 
الاقليمية بميل كامل . وبعد رصد الهدف . أصدرت أوامرى باتخاذ 
تشكيل اهجوم . ويبدو أن العدو كان قد تنبه لوجودنا » وبدأ فى توجيه 
المدفعية نحونا ! . فأصدرت أوامرى بإطلاق الصاروخ رقم ١‏ 2 
فأصاب المدمرة فى وسطها . وأصدرت الأمر بإطلاق الصاروخ 
رقم ؟ » ليصيب المهدف إصابة مباشرة » ويحوله إلى كتلة من النيران 
المشتعلة . وبدأ يغوص بسرعة داخل المياه » ليختفى من على شاشة 
الرادار . وكنت أتابعه على جهاز آخر . وتأكدت من إصابة الصاروخين 
للهدف . ثم أبلغنى الرادار بإصابة الهدف وتدميره » واختفائه من 
شاشة الرادار الرئيسية وبقية الأجهزة . وكان إبلاغ الرادار هو البلاغ 
الرسمى النبائى بغرق المدمرة إيلات . 


0 وم يكن أمسامى سوق أن أصدر الأمير بإلغاء هجوم حاملة 
الصواريخ الثانية التى يقودها النقيب بحرى لطفى السيد جادالله ٠‏ ثم 
تمرك السرب متخذا تشكيل العودة » ! . 


كع 





هذه هى الرواية الأول للنقيب البحرى أحمد شاكر القارح : 
ونلاحظ فيها الثغرات الآتية : 


١‏ أنه تحدث عن اقتراب المدمرة ايلات من المياة الاقليمية المصرية 
فى الصباح الباكر من يوم السبت 5١‏ اكتوبر » ثم الاختراق الذى 
حدث فى الساعة ٠”را١ا‏ من صباح ذلك اليوم - وم يتحدث عن 
الاختراق الذى وقع الساعة الخامسة مساء ! . 


؟ أن كلامه عن الاشارة التى تلقاها من قيادة القوات البحرية » 
والتى تقول : « يصير تواجد سرب ( . . . ) نحو الهدف المعادى , 
للاشتباك والتدمير حسب الخطة الموضوعة  »‏ ينصب على اختراق 
الساعة الخامسة مساء . الذى ضربت فيه المدمرة بالفعل . فهويقول : 
عندما اخترقت المدمرة المياه الاقليمية الساعة ٠ر١١‏ صباح يوم السبث 
« رفعت حالة الاستعداد فى قاعدة بورسعيد البحرية إلى درجة الاشتباك 
الفعلى .. وتلقينا من قيادة القوات البحرية الاشارة التالية ( السالفة 
الذكر) الخ . 


ومن المعروف والثابت أن هذه الاشارة قد ألغيت باعتراف الجميع . 
ومعنى ذلك أن النقيب أحمد شاكر لم يتحدث فى هذه الرواية إطلاقا عن 
تلقى إشارة من قيادة القوات البحرية فى قاعدة بور سعيد « بالاشتباك 
وتدمير» الحدف المعادى . الذى اخترق مياه مصر الاقليمية الساعة 
الخامسة مساء ! » وهو المدمرة إيللات !وهو أمر غير معقول 1 


على أنه يلاحظ نقطة على جانب كبير من الأهمية فى رواية النقيب 


أحمد شاكر . فعند حديثه عن إصدار الأمر باتخاذ « تشكيل الهجوم  »‏ 
قال : « ويبدو أن العدو كان قد تنبه لوجودنا » وبدأ فى توجيه المدفعية 


يفت 





الينا ) ! . ومعنى هذا الكلام بوضوح أن التشكيل كان فى ذلك الحين 
تشكيل النقيبين مدوح شمس وعونى أمير عازر يوم ١١‏ يوليو . ! 


وفى هذا الصدد يمكننا أن نستعين بروايةقائد الاسطول الاسرائيل 
عن الحادث لاستكمال الصورة . ففى المؤمقر الصحفى الذى عقده يوم 
اكتوبرء أعلن شلومو اريل أن المدمرة إيلات « حاولت تغيير 
اتجاهها » لتفادى الصاروخ الذى وجه إليها من قارب الصواريخ 
المصرى . ولكن الصاروخ « غير اتجاهه » فى نفس الوقت معها 
ليصيبها ! ) . 


ومعنى ذلك أن المدمرة إيلات كانت قد تنبهت بالفعل لتشكيل 
المجوم من جانب زوارق الصواريخ المصرية » وبدأت فى توجيه 
المدفعية إليها » ولكنها اضطرت لتغيير اتجاهها لتفادى الصاروخ الموجه 
إليها . وبذلك لم تستخدم مدافعها فى ضرب الزوارق كا فعلت مع 
تشكيل ١١‏ يوليو ! : 


وتمضى الرواية الثانية للنقيب أحمد شاكر على النحو الآتى : 


( عندما رفعت درجة الااستعداد إلى حل القتال قبل ظهر يوم 
السبت » بدأنا نشارك فى متابعة المهدف . وبين| كنت أتابع تحركات 
المدمرة إيلاات عل شبكة الرادار , قام زميل حسن حسنى أمين ( 
برصده بالعين المجردة من إحدى نقط المراقبة المرتفعة على الشاطىء 7 


) وعندما ايتعدت مدمرة العدو خارج خط المياه الاقليمية 2( بقينا 
على نفس درحة الاستعداد حتى ينكشف الموقف 5 وتناول كل منا غداه 


1: 





« سندويتش ) فى موقعه المحدد له طبقا حالة الاستعداد للقتال . 


)0 وف الساعة الرابعة والنتصف فان ملمرة العدو عادت مرة أخرى 
فظهرت على شبكة الرادار» وعادت ثانية إلى الظهور عند الأفق » 
وتلقينا الأمر بالخروج والاشتباك . 


« كان الغروب يقترب » واحو صاف . والموج هادى .ء ولكن الكل 
عل قازينا شعور تتدفق بباخياسة » الأننا فى الطريق إل الاك امم 
العد 

ل 


)0 والتقينا بمجموعة من قوارب الصيادين عائدين إل الميناء 2( وكائوا 
قد رأوا تحركات العدو . وأدركوا على الفور أننا خمارجون للتصدى لما . 
وترامت إلينا أصواتهم تشجيعا ودعاء ! . 


« واتخذنا خط سير اطلاق بعد مناورة أردنا مها ألا نكشف اقترابنا 
للعدو. 


( ومن موقعى على فيادة القارب 5 أمرت باطلاق الصاروخ الأول 2 
وتابعته بنفسى حتى استقر فى وسط الهدف ماما . وانتظرت دقيقتين 
لأترك صدمة الاصابة المباشرة تفعل فعلها مع العدو . ثم أمرت باطلاق 
الصاروخ الثانى قبل أن يتمكن العدو من تغيير سرعته أو اتجاهه . 
وتابعت الصاروخ الثانى بنفسى أيضا حتى استقر هو الآخر فى قلب 
العدو . 


« وكنا ندرك جميعا أننا أصبنا العدو مباشرة وقاتلة . وخرجنا جميعا من 


لحف 





اللتصاعدة من مدمرة العدو المحترقة . وكانت أضواء بورسعيد تلمع 
بالقرب مناء وخيل الينا أننا نسمع أصوات المديئة ونسمع تشجيع 
أهلها لنا . وبالفعل فان آلافا من سكانها كانوا فى انتظارنا عند العودة . 
كانوا قد تابعوا مسرح المعركة من بعيد . وكان استقبالهم شعورا لا 


يستطيع أن نصفه . 


« ولقد كان شعورنا نحن أيضا مزيجا غريبا من السعادة والارتياح , 
خصوصا عندما تأكد لنا أن الهدف الذى ضربئاه كان هو المدمرة ايلات 
نفسها » التى سبق لها أن استفزت فى شهر يوليو الماضى قارب طوربيد 
مصرى » وأغرقته فى نفس الموقع الذى مكنا فيه من اغراقها ) ! . 


هذه هى الرواية الثانية للنقيب أحمد شاكر , ونلاحظ فيها أنه تحدث 
عن الأمر الذى صدر له فى الساعة الخامسة مساء بالخروج والاشتباك 
مع العدو. ولكنه لم يتحدث عما جرى بعد ذلك من تطورات حتى 
أصدر أمره لرجاله باطلاق الصاروخ ! . فكأنه قفر قفزة واسعة فوق 
مراحل الحدث » وبالتالى يكون أيضا قد تفادى الاجابة عن السؤال 
الذى طرحناه ! . 


أما الرواية الثالثة والأخبيرة للنقيب أحمد شاكر القارح » فتمضى على 
النحوالاتى : 


« فى الساعة العاشرة تلاحظ وجود أهداف معادية . وعلى الفور 
تتبعت أثر الأهداف على شاشة الرادار . وظلت الأهداف تقترب . 


) وف الساعة الثالثة » صدرت الأوامر بالاستعداد للتتحرك للقتال 
وكناقد انتهينا من تناول طعام الغداء . فأسرعنا الى اللنش ٠‏ وبروح 


1 





معنوية عالية اتجه كل الى مكان عمله . وبدأنا نمسك الهدف على 
شاشة الرادار . وظللنا مع الحدف وهويقترب . حتى وصل الى ١7‏ ميلا 
من الساحل . وعندئذ أعطانى قائد القاعدة أمرا بالتتحرك » فى الوقت 
الذى كنت فيه ماسكا المدف على الرا ادار وأستمع الى أوامر قائد القاعدة 
المتكرر : لماذا لم أطلع ؟ . 


« وعلى الفور. تحرك السرب الى ما بعد ثانى شمندورة يمين البوغاز 
ساعة ١7,٠١١‏ . ومشينا الى أن وصلت الى خط سير الاطلاق 
الصحيح . ثم أطلقت الصاروخ . فكان فى الاتجاه السليم » اذ 
شاهدناه على شاشة الرادار وهو يخترق منتصف الهدف . 


/ وبعد دقيقتين أطلقت الصاروخ الثانى » فرأيت الهدف على الفور 
هبط ويغوص ف الماء » واختفى من على شاشة الرادار بعد ثلاث 
دقائق . وعندئذ أمرث اللنش الثانى أن ينسحب » حيث رأينا الجوقد 
امتلاً بالدخان من أثر الانفجار . وشاهدت على الرادار أهدافا صغيرة 
هى على ما يبدو القطع التى تفتتت اليها المدمرة التى أصبناها . وعدنا 
الى القاعدة الساعة ١8,٠٠‏ » فأطفأنا اللنش ) . 


وهكذا نرى أن روايات النقيب أحمد شاكر القارح » رغم أنها 
تتكامل فى رسم صورة الحادث . الا أنها تتجاهل جميعها الاجابة على 
السؤال الذى طرحناه » وهو : هل حاولت القيادة التراجع عن قرار 
الاشتباك مع المدمرة ايلات ؟ ‏ الأمر الذى يوضح انخفاء النقيب أحمد 
شاكر بعض الحقائق الخاصة بالموضوع . والتى كان متعذرا طرحها على 
الرأى العام فى ذلك الحين . 


على أن النقيب أحمد شاكر لم يخف هذه الحقائق فيم| يبدو عن 


ضيف 





المحيطين به من زملائه » أو أن أفراد الطاقم الذين يعرفون القصة قد 
أذاعوها سرا بين بعض زملائهم » لأن العسكريين الذين سألتهم عنها 
أجابوا بأن النقيب أحمد شاكر أصدر الأمر باطلاق الصاروخ على المدمرة 
ايلات « على مسئوليته الخاصة » ! . 


ففى لقائى بالمرحوم العميد حامد فؤاد » رئيس اللجنة العسكرية 
المنبئقة من لجنة اعادة كتابة التاريخ » حين سألته عن الحادث 
وملابساته ‏ أجاب بأن النقيب أحمد شاكر كان قد تلقى بالفعل أمرا 
بالتحرك والاشتباك مع العدو . وقد خرج بزورقه للتنفيذ . ولا كان قد 
سبق له أن تلقى نفس الأمر فى الصباح » ثم ألغى . فقد خحشى أن 
تعود القيادة فتصدر اليه أمرا بالغاء الأمر الثانى .» فأصدر تعليهاته 
بابطال عمل اللاسلكى ( ليقطع اتصاله مع القاعدة ,» وانطلق نسحو 


هدفه » وأصدر أمره بتدمير ايلات ! . 


وقد فسر العميد حامد فؤاد تصرف النقيب أحمد شاكر بحادث 
استشهاد النقييين عونى عازر وتمدوح شمس فى شهر يوليو» بسبب 
صدور الأمر لما بعدم الاشتباك مع المدمرة ايلات » مما أدى الى تمكين 
المامرة منه| واغراقها زورقيهما . وقال ان الرغبة اشتعلت عقب ذلك فى 
صدر الضباط والجنود فى القاعدة البحرية للانتقام هما » فضلا عن 
الشعور بأن الخروج وعدم الاشتباك مع العدو, يتيح له الفرصة 
للمبادرة بالضرب ! . 


ثم قال العميد حامد فؤاد انه يعرف أن النقيب أحمد شاكر حين 
أصدر أمره باطلاق الصاروخ لتدمير المدمرة ايلات , كان يتوقع أن 
يقدم الى المحاكمة العسكرية ! . 


نضفق 





والآن » ما هو رأى النقيب أحمد شاكر الخاص فى كيفية وقوع 
الحادث ؟ . ان الروايات السالفة الذكر التى رواها بنفسه هى روايات 
أدلى بها لأجهزة الاعلام » وكان محكوما فيها باعتبارات عسكرية وأدبية 
تمنعه من نسبة اطلاق الصاروخ لنفسه على مسئوليته الخاصة . فهل له 
رواية خاصة أدلى بها لأسرته قبل وفاته ؟ . لقد أمكن بالفعل التوصل 
الى شقيقه الدكتور ابراهيم فوزى القارح » وهو عالم فاضل وأستاذ 
بكلية ال هندسة بجامعة القاهرة » وقد شغل منصب مدير مكتب البعثة 
التعليمية فى المملكة المتحدة . وقد قبل أن يروى القصة اللحقيقة ى| 
سمعها من شقيقه بعد الحادث . 


ووفقا لمهذه الرواية » فان النقيب أحمد شاكر تلقى فى يوم ١؟‏ أكتوبر 
0 با خروج والاشتباك مع العدو وتدميره 3 ثم ألغى هذان الأمران 2 
وفى الخامسة بعد الظهر تلقى أمرا ثالثا بالتحرك والاشتباك مع العدو 
وتدميره وأبلغ بأن الطيران المصرى سوف يساعده فى تغطية انسحابه . 
على أنه فى أثناء تقدمه للقاء العدو » تلقى اشارة من القاعدة بالغاء 
خروج الطيران لمساعدته لتعذر ذلك ! . وهنا أدرك على الفور أن هذه 
الاشارة انما هى مقدمة لاشارة أخرى بالغاء الاشتباك مع المدمرة . وعند 
ذلك قرر المضى فى العملية الى النباية مهما كانت العواقب , ولتأمين 
نفسه من عقوبة مخالفة الأوامر » أصدر تعلياته بابطال عمل اللاسلكى 
حتى لا يتلقى اشارة الالغاء , ثم أصدر الأمر بالاستعداد واطلاق 
الصواريخ » وشاهد بنفسه المدمرة الاسرائيلية وهى تنفجر . 


والسؤال الذى يطرح نفسه : هل ألغيت بالفعل طلعة الطيران 
المقررة لحاية سرب الصواريخ خلال قيامه بمهمته ؟ . 


يليد 





ان اللواء جمال حماد يؤكد ذلك » فيذكر أن القائد العام كان قد 
الصواريخ . ثم ألغيت هذه الطلعة فى الساعة الخامسة وعشر دقائق . 


على أنه ينسب هذا الالغاء إلى عجز المقاتلات الاعتراضية المصرية 
ميج ١؟‏ على التعرض للطائرات الاسرائيلية ليلا » بسبب عدم تدريب 
الطيارين المصريين على القيام بأية اشتباكات جوية ليلية » ولعدم تزويد 
الطائرات المصرية بتجهيزات هذا النوع من القتال . وهذا على كل 
حال ماعلم به من قائد الطبران فى ذلك الوقت . 


وسواء أكان عجز الطائرات المصرية عن القتال الليل هو السبب 
الحقيقى لالغاء طلعة الطيران ء أو كان السبب هو التمهيد لالغاء 
الاشتباك مع المدمرة » فإن الثقيب أحمد شاكر قد فهم السبب الأخير» 
وتصرف على هذا الأساس عن طريق ابطال اللاسلكى ‏ كيا قال 

وعلى كل حال . فلا يجب علينا أن نفهم من موافقة القيادة السياسية 
على الاشتباك مع ايلات أنها كانت تتوقع بثقة كاملة تدمير هذه المدمرة 2 
بكل ماترتب على ذلك من نتائج ]ل وانها كانت هذه الموافقة للامتصاص 
التعبئة النفسية والغضب المكبوت فى نفوس ضباط وجنود البحرية . 


ولتوضيح هذه النقطة فلم يسبق فى التاريخ أن جرت الصاروخ 
السوفيتى « ستايكس ) على هدف حقيقى حى مثل المدمرة ايلات حتى 
يمكن التنبؤ باثاره على وجه التأكيد . كما لم يحدث فى التاريخ أن تصدى 
زورق صغير لسفينة حربية ضخمة وخرج من المعركة فائزا وأسكن 


فوت 





السفينة القاع ! . وقد كانت تجربة زورفى النقيبين مدوم وعونى ماثلة 
فى ذهن القيادة . 


وفى الوقت نفسه فان الآثار المعنوية الحائلة التى تحققت بالفعل 
باغراق المدمرة ايلات » كانت غائبة بالضرورة عن ذهن القيادة » لأنها 
مقترنة بحسابات غير مضمونة وبمعركة مجهولة النتائج . ولولا كفاءة 
ضباط البحرية لما أمكن تحقيق هذه النتائج ١‏ 


وفى الحقيقة أن خطة القيادة السياسية ‏ كما رأينا - كانت تقوم فى 
ذلك الحين » على عدم اعطاء العدو الاسرائيل أية ذريعة لاستئناف 
المعركة قبل استكمال الاستعدادات الدفاعية » ولكن شدها للموافقة 
على الاشتباك حماس ضباط وجنود البحرية للقتال وتلهفهم للثار 
لزملائهم . ولربها كان قصارى ماتطمع فيه القيادة السياسية هو إصابة 
المدمرة واحداث خسائر بها » وليس اغراقها واسكاهها القاع ى) حدث 
بالفعل ! . 


ومن المحقق أن القيادة السياسية كان لديها فى ذلك الحين الكثير ما 
يشد اهتيامها بدرجة أكبر ء لأن اعادة بناء القوات المسلحة كانت لما 
الأولوية على أية مكاسب طارئة قد تؤدى الى انتكاسة ثانية ! . فاذا أعيد 
بناء الجيش المصرى أمكنه الحاق المزيمة بالجيش الاسرائيل كله » 
وليس اغراق قطعة بحرية من قطعه . 


وعلى كل حال . فنلاحظ فى هذا الصدد أن الأمر باطلاق النار على 
ايلات قد اعتير أمرا صادرا من القيادة السياسية وليس من القيادة 
العسكرية , لأنه لا يتصور غير ذلك فى فترة وقف اطلاق النار . ولذلك 
ففى المجلد الثانى من موسوعة : «النزاع العربى الاسرائيل ) 7668 


داوق 





امه أاعق:ذ! - طدله التى أشرف عليها « جون نورتون ») تامل 
00 ». وعند الكلام عن حق الثأر فى القانون الدولى » يتحدث 
الباحث عن اغراق ايلات باعتباره اجراء ذا طبيعة حكومة » أى قررته 
القيادة السياسية ! . 


وهذه الصفة الحكومية للقرار تتضح مما أوردته جريدة الأهرام عن 
مندوها ) ( محمد حسنين هيكل ) . فقد ذكر فى ذلك الحين . أنه 
عندما اجتمع مجلس الوزراء لبحث ١‏ التطورات الأخيرة التى صاحبت 
المعركة البحرية » » كانت « وجهة النظر المصرية » أنه « كان من غير 
المحتمل وغير المقبول اطلاقا أن تواصل اسرائيل اختراقها لخط المياه 
الاقليمية المصرية » وتقبل مصر ذلك بغير رد عليه . وبالتالى فان 
اختراق المدمرة ايلات للمياه الاقليمية كان هو العدوان . ولم يكن الرد 
المصرى عليه سوى استعمال حق الدفاع الشرعى » . 


فهنا يتحدث المندوب » نقلا عن مجلس الوزراء » عن « وجهة نظر 
مصرية » » وليست وجهة نظر العسكريين المصريين ! . كما أن حديثه 
عزن 0 مواضلة » أسرائيل الخترافها خط لياه الافليهية الضرية عحييين 
أن الاختراقات السابقة لم تتطلب بالضرورة اغراق المدمرة » ولكن 
( مواصلة ) الاختراق تطلب ذلك ! . ومجلس الوزراء هنا يتبنى وجهة 
نظر الثقيب بحرى أحمد شاكر التى انطلق منها فى إبطال جهاز 
اللاسلكى وضرب المدامرة واغراقها ! . 


وقد سارع عبد الناصر فى نفس الوقت . وبحسه النضالى الذى 
لايخيب » الى استثمار هذا النصر الذى فاق كل خيال » ففى اليوم 
التالى أصدر قرارا بمنح الضباط والتنود الذين اشتركوا فى اغراق المدمرة 
ايلاات الأوسمة والأنواط 5 تقديرا لما قاموا به من أعمال محيدة . وعلى 


06 





رأسهم النقيب بحرى أحمد شإكر عبد الواحد القارح . والنقيب بحرى 
لطفى جاد الله » والنقيب بحرى سعد السيد . والملازم أول بحرى 
حسن حسنى محمد أمين » والملازم أول بحرى السيد عبد المجيد عبد 
السلام 3 والملازم أول بحرى تمدوح منيع , والملازم أول بحرى محمد 
شهاب أبو النون . وكانت هذه الأوسمة والأنواط هى : نجمة الشرف 
العسكرية » والنجمة العسكرية .» ونوط الجمهورية من الدرجة 
الثانية » ونوط الشجاعة . 


وقد نال النقيب بحرى أحمد شاكر القارح « نجمة الشرف 
العسكرية » » وهى وسام رفيع لا يمنح الا نادرا جدا » وقل أن يحمله 
فرد فى حياته » بل انه لم يمنح للفريق عبد المنعم رياض الا بعد 
استشهاده.فى أحد المواقع المتقدمة أثناء معركة الاستنزاف التى 
سنتحدث عنها فيي| بعد . 


على أن أحمد شاكر لم يلبث بعد فترة قصيرة أن أبعد عن مسرحه 
العسكرى فى البحر المتوسط الى البحر الأحمر ؛ حتى مات فى 
عام /اة ١‏ بمرض خبيث عجز عن انقاذه منه أكبر أطباء العالم : 


على كل حال » فقد انتهينا من دور النقيب أحمد شاكر فى عملية 
اغراق المدمرة ايلات » وبقى دور النقيب لطفى جاد الله . وهذا الدور 
وثيق الصلة بالاجابة على السؤال الذى طرحناه من قبل » وهو عما اذا 
كانت المدمرة ايلات قد غرقت بفعل الصاروخين اللذين أطلقههما 
النقيب أحمد شاكر » أم أنها أصيبت » وأكمل اغراقها النقيب لطفى 
جاد الله ؟ . 


يلزم للاجابة على هذا السؤال أن نستعرض أولا الشلهادة الحامة 


يضف 





المطولة التى أدلى بها لنا العقيد لطفى جاد الله فى صيف عام ١9817‏ » 
وقد قمت بتسجيلها على شريط تسجيل » وقضى على النحو الآتى : 


ف صباح يوم ١‏ أكتوبر/ا1951ء» ظهرت نقطة فنية رادارية فى 
قاعدة بور سعيد » تشمل بعض الأهداف المعادية البحرية أمام 
القاعدة . وقد تتبعت القاعدة هذه الأهداف المعادية » وقامت بتبليغ 
القيادة بالاسكندرية بالموقف » بعد أن رفعت حالة استعداد وحداتث 
القوة الضاربة فى القاعدة » التى كانت تتكون من لنشى صواريخ 
طراز ١8‏ » وهى ثنائية القواذف . وكانت هناك نقطة مراقبة بصرية 
أخرى تتابع المهدف من فوق مكان عال فى القاعدة » وتحدد نوعه ‏ نظرا 
لأن الرادار لا يبين نوع الهدف ., وان| يحدد مكانه فقط ‏ وقد اكتشف 
الذين قاموا بالمراقبة البصرية أن الحدف عبارة عن مدمرة كبيرة موجودة 
فى المنطقة . 


وقد صدرت التعلييات بعد الظهر بالخروج لضرب الهدف لو دخل 
المياه الاقليمية » وهوما حدث . لأنه لم يكد يدخل الياه الاقليمية حتى 
خرج السرب المكون من لنشين . الأول بقيادة النقيب أحمد شاكر, 
والثانى بقيادتى . وكانت التعليهات أن يضرب اللنش الأول صاروخا 
على الحدف . فاذا لم يغرق يضرب اللنش الثانى صاروخحا آخر . وهذا 
متروك لقائد التشكيل فى البحر » الذى يتصرف . وكان قائد التشكيل 
هو اللقيب أحمد شاكر . 


على أن قائد التشكيل أحمد شاكر تراءى له أن يضرب الصاروخحين 
من زورقه عندما رأى الحدف داخل المياه الاقليمية على بعد حوالى 
١68‏ ميلا . فقد طلعنا من فتحة البوغاز لغاية ثانى شمندوره » 
واكتشفنا الحدف . ومسكناه على الرادار» وكنت فى نفس الوقت 


6 





مستعدا للاطلاق عندما أطلق قائد التشكيل النقيب أحمد شاكر 
الصاروخين . وقد رأينا أن الصاروخين أصابا الهدف فعلا » وطلعت 
مده :الفجارات واشتعلت التيران . :وكانت الضربة :حوالى الساعة 
الخامسة الا حمس دقائق . 


وعند ذلك أصدر النقيب أحمد شاكر أمرا بعودتنا الى القاعدة » وهو 
ماتم بالفعل » وكان النقيب شاكر قد أفرغ صاروخيه » بينما كنت أنا 
مازلت محتفظا بصاروخى . وبالتالى حين دخلنا القاعدة كنت أنا 
المستعد للقتال اذا دخمل هدف جديد . 


وهذا ما كنا جميعا نتوق اليه » فقد كان هناك رغم انتصار النقيب 
شاكر ‏ احباط شديد فى طاقم زورق الصواريخ تحت قيادتى » لأن 
الطقم لم يفعل شيئا » وم يحقق الغرض من الطلعة » وهو الانتقام 
لازملاء الذين لقوا ربهم قبلنا 3 وأكشر من ذلك الانتقام للبحرية 
نفسها . لأننا كبحرية ‏ لم نفعل شيئا فى حرب 19517 » وكنا نريد أن 
نشار» فعلدنا السلاح , وعندنا الروح القتالية » وعندنا الكلوسواة 
وعندنا المثالية » وعندنا كل شىء » ولكن لم تتح لنا الفرصة للاشتباك 
مع العدو فى أى معركة متكافئة ‏ لهذه الأسباب عندما أتيحت الفرصة 
للنقيب أحمد شاكر ولم تتح لزورقى » كان جميع أفراد الطقم فى حالة 
احباط شديد لأنهم لم يشتركوا فى العملية » وبعضهم سالت دموعه 
بالفعل ! . 


ولكن ربنا اللى هو فوق الكل أراد لنا أن نكمل المعركة » ونشتبك 
مع العدو فى نفس المعركة . ففى ذلك الحين » أى بعد أن دخلنا 
القاعدة » تعطل رادار الاستطلاع بها » والذى كان مفروضا أن يراقب 
المنطقة ويكتشف هل دخلت أهداف أخرى فيه » وهل غرق الحهدف 


خرف 





المضروب أم لا . وظلت المنطقة بدون استطلاع من الساعة الخامسة 
والنصف تقريبا حتى الساعة السادسة والنصف . فلما اشتغل الجهاز 
من جديد اكتشف هدفا ثانيا فى نفس المنطقة » وصدرت لى الأوامر 
الساعة السابعة بالخروج لضرب هذا المهدف . 


وهنا يثور السؤال : هل هذا المهدف هو الهدف الأول نفسه الذى 
ضرب ولكنه لم يغرق بعد ؛ أم أنه هدف جديد ؟ . لايضاح ذلك أقول 
اننا لما حرجنا فى الطلعة الأولى لضرب المدف الأول كان هناك هدف 
آخر ظاهر على بعد نحو 77 ميلا أى خارج المياه الاقليمية ‏ وبطبيعة 
الخال لم يكن لدينا أوامر بضربه . فهل دخل هذا الحدف الثانى الى المياه 
الاقليمية بعد ضرب المدف الأول , أم أنه نفس الهدف الأول ولم يكن 
قد غرق بعد ؟ . وما هو الحدف الأول » وما هو الحدف الثانى ؟ . 


الأمر الذى أؤكده هو أن المهدف الذى خرجت بزورقى لضربه » 
والذى ضربته بالفعل هو ايلات ! ٠»‏ لأن اسرائيل أعلنت أن ايلات 
غرقت الساعة الثامنة مساء الا عشر دقائق , ولم تغرق فى الساعة 
الخامسة الا حمس دقائق ! . 


فهل كانت ايلات هى الحدف الأول ولكنها لم تغرق بالصاروخين 
وظلت فى المنطقة حتى اكتشفها الرادار المعطل بعد عودته الى العمل . 
فكانت ضربتى هى التى أسكنتها القاع ؟ , أم أن ايلات كانت هى 
اللمدف البعيد على بعد "؟ ميلا من القاعدة عندما ضرب المهمدف 
الأول » ثم دخلت المنطقة بحثا عن الحدف الأول , فضربتها ؟ . 


الشىء المؤكد أننى ضربت ايلاث ! . والدليل على ذلك أن الوقت 


لفك 





الذى تلى ضرب الحدف الأول أى من الساعة الخامسة الا حمس دقائق 
حنى لحظة خروجى لضرب الهدف الثانى . كان وقتا ساد فيه 
السكون . فليست هناك اشارات استغاثة صدرت عن الهدف 
المضروب . وانها سكون أعقب الانفجار ! . فا الذى كان يحدث فى 
ذلك الحين ؟ هل غرق الهدف فعلا و وما حطش منطق » ؛ ولم يستطع 
أن يرسل اشارات استغاثة أو يطلب انقاذ , أم أنه لم يغرق حتى أغرقته 
ا" 


الشابت أن اشارات الاستغاثة التى صدرت من ايلات كانت فى 
الساعة الثامنة الا عشرين دقيقة » وفيها قالت انها ضربت وتطلب 
اغاثة . وفى نفس هذا الوقت جاء الطيران الاسرائيل » وجاءت 
وحدات الانقاذ الاسرائيلية . 


على كل حال » فسواء أكانت ايلات هى الهدف الأول أصيب ونم 
يغرق » حتى أغرقته الاصابة الثانية » أوكانت هى الحدف الثانى وكان 
المدف الأول مركبا أخر» فان زورقى يكون هو الذى أغرق ايلات . 
وطبعا تعرفون أن أعظم وأكبر عملية انقاذ تمت فى تاريخ البحرية هى 
العملية التى قام بها الاسرائيليون فى ذلك الوقت لانقاذ ايلات » اذم 
يحدث من قبل انقاذ بحرى بتلك الطريقة الخرافية . ولربا كان ال هدف 
الأول الذى ضرب هو سفينة انقاذ ‏ أى وحدة صغيرة » لأن البحرية 
الاسرائيلية لا تخرج مركبا واحدا » وانما تخرج فى تشكيل مكون من 


وحدات 
على كل حال . فقد كان بعد اغراقى ايلات أن جاءتنى التعليمات 
الطيران الاسرائيل بغارة انتقامية على القاعدة . وكان على فى هذه ال حالة 


5١ 





اتا شخ برق سق و لسع جوزل اش قا اران 
ما فعلت . ويذلك اقتربت من الحهدف الذى ضربته » والذى كان على 
مسافة ” أميال من النجمة , لأن النجمة تبعد عن حاجز الأمواج بنحو 
ه أميال . ورأينا الانفجارات عن قرب . 


على أنه بينها كنت فى طريقى الى الاسكندرية » وفى منتصف 
المسافة » ظهر على شاشة الرادار عندى أربعة أهداف . هى عبارة عن 
لنشات مسلحة . حاصرتنى ثلاثة منها من الأمام . وقد قررت أن 
أتجنب الاشتباك معها نظرا لأنى أفرغت صواريخى » ولم يعد لدى من 
الأسلحة الا مدافع 55 مللم . فى مواجهة مدافع 4٠‏ مللم لدى 
العدو. وقد فكرت فى الرجوع الى قاعدة بور سعيد للاحتهاء فى أى 
مكان بها . ونفذت ذلك فعلااء» ولكن فى أثناء عودتى وجدت لنش 
اسرائيل أغلق على الطريق من قدام نجمة بور سعيد . فقفلت راجعا 
وغيرت نحط سيرى . وقللت السرعة ما أمكن » وحرصث على الابتعاد 
عن مرمى مدفعية العدو عن طريق « التحضين » فى الساحل حتى 
لا يقرب منى العدو . 


انين لوقك كان نطرات العو و دهت عر والشتاعل 
المضيئة تنطلق فى الحوى وكان العدو يظن أنى فى البحر فى المنطقة التى 
يحتمل أن أكون فيها . ولم يعرف أنى غيرت المنطقة وأنى أسير بالقرب 
من الساحل » ولا اكتشفتنى قطعه البحرية لم تستطع ضربى لأنى 
محافظ على المسافة التى تجعلنى بعيدا عن مرمى مدفعيتها . ولذلك 
انتظرتنى عند لسان دمياط عند مرورى الى الاسكندرية » ولكنى قللت 
السرعة ومارضيتش أعدى . حتى دخلت منطقة جنب دمياط 
باللدش ١‏ واخحتفيت بذلك عن رادار العدو . 





وهنا أخدذ طيران العدو ولنشاته تبحث عنى دون جدوى ». فاضطرت 
الى العودة الى المدمرة ايلات لكى تشارك فى عمليات الانقاذ » وبذلك 
نجحت فى الافلات من معركة نخاسرة » لأن اللنش الذى كنت أقوده 
كان قد خرج وحيدا دون حماية جوية أو بحرية » وكان معرضا لودخل 
فى معركة لخسائر كبيرة » وهذا هو تقدير المستشارين السوفييت فى 
القوات البحرية » الذين توقعوا ضرورة حدوث خخسائر . انما ربنا أمهمنا 
هذا التصرف » واستطعنا الحرب من اللنشات واثقاذه والحمد لله . 


فى تلك الأثناء كانت عملية انقاذ بحارة ايلات تجرى ٠١‏ وأعلنت 
اسرائيل أنها لن تقوم بأى اشتباكات لأن وحداتها تشترك فى عمليات 
الانقاذ . ودعت القوات المصرية الى عدم الاشتباك فى هذه الظروف 
نظرا لأنها عملية انسانية » بل دعت الى أن تشترك وحدات مصرية فى 
عمليات الانقاذ . فى هذا الوقت خرج اللنش الأول للنقيب أحمد شاكر 
من قاعدة بور سعيد » واتجه الى الاسكندرية » فوصلها فى الصباح . 


ومن سوء الحظ أنى اضطررت الى البقاء ى دمياط لمدة د ثة أيام ع 
سبب حصول عطل فى الرفاصات » نظرا لأن اللنش دخل فى مياه 
أن يأتى لنش أخر ‏ لنش انقاذ ‏ قطر لنشى حتى الاسكندرية . 

على أنه فى ذلك الحين كان لنش النقيب أحمد شاكر ‏ الذى وصل 
قبلنا ‏ قد أعلن أنه أغرق المدامرة ايلات ؛ وجرى عمل دعاية كبيرة لرفع 


انتهى هذا الجزء من شهادة العقيد لطفى جاد الله » وهو يثير فضايا 
هامة : 


وف 





- هل كان النقيب أحمد شاكر هو الذى أغرق المدمرة ايلات . أم 
كان العقيد لطفى جاد الله ؟ . وفى هذه الحالة الأخيرة » هل كانت 
ايلات هى الهدف الأول الذى دخل مياه مصر الاقليمية يوم 
١‏ أكتوبر » أم كان الهدف الثانى ؟ . وما هو الحدف الأول اذن ‏ 
الذى ضربه النقيب أحمد شاكر؟ . 


- هل أبطل النقيب أحمد شاكر جهاز اللاسلكى لكيلا يتكلم مع 
القاعدة » أم لكيلا يستمع الى أوامر بالغاء مهمته من القاعدة ؟ . وهل 
أبطل جهاز اللاسلكى بالفعل أم لم يبطله ؟ . 


لماذا اعتيرث القيادة العسكرية أن أحمد شاكر هو الذى أغرق 
ايلات » ولم تعتبر لطنمفى جاد اللهسء, رغم أنه قدم تقريره - بطبيعة 
الحال با حدث ؟ . 


للاجابة على السؤال الأول » ربا كان من المناسب أن أنشر الخطاب 
التالى الذى وصلنى من العميد بحرى حسن حسنى زكى : الذى كان 
مسئولا عن قسم الاشارة والانذار فى قاعدة بور سعيد البحرية يوم 
١‏ أكتوبر/1951١‏ - » يوم اغراق ايلات - ويمضى على النحو الآتى : 

حيث أنى كنت من هيئة قيادة قاعدة بور سعيد البحرية » اذ كنت 
المسئول عن فسم الاشارة والانذار.- أحب أن أوضح لان . 

- فى فجر يوم ”١‏ أكتوبر ١951‏ تم رصد هدف بحرى معادى 


١‏ ايللات ) يقرب من الشهال الشرقى ف نجام قاعدة بور سعيدك 
البحرية . 


- ثم رفع درجة الااستعداد القتصوى : 


ع 





تم ابلاغ القيادة البحرية بالموقف . وتم فتح اتصال خطى بين 
القيادة البحرية وقيادة قاعلة بور سعيد البحرية . 


أبلغتنا قيادة القوات البحرية بأنه جارى الاتصال بالقيادة العليا 
للقوات المسلحة ( رئاسة الجمهورية ) لأخذ الأوامر . 


- لم نصدر أى أوامر بالاشتباك الافى الساعة الخامسة تقريبا . فقد 
تلقت قيادة قاعدة بور سعيد البحرية أوامر الاشتباك من القيادة 
البحرية . 


بناء على أوامر قائد القاعدة » سلمت المرحوم النثقيب شاكر عبد 
الواحد » قائد سرب اللنشات الصاروخية .» الأمر كتابيا با خروج 
والاشتباك . 


بغرض الخداع والتمويه » . 


الموقع اشارته الى الهدف البحرى » الذى دخخل مياه مصر الاقليمية مئذ 
فجر يوم "١‏ أكتوبر ١951/‏ بوصفه المدمرة ايلات . 


وهذا ما تجمع عليه المصادر المصرية . وى ذلك نسوق الشهادة 
الهامة التى قدمها اللواء أركان حرب على جاد » قائد القوات البحرية ‏ 
التى نشرت فى جريدة ( مايو) يوم 4 أكتوبر 1437 » وتمضى على 
النحو الآتى : 


« معركة ايلات » معركة حربية بين احدى المدمرات الاسرائيلية » 


6: 





وهى ايالات » واحدى القطع الصغيرة المصرية » ظهرت فيها كفاءة 
رجل البحرية المصرى القادر على صنع المعجزات . ايللات غرقت فى 
المياه الاقليمية بعد أن دخلت المياه الاقليمية المصرية . والوقت الذى 
استغرقته منذ الساعة السابعة والربع صباحا » وهو وقت اكتشاف 
المدمرة » وحتى الساعة ١5,١١‏ » وهو الوقت الذى صدقت فيه 
القياذة العليا العسكرية عل قرار' قاقد القواك. التخرية تدمين:المدمرة 
ايلات كل هذا الوقت كان بمتابعة وتحليل من القيادة البحرية وما بين 
اتخاذ قرار قائد القوات البحرية » علاوة على هذا كانت القيادة العامة 
تبحث ردود الفعل . ولم يصدر القائد العام للقوات المسلحة التصديق 
الا بعد الرجوع الى القيادة السياسية العليا . 


« النقطة الثانية هى الوقت الذى انطلق فيه الصاروخ . ومن الذى 
أصدر الأمر باطلاق الصاروخ فى اللحظة المناسبة ؟ . الأمر كان 
مشروطا بدخول المدمرة المياه الاقليمية أو عدمه . الوحدة الصغيرة 
عليها أن تدمر الحهدف فى منطقة معينة » وانها هنا شرط . ولا يمكن 
تحميل قائد الوحدة البحرية أكثر بما يحتمل » هذا الرجل مسئول عن 
معدات وأجهزة واصدار أوامر داخل هذه الوحدة حتى يكون الصاروخ 
جاهزا للانطلاق » فلا يجب أن يضاف عليه عبء أخر . هل ايلات 
دخلت المياه الاقليمية أو م تدخل المياه الاقليمية ؟ وى لحظة دخحوفا 
تطلق عليها الصاروخ . 


« وكان قائد السرب على اتصال مستمر باللاسلكى » وى هذه 
اللحظة بالذات أول ما دخلت ايلات المياه الاقليمية » تم اعطاء الأمر 
باطلاق الصاروخ . وقام بذلك قائد السرب المغفور له المقدم أحمد 
شاكر » حتى وصلنا من قائد اللنش . عن طريق قائد القاعدة » وقت 
الاطلاق ء وجاءنا الردء وتم الاطلاق . 


5 





« كل شىء نحت السيطرة المباشرة والكاملة من قاعدة بور سعيد 
والقيادة البحرية .ولم ينقطع اتصال اللاسلكى فى أى لحظة من 
اللحظات بين قيادة القوات البحرية وبين قيادة قاعدة بور سعيد وما بين 
السرب وما بين اللنش الأول بقيادة المقدم أحمد شاكر ( الثقيب أحمد 
شاكر آنذاك ) » واللنش الثانى بقيادة النقيب لطفى جاد الله . 
اللاسلكى كان طوال الوقت مستمراء ولم تحدث اعطال فى 
اللاسلكى . ولقد صدر أمر على نفس اللاسلكى أيضا من قائد السرب 
الى قائد اللنش الثانى المقدم لطفى جاد الله . وقال له : تم تدمير 
الحدف ويراعى عدم الاشتباك » . 


« كان أحمد شاكر ضابطا يتسم بالهدوء الكامل . وهذه كانت من 
بيات اند شاكر > كان قنابطا عل سنتوى كفاءة عالية + :ضنائطا 
لايسمح لأى ضابط أو فرد تحت رئاسته ألا يكون منضبطا . كان 
حكمى على أحمد شاكر بأنه ضابط تمتاز. كان موجودا فى 
الاسكندرية » وجاء عليه الدور ليعمل ١‏ قائد مجموعة سفاجا ) » وده 
دور كان مخططا لقيادة اللواء » وكل واحد منا يأخذ دوره . أحمد شاكر 
أخدذ دوره كغيره ولم يذهب أحمد شاكر للمنفى ) ْ 


انتهى كلام اللواء أركان حرب على جاد . قائد القوات البحرية . 
الذى أدلى به لجريدة « مايو) » وفيه يؤكد أن الهدف الأول الذى دخل 
مياه الاقليمية يوم 5١‏ أكتوبر هو المدمرة « ايلات ) . 


ونظرا لأن اللواء على جاد تجاهل حادثة ١١‏ يوليو وأوامر القيادة 
وعونى عازر » فانى أورد هنا الخطاب الذى وصلنى بعنوان : ١‏ شهداء 
على قيد الحياة ») ! » بتوفيع «وأخحت لك » ! ؛ وهو مؤرخ يوم 


يحت 





الاثنين ١؟‏ فبراير “1987 » ويمضى على النحو الآتى : 


( تحية طيبة من أرض مصر الطاهرة » لابن من أبنائها البررة يحاول 
أن يجلو صفحة من صفحات البطولة البحرية فى مصر عام ١951/‏ . 


لا أدرى هل أن الأوان للحديث وكشف الأسماء » وما زال النضال 
طويلا » ومازال أبناء /1" مشردين فى العالم » يبحثون بعرقهم عن لقمة 
عيش شريف . منهم من يدرس الألعاب الرياضية » ومنهم من يدرب 
فريقا للكرة . وكلهم على المعاش فى سن الخامسة والثلاثين » بعضهم 
جرحه ما زال غائرا ( وبعضهم تغلب شبابه وبنى نفسه من الصفرء 
واعتير أنه أدى جزءا من دين الوطن فى عنقه . . هل تعرف أن أحسن 
ما عندنا من الزوارق كان يومها فى الاستعراض فى الاسكندرية ؟ . 
سل من حولك وستعرف الكثير! . 


« هل تعرف أن القوارب المثقوبة سدها البحارة بأيديهم » هل تعرف 
انهم استعانوا بقوارب الصيد والصيادين وأنهم كانوا يجمعون من 
الجماهير فى الميناء القروش لاصلاح ما أفسدته المياه منها ؟ . 


« كانوا يدا واحدة . كلهم أبنائى فى السويس وبور سعيد . تناولوا 
طعامهم معنا فى القاهرة فى ساعات الأجازة الخاطفة » وكانوا يقبلون 
أفراد البيت المضياف ( ولا يعرفون ان كانت لهم عودة ؟ 1 


وعونى عازر» جاءوا جميعا . حفروا قبره » وأقسموا اليمين من 
أجل مصرء وعادوا للقتال 5 


وسل حسين زاهر ياقوت : من الذى أعطى الأمر بأن يعودوا 
جميعا » حين طلبوا امرا حاسم| بالضرب «١‏ ارجع يال بسرعة انت 


افق 





واخخوانك ! » ستحاكم ! . هذه هى الأوامر؟ . 


)0 وق الخامسة والثلاثين من عمرهم الغعض هاده الدفعة كلها 
قدمتكتك استقالتها لسجن بعض أفرادها , وهم مشردون فى بقاع 
الأرض : بعضهم لا يحمل حتى بطاقة تحقيق شخصية من عام 
١951/‏ !. 


« سلام على أبناء مصر المجاهدين » وعلى أسرهم التى حرمت زهرة 
شباءهم » وهى أحوج ما تكون اليهم . خمسة عشر عاما من الحرمان 
والتمزق . كلهم حملوا أعلى النياشين » جردوا منها لأمهم نخالفوا الأوامر 
فعلا وقاموا بالضرب ! . 


« سلام على روح عونى عازر واخوته » وسلام على من بقى من 
بحارة هذا اليوم المشهود » ولك نحية عاطرة » وللحديث بقية . 


انتهت الرسالة الانفعالية الغريبة » الذى لا نستطيع نحقيق كل 
وقائعها , وانما همنا منها ما هو ثابت فى المصادر الأخرى من رفض 
القيادة العسكرية إعطاء الأمر بالاشتباك » نما عرض لنشى الطوربيد » 
اللذين كان يقودهما النقيبان ممدوح وعونى عازر للتدمير على يد المدمرة 
ايلات . وما أحدثه ذلك من شعور بالاستياء فى قادة زوارق 
الصواريخ ؛ والرغبة فى الأخذ بالثار , الأمر الذى كان له تأثيره فى 
موقف النقيب أحمد شاكر » عندما تلقى اشارة من القاعدة بالغاء خروج 
الطيران لمساعدته . وما توقع من أن يتلو ذلك اشارة أخرى بالغاء 
المهمة . 


ويبقى أن جميع الروايات المصرية تجمع على أن الحمدف الأول الذى 


24 





دخل المياه الاقليمية المصرية هو المدمرة ايللات . وقد كان هذا هو محور 
حديث اللواء مصطفى كامل . المتحدث العسكرى بلسان القيادة 
العليا للقوات المسلحة . فى المؤتمر الصحفى الذى عقد فى القاهرة 
للمراسلين الأجانب » تعليقا على حادث اغراق المدمرة الاسرائيلية . 
فقد ذكر أن المدمرة ايلات قد ضربت داخل الياه الاقليمية بميل واحد 
تقريبا » وأنها كانت قد دخلت مياه مصر الاقليمية فى الصباح وتوغلت 
أكثر من ميل داخل هذه المياه » وقد طلبت مواقعنا الاذن لما بالضرب 
اذا دخلت مياهنا الاقليمية مرة أخرى » فأعطى لها هذا الاذن . ثم قال 
ان الضربة الأولى التى أصابت المدمرة ايلات كانت فى الساعة 
ه",ه مساء . والثانية فى الساعة 7١‏ ,ه . 


وهذا ما أكدته المصادر الاسلائيلية ذاتها . فقد ورد فى شكوى 
اسرائيل الى مجلس الأمن عن حادث اغراق المامرة » أن «١‏ ايلات ) 
كانت تقوم بدورية عادية فى أعالى البحار شال منطقة سيناء التى تحتلها 
القوات الاسرائيلية » عندما أصيبت فى الساعة الخامسة والنصف 
بالتوقيت المحلى بصواريخ مطلقة من السطح الى البحر ! . وقد رد محمد 
عوض القونى » ممثل مصر فى الأمم المتحدة » بأن الوحدات البحرية 
المصرية فى بور سعيد قد اضطرت الى اغراق المدمرة الاسرائيلية ايلات 
دفاعا عن النفس 3 لتمنعها من التقدم فى المياه الاقليمية المصرية : 


ومن هذا الحشد من الأدلة ننتهى الى هذه النتيجة الثابتة » وهى أن 
الحمدف الأو الذى دخل المياه الاقليمية المصرية كان هو المدمرة 
الاسرائيلية (« ايلات ) » ونكون قد رددنا على التساؤل الذى طرحه 
العقيد لطفى جاد الله » والذى تساءل فيه عما اذا كانت ايلات هى 
المدفم الثانى الذى كان خارج المياه الاقليمية عند ضرب الهدف 
الأول » ويكون النقيب أحمد شاك - بالتاللى - قد ضرب هدقا آخر غير 


هع 





ايلات ! . فقد ثبت الآن أن الذى ضرب المدمرة ايلات هو النقيب 
أحمد شاكر فى الساعة الخامسة وحمس وعشرين دقيقة من مساء يوم 
السك ١‏ كن كف 


وبقى لنا أن نحدد الهدف الثانى الذى ضربه العقيد لطفى جاد الله 
( النقيب وقتذاك ) . فلعل القارىء قد لاحظ أن اللواء مصطفى 
كامل » المتحدث العسكرى بلسان القيادة العليا للقوات المسلحة » قد 
صرح ف المؤتمر الصحفى الذى عقد فى القاهرة يوم "٠‏ أكتوبر/1951 , 
بوجود هدفين أصابته) زوارق الصواريخ المصرية » وليس هدفا 
واحدا : الأول هو ايلات ., والثانى . وصفه بأنه « كان هدفا متمحركا 
ظهر على شاشة الرادار » بنفس حجم المدمرة الاسرائيلية ايلات » 
ووجهت اليه ضربتان مباشرتان » وكان ذلك بعد ساعتين من اصابة 
ايلات نفسها » وعلى وجه التحديد فى الساعة 19 ,/ا مساء » ! . 


وقد أشار المرحوم النقيب أحمد شاكر الى هذا الهدف الثانى أيضا . 
ففى روايته للحادث ذكر أنه بعد اصابته للمدمرة ايلات وعودته الى 
القاعدة فى الساعة السادسة مساء , « أعيد الاتصال بنا من القاعدة » 
وأخطرنا بوجود هدف آخر . فابتدأنا نمسح المنطقة بالرادار » وجاء دور 
اللنش الذى يقوده النقيب لطفى جاد الله حيث صدر الأمر له بالتحرك 
فى الساعة السابعة والنصف ., ونحرك فعلا الى حوض شريف » حيث 
أحذ وضع الهجوم وأطلق صاروخه الأول » فالثانى » حيث شاهدنا 
انفجارا كبيرا على أثر الاطلاق ) . 

وفى رواية أخرى أدلى مها النقيب أحمد شاكر لجريدة الأخبار » تقدم 
تفصيلات أخحرى حول هذا المدف الثانى » قال انه « بعد الساعة 
السادسة مساء » أبلغت محطات الانذار فى القاعدة البحرية عن ظهور 


١ 





هدف أخحر فى نفس المنطقة .» وصدرت الأوامر لحاملة الصواريخ 
الأخرى » التى اشتركت فى العملية الأولى ولم تطلق صواريخها بسبب 
غرق المهدف ‏ بالتحرك للاشتباك مع الهدف الجديد . وفى الساعة 
السابعة وحمس دقائق تحركت حاملة الصواريخ الثانية ( التى كان 
يقودها النقيب لطفى جاد الله ) متجهة الى اللهدف الحديد . وكنا جميعا 
نراقبها على شاشة الرادار وأجهزة المراقبة الأخرى رغم الظلام الذى 
خيم على المنطقة . وفى الساعة السابعة والنصف ماما أطلقت الحاملة 
صاروخها الأول » وبعد دقيقة واحدة انطلق الصاروخ الثانى » 
واندلعت ألسنة النيران تضيىء البحر . وكان معنى ذلك اصابة الهدف 
الحديد اصابة مباشرة ) . 


« وعلى شاشة الرادار) كما يقول النقيب أحمد شاكر ‏ « كان الهدف 
الجديد يبدوفى حجم المدمرة ايلات . ومادامت اسرائيل لا تملك سوى 
ثلاث مدمرات هما : حيفا . ويافوء وايلات ». ومادامت ايلات قد 
غرقت قبل ذلك بأكثر من ساعة ونصف » بينا بيانات اللاستطلاع 
والمعلومات تؤكد وجود المدمرة الاسرائيلية يافو فى مالطة حيث تجرى لحا 
عمرة كاملة ‏ فمن المرجح أن الهدف الثانى الذى أصيب هو المدمرة 
حيفا ) . 


ومعنى هذا الكلام كله أن المصادر المصرية تتحدث عن اغراق 
مدمرتين ع هما : ايلاات وحيفا ( بيد) تتتحدث المصادر الاسرائيلية عن 
اغراق مدمرة واحدة هى ايلات ! . فأى الروايتين أصدق ؟ . 

للاجابة على هذا السؤال نلاحظ أن مذكرة الاحتجاج التى قدمتها 
اسرائيل الى مجلس الأمن فى أعقاب الحادث قد تحدثت عن اغراق 


مدمرة واحدة فقط هى ايلات » ولم تتحدث عن اغراق مدمرتين . ى| 


م 





أن الخنطاب الثانى الذى وجهته الى مجلس الأمن بتفصيلات الحادث قد 
تحدث عن اغراق ايللات وحدها » دون أى مدمرة أخحرى : 


وليس ثمة معنى لهذا التصرف من جانب اسرائيل غير أن مدمرة 
واحدة هى التى أصيبت بالفعل » وليس مدمرتان . كما أن حادثا مثل 
اغراق مدمرة أخرى لا يمكن أن تغيب أخباره بسهولة ى) لو كانت 
زورق صيد صغير! وف الوقت نفسه فمن الثابت تاريخيا أن المدمرة 
حيفا لم تغرق فى هذا الحادث كا استنتج النقيب أحمد شاكر, كما لم 
تذكر لنا أية وكالة أنباء خبرا عن اغراق مدمرة أخرى فى هذا اليوم غير 
ايلات . 


ومعنى ذلك - فى وضوح تام أن الحدف الأول الذى أصابه النقيب 
أحمد شاكر فى الساعة الخامسة ومس وعشرين دقيقة » وهو الذى أثبتنا 
أنه كان المدمرة الاسرائيلية ايلات » كان هو نفسه الهدف الثانى الذى 
أغرقه النقيب لطفى جاد الله فى الساعة السابعة والنصف . ولم يكن 
هناك هدفان ! . وهذا لا يتأتى الا اذا كانت المدمرة ايلات لم تغرق 
عقب الاصابتين الأوليين الذين أطلقهم] النقيب أحمد شاكر . وانما بقيت 
طافية حتى أغرقتها اصابة النقيب لطفى جاد الله ! . 


وهذا على كل حال ما تورده المصادر الاسرائيلية على المستوى 
الرسمى أو المستوى الشعبى . فهى تتحدث عن أربعة صواريخ 
أطلقت على المدمرة ايلات » ولا تتحدث عن صاروخين فقط . وهى 
تذكر أن الصواريخ الأربعة أطلقت على ايلات على دفعتين : الدفعة 
الأولى فى الخامسة والنصف وتتكون من صاروخين » والدفعة الثانية فى 
السابعة والنصف وتتكون من صاروخين آخرين غرقت على أثرهما 
المدمرة . 


يونت 





ففى الخطاب الثانى الذى أرسله جدعون رافايبل » مندوب 
اسرائيل فى الأمم المتحدة » الى رئيس مجلس الأمن » يفصل فيه حادث 
اغراق المدمرة » أورد أن المدمرة قد أصيبت فى الساعة الخامسةوالنصف 
بالتوقيت المحلى بصاروخحين أفقداها الحركة والاتصال » وبعد ساعتين 
أطلق صاروخان آخران أغرق أحدهما المدمرة » وانفجر الآخرف الماء . 
وقال الخطاب ان ايلات كانت لاتزال طافية عندما أبلغ المراقبون 
اسرائيل فى الساعة ه”,5 مساء أن المصريين أعلنوا أن المدمرة 
الاسرائيلية قد أغرقت . 


وقد أوردت وكالة روبتر على لسان الحرحى الاسرائيليين من بحارة 
المدمرة ايلات أن المدمرة ضربت أولا بصاروخين فى الساعة الخامسة 
والنصف . ثم ضربت ثانية بعد ذلك بساعتين » فغرقت على الفور . 
وقد ذكر ضابط أخخر أصيب بحروق أنه ( بعد أن أطلق صاروخان على 
المدمرة أصبحنا فى حالة عجز كامل » ولم نكن نستطيع أن نتحرك . ثم 
ضربت المدمرة بصاروخ ثالث , والذين ل يقفروا من المدمرة الى البحر 
فى المرة الأولى قذف بهم الى البحر قذفا ) . 


وقد أذاعت اليونايتدبرس على لسان جاوبش اسرائيل أن المدمرة 
أصيبت أولا بأول انفجار » وبعد ساعة ونصف حدثت اصابة أخرى 
للمدمرة فى الدفة هذه المرة .» ودوت انفجارات أخرى » وصدرت 
الأوامر من مكبرات الصوت بأن نترك المدمرة » ونقلنا الجرحى الى 
العوامات » ولكن اللخائر فى المدمرة بدأت تنفجر » فقفزنا الى الماء » . 

وقد أوضحت الدوائر العسكرية الاسرائيلية أن ثلاثة صواريخ قد 
أصابت المدمرة وأشعلت فيها النيران . وقد أصاب الصاروخ الأول 
منتصف السفينة » واستقر الثانى فى غرفة الآلات التتى تحولت فى ثوان 


16 





الى جحيم محترق . وجاء الصاروخ الثالث بعد ذلك بساعة ونصف 
الساعة » فمزق المدمرة وغرقت فى دقائق » . 


وهذا ما أكده ضابط اسرائيل جريح . فقد ذكر أن المدمرة أصيبت 
أولا بصاروخحين « فوجدنا أنفسنا فجأة فى حالة عجز كامل » ثم 
ضربت بصاروخ ثالث وبدأت تغرق » . وقد روى قائد الأسطول 
الاسرائيل ما حدث » فذكر أن الصاروخ الأول أصاب المدمرة فى 
وسطها ودمر أجهزة الاتصال بها . 


وهذا كله يوضح أن الهجوم الأول الذى شنه النقيب أحمد شاكر على 
المدمرة ايلات » لم يغرقها على الفور . وانما أصابها باصابات مدمرة » 
فقد أصاب الصاروخ الأول أجهزة الاتصال بها » واستقر الصاروخ 
الثانى ف غرفة الآألات , وبذلك شلت حركة المدمرة ؛ وعجزت أيضا 
عن طلب النجدة » اذ لم تعلم السلطات الاسرائيلية باصابتها الا بعد 
أن أعلنت مصر اغراقها » وأبلغ المراقبون اسراثيل فى الساعة 5؟ ,5 بها 
أعلنته مصر . وظلت المدمرة طافية فى حالة عجر كامل بين| كانت 
وسائل الانقاذ الاسرائيلية فى الطريق اليها » حتى كشفت محطات 
الانذار المصرية فى قاعدة بور سعيد وجودها فى السابعة مساء » فظنتها 
هدفا ثانيا » وأصدرت أوامرها باغراقه » فجاء دور النقيب لطفى جاد 
الله ليقوم بهذه المهمة . 

وهنا يثور السؤال : كيف عجزت أجهزة الانذار فى قاعة بور سعيد 
عن اكتشاف أن المدمرة ايلات لم تغص الى القاع بعد الاصابة الأولى : 
وأنها ظلت طافية لمدة ساعة ونصف أخرى ؟ . 


هناك تفسيران نعرضها فى هذا الصدد : الأول أن قيادة القوات 


هه 





البحرية اعتمدت اعتمادا مطلقا على الاشارة اللاسلكية التى أرسلها 
اليها النقيب أحمد شاكر بعد اصابته المدمرة » ويقول فيها « بالحرف 
الواحد 0)-- حسبا قوله ) تم الاشتباك م المدف المعادى ُ( وتم 
تدميره واغراقه طبقا للأوامر . تأكد أنه المدمرة الاسرائيلية ايلات . 


مبروك ) . 


وكان النقيب أحمد شاكر يعتقد أن المدمرة قد غرقت بالفعل . ففى 
روايته التى أوردتها نشرة القوات المسلحة رقم , فى أكتوبر 1971 ذكر 
أنه بعد أن أطلق الصاروخ الثانى » « رأيت الحدف على الفور يببط 
ويغوص ف الماء » واختفى من على شاشة الرادار بعد ثلاث دقائق . 
وعندئذ أمرت اللنش الثانى بأن ينسحب . حيث رأينا الحو قد أمتل 
بالدخان من أثر الانفجار . وشاهدت على الرادار أهدافا صغيرة هى 
على ما يبدو القطع التى تفتتث اليها المدمرة التى أصبناها » . 


وفى روايته التى نشرتها جريدة الأخبار فى ذلك الحين ذكر أنه بعد 
أن أطلق الصاروخ الشانى » ( تحول الهدف الى كتلة من النيران 
المشتعلة . وبدأ يغوص سرعة داخل المياه » ليختفى من على شاشة 
الرادار . وكنت أتابعه على جهاز أخر » وتأكدت من اصابة الصاروخحين 
للهدف . ثم أبلغنى الرادار باصابة اللهدف وتدميره واختفائه من شاشة 
الرادار الرئيسية وبقية الأجهزة . وكان بلاغ الرادار البلاغ الرسمى 
الهائى بغرق المذمرة ايلات ) . 


أما التفسير الثانى . فهو ما كشفه العقيد لطفى جاد الله من أن 
رادار الاستطلاع بقاعدة بور سعيد . المنوط به مراقبة واكتشاف ما اذا 
كانت قد دخلت أهداف أخرى » وهل غرق المدف المضروب أم لا 
تعطل بعد عودة زورقى الصواريخ الى القاعدة » وظلت المنطقة بدون 


5 





استطلاع من الخامسة والنصف تقريبا حتى السادسة والنصف . فلم 
اشتغل الجهاز من جديد اكتشف هدفا ثانيا فى نفس المنطقة . 


ونحن نرجح التفسير الثانى الذى يوضح كل شىء » وبه نصل الى 
هذه الحقيقة التاريخية الحديدة فى مسألة اغراق المدمرة الاسرائيلية 
ايلات » وهى أن هذه المدمرة قد ضربت وأصيبت بالشلل التام على يد 
النقيب أحمد شاكر » وغرقت على يد النقيب لطفى جاد الله . 


وهذه الحقيقة لا تقلل من أهمية وعظمة الدور الذى لعبه النقيب 
الراحل أحمد شاكر عبد الواحد القارح . فقد واجه هدفا متحركا شرسا 
سبق له أن حقق انتصارا يوم ١١‏ يوليو 145177 فى المعركة التى خاضها 
ضد زورقى النقيبين مدوح وعونى » واستطاع اصابته باصابات مباشرة 
وقاتلة » وأفلت من النيران التى أطلقها عليه . فمن الشابت من 
تصريحات شلومو أريل » قائد البحرية الاسرائيلية فى ذلك الوقت » أن 
المدمرة ايلات حاولت اصابة زورق الصواريخ المصرى بنيرانيها » ولكن 
« دون نجاح  )‏ على حسب تعبيره . 


وعلى هذا النحو فقد كانت المدمرة ايلات فى حالة شلل تام عندما 
أصابما النقيب لطفى جاد الله » اذ كانت تعانى من تدمير أجهزة 
اتصالها وغرفة آلاتها . ولكن النقيب لطفى جاد الله وأفراد طاقم زورقه 
تقدموا اليها فى شجاعة وفداء » على اعتقاد أنهم يواجهون مدمرة أخرى 
فى حجم ايلات . وأدوا مهمتهم فى مهارة فائقة » وأسكنوا المدمرة 
المنكوبة القاع . 


وهنا نصل الى الاجابة على السؤال الذى طرحته شهادة العقيد لطفى 
جاد الله » وهو : لماذا اعتبرت القيادة العسكرية والسياسية فى ذلك 


لاع 





الحين أن النقيب أحمد شاكر هو وحده الذى أغرق المدمرة ايلات » 
ونسبت الى النقيب لطفى جاد الله تدمير مدمرة أخرى . رغم ما تبين 


من الغريب ما نلاحظه من التعتيم على هذه المسألة . ففى حديث 
اللواء أركان حرب على جاد ء قائد القوات البحرية » فى جريدة مايو 
الذى نشرناه فى هذا الرد » نرى أنه قد نسب اغراق المدمرة ايلات الى 
النقيب أحمد شاكر وحده . على أنه فى حديث أخر فى جريدة الأخبار 
يوم 7١‏ أكتوبر ١487‏ أشرك النقيب لطفى جاد الله فى اغراق المدمرة » 
ولكن بشكل غير دقيق . فقد روى أنه بعد أن أطلق النقيب أحمد شاكر 
صاروخا على المدمرة » « تحرك اللنش الثانى وبسرعة وعليه النقيب 
لطفى جاد الله » الذى أطلق الصاروخ الثانى » وكانت اصابة مباشرة 
انفجرت بعدها المدمرة ثم هوت الى قاع البحر بعد سبع دقائق من 
الضربة الثانية  »‏ وهذا يدل على أن صورة ما حدث للمدمرة ايلات لم 
تكن واضحة ثماما بمثل ما توضحت الآن . 


وعلى كل حال فعئد هذا الحد نصل الى قصة إبطال النقيب أحمد 
شاكر لجهاز اللاسلكى . حتى لا يتلقى أوامر بتفادى الاشتباك ‏ كما 
حدث مع النقيبين ممدوح وعونى . لقد ذكر اللواء على جاد أن الاتصال 
لم ينقطع فى أى لحظة من اللحظات بين قيادة القوات البحرية وبين قيادة 
قاعدة بور سعيد وما بين السرب وما بين اللنش الأول بقيادة النقيب 
أحمد شاكر . وأنه لم تحدث أعطال فى اللاسلكى . وقد استدل على 
كلامه بصدور أمر من التقيب أحمد شاكر على نفس اللاسلكى الى 
النقيب لطفى جاد الله يقول فيه : ( تم تدمير ال هدف ويراعى عدم 
الاشتباك )» . 





وهذا القول باستمرار الاتصال اللاسلكى مع النقيب أحمد شاكر 
يتناقض مع ما أكده العميد بحرى حسن حسنى زكى ». الذى كان 
مسئولا عن قسم الاشارة والانذار فى قاعدة بور سعيد البحرية » أنه لم 
تصدر أية اشارات لزورق النقيب أحمد شاكر بعد تلقيه الأمر بالخروج 
والاشتباك مع العدو. وطاما أن القيادة البحرية لم تحاول الاتصال 
بالنقيب أحمد شباكر بعد خروجه للاشتباك » فكيف يمكن لا التأكيد 
بعدم إبطال الجهاز؟ بقى أن الفريق على جاد يقصد بدوام الاتصال 
بلنش النقيب أحمد شاكرء الاشارة التى أبلغت له بإلغاء طلعة 
الطيران » ولكن تعطيل اللاسلكى كان بعد هذه الاشارة وليس قبلها . 


أما فيا يختص بالتدليل على صلاحية الجهاز بأن النقيب أحمد شاكر 
قد أصدر منه أوامر للنقيب لطفى جاد الله بعدم الاشتباك بعد تدمير 
المدف » فيمكن تفسير ذلك باعادة تشغيل الجهاز ! . ذلك أن نعطيل 
الجهاز لايتطلب بالضرورة تحطيمه وتدميره با لايرجى إصلاحه » وانما 
يكفى نزع أحد أجزائه الصغيرة واعادة تركيبها , وهوما يمكن أن يقوم 
به بسهولة القائم على عمل الجهاز . 


على كل حال فمن المحقق أن بطولة أحمد شاكر ولطفى جاد الله قد 
غيرت وجه التاريخ البحرى » وغنيرت وجه الاستراتيجية البحرية 
العالمية . فقبل هذا التاريخ » كانت قوة القطع البحرية تقاس بقوة 
نيرانها . ومن هنا ساد بناء القطع البحرية الضخمة » التى تستطيع 
حمل المدافع من كافة العيارات » لتعطى أكبر قوة من النيران . كالبارجة 
والمدمرة . 

وكانت المدمرة ايلات من هذا النوع . فقد كانت ىا ذكرنا - 
مسلحة بأربعة مدافع ه,؛ بوصة . و5 مدافع عيار 4٠‏ مم مضادة 
للطائرات » فضلا عن أربع قواعد أعماق » و8 أنابيب طوربيد عيار 


6 





, ضابطا وجنديا . ولكن هذه المدمرة‎ 56٠ بوصة . وكانت قوتها‎ 1١ 

بكل قوة الديران التى تملكها » أغرقها زورق صغير حمل صواريخ 
بعيدة المدى ! . ومعنى ذلك أن قوة النيران لم تعد تتناسب طردا مع 
حجم القطع البحرية وعدد البحارة الذين يعملون عليها » ولم يعد ثمة 
مبرر للاحتفاظ بالقطع البحرية الضخمة بالتالى ! . ومنذ ذلك الحين 
تبدلت نظريات الغرب » فعمد إلى تعميم الصاروخ البحرى فوق 
القطع البحرية الصغيرة » كسلاح أساسى للقوات البحرية للعمل على 
السواحل . وهذا مادعا البعض الى القول بأن هذا الحدث التاريخى 
( يعادل انقلابا فى موازين وتخطيط المستقبل » وثورة فى الفكر البحرى 
عالميا » ياثل الانتقال من مرحلة الشراع والخشب الى مرحلة البخار 
والحديد » ! . 


وقد رفع الحادث من الروح المعنوية للأمة العربية با لم يحدث منذ 
الكهرباء . وأيقظها من ذل المزيمة ٠‏ وأعاد اليها ثقتها بنفسها 
وبقدراتها » ورد اليها الأمل فى المستقبل » بل أعاد الى مصر هيبتها التى 
فقدتها فى رمال سيئاء . وأحدث شرخحا سريعا ف الأسطورة 
الامرائيلية . 


فبعد يوم واحد من اغراق المدمرة » وصف مراسل الاذاعة البريطانية 
فى الشرق الأوسط تأثير الحادث بقوله : « ان الروح المعنوية العربية 
وهيبة مصر قد ارتفعا بين عشية وضحاها بعد حادث اغراق المدمرة 
ايلات » . وأبدت جريدة الشعب اللبئانية رأيها قائلة : « لقد تمزقت 
الأسطورة الاسرائيلية فى الحظات » وانشقت عن مفاهيم جديدة تضع 
الأمورفى نصابها » . بيدا كتبت صحيفة « النصر » العراقية تقول : ان 
الشعوب العربية « وحدكث ف السرد الرادع الذى وجهته البحرية 


الت 





العربية » أملا جديدا أعاد الثقة الى النفوس فى امكانية العمل 
العسكرى » الى جانب تبيئة قوى الشعب للنضال فى المرحلة 
القادمة » . بل لقد ذهبت صحيفة « صوت العمال العراقية » إلى أن 
« القوات المصرية لم تدمر المدمرة الاسرائيلية فقط » بل دمرت المنطق 
المتخاذل الذى يحاول التقليل من قدرتنا وامكانية قواتنا على مجامبة 
المعتدين » ! . 


على أن الحادث أعطى انطباعا بأن مصر قد تمكنت من اعادة تنظيم 
وبناء قوتها العسكرية » والاستعداد لمعركة جديدة ! . وهذا الانطباع 
كان عاما » سواء بين العرب أو بين الاسرائيليين . ففى صحيفة 
« الدستور )» الأردنية استدلت بالحادث « على أن القوات العربية فى 
مصر الشقيقة » سواء فى البحر أو الير أو الجو . قد استطاعت فى مدى 
قصير تنظيم نفسها والتصدى للعدو» . أما موشى ديان » وزير الدفاع 
الاسرائيل » فقد صرح عقب اغراق المدمرة بأن « مصر استعدت لحولة 
أخرى فى النزال خلال فترة قصيرة بدرجة مذهلة . وأنها تعمل الآن على 
أساس أنها خسرت معركة ولكن لا تزال أمامها أن تخوضص حربا » ! . 
وأضاف ان عملية اعادة تسليح الجيش المصرى فى هذه الفترة القصيرة 
جاءت مفاجأة مذهلة للخرراء الاسرائيليين ) ! . 


وواضح أن هذا الانطباع كان خاطئا ! . لأن البحرية المصرية 
كانت كما ذكرنا ‏ قد خرجت من الحرب سليمة » وكانت متفوقة أصلا 
على البحرية الاسرائيلية . وبالتالى فلم يكن للحادث صلة باعادة بناء 
اليش المصرى ! . فضلا عن ذلك » فان الصاروخ « ستايكس » كان 
لدى البحرية المصرية منذ عام ١9551‏ » وم يكن سلاحا جديدا تجهزت 
به بعد الهزيمة » والجحديد فيه أنه استخدم لأول مرة ! . 


اكع 





يضاف الى ذلك أن الحادث لم يكن له صلة باستعداد مصر خولة 
أخخرى » لأنها لم تكن قد استعدت بالفعل ! . ولم يكن الحادث جزءا 
من خطة حولة أخرى » فقد ظلت مصر بعد الحادث لا تقوم بأى نشاط 
لمدة عام » منصرفة الى اعادة بناء قوتها العسكرية » التى كانت تعتيرها 
أساس أى عمل جدى لاسترداد الأراضى المغتصبة . 


على أن الحادث كان لابد أن يترك تأثيره على جهود السلام التي 
كانت تبذل فى ذلك الحين لحمل اسرائيل على الانسحاب من الأراضى 
العربية المحتلة . فقد كتبت جريدة ١‏ التايمز ) البريطانية فى مقاها 
الافتتناحى تقول ان ( اغراق البحرية المصرية للمدمرة الاسرائيلية جعل 
تجدد الحرب فى الشرق الأوسط أكثر احتمالا » » فان « سفن احدى 
الدول لا تغرق سفن الأخرى الا اذا كانت فى حالة حرب » أو تستعد 
لشن الحرب » ! . ووصفت الحادث بأنه أضخم اشتباك بحرى بين 
الدولتين طوال العشرين عاما السابقة » . وأضافت الصحيفة فى حسرة 
تقول : « ان ملايين العرب يشعرون بالزهو الآن ») ! . 


أما الحكومة الفرنسية فقد اعتيرت اغراق ايلات حادثا « ذا خطورة 
خخاصة » نظرا جم ايلات . وطبيعة ودقة الأسلحة التى استخدمها 
المصريون ) . ورأت أن الحادث يعد دليلا على أن القوات المصرية 
( استعادت جزءا كبيرا من قوتها ) . 


أما الولايات المتحدة ». فقد اعتير كبار المسئولين فيها الحادث 
( ضربة كبرى ونخطيرة ) . ووصفت الخارجية الأمريكية اغراق المدمرة 
الاسرائيلية بأنه « مفجع ) » و١‏ مثيرللأسف الشديد ) » وأنه و علامة 
من علامات عدم ضبط النفس ») . وأوحى روبرت مكلوسكى » 
المتحدث باسم الوزارة بأن الحادث سوف يترك تأثيره على جهود السلام 


5 





بقوله 0 اننا نبحث عن حل سلمى للتوتر السائد فى الشرق الأوسط 3 
ونأمل ألا تتأثر الجهود التى نبذها بأى شىء ) ! . 


ووصفت وكالة الأنباء الفرنسية صدى الحادث ف العالم بعد وقوعه , 
فقالت : «ان الخوف من تجدد القتال بين العرب واسرائيل قد تردد 
صداه فى أنحاء العالم خلال الست والثلاثين ساعة التالية لحادث اغراق 
المدمرة إيلات ») . 


وقد تطرفت بعض الصحف الريطانية فى الغضب للحادث » الى 
الحد الذى دعا صحيفة ( الايفندج ستاندرد » الى المطالبة بتقديم 
الضباط والحنود الذين أغرقوا المدمرة ايلات الى المحاكمة العسكرية » 
بدلا من منحهم الأوسمة والأنواط 5 


على أن دوائر الأمم المتحدة نظرت الى الحادث فى ذلك اللحين نظرة 
متشائمة » فقد وصفته بأنه « مما لا يسهل عملية الوصول الى تسوية 
مقبولة » ! . ورأت أنه قد« لفت الانظار الى الطبيعة الواهية لقرار وقتف 
اطلاق الدار بين مصر واسرائيل ) . 


وفى الواقع أن اغراق ايلات قد قضى على كل أمل فى اسرائيل فى 
ابراه تنسوية سلمية + وجعل اخغالات الحرب الرابعة أكثر قربا من أى 
وقت مضى !| . وكان النصر الذى حصلت عليه اسرائيل فى حرب يونية 
قد جعلها تأمل كثيرا فى فرض « سلام اسرائيل » 2 فانتهى هذا الأمل 
بلا رجعة بعد اغراق ايلات ! . فقد كتبت صحيفة « جيروسال 
بوست ») تقول ان اغراق ايلات « جعل من الواضح أن مهمة قرة 
الدفاع الاسرائيلية لم تنته بعد » وقضى على أى أمل فى الوصول الى 
نوي طلمة ف يعوو تلك الأننظية السرنية لانتصتد نظام يد 


اوح 





الناصر ) . واذا كان قد أعقب الحرب مباشرة تفاؤل حقيقى بأن طريق 
السلام قد أصبح مفتوحا , فان كل بادرة اتخذها العرب من الخرطوم 
الى ايلات قد أوضحت أن لا شىء قد تغير) ! . 


أما معحقة: معارريفت المسافية الواسعة الانشار . فقد أغلنت أنه 
اذا كانت هذه هى اللغة التى يتتحدث بها المصريون » فلا مناص أمام 
اسرائيل من قبول التحدى » . وأوضحت جريدة « احدوت احرانوت ) 
وان العمل الذى أقدمت عليه مصر قد أوضح بها لا يقبل الشك أن 
مصر تريد الحرب لا السلام . 


وقد كانت أخطر ردود فعل الحادث فى اسرائيل هى التى تمثلت فى 
الدعوة الى ضم الأراضى العربية المحتلة فى حرب يونية ! . فقد طالبت 
صحيفة « معاريف ) بتشديد القبضة الاسرائيلية على سيناء والضفة 
الغربية ومرتفعات الحولان » من أجل ضان أمنها . ودعت « أحدوت 
أحرانوت » الحكومة الاسرائيلية الى ضم الأراضى العربية المحتلة بصفة 
دائمة . قائلة ان عدم اتخحاذ هذا القرار ١‏ لن ينتج عنه سوى 
الفوضى » ! . وكان مما كتبته « أبويوت أحارونوت » انه : « اذا ظللنا 
نعتير الأراضى المحتلة « أراضى محتلة ) » وليست « أراضى اسرائيلية ) 
فسنبقى مجرد حراس لمذه الأراضى حتى يعود العرب اليها ! . لماذا 
لا نضع غباية لصبرنا بعد حادث اغراق المذمرة » ونضم الأراضى 
المحتلة الى دولتنا » ؟ . 


وقد استجابت الحكومة الاسرائيلية لحذه الدعوة الجحديدة سريعا . 
ففى الكلمة التى ألقاها اشكول بمناسبة احتفال اسرائيل بذكرى مرور 
عاما على انشائها » قال : ١‏ اننا نقول لعدونا الأكبر اننا لن ننسى 
أبدا هذا العمل » . وأضاف أن رد اسراثيل على الدول العربية 


655 





وحلفائها ( الذين يريدودن حملنا على الرجوع الى حدودنا قبل ا خرب 
هو: لاء. بكل وضوح ! ) . 


ولا تحوى مذكرات موشى ديان » شيئا هاما عن مداولات الحكومة 
الاسرائيلية فى الرد على حادث اغراق ايلات . ولكنه يذكر أن الحكومة 
اتفذت قرارا بقصف معامل تكرير البترول الملاصقة لمدينة السويس » 
واشعال النارفى خزانات الوقود الملحقة مها » . وهوما قامث به المدفعية 
الاسرائيلية بنجاح . ويقول موشى ديان : « وقد طرت الى السويس » 
بينها كانت معامل التكرير ما زالت مشتعلة » وأخذت أرقبها من 
الرصيف القائم فى خخطوطنا . وبينما كنت هناك . تلقيت اشارة بأن 
المصريين جددوا قصف بعض القطاعات . وكان معى قائد الجبهة 
الجنوبية » فطلبت منه حصر المسألة فى النطاق المحل » ! . 


ولا تفسير لرد الفعل الاسرائيل المحدود فى اطار معامل تكرير 
البترول » الا بأن اسرائيل كانت تستولى بالفعل على أكثر ما تستطيع 
أن جمضمه من أراض ! . فقد كانت فى يدها سيناء والضفة الغربية 
وغزة والجولان » وبالتالى فلم تكن فى حاجة لتوسيع رد الفعل لاغراق 
المدمرة بحيث تستولى على مزيد من الأراضى . فضلا عن أن المهارة 
التى أبداها المصريون فى تدمير ايلات قد أقتلعت من ذهن القيادة 
الاسرائيلية فكرة الاستهانة بالجيش المصرى . ففى الكلمة التى ألقاها 
موشى ديان فى أعقاب اغراق المدمرة » حذر من أن « أى شخص يعتقد 
أن مصر غير مستعدة للقتال انه) يرتكب خطأ كبيرا ) . « فأمامنا الآن 
نحو 4٠٠‏ دبابة تواجه القوات الاسرائيلية فى منطقة قناة السويس » 
بالاضافة الى 5٠‏ ألفا من القوات المصرية المزودة بأسلحة سوفيتية ما 
يشكل قوة قادرة على وض غمار القتال اذا تطلب الأمر ضرورة القيام 
باستعراض للقوة حول سيطرة اسرائيل » . 





ومع ذلك فان اللخسارة المادية التى ألحقتها اسرائيل بمصر بقصفها 
معامل تكرير البترول » كانت فادحة . ذلك أن هذه المعامل كانت تمد 
مصر ب 86 فى المائة من -حاجتها من الوقود .» اذ كانت سعة الخزانات 
أكثر من نصف مليون طن ( ,:6٠٠‏ 0ه )» وكانت طاقة المعملين 
تقندو ب و شليون طن عقوا ل #قترك: المطنف: الاراقيل من بطاقة 
قدرها ه, ١‏ مليون طن فقط من معامل الاسكندرية . 


على أن الكسب الذى حصلت عليه مصر من تدمير ايلات يفوق 
بكثير ما خسرته بقصف معامل تكرير السويس . فقد سبق لمصر أن 
حسرت أسلحتها فى سيناء فى حرب يونية » وخسرت معها أيضا كرامتها 
العسكرية . ولكن اغراق ايلات أعادها كرامتها ورد لها هيبتها فى عين 
العام أجمع . وفى عين العرب واسرائيل خاصة . وهوما كانت فى حاجة 
الى الانتظار لست سئوات أخرى قادمة قبل أن تسترده بحرب 
أكتوبر ١91/‏ . 


ومن الواضح أن الدول لا تبنى هيبتها ومجدها بدون ثمن . وانما 
تدفع فيه ثمنا غاليا من دماء شعبها ومن ثرواتها 2 وهى تصنع ذلك عادة 
بالتخطيط وقدح الأذهان والتدبير والتنفيدك . 


ولكن التديد فى حادث اغراق المدمرة الاسرائيلية ايلات » هو أن 
الذى صنعه بالدرجة الأولى حماسة ووطنية رجال البحرية المصرية.. 
التى ضغطت على القيادة السياسية لكسر قاعدة عدم الاشتباك مع 
العدو إلى حين اعادة بناء القوات المسلحة واستكال الاستعدادات 
الدفاعية . 


كها صنعته جهود طاقم العمل الذى أدار معركة ايلات تحت رئاسة 


42 





اللواء ببحرى فؤاد أبو ذكرى وتكون من العميد محمود عبد الرحمن 
فيو + والعقيد تيد هل مد #والقلاه عل عاد :, :ركان ماين هذا 
الطاقم للمعركة مستمدا من الحماس العام لضباط وجنود البحرية » 
والثفة بقدرة البحرية على رد الشرف العسكرى للجيش المصرى الذى 
ون فى انيناء : 


وفوق ذلك كله صنعت هذا النصر فدائية ضابطين شابين هما 
النقيب أحمد شاكر والنقيب لطفى جاد الله على رأس أفراد طاقمى 
زورقيهها . 


وقد حصل على الشرف الأول النقيب أحمد شاكر » الذى تقدم من 
وسط صفوف الشعب المصرى . كبطل من أبطال الأساطير». ليؤدى 
هذه الرسالة الحليلة » ثم ينسحب فى هدوء ليموت بعد أعوام قلائل 
فى ريعان شبابه ! . فكأن) خلق لهذا الغرض بالذات : أن يعيد لمصر 
هيبتها وشرفها العسكرى . ثم تنتهى حياته بانتهاء رسالته ! . 


ا 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 





ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 








تتسلاتسق 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 








متحق رقم | |١‏ 





اغتيال المشير عامسر 
بقلم مهلدس جسن عامسر 


( أكتوبر فى 18 ابريل )١1984‏ 


تابعت ماكتبه ويكتبه الدكتور عبد العظيم رمضان تحت عنوان 
« دراسة تاريخية لقصة ححرب يونية » ( تحطيم الاطة ) . وانى 
أحفظ لنفسى ا حق فى الرد تفصيليا عن كل مانشر عن حرب يونيو 
سنة ١951/‏ على لسان الكاتب . 

وفى العدد رقم #74 الصادر يوم الاحد 9 يناير سنة 19/18 
تناول الدكتور عبد العظيم رمضان موضوع مصرع المشير عامر , 
وانى لمقدر سعى الكاتب وراء حقيقة مصرع المشير والتى تلشر 
لأول مرة فى مصر . 

غير أنه قد لفت نظرى عنوان المقال باستخدام كلمة « اعدام ) 
بدلا من « قتل ) وهو عنوان يحمل معنى خطيرا » حيث يوحى 
بأنه كانت هناك محاكمة وحكم وادانة » وهذا خطير جدا فى بلد 
منتحضر قامث فيه أول حكومة متحضرة فى تاريخ العالم . فأى 
حاكمة عسكرية أو مدنية ى| هو معروف قانونا فى العالم أجمع لا 
قواعدها واصولها وضاناتها والا تحولت إلى جريمة شنعاء ترتكبها 
عصابة كيا يحدث فى المجتمعات الهمجية البدائية . 

إن المشير عبد الحكيم عامر قد طالب بمحاكمة عسكرية 


الا 


فت 





لتحديد المسثوليات وأسباب هزيمة حرب يونية سنة ١4541/‏ وقد 
تلقى نتيجة لذلك تهديدات باسكاته إلى الأبد إذا جازف 
تتكادا وق لخر رسال لمق غيل اكيم عادر إلى /ا لديز 
سنة ١9519‏ والتى كتبها أثناء تحديد اقامته قال فيها : «انى 
فقدت الثقة وم أعد أشعر بالأمان . . انى أتلقى تبديدات لأنى 
طلبت محاكمة علنية فمنذ ساعتين زارنى ضابط من المخابرات 
وهدد باسكاتى إلى الابد إذا جازفت وتكلمت وانى على ثقة أن 
هناك مؤامرة تدبر ضدى . انى أعتقد أن درجة المسئولية تتناسب 
مع الرتبة والواجبات ولكن للاسف تبينت أن الآخرين يرفعون 
أعلام المسئولية بينما يبحثون حولهم عن كبش فداء . لهذا السبب 
قدمث استقالتى . . كثير من أصدقائى واخحوانى حاولوا اثناثى 
عن هذا القرار ولكن آخرين نشروا تقارير انى اعانى من أزمة 
نفسية شديدة واننى حاولت الانتحار مرارا - ومن لم يعانى من ازمة 
نفسية بعد الكارثة التى حلت بئا . . ؟ . . ان الانتحار أبعد 
شيىء عن تفكيرى لأنه هروب من المسثولية » ولقد اكدت 
لأصدقائى ان ما أسعى اليه هو كشف حقيقة المأساة ولا أخحشى 
قول الحقيقة . . » 

ولقد صرح المشير لى شخصيا بأنه خائف على حياته . 

ولا شك ان مأساة مصرع المشير عبد الحكيم عامر هى الفصل 
الأخير فى قصة حرب يونية » فقد كان رحمه الله أهم شهودها 
بحكم منصبه كنائب للقائد الأعلى للقوات المسلحة ونائب أول 
رئيس الجمهورية . حيث كان على علم بأدق أسرار تلك 
الأحداث سياسية وعسكرية . وانه لمن الواضح الارتباط الوثيق 
بين مصرع المشير . والمؤامرة التى دبرت للقضاء على القوات 
المسلحة المصرية وتحطيمها قبل أن تدخل المعركة أو تحارب . 

وحتى تنجلى الأسباب الحقيقية لهزيمة القوات المسلحة 
المصرية ومصرع قائدها يستلزم ذلك الرجوع إلى المواقف 
السياسية للمشير على مدى حياته » والتزامه بالحفاظ على اليش 





المصرى وطنيا بعيدا عن اى تدخلات أو محاولات للتغلغل 
والسيطرة عليه من أى قوى خارجية » كان هدفها السيطرة على 
البلاد » والحكم من خلال سيطرتها على القوات المسلحة » 
وفرض نظام الحكم الذى يخدم مصالحها » ويجعل من مصر بلدا 
تدور فى فلكها وتفقد بذلك استقلاها وقوميتها . . 
ونحن أسرة المشير عامر نعلم أن المشير لم ينتحر ء ونبنى هذا 
الرأى على التقارير الرسمية » والتحقيقات . وتقرير الطبيب 
الشرعى ٠»‏ التى تبين بوضوح عكس النتيجة التى أعلنت فى قرار 
النائب العام » والتى أضع تفاصيلها كاملة بدراسة تحليلية أمام 
انظاركم . ولذلك فقد طلبت رسميا اعادة التحقيق فى مصرع 
المشير عندما استدعيت امام المحامى العام الأستاذ المحمدى 
الخولى فى صيف 1918 بناء على بلاغ الاستاذ عبد الحليم 
رمضان » تعقيبا على مانشره السيد / صلاح نصر فى جريدة 
الجمهورية فى العدد الصادر فى 4 مايو ه/91١‏ » حيث نفى انه 
سلم المشير سما لينتحر به بل ان السيد / صلاح نصر قد ارسل 
بلاغا للنائب العام اثناء اعتقاله فى مستشفى الطيران وقبل نقله 
إلى السجن الحربى اتهم فيه البعض بقثل المشير ولا نعرف إلى 
الان مصير هذا البلاغ . 
وقد طلبت من الاستاد المحامى العام طلبين محددين هما : 
)١(‏ اعادة التحقيق وسؤال الشهود نظرا لأن الظروف التى 
اجرى فيها التحقيق كانت ظروف قمع وارهاب أنخافت 
الشهود من الادلاء بالحقيقة . 
(؟) عرض تقرير الطبيب الشرعى والتقارير الطبية والمعملية 
على هيئة طبية دولية لدراسته وابداء الرأى فيم| ورد فيه . 
هذا وقد أحال الاستاذ المحمدى الخولى المحامى العام تقرير 
الطبيب الشرعى والتقارير المعملية إلى الدكتور محمد على دياب 
خبير السموم بالمجلس القومى للبحوث والذى قدم إلى النيابة 
العامة تقريرا يبين فيه رأيه الفنى ونشر ملخصا له فى جريدتى 


رفة 


54 





الاهرام والاخبار وجاء فيه : (١‏ ان الوفاة لا يمكن ان تكون 
انتحارا لأسباب علمية أوضحتها فى التقرير . منها طبيعة السم ‏ 
وسرعة فاعليته التى لا تتعدى دقائق » والأعراض التى تصحب 
تناوله . , الخ .. ماورد فى التقرير لدى النيابة العامة » . 

وبعد أن نقل المحامى العام . وعين مكانه الاستاذ هاشم 
قراعة . توجهت إلى النيابة العامة لمقابلته والاستفسار عما تم في| 
سبق ان طلبته من اعادة فتح باب التحقيق فى موت المشير, 
فاعتذر بانشغاله بقضايا التعذيب . ولكنى وجدته مطلعا على 
البطورات ويعلم بها طلبته رسميا من اعادة التحقيق . وسألته إذا 
كان مطلوبا مذكرة أخرى منى فى هذا الشأن لا عادة فتح باب 
التحقيق فأجاب بأن ماسبق ان طلبته فى اقوالى كاف تماما ولا 
يحتاج إلى طلب مذكرة جديدة . 

ان هذه الأمة لا يمكن ان تنام على هذه الجريمة التى تثقل 
ضميرها منذ سئين طويلة ولا بد أن تأخذ العدالة مجراها وتكشف 
الحقيقة وتعاقب القتلة المجرمين الذين استخدموا سلاح الجريمة 
للقضاء على خصومهم فى الرأى » الذين دبروا واغتالوا رجلا 
وطنيا شريفا عرف عنه الجميع الخلق والشهامة والانسانية وانكار 
الذات .. رجل خرج وقاد اليش ليلة 71" يوليو من أجل 
الشعب . . واحدا من رجال التاريخ الذين أنجبتهم مصر وأدوا 
دورا بارزا على مدى سنين طويلة كان ملء السمع واالبصر . 
استدرجوه فى ظلام الليل وباسم الصداقة » فامن لهم » ولبى 
دعوة للعشاء » فغدروا به » وخانوا الصداقة » وتنكروا لكل 
معانى الوفاء ومشاعر البشر والانسانية . لقد لحأوا إلى شريعة 
الغاب . وأطاحوا بكل القيم الانسانية » وكانوا مسئولين مسكولية 
كاملة عن سلامته بعد أن تحفظوا عليه فى منزله » ثم أخذوه من 
منزله بين أولاده وزوجته سليها ممتلئا صحة وعافية وحياة . . وم 
تمض 74 ساعة حتى أعلنوا على الدنيا مصرعه , دون أن نسمع 
منه كلمة يدافع بها عن نفسه . كفلها القانون للقتلة والمجرمين » 





قضاته 
3 كت إبجة ليم 

طنيون اللا ا 2-18 

حرم منها الوطئني 00 2 

د ل ة لا تنام وسوف يطب ام 

0 ولكن العدالة لا مم 

آلام فوق طاقة 4 يطبح 

الام فوق را 

: | 1 

د لحق 


حقة 





متحصسق رقم | ؟ | 





و 


المشير شرب من نفس الكأس 


بقلم : د . عبد العظيم رمضان 


( أكتوير فى ١8‏ ابريل )١9844‏ 


أود فى البداية أن أشكر المهندس حسن عامر » لاتفاقه معى 
فى الرأى حول اغتيال المشير عبد الحكيم عامر ‏ كما ثبت لى من 
دراسة الوثائق فى هذا الشأن » كما أشكره على تقديره سعيى وراء 
حقيقة مصرع المشير » التى نشرتها لأول مرة . وق الوقت نفسه 
أتفق مع المهندس -حسن عامر فى استنكار اغتيال المشير عامر دون 
محاكمة عسكرية . وأعترف معه بأن هذا أمر « خطير جدا فى بلد 
متحضر قامت فيه أول حكومة منحضرة فى تاريخ العالم  )‏ وهو 
مصر ! . 

على أنى أريد ‏ بأمانة ‏ أن أسأل المهندس حسن عامر : ألم 
يكن شقيقه المشير عبد الحكيم عامر هو المسثول الاول عن تحويل 
هذا البلد المتحضر . الذى قامت فيه أول حكومة متحضرة فى 
تاريخ العالم » إلى بلد غير متحضر . يقذف فيه بالمواطن فى 
غيابات السجن والاعتقال دون أى محاكمة عسكرية أومدنية ؟ . 

ألم يكن حمزة البسيونى » مدير السجن الحربى » وصاحب 
السمعة البشعة فى تاريخ بلادنا » يتبع شقيقه المشير عبد الحكيم 
عامر» ويتلقى منه الأوامر بالتليفون عن طريق شمس بدران أو 





غيره » فيصدع بالأمرء ويقوم بالتنفيل ؟ . 

وكيف يفسر المهندس حسن عامر ما رواه شمس بدران فى 
المحاكمة » من أن المشير عبد الحكيم طلب اليه فى يوم 4 يونيه , 
الاتصال بحمزة البسيونى فى السجن الحربى ليطلب منه اطلاق 
سراح عبد المنعم أبو زيد وزغلول عبد الرحمن وضباط متهمين 
بالتأمر » ومحكوم عليهم فى جناية » وكيف صدع حمزة البسيونى 
بالأمر دون جدال كبير» فأطلق عؤلاء بدون أمر كتابى » بل 
بالتليفون ؟ . 

هل كان اطلاق سراح هؤلاء المتهمين المحكوم عليهم فى 
جنايات » وبالتليفون ! . مما يجرى فى البلاد المتحضرة التى 
يتحدث عنها المهندس حسن عامر؟ . 

وهل مثل اطلاق سراح محكوم عليهم فى جناية نما يشغل ذهن 
قائد عام جيش » هزمه الأعداء هزيمة منكرة » وفى نفس يوم 
وصول الاسرائيليين إلى شاطىء القناة  !‏ بدلا من أن تشغله هذه 
الكارثة التى لم يسبق لها مثيل فى تاريخ مصر ! . 

وهل يستطيع المهندس حسن عامر أن يروى لنا كم مرة نصح 
شقيقه المشير عامر باهاء حكم الغاب فى بلدناء واقفال 
المعتقلات . واحلال الحكم المدنى المتحضر محل الحكم 
العسكرى . والكف عن اعتقال كل مخالف فى الرأى » وتسليمه 
لأيدى زبانية العذاب . الذين كان يعرفهم شقيقه المشير 
جيدا ؟ . 

وهل هذه الافاقة على الحكم المتحضر . حيث توجد محاكيات 
عسكرية ومدنية لها قواعدها وأصوها وضاناتها ‏ حدثت فقط بعد 
اغتيال المشير عامر فى أعقاب خديعة دعوته للعشاء على مائدة عبد 
الناصر ؟ . وإذا كان الأمر كذلك . فاألاتكون افاقة متأخرة 
جدا ؟ . 

أؤكد للمهندس حسن عامر أننى أسف للمصير الذى انتهى 
اليه شقيقه المشير عامر دون محاكمة عسكرية » ولكنى أسف 


لاا 


ليه 





بئفس الدرجة لذلك القدر المائل من العذاب والظلم الذى لحن 
باحوة لى من الكتاب والعلاء والمفكرين . والموت الذى لقيه 
بعضهم ‏ دون محاكمة عسكرية أو مدنية » فى عهد كان شقيقه 
المشير عامر يمسك بيده مقدرات: البللاد ٠‏ ويفرضن من خخلال 
عقرمه الممكزيا دي الا عرف للم لسر حك يقيت 





منحق رقم | ؟ | 





تحليل موق للمهندس حسن عامسر عن وفاة 


شفيفه المشير عامر 


لقد أسفرث نتيجة التحقيق الذى أجرته النيابة العاهة فى ذلك 
الوقت عن أن المشير قد مات منتحرا بتناول سم الأكونيتين » 
ونص قرار النائب العام على الآتى : « با أنه بما تقدم يكون 
الشابت أن المشير عبد الحكيم عامر قد تناول بنفسه » عن نية 
وإرادة » مادة سامة بقصد الانتحار» وهوف منزله يوم 
١8‏ سبتمسر سلة ١951/‏ » قضى بسببها نحبه فى اليوم التالى » 
وهو مالا جريمة فيه قانونا ‏ لذلك نأمر بقيد الأوراق بدفتر 
الشكاوى وحفظها اداريا ) . ش 

وانتهى التحقيق فى ذلك الوقت الى أن المشير قد حصل على 
السم عن طريق السيد صلاح نصر مدير المخابرات العامة 
السابق . وقد رد السيد صلاح نصر على النائب العام فى عدد 
جريدة الجمهورية الصادر يوم الأحد 4 مايو ه91١‏ مفندا هذه 
الواقعة » وذلك من واقم أقواله فى التحقيق الذى أجراه معه 
النائب العام » ومؤكد أنه « لم يسلم سما لينتحر به المشير) . وذكر 
أنه قد حدث تلاعب فى مسجلات السموم بالمخابرات بعد 
استقالته ء ونحى الرجل المسئول » وجىء بأحر قال فيه بأنه 


4/قع 








شخص لا يوثق به » ويستطيع أن يفعل أى شىء » وأن المادة 
السامة كانت كامله فى مكتبه حتى تقديم استقالته فى 
57 .هه رأن السيد أمين هويدى اقتحم الجهاز وم 
يسلمه حسابات المصاريف السريه عن طريق مدير مكتبه السيد 
وجيه عبد الله . وأشار صلاح نصر فى التحقيق الى احتهال تسرب 
السموم بعد تركه الخدمة فى /1917//8/51 . كما أرسل بلاغا الى 
النائب العام من مستشفى الطيران قبل نقله الى السجن الخربى 
اتهم فيه البعض بقتل المشير». ولا يدرى الى الآن مصير هذا 
البلاغ ..... الى أخخر ما جاء بأقوال صلاح نصر . 

ويفتح ذلك الباب أمام تساؤل خمطير عمن استطاع أن يحصل 
على سم الأكونيتين من المخابرات بعد استقالة صلاح نصر وتركه 
الجهاز؟ ‏ ان الاجابة على هذا التساؤل سوف تؤدى الى كشف 
الحقيقة . والى جانب الحقائق السابق الاشارة اليها فهناك وقائع 
فى تقرير الطبيب الشرعى ذات أهميه بالغة أرى من واجبى أن 


أعرضها تفصيلا فيا يل : 


١-أن‏ المرحوم المشير قد توفى الساعه السادسة وأربعين دقيقة 
مساء يوم ١951/9/١5‏ باستراحة المريوطية ولم تبلغ النيابة 
الا فى الساعة ه؛ ٠١,‏ مساء ‏ أى بعد الوفاة بأربع ساعات 
كاملة » وانتقلت هيئة التحقيق الى امستراحة المريوطية 
فوصلتها الساعة ١7,5٠‏ أى بعد الوفاة بست ساعات كاملة 
وكان من الواجب أن تبلغ النيابة بعد حدوث الوفاة مباشرة . 

؟"' - وتيدأ الاحداث فى الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر 
يوم 11 سبتمير سنة 19517 ( اليوم السابق على حدوث 
الوفاه) » عندما توجه كل من الفريق أول محمد فوزى 
والفسريق عبد المنعم رياض على رأس قوة الى منزل المشير 
بالحيزة حيث حددت اقامته منذ ليلة الخامس والعشرين من 
أغسطس - أى بعد مضى ثانية عشر يوما من تحديد اقامته ‏ 
لنقله الى استراحة بالمريوطية . 





وعلى مرأى من الموجودين » ومنهم أبناء المشير» أنه سار على 
قدميه بعد أن استخدموا القوة وحملوه حملا لاجباره على مغادرة 
المنزل » آثر أن يسير على قدميه » حتى ركب السيارة التى أقلته 
ومعه الفريق محمد فوزى والفريق عبد المنعم رياض الى مستشفى 
المعادى , وذلك لظن الفريق عبد المنعم رياض أنه يلوك شيئا فى 
فمه قل يكون مادة سامة . 


وقد تم الكشف عليه فى مستشفى المعادى وأعطى مقيئا من 
بيكربونات الصودا » ثم غادر المستشفى فى الساعة الخامسة مساء 
9/1 .»و بعد أن رفض الفريق محمد فوزى الاستجابة 
الى طلب مدير المستشفى الدكتور عبد الحميد مرتجى والاطباء 
ببقاء المشير تحت الملاحظة . وقد وصف الأطباء الذين سثلوا فى 
التحقيق حالة المشير الصحية وقت مغادرته المستشفى بأنها جيدة - 
كا سياتى تفصيله فيا بعد وكم جاء بأقوالهم من 
ص - ؟”١-‏ ص 75١‏ بتقرير الطبيب الشرعى » وتأكد ذلك من 
أقوال الفريق أول محمد فوزى نفسه كم جاء فى كتاب النائب العام 
السابق : « سئوات عصيبة » ص ١9‏ : « خرج من المستشفى 
طبيعيا وعلى قدميه ) . كما جاء فى كتابه أيضا : 

( إنه من غير المفهوم أن يصمم الفريق فوزى على اقتياد المشير 
من المستشفى الى استراحة المريوطية على الرغم من استمرار القهىء 
ورفضه غسيل المعدة » وعلى الرغم من اعتراض الدكتور مرتجى 
قائد المستشفى على نقله . كا جاء فى أقوال الفريق فوزى فى 
التحقيق ما هو أغرب عندما استوضحه النائب فيها يختص بعدم 
تفتيش المشير اذ قال « إننى لم يخطر فى بالى أن أفتشه للبحث عن 
مادة سامه 2 واكتفيت بتعمد الالتصاق بجسمه من الخارج 
للتحقق من أنه لم يكن يحمل سلاحا ناريا أوجسما صلبا » . كأن 
الأمر انتحارا بالرصاص أو السكين لا بالسم . وقرر فيما يختص 
بالحراسة التى تمنعه من الانتحار ( ان الهدف من الحراسة لم يكن 


ام 


َك 





منعه من الانتحار بل تحديد الاقامة الفردية فى مكان خلاف 
منزله » . وعلق النائب العام فى كتابه على ذلك قائلا « وهلا يفسر 
قول القائد العام أن الغرض من الحراسة لم يكن منع المشير من 
الانتحار ‏ هلا يفسر هذا القول بأنه لم يكن لدى السلطات مانع 
من انتتحاره » أن لم يفسر انها ترحب بهذا الانتحار» ! . 


شهادة اطباء مستشفى المعادى : 

ولقد عجاءت حقائق ذات أهمية بالغة فى شهادة أطباء مستشفى 
المعادى الذين أجمعوا على أن حالة المشير الصحية كانت جيدة » 
ولى يلاحظوا اعراض تشير الى حصول حالة تسمم . وفيها يل 
ماجاء فى اقوال بعض الاطباء لما لما من أهمية خاصة :- 


١ العميد طبيب عبد المتعم أحمد القللى : ص ؟١  ص‎ ١ 

« توجه الى غرفة السيد المشير ومعه بعض الاطباء » وتبين لهم 
من الفحص أن السيد المشير فى حالة قلق . ونيضه وضغطه 
جيدان . وذكر أنه عندما ناظر السيد المشير وجده مضطجعا على 
السرير يدخن سيجاره وملابسه كاملة » وأن حالته كانت جيدة 
علد وصوله » واستمرت جيدة لحين مغادرته المستشفى » وذلك 
باستثئناء سرعة النبض ». وأن هذا قد يحدث نتيجة للقلق . 
وانتهى الى أنه لم يمكن من الفحص الحزم با اذا كان قد تناول 
مادة سامة أم لا . 


” -الرائد طبيب حسن عبد الحى أحمد فتحى ص 4 ١‏ - ص ١6‏ 
«قال انه استدعى الساعة 4 يوم الاربعاء 4/1 الى الدور 
الخامس » وهناك وقع الكشف على المشير, وأنه علم من سيادته 
أنه تناول قرصين أو ثلاثة من الأسبيرين » ولم يتبين من الأعراض 
الاكلينيكية ما يشير الى حصول حالة تسمم » اذ أن حالته العامة 
كانت جيدة من الناحية الطبية . وقد اعطى محلول مقىء . 





ومحصل الفحص الطبى الذى اجراه أنه قياس النبض وضغط 
الدم والكشف على الصدر والقلب والجهاز المضمى والعصبى 
وأنه انتهى منه الى أن الحالة العامة جيدة . وأنه لم يكن به وقت 
الكشف ما يشير الى تناول مادة سامة . وذكر أنه لم يجد اعراضا 
مرضية » وكل ما لاحظه بعض توتر» حيث كان يدخن بشراهة 
سيجارة بعد أخرى . | أجاب وأوضح حقيقة هامة وهى : - 
( أنه م يلاحظ وجود أى ضادات على جسم المشير) . وحدد 
أجزاء الجسم التى كشف عليها بأنها الصدر والقلب والبطن 
والرقبة والذراعين وكذلك الظهر , فيه| عدا الجزء العلوى . 
وذكر أنه من المفروض أن يؤخذ رأى الطبيب المعالج فى الاذن 
بالخروج من المستشفى . ثم أجاب على الأعراض التى تظهر على 
المريض عند تناول الافيون » وقال انه لم يلاحظ على المشير أيا من 
هذه الاعراض . بل على العكس فان سيادته كان متنبها تماما » . 


١١ شهادة الدكتور محمد عبد الرازق ص‎  “ 

( أخبره الفريق فوزى أن هذه الأمور تكررت ثلاث مرات » 
(الكاخرر مقسم بجندية تعارلة القير و الانتطاق و وان زر 
الانصراف الساعة الخامسة مساء » . 


4 - شهادة الدكتور شريف عبد الفتاح ص ١7‏ 

قال « انه لا يعتقد أن المادة السامة التى تناوبها المشير يوم 
3/1 هى سبب الحبوط الذى انتهى بوفاته » لأنه فى 
هذه الحالة يجب أن تكون الجرعة كبيرة » وتسبب غيبوبة قبل 
حدوث الحبوط . وأنه على حسب أقوال الدكتور البطاطا لم تكن 
هناك غيبوبة » ولكن كان هناك حمول . 


أحداث المريوطية : 
وفيا يل بيان عن تطور حالة المشير الصحية منذ وصوله الى 


يدك 


م1 





استراحة أ مريوطية وحتى حدوث الوفاة كما جاء ف تقرير الطبيب 


الشرعى : 


١‏ - شهادة النقيب طبيب مصطفى بيومى ص ١؟‏ . ”7؟ 

« الضغط ثابت طوال النوباتجية » وتم قياسه كل ساعة , 
ركان 30د اعفن" تارك مر ف ف الدقيفة ركان 
منتظها ) . 

(ثم حضر الطبيب الئوبتتجى الآخر الساعة العاشرة صباحا 
الرائد طبيب ابراهيم البطاطه . وقاما سويا بالكشف عليه وكان 
الضغط 6؟١/ ٠١‏ والنبض 4١‏ ف الدقيقة وطبيعى ٠‏ والتنفس 
طبيعى ) 


؟ - شهادة الدكتور ابراهيم البطاطا ص ؟١؟‏ , "” , 4”؟ 

«وفى الساعة السادسة مساء كان المشير نائم| نوما طبيعيا , 
وكان نبضه وتنفسه وضغط دمه كلها طبيعية » ثم توجه الى دورة 
المياه الساعة 7١‏ ,5 » وبعدها طلب الطبيب على وجه السرعة » 
فوجد المشير راقدا على السرير ولونه ممتقع ٠‏ ونبضه غير محسوس » 
وتنفسه غير منتظم . وبعد ٠١‏ دقائق تأكد الطبيب من حصول 
الوفاة » . 

ومن شهادات الأطباء المناوبين السابق ذكرها . تأكد للطبيب 
الشرعى أن المشير كان فى حالة صحية عادية الساعة السادسة من 
مساء يوم الوفاة . اذ جاء فى تقرير الطبيب الشرعى ١٠:‏ وكان فى 
الاستراحة فى حالة عادية » ونبضه وضغط دمه عاديين . وحالته 
العامة عادية » وكان متنبها » ولم يتناول بالاستراحة طعاما » وانيا 
تناول جرعات قليلة من عصير الليمون والجحوافة . وظل الطبيبان 
المختصان بالاشراف عليه يرقبان حالته عن كثب » ويعاودان 
الكشف عليه بين ساعة وأخرى ؛ دون أن يطرأ على حالته 
تدهور. وظلت حالته عادية حتى الساعة السادسة مساء 





64 ببينها توق فى الساعة السادسة مساء وأربعين 
دقيقة . 
نتائج التحاليل الطبية ىا وردت فى تقرير الطبيب الشرعى : 

(١‏ ولم يشاهد الطبيب الشرعى أثرا من ذرات مادة بيضاء 
على الشفتين أو الاظافر» ص ١لا‏ 
؟ - نتيجة الفحص والتحاليل على العينات : 

( سلبية للسيانور والسموم المعدنية والريتالين ومشتقات 
حامض البربيوريك والاكونتين والنوفا جين والمورفين » ص *” . 
#ان أن تخليل العينات: الث كان يمضفها المفير فى منوله ع “وقبل 
نقله الى الستشفى ...وق الشيارة + والتى لفنظها السيد المثفير 
وسلمت فى البداية ورقتان من السلوفان الكبيرة أرسلت للمعامل 
المركزية والصغيرة حللت بمستشفى المعادى ‏ كيا أرسل القىء 
بعد تناول المشير لنصف كوب من بيكربونات الصودا الى المعامل 
لمركزية لتحليله وباقى القىء حلل بمعامل المستشفى . 

قرر الطبيب الصيدلى نقيب يسرى أبو الدهب بالمعامل 
المركزية أنه تسلم الأنبوبة التى بداخلها ورقة السلوفان » وكانت 
مغطاة بفلة دون شمع لاصق . وأن ورقة السلوفان بداخلها ورقة 
مفضضة . ولم يلاحظ بها أثر المضغ » ووجد بداخل الورقة 
المفضضة ذرات تشبه التراب لونها بنى غامق ومذاقها مرء وم 


يستطع ميز رائحتها . 
نتيجة فحص هذه العيئة : 
املاح المعادن 5 
الأفيون اغابية لكامفن الايكرتيلك + 


ولكن لنفاذ العينة لم يتأكد من وجود عنصر المورفين » فقام 


1 


كمع 





لم يجزم بوجود مادة المورفين فى ورقة السلوفان . وأبلغ المقدم طبيب 
زغلول عبد المجيد حسئين » الذى حضر اجراء التجارب بأنه 
« لا يستطيع السزم بوجود مادة الافيون بعينة الورق وما كان 
بداخلهاء وأنه قال باحتمال وجودها لامكان اسعاف المريض 
باعطائه مضادات لذه المادة » . 

وقد اجرى تجارب على عينة القىء » وقرر النقيب صيدلى 
يسرى أبو الدهب انها جاءت سلبية » وأنه يجزم بعدم وجود مادة 
الأفيون فى عينة القىء . أما بالنسبة لعينة ورقة السلوفان 
وما بداخلها فانه لم يستطع أن يجزم بوجود الأفيون بها من عدمه . 
وأيده فى ذلك مقدم طبيب زغلول عبد المجيد حسنين » الذى 
كان حاضرا جميع التجارب . 


تعليق على نتيجة التحليل : 

وعلى هذا فلم يثبت التحليل الذى أجرى على اللفافتين اللتين 
أحذتا من فم المشير وجود مادة سامة كالأكونيتين أو غيره من 
السمسوم 2 ف حين أن هذه العينات عينات أصلية أخمرت من 
فمه . فان سلمنا جدلا وعلميا بأن الأكونيتن تحلل داخل المعدة » 
فانه كان من المنطقى أن توجد آثار السم فى اللفافات التى أحذت 
من فم المشير» خاصة أنه وجدت ذرات بنية اللون أجرى عليها 
التحليل . 

كذلك فان الأطباء الذين قاموا بتحليل العيناث قطعوا بعدم 
وجود مادة الأفيون فى القىء » وم يجزموا بوجود الأفيون فى ورقة 
السلوفان . 

وفق الكدريت أن البران عمبة فضت .من الشترطة 
العسكرية » تقدم بلفافة ثالثة » وقال انبا ضمن اللفافات التى 
كان يمضغها المشيرفى السيارة » وأنه قد نسيها فى جيبه ولم يسلمها 
مع باقى العيئة التى لفظها السيد المشير, وأن هذه العيئة هى 
التى قيل أخنها اعطت نتائج ايجابية للأفيون ! . 





وعلى كل فان جميع التحاليل لم تثبت وجود أى سموم » سواء 
التى أجريت على العينات التى أخذت أثناء وجود المشير بالسيارة 
أو القىء فى يوم 1951//9/17 . 


قصة الشريط اللاصق : 

يقول تقرير الطبيب الشرعى ص 5" : « انه تحقق من وجود 
سم الأكونيتين بالشريط الذى عثر عليه لاصقا بالحثة , بالاضافة 
الى المظاهر التشريحيه التى اتضحت من الفحص . هذا ما عرف 
من طبيعة تأثير هذا السم على الجسم » كل ذلك يدل على 
حصول الوفاة نتيجة السم بالاكونيتين ) . 

؟ - وجاء فى نتيجة التقرير الشرعى ص "ه : 

« تأسيسا على ما تقدم » وخاصة واقعة مضغ السيد المشير 
للفافات ورق السلوفان المحتوية على الأفيون . وما أثبته الفحص 
من وجود فتات لورق معدنى لاصقا مبذه اللغافات من مثل جزء 
الشريط المعدنى الذى يحوى سم الأكونيتين » مع استمرار ظهور. 
أعراض جسمية وقت اسعاف سيادته حتى حصول الوفاة » دال 
على استمرار تأثير المادة السامة » هذا مع وجود الشريط الحامل 
للاكونيتين محتفظا به مخفيا ( بالبقعة ) التى شوهدت بالحثة ‏ كل 
ذلك يتفق وحصول الوفاة فى هذه الحالة انتحارا بتناول السم ») 

ولعمرى كيف يمكن أن نستنتج أن المشير تناول السم انتحارا 
من حقيقة واهية » وهى وجود فتاث من شريط معدنى لااصق 
باللفافات التى كانت فى الفم تشبه الورق المعدنى الذى يحرى 
سم الاكونيتين ونبنى على هذا استنتاج حقيقة كرى وهى أن وجود 
هذه الذرات المعدنية تثبت تناوله السم انتحارا ؟ . 

لا يمكن أن نستنتج حقيقة أساسية كهذه من قريئة صغيرة 
وتافهة . 

وإنه من المسلم به أن واجباث الطبيب الشرعى لا تتعدى 
الفحص وتحديد أسباب الوفاة فقط » ولكن ليس من واجب 


/ا54 


8/8 





الطبيب الشرعى أن يصل الى تحديد ما اذا كانت الوفاة انتحارا أو 
قتله أو قضاءا وقدرا ََ فكل ذلك متروك تحديدة لأجهزة التحقيق 
المختصة » وهى النيابة العمومية . 


مما سبق عرضه من وقائع وأقوال وردت فى التحقيق وفى تقرير 

الطبيب الشرعى تبين ما يلل : 
- أن صلاح نصر مدير المخابرات السابق لم يعط سما 
أن المشير قد غادر منزله سائرا على قدميه . 
- أن أطباء مستشفى المعادى لم يلاحظوا أعراض تسمم على 
المشير» بل على العكس كان يتحدث اليهم متنبها تماما وقال 
لهم انه انما تناول بعض الأسيرين . 
- أن قائد المستشفى ( مستشفى القوات المسلحة بالمعادى ) 
اللواء طبيب عبد الحميد مرتجى قد طلب من الفريق محمد 
فوزى أن يبقى السيد المشير فى المستشفى تحت الملاحظة . 
ولكن الفريق فوزى أصر على أن يغادر المشير المستشفى قبل 
الساعة الخامسة من مساء نفس اليوم 1951//9/15 . 
- أن الفريق أول محمد فوزى قد ذكر للدكتور محمود عبد 
الرازق أن هذه الأمور قد تكررت ثلاث مرات . وأنه غير 
مقتنع بجدية محاولة المشير للانتحار » وأنه يريد الانصراف 
الساعة الخامسة مساء . 
أنه بشهادة الرائد طبيب حسن عبد الحى لم يلاحظ أى 
ضوادات على جسم المشير , وحدد أجزاء الجسم التى كشف 
عليها بأنها الصدر والقلب والبطن والرقبة والزراعين وكذلك 
الظهر . 
- أن الطبيب المعالج رائد حسن عبد الحى أحمد فتحى » قد 
ذكر فى التحقيق أنه فى مثل هذه الأحوال كان من المفروض 
أن يؤحذ رأيه فى الخروج من المستشفى . وقال أيضا إنه 1 





يلاحظ على المشير الأعراض المصاحبة لتناول مادة الافيون » 
وعلى العكس كان متنبها تماما . 

أنه جاء بشهادة الدكتور شريف عبد الفتاح أنه لا يعتقد أن 
المادة التى تناولها المشير يوم ١971//8/1‏ هى سبب المبوط 
الذى انتهى بوفاته , لأنه فى هذه الحالة يجب أن تكون الجرعة 
كبيرة وتسبب غيبوبة » ولكن كان هناك حول . 

أن حالة المشير كانت طبيعية تماما من ناحية التنفس والنبض 
وضغط الدم حتى الساعة السادسة مساء يوم 
4»©, ببنها حدثت الوفاة الساعة السادسة 
وأربعين دقيقة . 

أن هيئة التحقيق لم تبلغ الا بعد الوفاة بأربع ساعات » 
ووصلت لكان الحادث بعد سث ساعات 

أن الطبيب الشرعى لم يشاهد أثرا من ذرات مادة بيضاء 
( الاكونيتين ) على الشفتين أو الاظافر . 

نتيجة الفحص على العينات : سواء اللفافات التى أخحذت 
من فمه » أو القىء » أو العينات التى أخذت بعد التشريح 
سلبية كلها للسيانور والسموم ال معدنية والريتالين ومشتقات 
حامض البربيتوريك والأكونيتين والنوفا ين والمورفين . ومن 
الغريب أن اللفافات . التى أحذت من الفم على 
ما يدعى » قرر أطباء المعامل المركزية انها وجدت غير 
مفضوضة ., كما أن أنبوبة الاختبار التى وضعت فيها عليها 
سداد بدون مشمع لاصق كما سبق أن حرزها الدكتور محمد 
عبد المنعم عثمان بمستشفى المعادى 

عدم اتخاذ أى احتياطات للمحافظة على سلامة المشير. 
وكان قد وضع نحت التحفظ منذ ه7؟ أفغسطس !1951 »2 
وكانت السلطات مسئولة عن سلامته مسئولية كاملة . ولو 
خطر للسيد المشير الانتحار لنفل ذلك يوم ه يونيوسنة ١957177‏ 


احيك 


45٠ 





وليس بعدها , أو أثناء فترة تحديد اقامته فى منزله التى دامت 

ثانية عشر يوما . 

لقد كان السيد المشير عبد الحكيم عامر يريد محاكمة علنية 
لتحديد المسثولية عن هزيمة يونيو 717 وأسبابها » وطلب ذلك من 
الرئيس جمال عبد الناصر ليلة استدرجه الى منزله بمنشية البكرى 
داعيه الى تناول العشاء معه . وكان عبد الناصر قد دبر له أمر 
اعتقاله . وقد ذهب المشير الى منزل جمال عبد الناصر كعادته فى 
الذهاب اليه » كصديق ورفيق كفاح لتناول العشاء بناء على 
دعوته » ولم يدر فى خلده أن يحدث ما حدث من استبقائه بالقوة , 
ثم تحديد اقامته . 

وكان المشير يقينا وعلى شهادة الشهود قد طلب محاكمة علنية 
رشب لتتديد شولا إخريية ب ولكيه عل المكس ال بع 
فرصة أن يتكلم » وأن يتتحدث عن وجهة نظره فى الأحداث 
الجسام التى حدثت فى يونيو19”17 » والظروف التى سبقتها 
وأدت اليها . وملابساتها . والمسثول عنها وعن القرارات المصيرية 
والتى كانت لما علاقة مباشرة با حدث فى يونيو/451١‏ . ولكن 
المشير اختفى بعد 4؟ ساعة من نقله من منزله بالجيزة . 


اذا من النذى لهامغتليحة فى اكات صرت الثير إلى اليد 
وعدم وضوح الحقيقة خلال هذه الحقيقة التاريخية المخطيرة ؟ هنا 
علامة الاستفهام الكبيرة » وهنا يجب استيضاح قضية وفاة المشير 
بالكامل », لأن فى استجلائها الكشف عن حقائق تاريخية : 
وتحديد لمسئوليات .جسيمة » واحقاقا للحق ؛ وتمكين للعدالة مع 
احاطتها بجميع الضمانات . حتى تظهر الحقيقة كاملة لرجل 
لعب دورا بارزا فى تاريخ بلاده زهاء خمسة عشر عاما » منذ خرج 
ليفتدى وطنه ليلة 7؟ يوليو ؟ ١198‏ » ويشارك فى قيادة مصر وبناء 
جيشها الوطنى أثناء فترة التحول العظيمة . 

ان جو الارهاب الذى صاحب هذه الأحداث » والذى جرى 





فيه التحقيق فى وفاة المشير , لم يكن الحو الذى يمكن أن تظهر معه 
الحقيقة . فلقد أخذته السلطة من منزله يوم ١91/94/1١‏ 
سليه| معافى سائر على قدميه » وكانت مسئولة كاملة عن سلامته . 


النتيجة التى توصل اليها التحقيق والتعليق عليها : 

ان سبب الوفاة لم يحدد تحديدا قاطعا » هل هو نتيجة تناول 
السم ‏ على حسب تقرير النائب العام يوم 1/ 1951//9 ؟ -أم 
أنه نتيجة لتناول كمية أخرى فى اليوم التالى ؟ . 

١‏ - اما من ناحية الافتراض الأول . فا تقدم » سواء من 
شهادة الأطباء فى مستشفى المعادى أو شهادة الفريق أول محمد 
فوزى » أو الاطباء الذين كانوا موجودين معه باستراحة 
المريوطية » يتبين أنه كان فى حالة عادية وطيبة » وخرج من 
المستشفى سائرا على قدميه . كذلك لم تبين التحاليل الطبية على 
اللفافات التى كانت فى فمه أو القىء وجود أى سموم . 

وهذا يقطع بعدم -حدوبث الوفاة نتيجة تناول السم يوم 

7١‏ .». لأنه ظل بحالة طبية لمدة 4؟ ساعة وكان 

؟ - أما من ناحية الافتراض الثانى » وهو أن يكون المشير قد 
تناول جرعة أخرى من الأكونتين فى يوم 1451/9/14 » فانه 
يعد السؤال الكبير والتلقة المفقودة !| . كيف حصل المشير على 
هذه المادة ؟ » خاصة أنه ما تقدم فان السيد صلاح نصر نفى نفيا 
قاطعا أن يكون قد سلم المشير سما ينتحر به » الى أخر ما جاء 
بشهادته . كذلك فان الدكتور حسن عبد الى » الذى قام 
ضمن من كشفوا عليه بمستشفى المعادى . قد أكد أنه قد قام 
بالكشف على جسم المشيرء با فيه أسفل البطن . ولم يجد أى 
ضرادات على الجسم . 

وقد أراد النائب العمومى أن يوضح نقطة أخيرة ولكنها هامة 
وخطيرة » كها ورد فى كتابه ص ١١٠١‏ » اذ قال « على أن هناك 


5.31 








نقطة أخيرة لا يكتمل التعليق دون الاشارة اليها » وهى ما جاء 
فى التقرير الطبى الشرعى وسلفت الاشارة اليه » من قيام احتمال 
فى أن يكون المشير قد ثناول قبل وفاته وفى استرا-حة المريوطية قدرا 
أخر من مادة الأكونتين عجل بوفاته . وان هذا الاحتمال يفتح 
الباب لاحتمال آخر لا يصل الى حد الاستحالة » وهو أن يكون 
أحد خدم الاستراحة قد دس له فى الشراب قدرا من الاكونتين 
عجل بوفاته . ولكنه على أى حال مجرد احتمال أو افتراض لا دليل 
عليه » فضلا عن أنه يتناف تماما مع تسلسل الحوادث مع الأدله 
والقرائن التى سبق سردها » والتى تدل على أن الحادث قد وقع 
انتحارا ‏ الأمر الذى يرجح بأنه حتى مع افتراض أن القدر الذى 
تناوله المشير من المادة السامة فى بيته لم يكن هو المسئول وحده عن 
وفاته . وأنه عجل بوفاته قدر آخر تناوله قبل وفاته ‏ حتى مع 
افتراض ذلك » فان ظروف الخال كيا سبق تدل على أن المشير هو 
الذى تناول بنفسه وبمحض ارادته هذا القدر الاخير» . 

اذا كيف حصل المشير عبد الحكيم عامر على السم ؟ وكيف 
دس له السم ؟ ومن الذى فعل ذلك ؟ ومن الذى له مصلحة فى 
ذلك ؟ 


بعض الملابسات التى صاحبت الأحداث : 
١‏ كانت السلطة قد قامت فى ذلك الوقت باعتقال أخوة 
السيد المشير وأبناء عمه وزوج أخته فى ليلة تحديد اقامته 
(5؟ أغسطس ١959‏ ). 
"لم يبلغ شقيقه الوحيد المطلق السراح » المستشار عبد 
الجواد عامر بوفاة السيد المشير الا فى وقت متأخر » اذ وصل 
الى المريوطية فى الثالثة من صباح يوم ١951/9/1١‏ . 
* لم تبلغ عائلة السيد المشير بوفاته الا فى صباح اليوم التالى 
ها/ة/لاكةا١.‏ 
4 -لم يسلم جثان المشير للأسرة » بل قامت السلطة بعمل 





جميع الترتيبات » وتحت اشرافها » وتحت حراسة مشددة , 
ولم يسمح لأحد بالاقتراب منه لرؤيته » وقامت أجهزتها 
بتشييع جنازته حاملة الأسلحة الأوتوماتيكية والمدافع 
الرشاشةاء تحت :وارته الترات” + وزبقيك عل حراسة فيرو قلكثة 
أشهر . 

نتيجة لجو الارهاب والرعب » لم يتمكن الناس من 
المشاركة فى العزاء أو تشييع الجئازة » وكان السرادق خاليا 
تماما من المعزين وكان يجلس فى السرادق رجال الأمن ومحافظط 


الاقليم ورجال المخابرات وقلة من الاقرباء ممن لم يشملهم 
الاعتقال . 


ولك 





ملحدى رقم | 4 | 





ليك 


الحقيقة وراء إغراق إيلات 


بقلم : عبده مباشر 
( اكتوبر فى ١9‏ أغسطس ١984‏ ) 


منذ 7١‏ أكتوبر ١19517‏ وحتى الآن لم يتوقف البحث عن أسرار 
معركة إغراق المدمرة الإسرائيلية « إيلات » أمام قاعدة بورسعيد 
البحرية بأربعة صواريخ سطح - سطح أطلقت من لنشى 
صواريخ مصريين . ويسعى كل مؤرخ أو دارس أو باحث 
لاستخلاص النتائج التى يمكن أن تدفع عجلة التقدم فى ميادين 
فالمعركة كانت نقطة تحول فى تاريخ المعارك البحرية » فهى أول 
معركة تستخدم فيها الصواريخ سطح - سطح . وقد ترتب عليها 
الاستراتيجية البحرية » واستجابت المؤسسات والهيئات المعنية 
لتطلبات التغيبر التى فرضتها نتائج المعركة وتحولت الدراسات 
والبحوث إلى خطط ومناهج عمل » وجرى تغيير فى أسس وقواعد 
تسليح القوات البحرية بناء على نتائج معركة إغراق « إيلات ) 
والتى يطلق عليها العالى معركة بورسعيد البحرية . 

وإذا كان الآخرون يعملون من أجل التطور فإن بعض الأقلام 
هنا فى مصر وتحت ستار الدراسات التاريخية أو التأريخية خاضت 





التجربة دون أن تبين حقيقة خطاها » فتوصلت إلى استنتاجات 
لاتمت للحقيقة أو الموضوعية بصلة . . والأهم أن مثل هذه 
الاستنتاجات لا علاقة طا بقضية التطور أو قضية إجايبة 
أخرى . . ومن البديبى أن الدراسات التاريخية العسكرية تعتمد 
أساسا على الوثائق أو مذكرات القادة وأحاديثهم ٠‏ ولطبيعة 
الأسرار العسكرية فإن المؤرخ العسكرى عليه أن ينتظر طويلا 
قبل أن يسمح له بالتعامل مع الوثائق . وإذا لم تتوافر للمؤرخ 
وثائق العمليات أو المعارك أو مذكرات القادة وأوراقهم 
الشخصية عن يوميات المعركة وإذا لم يكن مؤهلا أساساً للتعرض 
للتاريخ فالمعارك لا تدور وفقا لأهواء أو رغبات الأفراد أيا كانت 
رتبهم » وإلا لتحولت الجيوش إلى شىء أشبه بعصابات قطاع 
الطرق .. فالجيوش مؤسسات نظامية يجرى فى شرايينها 
الانضباط أى الانصياع للنظام العسكرى وبكل ما يعطيه من 
سلطات للقيادات العليا وإلا لتعرض كل شىء للخلل . 

وإذا عرفنا أن الحرب هى استمرار للسياسة بوسائل أخرى - 
مثلما يقول كلاوزفيتز لأدركنا أن القيادة السياسية هى باستمرار 
صاحبة قرار إطلاق الحرب من عقالها . أما الجوانب التكتيكية 
للمعركة . . دعم وعطاء جوى . . دعم بالمدفعية الساحلية . . 
توفير حماية بحرية . . خطط الانسحاب من المعركة . . ماذا بعد 
تنفيذ المهمة ؟ فهى من مسئولية القيادة العامة وقيادة القوات 
البحرية بالتنسسيق مع قيادات الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة 
وفى إطار تنظيم التعاون . . ودور القائد المنوط بتنفيذ المهمة أو 
الخطة دور تنفيذى . . وفى ذكرى إغراق « إيلات » التى انختارتها 
القوات البحرية يوم عيد لها حملت أوراقى وسافرت إلى 
الإاسكندرية للقاء الفريق أركان حرب على جاد قائد القوات 
اكور يفا عن أترار تغديدة رانين كمف صا ٠‏ نخاصة 
وقد مضى على المعركة أكثر من ١9‏ عاما . 


كة ع 





وأطلب من القائد أن تكون البداية ما حدث طوال يوم السبت 
١‏ أكتوبر /ا951١‏ . 

على جاد : فى تمام الساعة السابعة والربع صباح يوم السبت 
١‏ أكتوبر 195107 اكتشفت وسائل الإنذار بقاعدة بورسعيد 
البحرية هدفين بحريين شال شرق فنار بورسعيد يتحركان عل 
مسافة تتراوح ما بين ١©‏ و ٠١‏ ميلا بحريا ( من 1" إلى /ا4 كيلو 
مترا تقريبا ) وجرى إخطار مركز القيادة الرئيسى للقوات البحرية 
على الفور وأمر قائد القاعدة برفع درجة استعداد سرب لنشات 
الصواريخ المكون من لنشين من طراز كومار بقيادة النقيب بحرى 
أحمد شاكر عبد الواحد والنقيب بحرى لطفى جاد الله للابحار 
والقتال . كما تم رفع درجة استعداد القاعدة والوحدات المتمركزة 
مبا إلى الحالة الكاملة . كان هذا يحدث فى بورسعيد . أمافى 
الإسكندرية فقد قام قائد القوات البحرية اللواء بحرى أركان 
حرب فؤاد أبو ذكرى بمعونة كل من العميد بحرى أركان حرب 
محمود عبد الرحمن فهمى رئيس شعبة العمليات الذى تولى قيادة 
القوات البحرية خلال الفثرة من ١١‏ سبتمير 1459 إلى ٠٠‏ 
أكتوبر ١191/7‏ والعقيد بحرى أركان حرب محمد على محمد نائب 
شعبة العمليات الذى تولى قيادة القوات البحرية خلال الفترة من 
4 أكتوبر 191/8 إلى “1917 » والمقدم بحرى أركان حرب على 
جاد ضابط المشطط بشعبة العمليات البحرية ( قائد القوات 
البحرية الحالى ) بتحليل الموقف . وتقرر تدمير الأهصداف 
البحرية المعادية فور اختراقها المياه الإقليمية ومتابعة الموقف أولا 
بأول مع قاعدة بورسعيد البحرية . 

الأهرام : هذا يقودنا إلى تساؤل عن أسلوب اتخاذ القرار فى 
القوات المسلحة . 

على جاد : يقتضى أسلوب اتخاذ القرار فى القوات المسلحة 
عموما عرض القائد للقرار بعد اتخاذه على القيادة العليا للتصديق 
عليه , . 





وفعلا قام اللواء فؤاد أبو ذكرى برفع الأمر إلى القائد العام 
للقوات المسلحة للتصديق . بعدها قام القائد العام برفع الأمر 
إلى القيادة السياسية للتصديق عليه » فقرار مثل ذلك ستترتب 
عليه ردود فعل عسكرية من جانب إسرائيل يجب أن تكون مصر 
مستعدة طا , 

ويواصل القائد . . فى الساعة الحادية عشرة ومس وعشرين 
دقيقة تأكدت وسائل المراقبة الفئية والبصرية بقاعدة بورسعيد أن 
مدمرة إسرائيلية من طراز زيوس توجد على مسافة ١6‏ ميلا بحريا 
( حوالى 1 كيلو مترا ) من فنار بورسعيد » وأن هذه المدمرة 
ا تفلت خط سير فى اتجاه سوال بورسعيد وبعد ذلك غبرت خط 
سيرها وخرجت من المياه الإقليمية فى اتجاه البحر : وفى الساعة 
الثانية عشرة وعشر دقائق صدقت القيادة العامة للقوات المسلحة 
على قرار قائد القوات البحرية بتدمير أية أهداف معادية فور 
اختراقها للمياه الإقليمية المصرية والمحدد ب ؟١‏ ميلا بحريا 
( حوالى ١؟‏ كيلو مثرا ) من نط الساحل وذلك استنادا إلى حق 
الدفاع الشرعى : وبناء على توجيهات القيادة العامة للقفوات 
المسلحة أصدرت قيادة القوات البحرية تعلييات العمليات إلى 
قاعدة بورسعيد البحرية بتدمير أى هدف معاد فور امحتراقه للمياه 
الإقليمية . بعدها حدد قائد القاعدة : المهمة لقائد سرب 
لنشات الصواريخ » وجرى تلقينه بمخطط تنفيذ المهمة القتالية 
التى كلفته بها قيادة القوات البحرية . 

الأهرام : إن ذلك يعنى أن قرار تدمير المدمره الإسرائيلية 
إيلات كان قرارا لقيادة القوات البحرية المصرية اتخذه القائد بعد 
تحليل للموقف بصورة كاملة شارك فيه كل من العميد بحرى 
محمود فهمى عبد الرحمن والعقيد بحرى محمد على محمد والمقدم 
بحرى على جاد وأن القيادة العامة قد أمرت القيادة البحرية 
وبالتعبير العسكرى قد صاقت على قرار قيادة القوات البحرية 
بعد الرجوع إلى القيادة السياسية . 





على جاد : هذا بالضبط ما حدث فلم يكن مقبولا أن تخترق 
الوحدات البحرية الإسرائيلية خط المياه الإقليمية المصرية با 
يمثله ذلك من تحد وعدوان على مصر وأن يمضى ذلك التتحدى 
وهذا العدوان دون أن تستخدم مصر حقها الشرعى فى الرد . 


الأهرام : وهل كان الموقف بعد يونية /1951 مشجعا على 
الإقدام على مثل هذا العمل ؟ 

على جاد : لقد خرجت القوات البحرية من معركة يونيه 
7 دون أن تلحق بها خسائر نتيجة القرار الحكيم والصائب 
الذى اتخذته قيادة القوات البحرية وقتذاك . وبالتالى فإن القوات 
البحرية فى إطار ميزان القوى كانت تملك التفوق » والأهم إرادة 
العمل والقدرة عليه . 

ورغم توافر هذه العناصر فإن حسابات الموقف بعد ذلك 
تركت للقيادة العامة للقوات المسلحة التى أقرت ما أخذت به 
القيادة البحرية بعد اقتناعها بعناصر تحليل الموقف الذى أجرته . 

الأهرام : وماذا عن باقى أحداث يوم "١‏ أكتوبر؟ 

على جاد : فى الساعة الواحدة وخمس دقائق بعد الظهر عادث 
المدمرة الإسرائيلية إيلات إلى الظهور فى بور سعيد واستمرت فى 
اتخاذ خحطوط سير متعرجة على امتداد هذا الخط أى كلما اقتربت 
تجاه الفنار عادت إلى الابتعاد إلى داخل البحر مرة أخسرى 
وهكذا . . وف الساعة الرابعة بعد الظهر كانت أجهزة المراقبة فى 
قاعدة بور سعيد مازالت تتابع إيلات وكانت قد أصبحت على 
مسافة ه ١4,‏ ميل بحرى من فار بور سعيك . 

وفى الساعة الخامسة مساء وبناء على أوامر قائد القاعدة غادر 
سرب لنشات الصواريخ ميئاء بور سعيد للقيام بمهمة تدمير 
وإغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات فور اسحتراقها للمياه الإقليمية . 

الأهرام : الخامسة مساء يوم ١؟‏ أكتوبر تعنى وقت الغروب أو 





بالتعبير العسكرى آخر ضوء . وهذا يقودنى إلى سؤال : ماذا عن 
إجراءات الخداع والتضليل . 

على جاد : سبق عملية خروج سرب اكتشاف الصواريخ تنفيذ 
العديد من إجراءات الخداع والتمويه التكتيكى بغرض تضليل 
القيادة الإسرائيلية وصرف الأنظار بعيدا عن أعمالنا القتالية مثل 
تبادل الإشارات اللاسلكية الخداعية بين قيادة القوات البحرية 
من جهة وقاعدة بور سعيد من جهة أخرى وكذلك بين قيادة 
القاعدة وسرب لنشات الصواريخ . كما صدرت الأوامر إلى قادة 
لنشات الصواريخ باستخدام ممرات ملاحية غير مطروقة أثناء 
الإبحار لتأكد القيادة المصرية من قيام القوات الإسرائيلية بمراقبة 
الممر الملاحى المعتمد لمدخل قناة السويس . كما صدرت الأوامر 
إلى قادة اللنشات باستخدام سرعات بطيئة عند الاقئراس من 
الهدف بحيث تبدو كأنها سفن صيد صغيرة . 

وفعلا نفذ سرب اللنشات الأوامر واستخدم الممر الذى -حددته 
له قيادة القاعدة باسشخدام سرعات بطيئة وفور خخروج السرب 
اكتشف المدمرة الإسرائيلية على شاشات الرادار وقام بإبلاغ قيادة 
القوات البحرية بالموقف . 

الأهرام : لقد اتخذت قيادة القوات البحرية وقيادة قاعدة بور 
سعيد البحرية والنقيب أحمد شاكر عبد الواحد قائد سرب 
اللنشات وقائد اللنش الأول والنقيب لطفى جاد الله قائد اللنش 
الشانى كل الإجراءات التى تحول دون العدو واكتشاف حقيقة 
مايدبره » والسؤال : هل اكتشف العدو النوايا المصرية أو أنه 
فوجىء بالمعركة ؟ 

على جاد : لم يتوقع العدو أن تقدم القيادة على خوض تجربة 
الاشتباك مع المدمرة إيلات وقد بنى حساباته على أساس أنه سبق 
أن أغرق زورقى طوربيد يوم ١١‏ يوليو 14717 فى معركة غير 
متكافئة أمام بور سعيد . وبالتالى » فإن قاعدة بور سعيد لن 
تخاطر بمعركة جديدة وأيضاً لم يتوقع أن تستخدم القوات البحرية 


كلق 





لنشات الصواريخ التى ل يسبق لما الاشتراك فى القتال من قبل . 

على جاد : فى الساعة الخامسة وتسع وعشرين دقيقة وفور 
احتراق المدمرة الإسرا ائيلية إيلات للمياه الاقليمية المصرية بدأ 
اهجوم الخاطف الذى لم يكن العدو يتوقعه » وكانت المفاجأة 
تامة » واتخذ سرب لنشات الصواريخ وضع الهجوم وكل لنش من 
اللنشين يحمل صاروخين من طراز ستايكس »٠‏ وقام لنش قيادة 
السرب بقيادة النقيب بحرى أحمد شاكر عبد الواحد بتوجيه 
ضربة بالصاروخين إلى المدمرة فأصابها إصابات مباشرة » وظهر 
وهبج خلف الأفق اعقبه سباع عدة انفجارات متتالية » وظهرت 
صورة المدمرة على شاشات الرادار أصغر ما كانت تبدو من قبل 
أى أصغر من حجمها با يؤكد اصابتها . 

الاهرام : عندما التقيت بالنقيب لطفى جاد الله قائد اللنش 
الثانى بالسرب أكد عنصر المفاجأة بقوله : إن طاقم المدمرة لم يكن 
لديه الوقت لاتخاذ أية إجراءات وقائية فعالة . ووصف المدمرة بعد 
المجوم عليها . بقوله : إنها اهتزت بشدة كما لو كانت اصطدمت 
ببجدار ضخم من الصخرء وقال إن الصاروخ الأول أصاب 
المدمرة فى الوسط عند أسفل تممشى القيادة وبعد مرور دقيقة 
أصابها الصاروخ الثانى فى الخلف عند غرفة المحركات مما أدى إلى 
إصابة المدمرة بالشلل فتوقفت . 

على جاد : كانت المساجأة تامة وكان الهجوم ناجحا ماما , 
بعدها أصدرث قيادة القاعدة أوامرها إلى سرب اللنشات بالعودة 
إلى الميناء » حيث إن مخطط تنفيذ المهمة القتالية كان يقضى 
بتوجيه ضربة بصاروخحين فقط ضد المدمرة للاحتفاظ باحتياطى 
من الصواريخ لتدمير أية أهداف معادية أخرى يجرى اكتشافها 
ولتغطية عودة اللنشات إلى القاعدة . 

وعندما اكتشفت وسائل الانذار بالقاعدة خلال مراقبتها 
للمدمرة أنها مازالت طافية . أبلغت قيادة القوات البحرية 
بالموقف فأصدرت القيادة تعلييات عمليات إلى قاعدة بور سعيد 





البحرية لتطوير نجاح ضربة اللنش رقم « ١‏ » بانزال ضربة بعدد 
صاروخين ضد المدمرة إيلات مبدف إغراقها . . . 

وفى الساعة السادسة والنصف مساء وبأوامر من قائد قاعدة 
بور سعيد البحرية غادر اللنش رقم 7١‏ ) بقيادة النقيب بحرى 
لطفى جاد الله الميناء لتنفيذ مهمة تطوير نجاح ضربة اللنش رقم 
١ «‏ » باغراق المدمرة الاسرائيلية « ايلات » . 

وى الساعة السابعة وأربعين دقيقة مساء يوم ”١‏ اكتوبر قام 
اللدش رقم "١‏ » بقيادة النقيب بحرى لطفى جاد الله بتوجيه 
ضربة بصاروخين إلى المدمرة الاسرائيلية فأصاباها اصابات 
مباشرة : انفجرت على أثرها ثم هوت إلى القاع بعد سبع دقائق 
من أصابتها لتضع نهاية لمصيرها . 

الاهرام : قال النقيب ‏ العقيد الآن ‏ لطفى جاد الله إن أول 
صاروخ أطلقه أصاب المدمرة فى منتصفها , وكنتيجة للصدفة 
وحدها جاءت الاصابة فى مخزن الذخيرة الذى أدى انفجاره إلى 
عدة انفجارات أخرى أدت إلى شطر المدمرة إلى نصفين وأحالها 
إلى كتلة من النيران » وعندما بدأت المدمرة تغوص ف الماء أصاما 
الصاروخ الثانى وتحول البحر من حول المدمرة إلى بحيرة من 
اللهب وااحتفت اجزاء المدمرة تماما من شاشات الرادار» وأسدل 
الستار على المدمرة التى كانت فخر القوات البحرية الاسرائيلية . 
وأذكر أن عددا من شهود العيان الاسرائيليين الناجين من طاقم 
المدمرة قالوا ونقلت وكالات الأنباء أقوالهم « عندما اصطدمت 
الصواريخ ببدن السفينة أطاح الصاروخ الأول بهوائيات 
اللاسلكى وبعد لحظات أصاب الصاروخ الثانى غرفة الماكينات 
تاركا السفينة كالحثة الحامدة فى الماء .» وظلت المدمرة تميل ميلا 
شديدا والنيران مشتعلة مها » وحاول الاسرائيليون إنقاذ 
سفينلتهم » وبعد ساعة ونصف الساعة شوهد صاروخا ثالثا فى 
طريقه إلى السفينة وانفجر الجزء الخلفى منها وبين) إيلات تنقلب 





وتغرق انفجر الصاروخ الرابع على سطح المياه وتحولت المنطقة إلى 


على جاد : إن معركة إغراق المدمرة ايلات عملية بحرية 
ناجحة توافرت لها جميع أسباب النجاح واشترك فى العملية جميع 
أجهزة القيادة تخطيطا وتنفيذا » ويأتى حسم الموقف نبائيا على يد 
الموحدة التى تقوم بتنفيذ المهمة » وعلى قدر كفاءتها النضالية 
وكفاءة القائد يكون حجم النجاح . وهذا يعنى أننا إذا ذكرنا 
إغراق المدمرة إيلات فإننا نذكر دائها بالفخر والاعزاز البطل 
النقيب بحرى اركان حرب أحمد شاكر عبد الواحد قائد السرب 
لنشات الصواريخ الذى قام بتنفيذ مهمة إغراق المدمرة 
الاسرائيلية « إيلات ) بنجاح . كما نذكر بالتقدير والفخر النقيب 
ببحرى لطفى جاد الله قائد اللنش الثانى بالسرب . 

ويطوى اللواء ببحجرى اركان حرب على جاد الملف الموضوع 
أمامه مكتوب عليه « سرى جدا ) ويضم أسرار عملية إغراق 
المدمرة الاسرائيلية « إيلات » وأسأل القائد : هل هناك صفحات 
أخرى لم تكشف عنها ؟ 

على جاد : هناك بعض المعلومات الفنية قدرت أنها تهم 
المتخصصين فقط ولهذا لم أذكرها .. ووضع القائد الملف كله 
أمامى وأضم أوراقى ودون ادعاء صفة المؤرخ أو استخدام 
كليات وحمل كبيرة مثل الفحص العلمى التاريخى . 





منحق رقم | ه | 


عسودة إلى إغسراق إيسلات ! 


بقلم : عبدالعظيم رمضان 


( أكتربر فى 4 توفمير 1984 


بيندا كنت فى أوربا فى هدا الصيف » نشر الصديق الأستاذ 
عبده مباشر مقالا على صفحات ١‏ أكتوبر» الغراء » بعنوان 
« الحقيقة وراء اغراق ايلات ) » يتضمن تعقيبا على نتاشج 
الدراسة التتى نشرتها حول هذه المسألة فى بعض فصول دراسة 
« تحطيم الآلمة » . التى نشرث تباعا على صفحات ١‏ أكتوبر) 
على مدى عامين . ول أتمكن من الرد عليه فور عودنى حتى 
لا أقطع على القارىء حلقات دراسة « مصطفى كامل فى محكمة 
التاريخ » التى نشرت فى سبع حلقات على صفحات هذه 
المجلة » ولكنى كنت على اقتناع تام بأن مثل هذه الموضوعات 
التاريخية الهامة التى تتعلق ببطولاتنا العسكرية » هى موضوعات 
خالدة أبدا » قابلة للنقاش والجدال دون حدود معينة من زمان أو 
مكان » وأن جماهيرنا المصرية والعربية شديدة الاهتتام بقراءة كل 
حرف يكتب عن هذه الموضوعات » بل هى شديدة اللهفة 
أيضا . ومن ثم فان تأخير الرد لا يفقد الموضوع جدته وحيويته 2 
لأنه سوف يلقى ما يستحق من اهتتام القراء . 

وربما كان من أهم ما استرعى انتباهى » مما أثاره رد الصديق 


ديات 





عبده مباشر . أن الكثيرين البعيدين عن «١‏ علم التاريخ  )‏ 
وأقصد بهم غير الأكاديميين من كتاب الدراسات التاريخية ‏ 
لا يعرفون بعد أن ١‏ التاريخ » علم ككل العلوم الانسانية 
والطبيعية » له منبجه العلمى وقواعده العلمية التتى تدرس فى 
الجامعات فقط » ولا يمكن لفرد أن يحصل عليها من مجرد 
اطلاعاته الخاصة ‏ تماما كيا أنه لا يمكن لفرد أن يصبح طبيب 
لمجرد أنه قرأ بضع عشرات أو مئات من كتب الطب ! » وأنا 
شخصيا ‏ ىا يعرف أصدقائى وزملائى ‏ كثير الاطلاع فى كتب 
الطب لأنى كنت أود فى صباى أن أكون طبيبا » ولكن أحدا من 
هؤلاء الأصدقاء والزملاء لا يغامر أبد! بعرض نفسه على للفحص 
أو العلاج ! » وقصارى ما يفعلون أن يستقبلوا نصائحى الطبية 
من أذن » ويرسلونها من الأذن الأنعرى الى الفضاء الخارجى ! . 

وبطبيعة الحال فأنا لا أتجاسر على التفكير فى توجيه نصائح 
علمية الى الأطباء فى شئون مهنتهم وتخصصاتهم ولا أستطيع أن 
أوجه اليهم نقدا لطريقتهم فى التشخيص أو العلاج أو البحث 
العلمى » ناهيك عن أن أزعم لهم أننى الطبيب الفعلى الذى 
يعرف أصول مهنته وأخهم أدعياء ! : 

ولكن هذا مافعله الصديق عبده مباشر تماما ! . فالصديق 
عبده مباشر كاتب كبير ومتخصص ف الكتابة فى الشكون 
العسكرية » ولكن لم يعرف عنه أبدا أنه شغل كرسيا علميا فى 
قسم التاريخ فى أحد الجامعات . ومع ذلك فقد شاء له اعتداده 
بنفسه أن يوجه الى مؤرخ محترف مثلى » يشغل أعلى المراكز 
العلمية فى بلده » فضصلا عن عشرات الأبحاث والدراسات 
العلمية التاريخية فى مصر والعالم العربى والخارج » ونحو خمسة 
عشر كتابا مثل هذا النقد الذى تضمنته الفقرة التالية التى 
أضعها تحت أنظار القراء : 

« اك بعض الأقلام هناقى مصر » وتحت ستار الدراسات 
التاريخية أو التاريخية » خاضت التجربة دون أن تتبين خطاها ! » 





فتوصلت الى استنتاجات لا تمت للحقيقة أو الموضوعية بصلة . 
والأهم أن مثل هذه الاستنتاجات لا علاقة للها بقضية التطور أو 
قضية ايجابية أخحرى . ومن البديبى أن الدراسات التاريخية 
العسكرية تعتمد أساسا على الوثائق » أو مذكرات القادة 
وأحاديثهم . ولطبيعة الأسرار العسكرية فان المؤرخ العسكرى 
عليه أن ينتظر طويلا قبل أن يسمح له بالتعامل مع الوثائق . واذا 
لم تتوافر للمؤرخ وثائق العمليات أو المعارك أو مذكرات القادة 
وأوراقهم الشخصية عن يوميات المعركة . واذا لم يكن مؤهلا 
أساسا للتعرض للتاريخ 5 .٠‏ الخ ) . 

وبطبيعة الحال فلن أدخل فى نقاش مع الصديق عبده مباشر 
فى أساسيات منهج البحث التاريخى » لمجرد أنه عرف عبارتين أو 
ثلاث من هذا المج قرأهما فى أحد الكتب المتخصصة أو غير 
الملتخصصة ‏ فالنقاش فى المسائل العلمية المجردة يكون بين 
متخصصين علميين فى هذه المسائل » والا تحول الى هذر 
ومزاح ! » ولكنى أزعم جادا أن كنت على استعداد حقيقى 
للاقتناع ب| كتبه » لو أنه كان نتيجة دراسة جادة طبق فيها بنفسه 
تلك العبارات القليلة التى عرفها من منبج البحث التاريضخى 
ولكنى فوجئت بأن تلك المقدمة المتعالية الطويلة » التى نصب 
نفسه فيها شيخا للمؤرخين » كانت مقدمة حديث صحفى عادى 
أجراه مع السيد الفريق على جاد , قائد القوات البحرية ! . 

فهل هذا معقول ؟ . وهل يتطلب حديث صحفى مع أحد 
المسكولين بالدولة أو الجبش التقديم له بمثل تلك المقدمة التى 
توهم القارىء بأن ما سوف يقرؤه هو دراسة علمية جادة لم يسبق 
لها مثيل ! » وأن ما سبقها من دراسات لم يخضع لأى اساس 
علمى ؟ . ولاذا لم يقدم الاستاذ عبده مباشر رواية الفريق على 
جاد فى اطارها الصحفى الحقيقى » لتضم الى غيرها من الروايات 
من التى أدلى بها سبقه من عسكريين من ضباط وجنود وقادة , 





وتخضع بذلك لنيج البحث التاريخى الذى يبمحث عن الحقيقة 
التاريخية المجردة ؟ . 

ان الفريق على جاد هو بكل تأكيد مصدر هام من مصادر 
الحادثة التاريخية » وروايته جديرة بأن تلقى كل اهتتام من يؤر 
هذه الحادثة . فمن شخلالها تكتمل كثير من مساحة الصورة 
التاريخية ‏ ولكن الاعتماد عليها وحدها لا يدحل بحال فى أساس 
منبج البحث التاريخى » الذى يحاول الصديق عبده مباشر أن 
يلقئنا اياه لمجرد أنه قرأ منه بعض العبارات المتناثرة » لأن هذا 
المج يعتمد على استكمال الشهادات التاريخية » وعلى المقارنة 
والمناقضة » والاستقراء والاستنباط » وكل ما يوصل الى الحقيقة 
التاريخية . واعتماد المؤرخ على شهادة شاهد واحد فى الحكم 
التاريخى . أشبه باعتماد القاضى على شهادة شاهد واحد فى 
الحكم بالاعدام : 

ورداية الفريق على جاد هى اجتهاد خاص يحسب له فى سعيه 
لمعرفة الحقيقة فى هذه الحادثة » وقد اعتمد فى هذا الاجتهاد على 
ما نحت يده من وثائق وبيانات متاحة . ولكئه لا شك يسعده 
كثيرا أن يطلع على اجتهادات غيره » التى تعتمد بدورها على 
الوثائق والشهادات العسكرية ! . فالحقيقة التاريخية هى ملك 
لأمتنا العربية » وليست ملكا لفرد . وأزعم أن المؤرخ يكون عادة 
أكثر حرية فى استرجاع الحدث التاريخى من القائد العسكرى 
الذى يلزمه واجبه مراعاة اعتبارات » والذى تقتصر مهمته على 
تقديم شهادته فقط ‏ وليس محقيق الحدث التاريخى الذى هو 
مهمة المؤرخ . 

وربا كان خير أنموذج لذلك ما كتبه الفريق محمد فوزى عن 
حادث اغراق المدمرة ايلات » وكان الفريق فى ذلك الحين يشغل 
أرفع منصب فى القوات المسلحة . اذ كان هو القائد العام للقوات 
المسلحة يجومن المفروض فيه أنه يعرف دقائق هذا الحادث معرفة 
تامة » وأنه“خير من يوضح ا حقيقة التاريخية فيه » وأكثر من ذلك 





أن ما يقدمه فى هذا الصدد يجب أن يفوق فى الأهمية ما يقدمه غيره 
من شهادات ‏ ومع ذلك فان ما كتبه فى مذكراته المنشورة مؤخرا 
نحت عنوان : «حرب الثلاث سنئوات ) حافل بالأخطاء 
التاريخية ! . 

فقد كتب محمد فوزى يقول : ١‏ هجم اللنش الأول القائد - 
على جانب المدمرة » مطلقا صاروخه الأول » فآصاب المدمرة 
اصابة مباشرة » وأخذت تميل على جانبها , فلاحقها بالصاروخ 
الشانى » الذى أكمل اغراقها على مسافة تبعد ١١‏ ميلا بحريا 
شهال شرقى بور سعيد . وكان ذلك ظاهرا أمام القائد على شاشة 
الرادار . وقد غرقت المدمرة «١‏ ايلات ») الاسرائيلية بعد الساعة 
الخامسة مساء يوم ). 

كانت هذه هى معلومات قائد عام الجيش المصرى قبل أن 
أنشر على صفحات أكتوبر شهادة قائد زورق الطوربيد الثانى 
الذى ضرب المدمرة ايلات » وهو العقيد لطفى جاد الله » وأقوم 
بتحقيقها فى ضوء الشهادات التاريخية الأحرى التتى وردت على 
لسان العسكريين المصريين » فتغيرت الصورة ثماما » وأصبح 
ثابتا الآن أن المدمرة ايلات لم تغرق من اصابة الزورق الأول » 
وإنما أصيبت فقط وشلت تماما . وغرقت من اصابة الزورق 
الشانى ! . وبالتالى فلم تغرق فى الساعة الخامسة مساء يوم 
415.©». ونما غرقت بعد ذلك بثلاث ساعات ! . 

وهذا يوضح أن المؤرخ وحده هو الذى يستطيع أن يسترد 
الحدث التاريخى من الماضى » وليس القائد العسكرى » حتى 
ولو كان قائد عام القوات المسلحة ! كما هو الحال بالنسبة للفريق 
محمد فوزى . وهذه الصورة لم تقدم بسهولة » وانما قدمت من 
خلال دراسة عشرات الشهادات والتصريحات والبيانات 
العسكرية » ومن خلال معاناة علمية جادة » كما انها تمت من 
خلال تصحيح وتصموييات . لأن الحدف الأول للمؤرخ هو 
الوصول الى الحقيقة التاريخية » والاجابة على هذا السؤال الذى 


ممه 





كان يتردد داق فى ذهن المؤرخ الألانى الكبير رانكة » وهو : 
« كيف -حدث التاريخ بالفعل » . 

هذه النتائج العلمية التى توصلت اليها » والتى كان يجهلها 
قائد عام القوات المسلحة نفسه . وهو الفريق محمد فوزى » هى 
التى أوردها الفريق أركان حرب على جاد فى تصريحاته للاستاذ 
عبده مباشرء ولم يختلف معنا فيها . لأن الصورة أصبحت 
واضحة الآن من خلال الدراسة التاريخية التى قدمناها » بدليل 
أن ما قدمه الفريق على -جاد من تصريحات حول هذه المسألة قبل 
هذه الدراسة كان مختلفا » ففى حديثه الى جريدة مايو المنشور 
بتاريخ 78 أكتوبر ١1948‏ نسب اغراق المدمرة الى المقدم أحمد 
شاكر وحده ء ولم يورد أى دور فى ذلك للمقدم لطفى جاد 
الله ! » بل حسم ذلك بايراده الاشارة اللاسلكية التى أصدرها 
المقدم أحمد شاكر الى المقدم لطفى جاد الله » قائد اللنش 
الثانى » وفيها يقول : « تم تدمير المدف . ويراعى عدم 
الاشتباك » . ولكنه فى حديثه لجريدة الأخبار يوم "١‏ أكتوبر 
١487‏ أشرك النقيب لطفى جاد الله فى اغراق المدمرة » ولكن 
بشكل غير دقيق . فقد روى أنه بعد أن أطلق النقيب أحمد شاكر 
صاروخا على المدمرة » « تحرك اللنش الثانى وبسرعة وعليه 
النقيب لطفى جاد الله » الذى أطلق الصاروخ الثانى » وكانت 
اصابة مباشرة انفجرت بعدها المدمرة » ثم هوت الى القاع بعد 
سبع دقائق من الضربة الثانية » . وهذا يدل على أن صورة 
ما حدث للمدمرة ايلات لم تكن واضحة ماما بمثل ما توضحت 
الآن . بعد دراستنا لها » وأن النتائج التى توصلنا اليها هى نفسها 
النتتائج التى اعترف ببهاالفريق على جاد . فيها يتصل بمصدر 
وتوقيت اغراق المدمرة . 

ولكن هل كانت هذه الحقائق معروفة للقيادة العسكرية 
المصرية وقت اغراق المدمرة » أم لم تعرف الا بعد صدور دراستنا 
حول اغراق المدمرة ايلات ؟ . 





أزعم ‏ جازما ‏ أن هذه الحقائق لم تكن معروفة قبل 
دراستنا ! . ولن أدلل على ذلك باستنتاجات .» وانما بالوثائق . 
وأكتفى هنا بأن أورد نص ما أدلى به اللواء مصطفى كامل » 
المتحدث العسكرى بلسان القيادة العليا للقوات المسلحة » فى 
مؤقر صحفى حضره ما يقرب من خحمسين صحفيا يمثلون 
الصحافة العالمية » فى أعقاب اغراق المدمرة ايلات » وفيه قرر أن 
الزورق الأول الذى كان يقوده النقيب أحمد شاكر , هو الذى 
أغرق المدمرة ايلات . وأن الزورق الثانى » الذى كان يقوده 
النقيب لطفى جاد الله ضرب هدفا آخر غير ايلات ! » وصفه 
اللواء مصطفى كامل بأنه و هدف متحرك ظهر على شاشة الرادار 
بنفس حجم المدمرة ايلات ») . وهذا الكلام منشور ليس فقط فى 
الصحف اليومية وانما فى نشرة القوات المسلحة رقم " فى أكتوبر 
١95/‏ !. | 

وكان الاعتقاد فى ذلك الحين أن الحهدف الثانى هو المدمرة 
« حيفا » . وكان هذا الاستنتاج من جانب النقيب أحمد شاكر » 
فقد ذكر فى نشرة القوات المسلحة السالفة الذكر أن هذا م الهمدف 
الحديد كان يبدو فى حجم المدمرة ايلات . ومادامت اسرائيل 
لاتملك سوى ثلاث مدمرات هى : حيفا » ويافوء وايلات » 
ومادامت ايلات قد غرقت قبل ذلك بأكثر من ساعة ونصف » 
بينم| بيانات الاستطلاع والمعلومات تؤكد وجود المدمرة الاسرائيلية 
يافو فى مالطة » حيث تجرى لها عمرة كاملة ‏ فمن المرجح أن 
المدف الثانى الذى أصيب هو المدمرة حيفا ) . 

وهذا الكلام للنقيب أحمد شاكر يؤكد ويفصل ما أورده 
المتحدث بلسان القوات المسلحة . اللواء مصطفى كامل » فى 
هذا الصدد مما سبق ذكره . ويوضح أن المصادر العسكرية 
المصرية كانت تتحدث عن اصابة مدمرتين هما: ايلات 
وحيفا ! . 

وبالتالى فان ما أورده الفريق على جاد من أن قائد قاعدة بور 


همه 


وأه 





سعيد البحرية أصدر أمرا للنقيب بحرى لطفى جاد الله بتنفيذ 
مهمة « تطوير نجاح ضربة اللنش رقم « ١‏ » باغراق المدمرة 
الاسرائيلية « ايلات » ! لم يكن مطروحا فى ذلك الحين ء 
لسبب بسيط هو أن قائد قاعدة بور سعيد » وكل العسكريين 
حوله » بل وقائد زورق الطوربيد الأول النقيب أحمد شاكر 
ورجال طاقمه » كانوا يعتقدون أن (١‏ ايلات ) قد غرقت 
بالفعل ! . ولا يمكن - بالتالى ‏ أن تكون هى الحدف الثانى 
الذى صدر الأمر الى النقيب بحرى لطفى جاد الله بالخروج الى 
عرض البحر لاغراقه ! . 

ولم يستطع أحد فى ذلك الحين ‏ ولا بعد ذلك » أن يعرف أن 
الهدفين كانا هدفا واحدا » حتى صدرت الدراسة التى تشرفت 
بنشرها على صفحات أكتوبر حول اغراق المدمرة ايلات » وشهادة 
العقيد لطفى جاد الله » التى حققتها ونشرتها على صفحات 
المجلة ‏ فاتضحت هذه الحقيقة . 

بل لقد تجاهل قائد عام الجيش السابق » الفريق محمد فوزى 
ذكر الهدف الثانى تماما , الذى لم يلق اليه بالا » بسبب الغموفضص 
الذى ثار حوله » فلم يعرف أحد هل تم اغراقه أم لا . وهل كان 
هو المدمرة حيفا أم شيثا آخر . واكتفى الفريق محمد فوزى ‏ كما 
ذكرنا ‏ بأن أكد أن الزورق الأول للئقيب أحمد شاكر هو الذى 
أغرق المدمرة ايلات . وأنه أصابها بالصاروخ الأول اصابة 
مباشرة » ثم « لاحقها بالصاروخ الثانى الذى أكمل اغراقها  »‏ 
على حد قوله ‏ وهو غير صحيح . 

بل ان المقدم لطفى جاد الله نفسه . وهو قائد الزورق 
الثانى » لم يستطع أن يحسم هذه المسألة » ويحزم بها اذا كان هناك 
هدف آخر غير المدمرة ايلات » أو كان المهدفان هدفا واحدا ! » 
وذلك حين سجلت شهادتئه بعد سئة عشر عاما من اغراق 
المدمرة ! » وكان ذلك فى صيف *198 . وقد كان الأمر الوحيد 
الذى أكده هو أنه هو الذى أغرق ايلات » ول يستند فى ذلك الى 





المصادر المصرية بل استند الى أن اسرائيل أعلنت أن ايلات 
غرقت الساعة الثامنة مساء الا عشر دقائق , وم تغرق فى الساعة 
الخامسة الا حمس دقائق . ولا كانت اصابتا النقيب أحمد شاكر قد 
وقعتا فى الساعة الخامسة مساء . بينها وقعت اصابتاه فى السابعة 
وأربعين دقيقة » فيكون زورقه حسب قوله ‏ هو الذى أغرق 
ايللات . 

وكان فى ذلك أمينا » فلم يزعم أنه تلقى أمرا باغراق المدمرة 
ايلات نفسها ! . لأنه هو نفسه كان متحققا عندما صدر اليه 
الأمر بالخروج للقتال من أن ايلات قد غرقت . بعد أن شاهد 
بعينيه الانفجارات تنطلق منها  !‏ وانيا كان يعرف أنه ينطلق 
لتدمير هدف آخر . وهذا نص شهادته كما سجلناها » التى تثبت 
أنه كان يعتقد عندما خرج للقتال فى طلعته الثانية » أن ايلات قد 
غرفت . 

فقد أورد عن خروجه الأول مع النقيب أحمد شاكر : « طلعنا 
من فتحة البوغاز لغاية ثانى شمندورة » واكتشفئا الهدف » 
ومسكناه على الرادار» وكنت فى نفس الوقت مستعدا للاطلاق 
عندما أطلق قائد التشكيل النقيب أحمد شاكر الصاروخين . وقد 
رأينا أن الصاروخين أصابا الحدف بالفعل » وطلعت انفجارات 
واشتعلت الشيران . وكانت الضربة حوالى الساعة الخامسة الا 
حمس دقائق . وعند ذلك أصدر النقيب أحمد شاكر أمرا بعودتنا الى 
القاعدة » وهو ماتم بالفعل . وكان طاقم زورق الصواريخ نحت 
قيادتى فى إحباط شديد ‏ رغم انتصار النقيب شاكر- لأنهم لم 
يشتركوا فى العملية » وبعضهم سالت دموعه بالفعل . ولكن ربنا 
هو فوق الكل أراد لنا أن نكمل المعركة » فعندما اشتغل جهاز 
الرادار من جديد اكتشف هدفا ثانيا فى نفس المنطقة » وصدرث 
لى الأوامر الساعة السابعة بالخروج لضرب هذا الهدف )» . 

ثم يتساءل العقيد لطفى جاد الله فى حيرة : « هل هذا ا لهدف 
هو الهدف الأول الذى ضرب ولكنه لم يغرق بعد ؛ أم أنه هدف 


آاه 


؟ ١ه‏ 





جديد ؟ النا لما خرجنا فى الطلعة الأولى لضرب المدف الأول كان 
هناك هدف آخخر ظاهر على بعد نحو 75 ميلا أى خارج المياه 
الاقليمية ‏ فهل دخل هذا الهدف الثانى الى المياه الاقليمية بعد 
ضرب الهدف الأول » أم أنه نفس الحدف الأول ولم يكن قد غرق 
بعل ؟ . الأمر الذى أؤكده هو أن الحدف الذى خرجت بزورقى 
لضربه » والذى ضربته بالفعل هو إيلات » لأن اسرائيل أعلنت 
أن إيلات غرقت الساعة الثامنة مساء إلا عشر دقائق » ولم تغرق 
فى الساعة الخامسة إلا حمس دقائق . فهل كانت إيلات هى 
المدف الأول ولكنها لم تغرق بالصاروخين وظلت فى المنطقة حتى 
اكتشفها الرادار المعطل بعد عودته الى العمل » فكانت ضربتى 
هى التى أسكنتها القاع ؟ . أم أن إيلات كانت هى الهدف 
البعيد على بعد 77 ميلا من القاعدة عندما ضرب الهدف الأول » 
ثم دخلت المنطقة بحثا عن الهدف الأول » فضربتها ؟ » . 

معنى هذا الكلام بوضوح تام . ومن واقع جميع الشهادات 
العسكرية » وعلى رأسها شهادة الفريق محمد فوزى ». قائد عام 
القوات المسلحة وقت اغراق ايلات » أن اغراق ايلات ظل لغزا 
لا يحل حتى أماطت الدراسة التاريخية التى نشرتها على صفحات 
« أكتوبر ) اللثام عنه . 

وهذه النتائج نفسها هى التى تبناها الفريق على جاد وأدلى بها 
للصديق عبده مباشر » فيتصور هذا أنها فتح جديد ! » وأكثر من 
ذلك يتصور أنها تفند ما أسفرت عنه الدراسة ! » فيعتلى كرسى 
الاستاذية فورا » ويحاول أن يلقننا منبج البحث التاريخى بترديد 
بعض العبارات المتناثرة التى قرأها فى هذا الكتاب أو ذلك , 
ويستدل بنفس الاستنتاجات التى توصلت اليها الدراسة » والتى 
أكدها الفريق على جاد » على أنها لا تمت إلى الحقيقة أو الموضوعية 
بصلة ! . وكل ذلك لاضفاء طابع علمى جاد على حديث 
صحفى عادى تحفل به صحفنا فى كل مناسبة عسكرية » 
والتشكيك فى دراسة علمية جادة قرأها باستخفاف بدلا من أن 





يقرأها قراءة متأنية » ويستوعب ما احتوته من شهادات عسكرية , 
ويحخاول أن يستخرج منها أسئلة هامة يطرحها على قائد بحرية ترد 
على ما ورد بها من من تساؤلات وعلامات استفهام . 

بقيت قضية ما إذا كان قرار الضرب قد صدر من قيادة القوات 
البحرية أم أنه كان قرارا اتخذه النقيب أحمد شاكر على مسئوليته 
الخاصة , وهل اشتركت فى اتخاذ القرار القيادة السياسية ( الرئيس 
عبد الناصر ) . 

وبالنسبة للقضية الأولى » فلم ينكر أحد صدور هذه القرار؛ 
حتى يتم التركيز عليه! » ولكن القضية بالنسبة لآفراد زوارق 
الصواريخ - أن القيادة كانت تتراجع فى هذا القرار عندما يحين 
التنفيذ الفعلى ,2 وهذا ما حدث فى يوم 1 يوليو /1ة١ ٠‏ ثم 
حدث مرتين فى يوم اغراق ايلات . وهذا الكلام ليس من تأليفى 
وانما هو من أقوال أفراد طاقم زورق الصواريخ الذى ضرب 
ايلات ؛ والذى تضمنته نشرة القوات المسلحة رقم / فى أكتوبر 
7 . وأكتفى بايراد أقوال المقاتل حسين عمارة : « كان شعورنا 
غريبا عندما صدر الأمر بالخروج للقاء العدو ثم ألغى ! ١‏ ثم 
صدر الأمر مرة ثانية ثم ألغى ! » ويقول المقاتل على عبد الله : 
«عندما صدرت لنا الأوامر بالتحرك ثم ألغيت زعلت لأنما 
ألغيت » ثم صدرت مرة ثانية » وألغيت أيضا , فكنت فى أشد 
حالاث الزعل ) . 

أما قضية عرض الأمر على الرئيس عبد الناصر من قبل القائد 
العام للقوات المسلحة » والذى أكده الفريق على جاد » فليس 
لدى من اجابة الا ما أورده القائد العام نفسه » الفريق محمد 
فوزى » فى مذكراته المنشورة » حول اغراق ايلات ٠‏ وفيها لم يذكر 
اطلاقا أنه رفع الأمر إألى القيادة السياسية للتصديق عليه » وإن)ا 
قال حسب نص عباراته : « اقثربت المدمرة ايلات من الميأه 
الاقليمية المصرية فى منطقة بورسعيد البححرية يوم 
١‏ ١٠/9597١ء‏ واكتشفت بمعرفة أجهزة الاستطلاع 


بوه 


:5ه 





البحرية لقواتنا » فأصدرت قرارى المباشر إلى قائد القوات البحرية 
بالتصدى بقواته المتمركزة فى قاعدة بورسعيد البحرية لهذه المدمرة 
واغراقها طالما أنها اخترقت المياه الاقليمية المصرية » . 

وليس معنى ذلك أننى أقبل هذه الرواية على علاتها » فلدى 
عليها تحفظات كثيرة » ولكنى أريد أن أقول إن المؤرخ مثل 
القاضى »2 يحكم فى ضوء الأدلة المعروضة أمامه » وليس فى ضوء 
أدلة فى علم الغيب قد تكشفها الأيام أو لا تكشفها ! . وفى ضوء 
منبج البحث التاريخى فان رواية الفريق فوزى تعد مصدرا من 
الدرجة الأولى » ورواية الفريق على جاد تعد مصدرا من الدرجة 
الثانية » لأن الفريق فوزى كان هو القائد العام المتصل اتصالا 
مباشرا بعبد الناصر » والفريق على جاد كان مقدما بحريا تعلوه 
رتب وقيادات » وان كانث كل من الروايتين ‏ فى نباية الأمر- لا 
تعد وان أن تكونا وثيقتين هامتين يلزم خضوعههم| للفحص العلمى 
التاريخى مع غيرهما من الشهادات . 

وعبارة « الفحص العلمى التاريخى ) قد تبدو جملة كبيرة لمن 
يجهل معناها ومدلوطا ومحتواها » ولكنها بالنسبة للمؤرخ جزء لا 
يتجزأ من عمله ووظيفته » مثل ساعة الطبيب ومبضعه . ومن 
حق حلاق الصحة فى قرية من القرى أن يستخدم سكين المطبخ 
فيه يجريه من عمليات » ولكن ليس من حقه أن ينكر وجود مبضع 
الطبيب ؛ أو يتصور أنه يستخدمه للزيئة والمباهاة ! . وهذا ما 
فعله الصديق عبده مباشر ! . 





ملحق رقم | ١‏ | 





مسركة بور سعيسد - نشضطة تصول فى الفكسر 


الاستراتيجى البحرى 
بقلم حال حماد 


(أكتوبر فى "١‏ أكتوير )1١9444‏ 


تعددت الروايات فى الأونة الأخيرة حول عملية إغراق المدمرة 
الاسرائيلية إيلات وظهر كثير من أوجه الخلاف بين بعض 
المؤرخين والكتاب عند تناولهم لوقائع هذه المعركة التاريخية » حتى 
كادت الحقيقة تتوه فى زحام هذا الكم الكبير من المقالات 
والتعليقات . وفى رأبى أن تسجيل المعارك الحربية وتحليلها تحليلا 
فنيا سلي) يختلف عن تسجيل وتحليل الأحداث التاريخية » إذ لابد 
فى الحالة الأولى أن يتهيأ للمؤرخ عاملان حيويان » أولهما : توافر 
مراجع موثوق بصحتها أو وثائق رسمية معتمدة يمكن له عن 
طريقها أن يتصور الجو العام الذى دارت فيه المعركة » والظروف 
التى أحاطت بها » والعامل الثانى أن يكون لدى المؤرخ قدر 
كاف من الثقافة العسكرية يؤهله للقيام بالتحليل الفنى 
العسكرى عن علم وموضوعية » خاصة إذا ماحاول التعمق فى 
بحثه وتحليله وتطرق إلى النواحى الاستراتيجية والتعبوية وإلى 
الخطط والأساليب التكتيكية . 


ونظرا لما لمعركة بور سعيد البحرية من أهمية بالغة سواء من 


ماه 


اه 





جهة أثرها الكبير على الروح المعنوية فى القوات المسلحة وى 
نغوس الشعب المصرى بل الأمة العربية جميعها . إذ كان لها فضل 
كبير فى استعادة القوات المسلحة ثقتها فى ذاتها بعد هزيمة 
يونيو/ا” الشائنة » وفى رفع الروح المعنوية لمصر والعرب . بعد 
أن خيم على المنطقة العربية ظلام اليأس وظلال الهزيمة » وايمانا 
منا بأهمية تسجيل وقائع هذه المعركة البحرية الفذة تسجيلا 
صحيحا مدع,ا بالوثائق والمستندات الرسمية » فقد تقدمت بهذا 
المطلب إلى القائد النابه المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة نائب 
رئيس الوزراء ووزير الدفاع والانتاج الحربى . الذى لم يتردد فى 
السماح لى مشكورا بالاطلاع على الوثائق والتسجيلات الرسمية 
الخاصة بمعركة بور سعيد البحرية » حرصا منه على تسجيل 
التاريخ الحربى لقواتنا المسلحة تسجيلا صحيحا . وفى تبيئة 
الفرصة لأبناء مصر والعروبة كى يعرفوا حقيقة ماجرى من 
أحداث هامة فى هذا اليوم الخالد فى تاريخ البحرية » والذى 
ضرب فيه رجال البحرية المصرية أروع الأمثلة فى الوطنية 
والشجاعة والفداء » وفى مكتب الفريق على جاد قائد القوات 
البحرية المصرية بمقر قيادته برأس التين بالاسكندرية أطلعنى 
القائد على كل ماتحتفظ به قيادة القوات البحرية من وثائق 
وسجلات وأوامر للعمليات خاصة بهذه المعركة » وكذا الاشارات 
اللاسلكية والتليفونية التى تم تبادلها بين القيادات العسكرية فى 
كل من الاسكندرية وبور سعيد والقاهرة » مع خخلاصة وافية 
دقيقة من شرحه وتحليلاته . وعلاقة الفريق على جاد بمعركة بور 
سعيد علاقة عاطفية وثيقة ومعلوماته عنها غزيرة ودقيقة » فقد كان 
يوم وقوعها لايزال برتبة المقدم » وكان يشغل منصب ضابط 
الخطط بشعبة العمليات بقيادة القوات البحرية » وكان واحدا من 
أفراد الطاقم الذى وقع عليه اختيار الفريق فؤاد أبو ذكرى قائد 
القوات البحرية وقتثذ لمتابعة الموقف ومعاونته فى إدارة المعركة 
خلال ذلك اليوم التاريخى 7١‏ اكتوبر /1” . الذى اتخذت منه 





البحرية المصرية عيدا لا تحتفل به كل عام . . 


فى مساء يوم الجمعة ٠١‏ من اكتوبر 1" اكتشف رادار لنش 
السواحل ( نسر) هدفا كبيرا فى اتجاه ١ه‏ درجة على مسافة 
١‏ ميلا بحريا من فئار بور سعيد ( الميل البحرى 188٠‏ مترا ) 
وتوالت البلاغات طوال الليل من مختلف أجهزة رادار قاعدة بور 
سعيد البحرية عن تحركات ذلك الهدف الذى كان آخذا فى 
التجول أمام القاعدة البحرية خارج المياه الاقليمية » وفى الساعة 
الخامسة والنصف صباحا تم رصد الهدف بوضوح عن طريق 
أجهزة رادار القاعدة » وكان الاتجاه ه96 درجة والمسافة حوالى ١‏ 
ميلا بحريا » ونظرا لأن أجهزة الرادار فى قدرتها تحديد مكان 
الهمدف فقط دون أن يمكها تمييز نوعه » لذا تم التأكد أن المهدف 
هو سفيئة حربية عن طريق نقطة المراقبة البصرية أعلى فنار بور 
سعيد » وهى نقطة مراقبة دائمة تابعة لقيادة القاعدة البحرية فى 
بور سعيك . . 


وفى الساعة السابعة وعشر دقائق صباح السبث 7١‏ أكتوبر 
أبلغ قائد قاعدة بور سعيد بالنيابة العقيد بحرى طلعت نصر مركز 
العمليات البحرى فى رأس الثين بالاسكندرية » أن وسائل 
الانذار البصرية والرادارية اكتشفت سفيئة مجهولة تقوم بالتجول 
أمام ميناء بور سعيد منل مساء اليوم السابق حتى الصباح خارج 
المياه الاقليمية » على مسافات مختلفة تتراوح مابين 7١١ ١‏ ميلا 
بحريا من فئار بور سعيد 2 وأنه إزاء ذلك أصدر أوامره بأن تكون 
جميع الوحدات البحرية بالقاعدة فى حالة الاستعداد » وطلب 
الافادة بتعلييات قيادة القوات البحرية » وى الساعة الثامئة 
والنصف صباحا أبلغ قائد قاعدة بور سعيد مركز العمليات 
البحرى برأس التين أن ادف مازال يتجول خارج المياه 
الاقليمية » وأن عملياث رصده مستمرة دون توقف . 


/ااه 


ماه 





وعلى الفور أمر قائد القوات البحرية اللواء بحرى أ .ح فؤاد 
أبو ذكرى بتكوين طاقم عمل برئاسته فى مركز العمليات 
البحرى » كان يتشكل من العميد بحرى أ.ح محمود عبد 
الرحمن فهمى رئيس شعبة العمليات . والعقيد بحرى أ.ح 
محمد على محمد نائب رئيس شعبة العمليات .والمقدم 
بحرىأ.ح على جاد ضابط المخطط بشعبة العمليات مهبدف 
متابعة الأحداث أولا بأول مع قاعدة بور سعيد البحرية وتحليل 
المواقف تمهيدا لاصدار القرارات وأوامر العمليات الملائمة وفقا 
لتطورات الموقف . والأمر الذى يستلفت النظر أن جميع الضباط 
الذين اشتركوا فى طاقم العمل الذى أدار معركة ايلات تولى كل 
منهم قيادة القوات البحرية فيها بعد » وتم ذلك وفقا لترتيب 
أقدميتهم 5 وكان أحدثهم رتبة وقتغذ المقدم بحرى أ .اح على جاد 
الذى أصبح الفريق على جاد قائد القوات البحرية حاليا . 


وبناء على تعليهات قائد البحرية قام مركز العمليات برأس 
التين بإخطار هيئة العمليات بالقيادة العامة للقوات المسلحة 
بالقاهرة تليفونيا بجميع التبليغات التى تلقاها من قيادة قاعدة 
بور سعيك . 


وكان تحليل مركز العمليات وقتئذ أن تلك التحركات البحرية 
للعدوفى منطقة بور سعيد ربها كان الغرض منا تأمين عملية نقل 
العدو لمعدات وإمدادات هامة من إسرائيل إلى منطقة رمانة على 
شاطىء سيناء شرق بور فؤاد . 


وفى الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق أصدر قائد قاعدة بور 
سعيد البحرية أمرا برفع درجة استعداد سرب لنشات الصواريخ 
المكون من لنثسين من طراز كومار إلى الدرجة القصوى , 
والاستعداد للإبحار فى أية حظة للاشتباك مع العدو . 





وفى الساعة 76ر١١‏ وفى الوقت الذى تلقت فيه قيادة قاعدة 
بور سعيد التأكيد من الثقيب أحمد شاكر القارح قائد سرب 
اللئشات باتهام استعداد وحلته للتحرك » قامت القاعدة بإبلاغ 
مركز العمليات البحرى برأس التين تليفونيا بأن المدف 
السطحى تم رصده على مسافة خحمسة أميال بحرية من نجمة بور 
سعيد ( النجمة هى علامة مضيئة للارشاد على مسافة خمسة أميال 
بحرية من الشاطىء ) وكان ذلك معناه أن الهدف قد أصبح 
داخل المياه الاقليمية المصرية ( وقد بت من الاستطلاع الذى 
أجرته أجهزة القاعدة أن الحدف هو مدمرة إسرائيلية مر طراز 72 
جرته أجهر: هو مدمرة إسرائيلية من طراز 
وتم التأكيد بأن وحداث قاعلة بور سعيد قَُ تام 
الاستعداد للاشتباك مع العذو بمجرد صدور الأوامر إليها 
بذلك . وطلبت قيادة القاعدة الافادة بالرأى . 


وفى الساعة ٠4ر١١‏ وردث إشارة لاسلكية بالشفرة 
من قاعدة بور سعيد إلى مركز العمليات 0 التين ( 
كان نصها « الحهدف المعادى على اتجاه 4٠‏ درجة والمسافة 
اامميلا بحريا من فئار بور سعيد أوامركم » وبادرت 
قيادة القوات البحرية بإخطار هيئة عمليات القوات 
المسلحة والقيادة العامة للقوات المسلحة بالقاهرة تليفونيا 
بالموقف , وطلبت سرعة التصديق على قرار قائد القوات 
البحرية » الذى سبق أن اتخذه بتدمير الهدف “البحرى 
المعادى فور الختراقه المياه الاقليمية . وفى السساعة 
ه؛ؤر١ا١‏ اختفى المدف الببحسرى المعادى فجأة من 
شاشاشات الراداربالقاعدة البحرية با فى ذلك أجهزة 
رادار سرب لنشات الصواريخ ٠‏ وثبت أنه ابتعد لأكثر 
من ١6‏ ميلا بحريا , وعندما تأكدت قيادة القاعدة من 
اختفاء الهدف أبلغت ذلك باشارة لاسلكية فى الساعة 
هكلر؟! إلى مركز العمليات البحرى برأس التين » وكان 


4ه 


ام 





الاتصال التليفونى المباشر بين قاعدة بور سعيد البحرية 
وقيادة القوات البحرية برأس التين قد انقطع فجأة فى 
الساعة ه4ر١١‏ وظل مقطوعا حوالى أربع ساعات 
ونصف » بسيبا وقوع أحد الأعطال » الأمر الذى دعا 
مركن العمليات اليحرق براس العيق إلى الاستعانة بريكة 
العمليات بالقيادة العامة بالقاهرة 6 لتصبح حلقة 
الاتصال بين قيادة القوات الببحرية نرأس التين وقيادة 
القاعدة البحرية ببور سعيد طوال فترة الانقطاع 
التليفونى . ومنذ اللحظة التى طلب فيها قائد القوات 
البحرية التصديق على قراره كانت هيئة العمليات بالقيادة 
العامة للقوات المسلحة بالقاهرة تبحث مع القائد العام 
الفريق أول محمد فوزى ردود أفعال العدو المنتظر حدوثها 
فى حالة التصديق على قرار قائد القوات البحرية » ونظرا 
لأن التصديق على 0 المذكور لم يكن فى مقدرة القائد 
0 رت المسلحة أن يتحمل مسئوليته وحده بالسسة 
لما سيترة سات اراي مد 

أن تكون الحكومة المصرية على أهبة الاستعداد 
0 » لذلك رفع الأمر إلى القيادة السياسية 
العليا فى الدولة , التى كانت تتمثل وقتئذ فى شخص 
الرئيس الراحل عبد الناصر . وفى الساعة ١٠ر7١‏ أبلغ 
القائد العا م للقوات المسلحة قائد القوات البحرية 
باللصديق 0 قراره وهو التصدى لأى اختراق معاد 
للمياه الاقليمية بعد التحقق من جنسية الهدف . وتم 
ذلك بعد حوالى نصف ساعة من طلب التصديق . وبادر 
قائد القوات البحرية على أثر التصديق على قراره بإصدار 
تعلييات عمليات إلى قيادة قاعدة بور سعيد البحرية 
تليفونيا عن طريق هيئة العمليات العامة بالقاهرة ( نظرا 
لتعذر الاتصال مع القاعدة مباشرة بسبب العطل 





اي ) ومن تسجيلات قاعدة بور سعيد البحرية 
اتضح أن تعلييات العمليات المشار إليها أبلغت إلى 
القاعدة بإشارة تليفونية فى الساعة ههر١١‏ وكان نصها 
كما يلى « فى حالة دخول الهدف المعادى المياه الاقليمية ب: 
النعامل معه بلنشى الصواريخ , » على أن يتم الاشتباك 
معه باللئشس الأول فقطاء ويكون اللنش الثانى جاهزا 
للتحقق من إغرافه 4 وتعطى التعليات للمدفعية 
الساحلية ببور سعيد بالاستعداد للاشتباك , ويراعى 
إخطار مركز العمليات البحرى برأس التين والقيادة 
الشرقية بالاساعيلية با يتم ) . 


وفى الساعة الواحدة وحمس دقائق وردت اشارة لاسلكية من 
قاعدة بور سعيد إلى مركز العمليات البحرى برأس التين بظهور 
الهدف ثانية على شاشات أجهزة رادار القاعدة على مسافة ١6‏ ميلا 
بحريا من فئار بور سعيد » وفى الساعة الواحدة والربع ظهرا قام 
مركز العمليات البحرى برأس التين بإرسال إشارة لاسلكية 
مفتوحة إلى قيادة قاعدة بور سعيد » كان الغرض منها هو خداع 
العدو, وكان نصها كما يلى « لاتشتبك مع أية أهداف فى نطاق 
القاعدة » . وكان من المتوقع أن يلتقط العدو تلك الاشارة 
اللاسلكية . وأن تكون سببا فى تشجيعه على انحتراق المياه 
الاقليمية المصرية » وحتى لايخدع قائد القاعدة البحرية فى بور 
سعيد بالاشارة اللاسلكية المرسلة إليه تم اخطاره تليفونيا بحقيقة 
الأمر عن طريق هيئة العمليات بالقاهرة . وفى حوالى الساعة 
الثانية والنصف ظهرا وصلث إشارة لاسلكية بالشفرة من قيادة بور 
سعيد إلى مركز عمليات رأس الثين أفادت بأن ضابط أول الباخرة 

0 فا السويس » القادمة من بيروت قد اكتشف أثناء اقتراب 
الباخرة من ميئاء بور سعيد فى الساعة الخامسة صباحا يوم "١‏ 


اكه 





أكتوبر هدفين حربيين فى المنطقة شهال شرق بور سعيد على مسافة 
حوالى ١5‏ ميلا بحريا من الفنار . 


وى الساعة الثالثة وأربعين دقيقة ظهر على شاشات أجهزة 
رادار قاعدة بور سعيد هدفان متحركان بالفعل » وقد تابعت 
أجهزة الرادار رصد تحركاتهها على شاشاتهامنذ ذلك التوقيت حتى 
الساعة الرابعة وأربعين دقيقة ( أى لمدة ساعة كاملة ) وقد اتضح 
من رصد زاوية الاتجاه والمسافة بالنسبة للهدفين لفترات منتظمة أن 
الحهدف الأول قد تغيرت مسافته خلال هذه الساعة من ١7‏ ميلا 
بحرياإلى ٠١‏ ميلا بحريا , مما أكد لقيادة القاعدة أنه أخذ فى 
الابتعاد عن ميناء بور سعيد . أما الحدف الثانى فقد اتضح أن 
مسافته قد تغيرت خلال هذه الساعة من 7 ميلا بحريا إلى ١١‏ 
ميلا بحريا . نما أكد لقيادة القاعدة أن هذا الهدف بدأ يقترب 
بانتظام من ميناء بور سعيد . وفى الساعة الرابعة وعشرين دقيقة 
كان العطل التليفونى قد تم اصلاحه » وعاد الاتصال المباشر مرة 
أخرى بين قيادة قاعدة بور سعيد وقيادة القوات البحرية برأس 
التين . 


وبعد أن تم وصول المدف إلى حدود المياه الاقليمية المصرية 
أرسلت قاعدة بور سعييد إشارة لاسلكية إلى سرب لنشات 
الصواريخ الذى كان يتولى قبادته النقيب أحمد شاكر بالابحار 
فورا للاشتباك مع الحدف على اتجاه 5 درجة والمسافة ؟١١‏ ميلا 
بحريا داخل قوس نصف قطره سبعة أميال من نجمة بور سعيد 
على أن تنم الضربة الأولى بلنش الصواريخ رقم 4 ٠ه‏ الذى كان 
يتولى قيادته قائد السرب » تليها الضربة الثانية بلنش الصواريخ 
رقم الذى كان يتولى قيادته النقيب لطفى جاد الله بأمر من 
قائد السرب بعد التأكد من نتيجة الضربة الأولى » وعلى أن نتم 
العودة فورا إلى الميناء بعد انتهاء المهمة . وكان سرب لنشات 





الصواريخ يتكون من لنشين من طراز كومار ( سوفيتية الصنع ) 
ويحمل كل لنش صاروخين من طراز ستايكس قوتهم| التدميرية 
قرابة طن من المواد الشديدة الانفجار . . وفى الخامسة تماما تم 
إبلاغ مركز عمليات رأس التين بالأمر الصادر بخروج سرب 
لنشات الصواريخ لتنفيذ المهمة التى أوكلت إليه . وفى الخامسة 
وخمس دقائق مساء غادر سرب لنشات الصواريخ رصيف الميناء 
وفقا لاتجاه السير المحدد له فى التعلييات . وعند خروجه أرسل 
النقيب أحمد شاكر فائد السرب إشارة لاسلكية إلى قيادة قاعدة 
بور سعيد طلب فيها إيقاف تشغيل أجهزة الرادار الأخرى 
الموجودة بالقاعدة البحرية . كى يتسنى له استخدام أجهزة 
الرادار الخاصة بالسرب دون أى تداخل أو تشويش . 


وفى الساعة الخامسة وحمس وعشرين دقيقة أى بعد ٠١‏ دقيقة 
من خروج السرب من الميناء » وبعد أن تم تحديد مكان المهدف 
على شاشة رادار اللنش رقم 4 » انطلق الصاروخ الأول فى 
اتجاه الهدف الذى اتضح من الاستطلاع أنه مدمرة اسرائيلية وفى 
الساعة الخامسة وتسع وعشرين دقيقة أى بعد 4 دقائق من اطلاق 
الصاروخ الأول انطلق الصاروخ الثاني من نفس اللئش فى اتجاه 
المدمرة الاسرائيلية وكان الرائد توفيق الميقاتى أركان حرب 
استطلاع القاعدة البحرية يرقب المعركة الدائرة من نقطة المراقبة 
المؤقتة أعلى فندق بور سعيد . وبعد انطلاق الصاروخين أبلغ 
قائد قاعدة بور سعيد أنبهما أصابا الحهدف مباشرة وأن النار قد 
اشتعلت فى المدمرة » وتم سماع عدة انفجارات متتالية . وعلى أثر 
انتهاء لنش القيادة من اطلاق صاروخيه أصدر قائد السرب 
إشارة لاسلكية إلى قائد اللئش الثانى النقيب لطفى جادالله كان 
نصها كما يلى « تم تدمير ال هدف ويراعى عدم الاشتباك » . 


وقد ثبت فيه بعد من المصادر الاسرائيلية أن الصاروخ الأول 


وفكن 








أطاح بهوائيات اللاسلكى وأجهزة الاتصال ما جعل السفينة 
عاجزة عن طلب النجدة أو إرسال إشارات الاستفاثة . أما 
الصاروخ الثانى فقد أصاب غرفة الماكينات تاركا السفينة كالحثة 
الهامدة فى مكاءها وأخذت تميل بشدة نحو الماء والنيران مشتعلة 
ببعض أجرائها . 


وكان اصطدام الصاروخين بجسم المدمرة من القوة وتأثير 
انفجارهما عليها من الشدة بحيث هيىء لجميع المراقبين للعملية 
سواء كان النقيب أحمد شاكر قائد سرب النشات أو الرائد توفيق 
الميقاتى أركان حرب استطلاع القاعدة » الذى كان متابعا 
للعملية من نقطة المراقبة أعلى فندق بور سعيد » أن المدمرة 
الاسرائيلية قد تم تدميرها وأنها فى طريقها إلى أعماق البحر . وكان 
ذلك الاعتقاد هو السبب فى أن يرسل قائد السرب بتعليراته 
باللاسلكى إلى قائد اللنش الثانى النقيب لطفى جاد الله بعدم 
الاشتباك . وفى أن يرسل إشارة لاسلكية إلى قيادة قاعدة بور 
سعيد بنجاحه فى إغراق الهدف . وعلى إثر التبليغ الذى تلقته 
قيادة القاعدة فى بور سعيد بإغراق الهدف أصدر قائد القاعدة 
أوامره إلى قائد سرب اللنشات بالعودة إلى الميناء » حيث أن مخطط 
تنفيذ الخطة القتالية كان يقضى بضرب المدف بصاروخين فقط 
للاحتفاظ باحتياطى من الصواريخ لتدمير أية أهداف معادية 
أخرى يجرى اكتشافها » ولتغطية عودة اللنشات إلى القاعدة وفى 
السادسة مساء وصل سرب اللنشات إلى رصيف ميناء بور سعيد 
وكان قائد القوات البحرية بمجرد أن تلقى نبأ إغراق المدمرة 
تليفونيا قد أصدر تعليماته بعودة لنش الصواريخ الأول الذى كان 
يتولى قيادته النقيب أحمد شاكر إلى الاسكندرية على أن يستمر 
لنش الصواريخ الثانى الذى كان مايزال محتفظا بصاروخيه وباقى 
وحدات القاعدة والمدفعية الساحلية فى أعلى درجات 
الاستعداد . وفى السادسة والنصف مساء أبلغت قيادة قاعدة 








بور سعيد مركز عمليات رأس التين بإشارة تليفونية كنوع من 
التسجيل الرسمى أنه قد تم إغراق مدمرة معادية فى اتجاه ٠"‏ 
درجة على مسافة هر١١‏ ميل بحرى . وخلال تلك الفترة التى 
أمضتها قاعدة بور سعيد فى غمرة من أفراح النصر قام قائد 
القوات البحرية بالاتصال بالقائد العام للقوات المسلحة 
تليفونيا » حيث أبلغه بالنبأ السار الذى لم يلبث القائد العام أن 
نقله فى الخال إلى الرئيس الراحل عبد الناصر الذى اعتيره أحمل 
مفاجأة تلقاها وأسعد نبأ وصله مئل أحزان يوم © يونيو الأليمة 
ومرارته العميقة . 


ويبمنا أن نسجل فى هذه الدراسة للمعركة أن أجهزة 
اللاسلكى فى سرب لئشات الصواريخ لم يحدث بها أى تعطيل 
سواء عن عمد أو عن غير عمد , طوال الفترة التى أمضاها سرب 
لنشات الصواريخ فى عرض البحر , منذ مغادرته للرصيف 
وإطلاقه الصاروخين على المدمرة لحين عودته مرة أخرى إلى 
رصيف الميئاء » وأن الأمر الذى حدث هو الاجراء العادى الذى 
تتبعه جميع الوحدات العسكرية سواء كانت بحرية أو برية ١‏ وفقا 
لأوامر العمليات الصادرة والتعلييات المستديمة وهى أن تلتزم 
الوحدة طوال التحرك إلى حين الاشتباك با يسمى صمت 
اللاسلكى . وهو اصطلاح يعنلى أن تكون جميع أجهزة 
اللاسلكى فى الوحدة على وضع الاستقبال جاهزة لتلقى أية 
إشارات من رئاستها . ولكن دون أن تقوم هى بإرسال أية 
إشارات لاسلكية ‏ إلا فى حالة انكشاف أمرها للعدو وزوال 
عامل المفاجأة ‏ ويعود السبب فى التزام الوحدات بالمحافظة عل 
صمت اللاسلكى قبل الاشتباك لمحاولة الحصول على المفاجأة , 
إذ أن فى مقدرة العدو فى حالة قيام الوحدة بإرسال إشارات 
لاسلكية أثناء التسحرك أن يحدد موقعها بدقة عن طريق أجهزة إيجاد 
الاتجاه التى فى حوزته وبالتالى يزول عامل المفاجأة . 





كانت أجهزة رادار القاعدة البحرية فى بور سعيد ‏ كها سبق أن 
ذكرنا ‏ قد أغلقت بأوامر من قيادة القاعدة فى الساعة الخامسة 
وحمس دقائق بناء على طلب قائد السرب النقيب أحمد شاكر عند 
خروجه بسرب اللنشات من الميناء لتأدية المهمة التى صدرت له 
الأوامر بتنفيذها » وكان الأمر المفترض أن تصدر قيادة قاعدة بور 
سعيد تعليياتها بإعادة تشغيل أجهزة الرادار بالقاعدة بمجرد 
وصول التبليغات إليها عن إصابة المدمرة المعادية بإصابات 
مباشرة وأنها فى طريقها للغرق » وكانت إعادة تشغيل أجهزة 
الرادار فى أعقاب نجاح المهمة أمرا واجبا لايمكن إغفاله » إذ هو 
الوسيلة الأكيدة من جهة للتحقق من إغراق المدمرة » عندما يتم 
احتفاؤها من شاشات أجهزة الرادار» كبا أن إعادة تشغيل أجهزة 
الرادار من جهة أخرى هى وسيلة وقائية ضرورية لحماية وحدات 
القاعدة البحرية ومنشاتها عن طريق اكتشاف أية أهداف معادية 
جديدة قد تحاول دخول المياه الاقليمية المصرية » إما لإنقاذ 
المدمرة المصابة وإما لتوجيه ضربة انتقامية ضد وحدات القاعدة 
البحرية أو منشآتها » ولكن الأمر الذى جرى كان على حلاف 
ذلك تماما , فإن قيادة القاعدة البحرية لم تصدر تعليماتها بإعادة 
تشغيل أجهزة الرادار إلا فى الساعة السادسة وحمسين دقيقة 
مساء » أى متأخرة عن الموعد المفترض بأكثر من ساعة كاملة 
لأسباب سوف نناقشها عند قيامنا بعملية تحليل المعركة » وهى 
أسباب لاتمت بصلة بالطبع لما ذكره بعض الكتاب من أن ذلك 
التأخير قد نتج بسبب حدوث عطل فى الأجهزة » إذ أنه من غير 
المعقول أن تتعطل جميع أجهزة رادار القاعدة البحرية ثم تعود 
للعمل فى توقيت واحد . 


والأمر الذى جرى بعد ذلك أن أجهزة رادار قاعدة بور سعيد 
بمجرد عودتها للعمل بناء على تعليهات قيادة القاعدة فى الساعة 
السادسة وخحمسين دقيقة اكتشفت فى الحال على شاشاتها هدفا كبيرا 





فى اتجاه 7م درجة والمسافة درا ١‏ ميل بحرى . واتضح من مراقبة 
الهدف أنه ثابت لايتحرك » وفى الخال أبلغت قيادة القاعدة مركز 
العمليات برأس التين عن السفيئة الاسرائيلية الجديدة الموجودة 
داخل المياه الافليمية المصرية » وفى السابعة وخمس دقائق أبلغت 
القاعدة مركز العمليات بأن الأوامر قد صدرت إلى لنش 
الصواريخ رقم بشيادة النقيب لطفى جاد الله با روج 
باللنش فى إتجاه 47 درجة والاشتباك مع الهدف الجديد وفى 
الساعة السابعة وثلاث وعشرين دقيقة مساء تم تحديد مكان 
المدف على شاشة رادار لنش الصواريخ . وفى الساعة السابعة 
ونسع وعشرين دقيقة تم اطلاق الصاروخ الأول على الهدف . 
وفى الساعة السابعة واثنين وثلاثين دقيقة تم إطلاق الصاروح 
الثانى على الهدف وفى الساعة السابعة وأربعين دقيقة أبلغت نقطة 
المراقبة البصرية أعلى فئار بور سعيد أن الصاروخ الأول انفجر 
فى الماء أسفل الهدف وأن الصاروخ الثانى أصاب الحهدف إصابة 
مباشرة حدث على أثرها انفجارات كبيرة واشتعلت به النيران 
وتحول البحر من حوله إلى جحيم من اللهب . وفى الساعة الثامئة 
مساء اختفى الحدف السطحى من على شاشة رادار القاعدة . ما 
أكد أن الهدف قد تم إغراقه وأنه اختفى تماما تحت سطح الماء . 


وفى الثامنة والربع مساء بدأت اسرائيل فى القيام بعملية إنقاذ 
ضحخمة » فأسقطت الطائرات المشتركة فى العملية مشاعل مضيئة 
أضاءت المنطقة التى غرقت فيها المدمرة » وقلفت بأعداد وفيرة 
من القوارب المطاطية إلى سطح الماء كى يستخدمها أفراد طاقم 
المدمرة الذين نجوا من الغرق » وأعللت اسرائيل أن وحداتها 


6ه 





البحرية لن تقوم بأية اشتباكات » إذ أن مهمتها هى الاشتراك فى 
عمليات الانقاذ » ودعت الوحدات البحرية المصرية إلى عدم 
الاشتباك فى هذه الظروف نظرا لأن عملية الإنقاذ هى عملية 
إنسانية وبالفعل لم تحاول أية وحدات مصرية التدخل فى عملية 
الانقاذ أو محاولة عرقلتها . وقد اتضح من تحليل الموقف بعد 
المعركة بواسطة طاقم العمل الموجود فى فيادة القوات البحرية أن 
الصورة كانت خاطئة لدى قيادة قاعدة بور سعيد » وأن المدمرة 
الفانية التى أبلغت القاعدة أنه قد تم اغراقها فى الثامنة مساء 
كانت هى نفسها المدمرة إيلات النى تم الابلاغ عن اغراقها فى 
السادسة مساء . وأن حقيقة ماجرى أن الضربة الأولى التى 
وجهها اللنش رقم 6 بقيادة النقيب أحمد شاكر بإطلاق 
صارونحيه على المدمرة فى الخامسة والنصف مساء لم تغرق المدمرة 
وإنما أصابتها بإصابات خطيرة جعلتها عاجزة عن طلب النجدة 
وإرسال الاستغاثة نظرا لتدمير أجهزة الاتصال مها على أثر انفجار 
الصاروخ الأول . وفى نفس الوقت ظلت المدمرة عاجزة عن 
الحركة نظرا لاصابة غرفة الماكينات على أثر انفجار الصاروخ 
الثانى » ولهذا السبب ظلت فى مكانها فى حالة عجز تام وشلل 
كامل . وعندما أعيد تشغيل أجهزة الرادار بالقاعدة البحرية بعد 
أن توقفت عن العمل بدون داع لمدة تربو على الساعة ظهرت 
المدمرة إيلات على شاشات الأجهزة وكأنها هدف جديد قد اقتحم 
المياه الاقليمية » مما أدى إلى خروج اللنش رقم 5٠0١‏ بقيادة 
النقيب لطفى جاد الله » الذى وجه إلى المدمرة الضربة الثانية 
بصاروحيه اللذين أطلقهها فى الساعة السابعة والنصف مساء أى 
بعد ساعتين من الضربة الأولى .» وكانت هذه هى الضربة 
القاضية التى أجهزت على المدمرة إيلات تماما وجعلتها #بوى إلى 
الأعياق وتختفى من على سطح البحر إلى الأيد . وفى العدد القادم 
بمشيقة الله نستكمل دراستنا التى سوف تتركز حول تحليلنا 
الموضوعى لمعركة بور سعيد من الناحية العسكرية . 





طحق رقم | * | 





الأفسر ال ستسسر اليجى لمعسركسة نور معبسك على 


المسقوى العالمى 


(أكتوبر فى 58 أكتوبر 1944) 


كانت معركة بور سعيد البحرية التى وقعت يوم ١؟‏ أكتوبر 
7 كما سبق أن ذكرنا ذات أهمية بالغة سواء من جهة تأثيرها على 
مجال الفكر الاستراتيجى البحرى على المستوى العالمى » أو من. 
جهة أثرها الكبير فى رفع الروح المعنوية للقوات المسلحة 
المصرية » بل الشعب المصرى والأمة العربية بأجمعها » بعد أن 
خيم على المنطقة العربية ظلام اليأس وظلام الهزيمة . وبهمنا أن 
نضيف إلى ذلك أن هذه المعركة كان لها دوى هائل » وصدى 
عميق فى نفوس رجال البحرية المصرية أنفسهم » إذ كانت 
بالنسبة لهم ملحمة ثأروا بها لزملائهم الشهداء . وردوا بها 
الاعتبار لكرامتهم ونخوتهم بعد ذلك اجرح العميق الذى أصابهم 
منذ أشهر قلائل . فلم يكن قد برح من أذهاءهم قط ذلك 
الانتصار الرخيص الذى أحرزته البحرية الاسرائيلية ليلة 
١‏ يوليو/" فى معركة غير متكافئة » جرت شمال غرب بور 
سعيد . لجأت فيها بعض القطع البحرية الاسرائيلية إلى سلاح 
الغدر» وإلى خرق المواثيق والشرائع الدولية » وفكنت فى ظل 
تلك التصرفات الشائنة من إغراق لنشين من لنشات الطوربيد 


1ه 


هعم 





المصرية . بعد معركة قاتل خلانها ضباط وجنود هذين اللنشين 
قوة العدو التى كانت تفوقهم عددا وتسليحا قتالا باسلا مجيدا , 
حتى سقط عيعا شهداء فى سناحة المجد والشرف. .. وكانك 
البحرية الاسراثيلية مثل باقى القوات المسلحة الاسرائيلية » بعد 
أن أثملها نصر يونيو/59 » قدأصابها الزهو والتكبر وانتابها الغرور 
والضلفت + فدانت عل إرسال دورياعا: التخرية مرخ الملامزات 
ولنشات الطوربيد لتتجوب المنطقة شهال ميناء بور سعيد المتاحمة 
لشاطىء سيناء المحتل » ولتتجول فى تبجح واستهتار على حدود 
الب الكقلضسية الصرية 


فى حوالى التاسعة والنصف مساء يوم ١١‏ يولي و7" اكتشفت 
أجهزة رادار قاعدة بور سعيد هدفا متحركا باتجاه 5" درجة على 
مسافة حوالى ١8‏ ميلا بحريا من نجمة بور سعيد . وبعد أن تم 
ليل الشرقف: ل مركن عطليات: القافدة الببحرية "فى يون سعيد 
أصدر قائد القاعدة العقيد بحرى أح سميح إبراهيم أمره برفع 
درجة الاستعداد لسرب لنشات الطوربيد الذى كان يتولى قيادته 
النقيب عونى أمير عازر» وتم فى نفس الوقت إبلاغ مركز 
العمليات البحرى بقيادة القوات البحرية برأس الثين بالموقف 
وبقرار قائد الفاعدة بدفع سرب من لنشات الطوربيد لاستطلاع 
الهدف . وفى الساعة العاشرة وخمس وثلاثين دقيقة عقد اجتماع 
فى مركز عمليات قاعدة بور سعيد » حضره الرائد محمود زيادة 
قائد مجموعة لنشات الطوربيد » والنقيب عونى عازر قائد سرب 
اللنشات . وتم لقائد القاعدة خلال هذا الاجتماع تلقين النقيب 
عونى عازر بالمهمة التى عهد با إلى سربه » وهى استطلاع 
المدف المشتبه فيه ومحاولة استدراجه إلى مرمى مدافع المدمرة 
السويس الراسية فى الميناء فى حالة دخوله المياه الاقليمية مع 
العمل على تفادى الاشتباك مع أية أهداف معادية إلا فى حالة 





الدفاع الشرعى عن النفس أى إذا تعرض السرب للاعتداء 
المباشر عليه . 


وى الساعة العاشرة وخمس وأربعين دقيقة غادر سرب لنشات 
الطوربيد رصيف الميناء » وكان اللنش رقم ( ١‏ ) بقيادة قائد 
السرب النقيب عونى عازر , واللئش رقم ؟ بقيادة النقيب ممدوح 
شمس » وعلى أثر وصول السرب إلى نجمة بور سعيد فى الساعة 
الحادية عشرة مساء » بدأ فى تنفيذ خط السير المحدد له بأن يكون 
الاتجاه /.١‏ درجة والمسافة ٠١‏ ميلا . وقد لازم سوء الطالع سرب 
اللنشات مند مغادرته النقطة الارشادية ( نجمة بور سعيد ) فقد 
طرأ خلل على جهازى الرادار باللنشين » بحيث أصبح قائد 
السرب عاجزا عن اتباع خط السير الصحيح المحدد له بواسطة 
قيادة القاعدة , كما اتضح عدم كفاءة اللنش رقم ؟" الذى كان 
يتولى قيادته النقيب ممدوح شمس بسبب ضعف ماكيناته » مما 
جعله عاجزا عن اللحاق باللنش رقم ( ١‏ ) طوال الرحلة . 


ونظرا لعدم تمكن سرب اللنشات من اكتشاف الحدف بسبب 
اختلال أجهزة الرادار التى كان يستخدمها . الأمر الذى جعله 
يتخبط فى سيره » لذا حاولت قيادة قاعدة بور سعيد تعديل مساره 
عدة مرات بإرسالها اشارات لاسلكية كانت تحدد له فيها زوايا 
جديدة للسير مستهدفة من ذلك تفادى اقترابه أكثر ما يلزم من 
الهدف المعادى حتى لايقع فى مرمى مدفعيته . ولكن اتضح فيا 
بعد أن ذلك لم يكن له أى جدوى . فإن قائد السرب أبلغ قائد 
القاعدة بعد ١١‏ دقيقة من انتصاف الليل أن هدفا معاديا قد أخل 
فى الاقتراب منه بسرعة فأصدر له قائد القاعدة بعد دقيقتين أمرا 
بتفادى الاشتباك . وفى الدقيقة ٠١‏ بعد منتصف الليل أبلغ قائد 
السرب قيادة القاعدة عن ظهور أهداف معادية » وأنه جار 
الاشتباك معها بعد أن تعرض لثيران مدافعها . وعندما مضت 


لفون 


شك 





1 دقيقة دون أن تصل من قائد السرب أية تبليغات عما يدور 
فى المنطقة أرسلت له قيادة القاعدة إشارة لاسلكية فى الدقيقة ؟م 
بعد منتصف الليل تطلب منه الافادة عن الموقف . ولكن قائد 
السرب لم يتمكن من الافادة عن حقيقة موقفه إلا فى الدقيقة *؛ 
بعد منتصف الليل » إذ أبلغ قيادة القاعدة عن اشتعال حريق فى 
اللنش رقم 7١‏ ) الذى يتبعه » وفى الدقيقة ٠ه‏ بعد منتصف 
الليل أبلغ قائد السرب قيادة القاعدة أن لنش القيادة رقم ( ١‏ ) 
قد أصيب بإصابة تمنعه من الاشتباك » وأن اللنش رقم (؟ ) 
لايزال متعطلا بسبب الحريق الذى شبا فيه » وطلب النئقيب 
عونى عازر من القاعدة معاونته فى تحديد موقعه بعد أن قرر إزاء 
الاصابات التى حقت باللنشين العودة إلى الميناء . وبعد دقيقة 
واحدة أبلغ النقيب عونى عازر أن خط سيره فى اتجاه 77١‏ درجة 
وأن عدة أهداف معادية لاتزال مشتبكة معه بنيرانها . وكان هذا 
البلاغ هو أخر ماتلقته قيادة قاعدة بور سعيد من قائد سرب 
لنشات الطوربيد . فقد انقطع الاتصال بيهما بعد ذلك نهائيا , 
وأدركت قيادة قاعدة بور سعيد بعد أن فشلت جميع محاولاتها فى 
الاتصال بالسرب أن القطع البحرية المعادية قد تمكنت من إغراق 
لنشى الطوربيد المصريين بعد معركة لم تستغرق أكثر من نصف 
ساعة . 


وفى أول ضوء يوم ١١‏ يوليو/51 بدأت عملية الانقاذ » حيث 
قامت قيادة القاعدة البحرية بإرسال قناصين مضادين للغواصات 
وأحد لنشات الطوربيد » وشاركت هيئة قناة السويس فى العملية 
بإرسال أربعة لنشات كبيرة » كذا أرسلت قيادة السواحل أحد 
لنشاتها علاوة على خروج لنشى صيد مدنيين . وبالاضافة إلى 
ذلك اشتركت القوات الجحوية فى عملية الانقاذ فأرسلت طائرتى 
استطلاع لمسح المنطقة مسحا شاملا » وأمرث بعمل مظلة جوية 
حاية عملية الانقاذ . وفى الساعة الثامنة صباحا يوم ١١‏ يوليو 





أبلغت طائرتا الاستطلاع عن مشاهدتم| بقعتين كبيرتين من 
الزيت شهال غرب بور سعيد » ورغم الحهود الكبيرة التى بذلتها 
لنشات الانقاذ لم تتمكن من العثور إلا على أربعة أفراد ظلوا على 
قيد الحياة من طاقم لنش القيادة » كما عثر أحد لنشات هيئة قناة 
السويس على جثة الشهيد النقيب عونى عازر قائد السرب » وعاد 
بها إلى الميناء » وبهذا بلغ عدد شهداء المعركة 5 ضباط و4؟ 
جلديا . 


ومن التحليل الذى تم اجراؤه عن المعركة فى كل من مركز 
عمليات قاعدة بور سعيد ومركز العمليات البحرى بقيادة القوات 
البحرية برأس التين اتضحت الحقائق التالية : 
١‏ كانت القطع البحرية الاسرائيلية موجودة فى المياه الدولية أى 
خارج المياه الاقليمية المصرية ( حدود المياه الاقليمية ؟١‏ ميلا 
بحريا ) وهذا ما دعا قيادة قاعدة بور سعيد وقائد سرب لنشات 
الطوربيد إلى عدم التفكير فى الاشتباك معها . فقد كان قرار 
مجلس الأمن رقم 7174 بوقف إطلاق النار بين مصر واسرائيل قائما 
ومفعوله ساريا منذ مساء 8 يونيو/1” » وم يكن فى سلطة أية قيادة 
عسكرية محلية أن تصدر أمرها بكسر هذا القرار» وإطلاق النار 
على أية أهداف معادية نخارج المياه الاقليمية إلا فى حالات الدفاع 
الشرعى عن النفس . وكان المتوقع من القطع البحرية 
الاسرائيلية أن تتبع نفس هذا الأسلوب الذى يتفق مع القوانين 
الدولية » ولكن الذى حدث أن اللنشين المصريين تعرضا لاطلاق 
النار عليهم|ا فجأة من القطع البحرية الاسرائيلية أثناء وجودهما فى 
المياه الدولية . . 
؟ - تسبب الخلل الذى طرأ على أجهزة رادار سرب لنشات 
الطوربيد فى تخبط السرب فى خط سيره » وباءت محاولات قيادة 
القاعدة فى توجيهه إلى الانجاه الصحيح بالفشل » فقد وجد 
السرب نفسه فجأة فى مواجهة القطع البحرية الاسرائيلية التى 


فل 


م 





اتضح أنها كانت تتكون من مدمرة وثلاثة لنشات طوربيد . . 

 "‏ كان الموقف فى صالح العدو عند بدء الاشتباك من جميع 
الوجوه » فقد كانت المدافع 4٠‏ مم التى تتسلح بها اللنشات 
الاسرائيلية أبعد مرمى وأشد تأثيرا من المدافع ؟ مم التى تتسلح 
مها اللنشات المصرية » وكان اللنش رقم 7١‏ ) بسبب ضعف 
ماكيناته بعيدا فى الخلف عن اللنش رقم ١١‏ ) مما حرمهم| من 
كاذل العتاوقة العراة وماك عل للك تنمت ار 
الاسرائيلية التى ثبت فيما بعد أنها إيلات فى معاونة لنشات 
الطوربيد الاسرائيلية بطريقة فعالة . فقد استخدمت أجهرة 
الرادارالخاصة ما فى توجيه اللنشات الاسرائيلية إلى أهدافها 
بدقة . كما أحذت فى إطلاق شعلات مضيئة أضاءت الملطقة 
خلف لنشى الطوربيد المصريين » مما أتاح الفرصة للنشات 
الاسرائيلية أن تكشف مرقعهما بوضوح » وأن تصب عليههما وابلا 
من نيران مدافعهاء فى الوقت الذى لم يتمكن فيه اللنشان 
المصريان من رؤية لنشات العدو التى كان يحجبها الظلام . . 

4 - اتضح من السجلات الرسمية أن قائد السرب لم يطلب من 
قيادة قاعدة بورسعيد إصدار الأمر له بالاشتباك مع الأهداف 
المعادية ,» كما أن قيادة القاعدة لم تصدر إليه مثل هذا الأمر بتاتا 
( أى أنه لم يصدر من قيادة القاعدة الأمر بالاشتباك ثم تم إلغاؤه 
كما ذكر بعض الكتاب ) والذى جرى أن النقيب عونى عازر قائد 
سرب اللنشات قام بالاشتباك مع القطع البحرية الاسرائيلية من 
تلقاء نفسه إعالا لحقه فى الدفاع الشرعى عن وبحدته بجرد 
تعرضه لنيران مدافع العدو , ورغم انفجار اللنش رقم (؟ ) فإن 
النقيب عونى عازر لم يحاول التخلص من الاشتباك مع العدو 
والعودة إلى قاعدته بل أصر رغم تفوق العدو الساحق عليه 
ورغم نيرانه الكثيفة على مواصلة التقدم باللنش رقم ١(‏ ) فى 
انهاه القطع البحرية الاسرائيلية » ول يتتخذ قراره بالعودة إلى الميناء 
إلا فى الدقيقة ٠ه‏ بعد منتصف الليل عندما أبلغ قيادة بور سعيد 





أن اللنش رقم « ١‏ » الذى يتولى قيادته قد أصيب بإصابة تمنعه 
من الاشتباك » ولكن القدر لم يمهله , فلم تلبث النيران أن 
اشتعلت فى اللنش » وواجه لنشا الطوربيد ( ١‏ ) و(؟ ) نفس 
المصير وهويا بعد قليل بطاقميهم) إلى الأعماق مسجلين أروع آياث 
البطولة والفداء . 

وى أعقاب المعركة تمت إحالة قائد القاعدة العقيد بحرى 
سميح إبراهيم إلى التقاعد بناء على تعليات القائد العام للقوات 
المسلحة بعد أن نسبت إليه بعض الأخطاء الفنية فقد اعتبر أن 
الواجب كان يحتم عليه إعادة سرب لنشات الطوربيد إلى قاعدته 
فى بور سعيد بمجرد اكتشافه الخلل الذى طرأ على أجهزة الرادار 
الخاصة به بدلا من تلك المحاولات التى بِذهنا لتصحيح مسار 
السرب عن طريق الاشارات اللاسلكية التى أرسلها والتى باءعت 
كلها بالفشل » كذلك سجل عليه ذلك التصرف الخاطىء الذى 
ارتكبه بتكراره لقائد السرب الأمر بتفادى الاشتباك مع العدو 
حيئم) أخطره النقيب عونى عازر فى الدقيقة ١6‏ بعد منتصف 
الليل أن هدفا معاديا قد أخذ يقترب منه بسرعة . إذ كان الواجب 
يفرض عليه أن يترك التصرف فى هذا الموقف لقائد السرب وفقا 
لتقديره الشخصى . خاصة أنه سبق أن أصدر له الأمر بتفادى 
الاشتباك أثناء عملية التلقين النى تمت فى حوالى العاشرة والنصف 
مساء فى مركز عمليات القاعدة قبل خروجه للمهمة الموكولة 
ال 

أثر معركة بور سعيد على الفكر البحرى الاستراتيجى 

أوضحنا فى مقالنا السابق التفاصيل الكاملة لمعركة بور سعيد 
التى وقعت مساء يوم ١؟‏ أكتوبر 1" والتى سجلت كواحدة من 
أبرز المعارك فى تاريخ البحرية المصرية الحافل بالمجد والشرف » 
وكان أشد ما أثار دهشة العالم أن سربا مصريا صغيرا من لنشات 
الصواريخ قد تمكن من أن يرسل إلى قاع البحر مدمرة إسرائيلية 
كبيرة كانت تعد وقتقل إحدى مفاخر البحرية الاسرائيلية » وم 


00 


ضف 





تكن لدى اسرائيل مدمرة أخرى من طرازها سوى المدمرة « يافو) 
أما المدمرة الثالثة التى كانت تمتلكها وهى المذمرة « حيفا ) . فقد 
كانت من طراز أصغر حجما وأقل حمولة . وهو الطراز م أقطبالط » 
( صناعة انجليزية ) . ولكى يمكننا إجراء التحليل الفنى لمعركة 
بور سعيد تحليلا سليها حتى يمكن تصور الفرق ال هائل فى 
الامكاناك والقدزات ما بين :طرق المطركة +' وهم المدمرة إيلذت 
الاسرائيلية ولنش الصواريخ المصرى . نذكر فيا يل مواصفات 
ارين 


مواصفات المدمرة إيلات ‏ ( طراز > إنجليزية الصنع ) 
الحمولة هلاه؟ طنا . الأبعاد بالأمتار الطول ١١١‏ العرض ١١‏ 
الغاطس ه ., السرعة "١‏ عقدة ( ميل بحرى فى الساعة ) , 
التسليح 4 مدافع عيار هر4 بوصة و” مدافع عيار 4١‏ مم وم 
أنابيب طوربيد » مدى الإبحار 78٠١‏ ميل بحرى ؛ عدد أفراد 
الطاقم ١/5‏ ضابطا وجنديا . 


« مواصفات لنش الصواريخ المصرى - ( طراز كومار سوفيتى 
الصنع ) الحمولة 66م طنا . الأبعاد بالأمتار الطول ١1‏ العرض >" 
الغاطس هر١‏ » السرعة 4٠‏ عقدة » التسليح صاروخان موجهان 
ومدفع واحد مزدوج عيار 8" مم » مدى الابحار 4٠٠‏ ميل 
بحرى .2 عدد أفراد الطاقم ‏ ضباط و5١‏ جنديا . 


© مواصفات الصاروخ الموجه ( طراز ستايكس السوفيتى 
الصنع ) المدى 5" ميلا بحريا » سرعة الطبران ور ماخ ( سرعة 
الصوت ) ارتفاع الطيران يتراوح بين ٠٠١‏ مثرو١٠"‏ متر, الوزن 
009 كجمء وزن العبوة المتفجرة اله كجمء هذا وترجع 
أهمية معركة بور سعيد من الناحية الحربية إلى أنها كانت الاختبار 


الميدانى الفعلى للجيل الأول من الصواريخ البحرية ؛ وى 





الصواريخ من طراز ستايكس السوفيتية الصنع . كما كانت 
الاخختبار الميدانى الأول للنشات الصواريخ » وهى تلك 
الوحدات البحرية الصغيرة الحجم ذات القدرات القعالية 
المائلة » لقد كانت هذه المعركة بمثابة إشارة الانطلاق لهذا المارد 
الصغير الذى أثر تأثيرا بالغا على الفكر الاستراتيجى البحرى على 
المستوى العالمى » وقد أمكن للنقيب أحمد شاكر والنقيب لطفى 
جاد الله استغلال ميزات الصاروخ ستايكس خلال معركة بور 
سعيد بكفاءة ومهارة » فقد حرصا على عدم اقتراب لنشى 
الطوربيد رقم 6 6٠‏ ورقم 50١‏ إلى مسافة تقل عن عشرة أميال 
بحرية من المدمرة إيلات , وتم إطلاق لما الصواريخ الأربعة من 
اللدشين على المدمرة من مسافة تتراوح بين ٠‏ و١١‏ ميل بحرى » 
دون أن تتمكن المدمرة من إطلاق النيران على لنشيه) لعدم 
دخولهم) فى المدى المؤثر لمدافعها , ونظرا لأن الصاروخ ستايكس 
مزود بأجهزة توجيه تجبعله يوجه نفسه ذاتيا صوب الهدف بمجرد 
اقترابه منه » لذلك لم تتمكن المدمرة ايلات من الافلات من 
الصواريخ التى أطلقت عليها » وقد ثبت ذلك من أقوال شلومو 
أريل قائد البحرية الاسرائيلية وقتئذ. فقد ذكر ف المؤتمر 
الصحفى الذى عقده يوم 7١7‏ أكتوبر مايى لقد حاولت المدمرة 
إيلات تغيير اتجاهها لتفادى الصاروخ الذى وجه إليها من لنش 
الصواريخ المصرى . ولكن الصاروخ غير اتجاهه فى نفس الوقت 


وبعد أن تكشف للعام فى أعقاب معركة بور سعيد عن مدى 
خطورة الوحدات البحرية الصغيرة المسلحة بالصواريخ الموجهة 
بدأت الأساطيل البحرية للدول الكبرى والتى كانت تحجوب 
البحار والمحيطات بحرية تامة تعمل حساب هذا الخطر الجدديد 
الذى أصبح يهدد جولاتها البحرية الواسعة النطاق بأفدح 
الأخمطار . إن الخطر الأساسى للنشات الصواريخ يكمن فى 


بسرت 


مانن 





رخص ثمنها بالنسبة للسفن الحربية الكبيرة مما جعلها فى متناول 
ميزانيات التسليح المتواضعة للدول النامية » إذ أصبح فى إمكان 
هذه الدول شراء تلك اللنشات الصغيرة ذات القوة التدميرية 
العالية التى تؤهلها لمواجهة السفن الحربية الكبيرة ذات التسليح 
المتفوق . بل وتشكل ا خطرا مؤكدا فإن هذه اللنشات تتميز 
بعدد من الميزات التى جعلت منها رغم صغر حجمها ورخص 
ثمنها منافسا خخطيرا يقف موقف الند للند للسفن الحربية الكبيرة 
وإذا كان ححجمها الصغير وحمولتها المحدودة يحدان من مقدرتها 
على حمل أنواع وكميات وفيرة من الأسلحة والذخائر» فإنها فى 
نفس الوقت يهيثان لها ميزة كبرى فى الحرب البحرية » وهى 
صعوبة اكتشافها سواء بأجهزة الرادار أو بالوسائل الأخرى : 


وفى مقالنا القادم بمشيئة الله سنوضح بصفة عامة الاجراءات 
التى أخذت تتبعها السفن الكبيرة فى الوقت الحاضر للوقاية من 
لنشات الصواريخ سواء كانت ايجابية أو سلبية وما استتبع ذلك 
من اجراءات مضادة كى تتغلب لنشات الصواريخ بدورها على 
هذه الاجراءات والاساليب نما أدى إلى حدوث تطور خطير فى 
حجم اللنشاتث ومدى عملها؛ وق عدد الصواريخ التى 
تحملها . وكذا فى مواصفات الصاروخ نفسه لكى يصبح سلاحا 
داهما لايمكن رد خطره » وعلاوة على ذلك فسوف نستكمل فى 
المقال القادم دراستنا الموضوعية لمعركة بور سعيد بمناقشة ونحليل 
النقاط الجوهرية ها . 





ملحق رقم | م | 


التحليل الفنى والاستراتيجى لمعركة بور سعيد 


السهر بية 


(أكتوبر فى 4 نوفمير 1984) 


كان تكريم الرئيس الراحل عبد الناصر لطاقمى لنشى 
الصواريخ اللذين أغرقا المدمرة ايلات بمثابة تكريم لرجال 
البحرية المصرية جميعا . فقد منح نجمة الشرف العسكرية وهى 
من أرفع أوسمة الدولة إلى قائدى اللنشين النقيب أحمد شاكر 
القارح والنقيب لطفى جاد الله ومنح وسام النجمة العسكرية 
لباقى ضباط اللنشين » كما منح وسام الجمهورية لضباط الصف 
والجنود » ويبمنا أن نوه أن ذلك النجاح الكبير الذى تحقق فى 
معسركة بور سعيد لم يكن نتيجة لعمل فردى أو بفضل مغامرة 
شخصية قام بها قائد السرب الثقيب أحمد شاكر على مسئوليته 
الخاصة كما حاول البعض تصوير ما يحدث ( إنها كان ثمرة عمل 
جماعى تضافرت فيه جهود جميع أجهزة القيادة وأفرع العمليات 
سواء فى القاعدة البحرية فى بورسعيد أوفى قيادة القوات البحرية 
برأس التين أو فى القيادة العامة للقوات المسلحة بالقاهرة . وأخيرا 
جاء حسم الموقف واجتناء ثهار النصر كما يجرى الال فى كل 
العمليات الحربية - على يد الوحدة التى أوكل إليها تنفيذ المهمة . 


ولاه 


4ه 





فى مجال تقييمنا الفنى لمعركة بور سعيد البحرية يستلفت نظرنا 
أن العقيد بحرى طلعت نصر قائد قاعدة بور سعيد بالنيابة على 
الرغم من تقديراته الصحيحة للموقف وتصرفاته السليمة طوال 
المعركة قد ارتكب خطأ جسيها قبل نهايتها كاد يضيع بسببه ثمار 
النصر الكبير الذى تحقق لمصر والذى ملا أسماع العالم وقتئذ . 
وتفصيل الأمر كا نورده نقلا عن واقع السجلات الرسمية 
للمعركة أن قائد القاعدة بالنيابة أصدر أوامره فى الساعة الخامسة 
وخمس دقائق مساء بإغلاق جميع أجهزة الرادار بالقاعدة استجابة 
لطلب النقيب أحمد شاكر قائد سرب اللنشات أثناء خروجه من 
الميناء لتنفيذ المهمة التى أوكلت إليه كى يتسنى له استخدام 
أجهزة رادار السرب دون أى تداخل أو تشويش » وعندما تمكن 
اللنش رقم ؛ 5٠‏ من إطلاق صاروخيه فى حوالى الساعة الخامسة 
والنصف على المدمرة الإسرائيلية ومن إصابتها إصابة مباشرة . 
اعتقد النقيب أحمد شاكر أن المدمرة قد تم تدميرها وأنها فى طريقها 
الى اعماق البحر ما دعاه الى إرسال إشارة لاسلكية إلى قيادة 
القاعدة لإبلاغها بنجاحه فى إغراق الحدف المعادى . وكان الأمر 
المفترض عقب وصول هذا البلاغ أن تصدر قيادة القاعدة أوامرها 
فى الخال بإعادة تشغيل جميع أجهزة الرادار بالقاعدة كوسيلة مؤكدة 
من جهة للتحقق من إغراق المدمرة عندما تختفى من على شاشات 
الرادار » وكواجب أساسى من جهة أخرى لوقاية القاعدة 
ووحداتها ومنشاتها من أية اهداف معادية قد تحاول اقتحام المياه 
الإقليمية المصرية » إما لإنقاذ المدمرة المصابة وطاقمها وإما لتوجيه 
ضربة انتقامية مباغتة ضد القاعدة البحرية بكل ما تضمه من 
وحدات ومنشات » ولكن العقيد طلعت نصر غفل عن القيام 
بهذا الواجب الأساسى ولم يصدر تعلياته بإعادة تشغيل أجهزة 
الرادار بالقاعدة إلا فى الساعة السادسة وحمسين دقيقة أى متأخرا 
عن الموعد المفترض بما يزيد على ساعة كاملة . 





وقد ترتب على ذلك الخطأ الذى ارتكبه قائد القاعدة ظهور 
المدمرة إيلات ثانية على شاشات أجهزة الرادار بعد إعادة تشغيلها 
كهدف جديد . إذ أن المدمرة الإسراثيلية فى واقع الأمرلم تكن قد 
أغرقت بعد وظلت طافية فوق سطح البحر بعد ضربها أول مرة 
لمدة ساعتين كاملتين ولعب حسن الحظ دوره فى إنقاذ موقف 
البحرية المصرية تجاه القيادة العامة وأمام الحكومة والشعب » 
وكذا فى إنقاذ سمعة مصر ومدى صدق بلاغاتها الرسمية أمام 
العالم بأجمعه . إذ ظلت المدمرة طوال تلك الفترة عاجزة عن 
الاستغاثة أو طلب النجدة بعد أن دمر الصاروخ الأول أجهزة 
الاتصال مبا . كما بقيت مستقرة فى مكانما دون حراك بعد أن دمر 
الصاروخ الثانى غرفة الماكينات » ومبعث الخطورة فى هذا الامر 
أن القيادة العامة للقوات المسلحة ( القيادة العليا كما كانت تنسمى 
وقتغذ) قد أصدرت فى الساعة السادسة والربع مساء يوم 
١‏ اكتوبر بناء على التبليغ الرسمى من قائد القوات البحرية إلى 
القائد العام للقوات المسلحة بلاغا رسميا ينضح من مضمونه أنه 
قد أذيع عقب الضربة الأولى التى وجهها اللنش رقم 4 ٠ه‏ بقيادة 
النقيب أحمد شاكر إلى المدمرة فى حوالى الخامسة والنصف مساء 
أى قبل أن تغرق المدمرة بالفعل » إذ كان نص البلاغ الرسمى 
للقيادة العليا للقوات المسلحة كا يلى ١‏ فى الساعة الخامسة من 
مساء اليوم اقتربت قطعة من قطع أسطول العدو من شواطئنا 
بشهال بور سعيد ودخلت مياهنا الإقليمية فى الساعة الخامسة 
والنصف فتصدت لا بعض وحداتنا البحرية واشتبكت معها 
وأغرقتها وعادت وحداتناجميعا إلى قواعدها سالمة ) . وقد اتضح 
فيها بعد أن إسرائيل قد بلغها نبأ إصابة المدمرة فى الساعة السادسة 
وخمس وعشرين دقيقة بعد أن نقل لها المراقبون الدوليون على الفور 
نص البلاغ العسكرى المصرى الذى تمت إذاعته . ويبدو ذلك 
التوقيت بوضوح فى الشكوى التى أرسلها جدعون رافاييل تمثل 
إسرائيل فى الأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن ضد الحكومة 


64١ 


:هه 





المصرية بسبب حادث إغراق المدمرة إيلات » ولو كانت رئاسة 
الأركان العامة الإسرائيلية بمجرد علمها بالنبأ قد ا تخت 
الاجراءات التى كان من المفترض اتباعها فى مثل هذا الموقف 
وهى المبادرة بإرسال تشكيل من طائرات السلاح الجوى القاذفة 
المقائلة مع بعض طائرات اطليكوبتر من أحد المطارات الحربية 
القريبة من بور سعيد سواء الموجودة فى -جنوب إسرائيل أوفى شمال 
سيناء » لكانت الطائرات الإسرائيلية قد ظهرت فوق المنطقة التى 
استقرت فيها المدمرة إيلاث وهى مشلولة وعاجزة عن الحركة فى 
الساعة السابعة والربع مساء على أكثر تقدير . خاصة إذا تذكرنا 
أن مطار العريش لا يبعد عن بور سعيد بأكثر من ١5١‏ كم يمكن 
للطائرات النفاثة قطعها فى دقائق معدودة . وكان ظهور الطائرات 
الإسرائيلية فى هذا التوقيت فى سمء المعركة كفيلا باستحالة تحرك 
ليش الصواريخ رقم ١‏ بقيادة النقيب لطفى جاد اله إلى انجاه 
المدمرة ليطلق عليها صاروخيه اللذين هويا بها إلى الأعياق كما 
حدث بالفعل . إذ لم يكن فى مقدرة هذا اللنش أو أية قطعة 
بحرية مصرية أخرى التحرك فى منطقة المعركة دون أية حماية 
جوية فى حالة وصول الطائرات الإسرائيلية المتطورة والمزودة 
بأحدث التسهيلات الملاحية والأجهزة الألكترونية ما كان يكفل 
لما تدمير أية قطعة بحرية مصرية تحاول الاقثراب من المدمرة 
المصابة . وم يكن فى مقدرة المقاتلات الاعتراضية المصرية 
ميج ١؟‏ التصدى للطائرات الإسرائيلية وقتئذ لعجز الطيارين 
المصريين عن القيام بأية اشتباكات جوية ليلية بسبب عدم 
تدريبهم حتى ذلك الوقت على أسلوب القتال اللي ولعدم تزويد 
الطائرات المصرية بتجهيزات هذا النوع من القتال . 

وكان هذا القصور هو السر الحقيقى لإلغاء الطلعة الجوية التى 
صدق القائد العام على القيادة بها فى التساعة الخامسة وعشر دقائق 
لتقديم الحماية من الحو لسرب لنشات الصواريخ خلال قيامه 
بمهمته . ثم لم تلبث الأوامر أن صدرت بالغائها بعد خروج 





السرب من بور سعيد بدقائق قليلة . 


إن التقصير الإسرائيل المستغرب الذى أدى إلى أن تظهر 
الطائرات الإسرائيلية فوق منطقة المعركة فى حوالى الساعة الثامنة 
والربع مساء متأخرة ساعة كاملة على الأقل عن الموعد الذى كان 
من المتوقع ظهورها فيه عقب أن علمت إسرائيل بالنبا فى الساعة 
السادسة ومس وعشرين دقيقة كما سبق أن ذكرنا . كان هو 
السبب الرئيسى فى إنقاذ موقف البحرية المصرية إزاء القيادة 
العامة والحكومة والشعب وفى إنقاذ سمعة مصر أمام العالم . إذ 
لو كانت الطائرات الإسرائيلية قد وصلت فى الموعد المفترض لا 
. أمكن للنش الصواريخ رقم ٠١‏ إطلاق صاروخيه اللذين أجهرا 
على المدمرة فى السابعة والنصف مساء » ولكان فى وسع المظلة 
الحوية الإسرائيلية حماية المدمرة المصابة لحين وصول سفن الإنقاذ 
ولنشات الطوربيد من ميناء أسدود الإسرائيل » ولكان من المتيسر 
أن تقوم إحدى السفن بقطر المدمرة الإسرائيلية إلى أقرب ميناء فى 
إسرائيل . 


وإذا كنا عاجزين حتى الآن عن إدراك السر الحقيقى وراء 
التأخير الإسرائيل الذى جرى بالنسبة لإرسال الطائرات إلى 
منطقة المعركة . فإننا نستطيع أن ندرك السر الحقيقى للتأخير 
الذى جرى فى إصدار قيادة قاعدة بور سعيد تعليماتها بإعادة 
تشغيل جميع أجهزة الرادار بالقاعدة وم يكن السر يعود إلى أية 
أسباب حربية أو أعطال فنية » إنما إلى عوامل نفسية وبشرية 
لاغير . فإن القاعدة البحرية لم تستطع الانفصال بمشاعرها عن 
مشاعر شعب بور سعيد الذى كان الاف من أفراده يتابعون 
المعركة من بعيد واستبدت بهم الفرحة وجرفتهم الحاسة عندما 
شاهدوا إصابة المدمرة واشتعال النيران فى أجزاء منبا فاستقبلوا 
سرب لنشات الصواريخ عند عودته استقبال الأبطال . وفى غمرة 


7ه 


6 





أفراح النصر التى سادت المدينة وقيادة القاعدة بالطبع انشغل 
المسكولون فى القيادة فى تقبل التهانى وفى الإسراع بنقل النبا السار 
إلى قيادة القوات البحرية برأس التبن وإلى قيادة المنطقة الشرقية 
بالإساعيلية وفى الرد على الاستفسارات عن حقيقة ما جرى 
والتى اهالت على قيادة القاعدة من عتلف القيادات والرئاسات 
فى كل مكان » وعندما تمالكت قيادة القاعدة نفسها وتنبهت إلى 
الواجبات الملقاة على عاتقها تذكرت فجأة أن جميع أجهزة الرادار 
فى القاعدة مغلقة فسارعت فى الساعة السادسة وحمسين دقيقة 
بإصدار الأمر بإعاد تشغيلها . 


من واقع السجلات الرسمية للمعركة اتضح أن قائد القوات 
البحرية أصدر تعلياته بمجرد أن تلقى نبا أغراق المدمرة إيالات 
تليفونيا بعد الضربة الأولى التى أصابتها بعودة لنش الصواريخ 
رقم 5 ٠ه‏ بقيادة النقيب أحمد شاكر إلى الاسكندرية رأسا على أن 
يستمر لنش الصواريخ رقم بقيادة النقيب لطفى جاد الله 
الذى كان لابزال محتفظا بصاروخيه فى قاعدة بور سعيد فى أعلى 
درجات الاستعداد » ولكن الأمر الذى جرى أن النقيب أحمد 
شاكر عاد باللنشين معا إلى رصيف الميناء فى بور سعيد فى حوالى 
السادسة مساء م يغادر بور سعيد باللاش الذى يتولى قيادته 
للتوجه إلى الاسكندرية إلا فى الساعة السابعة وحمس وحمسين 
دقيقة . ويرجع سبب التأخيرفى اعتقادى إلى عاملين أولم| حرص 
قائد السرب على أن يطمئن على نجاح اللنش رقم 550١‏ الذى 
يتبعه فى القيادة فى المهمة التى أوكلت إليه فى حوالى السابعة مساء 
وهى إغراق الهدف الحديد الذى ظهر على شاشات أجهزة الرادار 
والذى لم يكن أحد يعلم فى هذا الوقت أنه هو بنفسه المدمرة 
إيلات . وقد تم اللنش رقم 5٠01١‏ إطلاق صاروخيه فى حوالى 
الساعة السابعة والنصف مساء وبدأت المدمرة فى الغرق فعلا . 
أما العامل الثانى فهو انتظار النقيب أحمد شاكر لتلك الفترة التى 





يتكائف بعدها الظلام مما يقلل من احتهالات الأخخطار البحرية 
والحوية التى يتعرض لما لنش الصواريخ رقم 5٠4‏ الذى يقوده 
أثناء رحلته إلى الإسكندرية وى الساعة الثامنة والربع مساء أى 
بعد خروجه بعشرين دقيقة فقط طلب النقيب أحمد شاكر العودة 
أنية إلى بور سعيد نظرا لظهور الطائرات الإسرائيلية فوق منطقة 
المعركة وبدء إلقائها الشعلات التتى أفانت المنطقة بأكملها مما 
عرض تحركه للانكشاف وبالفعل عاد اللنش رقم 4 0ه مرة أخرى 
إلى بور سعيد ودخل الرصيف فى الثامنة والنصف مساء . وبعد 
أن هدأت عملية الإنقاذ وبدأت الامور تعود إلى وضعها الطبيعى 
فى منطقة المعركة شمال بور سعيد انطلق اللنش رقم 504 فى 
الحادية عشرة مساء من ميناء بور سعيد متجها مباشرة إلى 
الإسكندرية فوصلها فى صباح اليوم التالى حيث استقبل النقيب 
أحمد شاكر وطاقم اللنش من ضباط وجنود أروع استقبال . أما 
اللنش رقم ٠0١‏ الذى كان يقوده النقيب ( العميد حاليا ) لطفى 
جاد الله . فقد صدرت له الأوامر بمجرد أن أتم مهمته وأفرخ 
صاروخيه أن يعود من المعركة إلى الإسكندرية مباشرة دون 
الرجوع إلى بور سعيد . 


ولقد روى العميد لطفى جاد الله قصة مثيرة عن عودته من منطقة 
المعركة إلى الإسكندرية لعب الخيال فيها دورا بارزا . وقد سجلها 
له الدكتور عبد العظيم رمضان على شريط تسجيل وتم نشرها فى 
العدد “941 من مجلة اكتوبر يوم الأحد " مايو 4 ومضمون هذه 
القصة أن النقيب لطفى جاد الله تعرض لمطاردة عنيفة من أربعة 
لنشات مسلحة إسرائيلية ( يفهم من روايته أنبا لنشات طوربيد 
لأنها مسلحة بمدافع من عبار 4٠‏ مم ) . وقد قامت ثلاثة منها 
بمحاصرته من الأمام مما دعاه إلى محاولة الرجوع إلى قاعدة بور 
سعيد للاحتماء بها » ولكنه وجد اللنش الرابع يسد عليه الطريق 
فقفل راجعا وغير خط سيره وقلل سرعته وحرص على الابتعاد عن 


عه 


2.5 





مرمى مدفعية العدو عن طريق التحضين فى الساحل » وق 
الوقت الذى كانت فيه الطائرات الإسرائيلية تحوم فى الحو وتطلق 
المشاعل المضيئة كى تعثر عليه ولكنها فشلت فى اكتشاف مكانه 
نظرا لتغيس خط سيره » ولا اكتشفت القطع البحرية مكانه وم 
تستطع ضربه نظرا لبعده عن مرمى مدفعيتها انتظرته عند لسان 
دمياط على خط سيره إلى الإسكندرية ليمكنها ضربه . ولكنه إزاء 
ذلك قلل من سرعته وابتعد عن خط السير إلى الإإسكندرية ودخل 
الى منطقة بجوار دمياط مختفيا بذلك عن أجهزة رادار العدو . 
وعندما أصاب طائرات العدو ولنشاته اليأس من الاهتداء إلى 
مكانه اضطرت إلى العودة إلى المدمرة إيلات لكى تشارك فى عملية 
الانقاذ , 


ولا يمكن من الناحية الماطقية أن نصدق بسهولة هذه القصة 
التى لم يلبث العميد لطفى جاد الله أن نقضها هو بنفسه بعد ستة 
أسطر فقط فى مقال مجلة أكتوبر الذى أشرنا إليه . فقد ذك رما يل 
بالحرف « فى تلك الاثناء كانت عملية إنقاذ بحارة إيلات تجرى 
فأعللت إسرائيل أنها لن تقوم بأية اشتباكات لأن وحداتها تشترك 
فى عمليات الإنقاذ ودعت القوات المصرية إلى عدم الاشتباك فى 
هذه الظروف نظرا لأمبا عملية إنسانية . بل دعت إلى أن تشترك 
وحدات مصرية فى عمليات الإنقاذ» . 


وهكذا يبدو التناقض على أشده بين الروايتين وإن كان المنطق 
ومجحرى الأحداث الحفيقية التى وقعت يحتم علينا استبعاد القصة 
الأولى وتصديق القصة الثانية التى يؤيدها العقل والتى تستند إلى 
الوقائع التاريخية التى تم تسجيلها على الرغم من أنها تتضمن 
معلومة واحدة غير صحيحة . وهى أن إسرائيل دعت الوحدات 
المصرية للاشتراك فى عمليات الانقاذ . إذ أن ذلك الأمر علاوة 





الإسرائيلية التى أذيعت عقب المعركة أو خلال الاتصالات 
الرسمية التى تمت بين رئاسة الأركان العامة الإسرائيلية فى تل 
أبيب والجئرال أودبول كبير مراقبى الأمم المتحدة بالقدس أو فى 
البرقية التى أرسلها الجنرال أودبول إلى السفير صلاح جوهر وكيل 
وزارة الخارجية المصرية بالقاهرة . والواقع الذى حدث وفقا 
للتسجيلات والبلاغات الرسمية أن أول مظهر لعملية الإنقاذ 
الإسرائيلية قد بدأ فى الساعة الثامنة والربع مساء بظهور أربع 
طاشرات إسرائيلية فوق مكان المدمرة الغارقة أخذت تلقى 
بمشاعل مضيئة لإضاءة المنطقة وببعض القوارب المطاطية لإنقاذ 
طاقم الباخحرة . ولم تستطع اللنشات الإسرائيلية الوصول إلى 
المنطقة إلا بعد فترة من ظهور الطائرات نظرا لبطء سرعتها بالنسبة 
للطائرات النفاثة » وفى الوقت الذى بدأت فيه عملية الإنقاذ 
اتصلت رئاسة الآركان العامة فى تل أبيب بكبير مراقبى الأمم 
المتحدة فى القدس », وأبلغته بالموقف وطلبت منه التدخل لدى 
الحكومة المصرية لتسهيل عملية إنقاذ الضباط والجنود البحريين 
الذين كانوا على المدمرة . 


وفى حوالى التاسعة والربع مساء أعلن متحدث عسكرى 
إسرائيل فى تل أبيب على مراسلى الصحف ووكالات الأنباء 
الأجنبية أول نبأ عن اغراق المدمرة وعن عملية الإنقاذ التى كانت 
لاتزال تجرى شهال بور سعيد » وذكر المتحدث العسكرى أن 
السلطات الإسرائيلية أبلغت مراقبى الأمم المتحدة أن الطائرات 
والوحدات البحرية الاسرائيلية الموجودة فى المنطقة لما هدف واحد 
وهو محاولة مساعدة المدمرة المحطمة وأضاف المتحدث الاسرائيل 
أنه تجرى الآن عملية إنقاذ ضخمة عن طريق الحو والبحر لنقل 
الجرحى الذين يرسلون على الفور إلى المستشفيات العسكرية فى 
أسدود وبثر السبع : 


اه 


20 





وقال المتحدث العسكرى إنه من المعتقد أن المدمرة ضربت 
بالصواريخ من طراد مصرى يرسو فى ميناء بور سعيد . وى 
الساعة الحادية عشرة مساء يوم 5١‏ اكتوبر تلقى السفير صلاح 
جوهر برقية عاجلة من كبير مراقبى ادنة بالقدس طلب فيها 
تدخله لتسهيل عملية الإنقاذ الإسرائيلية التى تنحصر مهمتها فى 
انتشال الغرقى والمصابين من ضباط وجنود المدمرة » وعلى الرغم 
من تقديرنا الكبير للدور العظيم الذى قام به النقيب لطفى جاد 
الله فى إغراق المدمرة إيلات والذى يدل على شجاعة فائقة » فانه 
يصعب علينا تصديق قصة عودته من بور سعيد إلى الاسكندرية 
بالطريقة التتى رواها لأنها تتناقض مع كل الوقائع التاريخية 
المسجلة . كما لايتفق مع العقل والمنطق اذ كيف يمكن لنا أن 
نتصور قيام أربعة من لنشات الطوربيد الإسرائيلية ومجموعة من 
الطائرات النفاثة المزودة بالشعلات المضيئة بالتخى عن واجبها 
الإنسانى خلال اشتراكها فى عملية إنقاذ ضخمة لطاقم مدمرة 
غارقة وأن تترك الضحايا من الجرحى والمصابين فريسة لأمواج 
البحر العاتية. كى تتفرغ لعملية مطاردة بلا هوادة للنش صواريخ 
صغسير لا تزيد حمولته على 8١‏ طنا وكل طاقمه عبارة عن 
4 ضابطا وجنديا . ثم تمعن فى محاصرته وتتبعه فى إصرار وكأنها 
تطارد بارجة حربية أو مدمرة كبرى . ويحدث ذلك فى الوقت الذى 
كانت فيه السلطات الإسرائيلية تناشد كبير مراقبى الأمم المتحدة 
ومراقبيه الدوليين الاتصال بالسلطات المصرية لابلاغها أن 
الطائرات والقطع البحرية الموجودة ليس لما سوى هدف واحد هو 
انتتشال الغرقى والجرحى وتسوق الرجاء إلى السلطات المصرية 
حتى لانشتبك البحرية المصرية مع وحدات الإنقاذ الإسرائيلية . 
من المحتمل أن يكون النقيب لطفى جاد الله قد شاهد عملية 
ابقاذ وإلقاء الطائرات الإسرائيلية المشاعل لإضاءة المنطقة . 
فاعتقد أن الهدف منها كان مطاردته خاصة أن الظلام وقتئذ كان 





حالكا والأهداف غير مرئية سوى على شاشة الرادار . كما أنه من 
المحتمل أن النقيب لطفى كان يستهدف من قصته إيجاد تبرير 
معقول أمام رئاسته لتعليل سر تحضينه الشديد فى الساحل إلى 
الحد الذى جعل اللنش الذى يقوده يدخل فى مياه ضحلة قرب 
دمياط مماترتب عليه إصابة الرفصات وهو الأمر الذى اضطره إلى 
البقاء فى دمياط ثلاثة أيام لحين وصول لنش الإنقاذ الذى قطره إلى 
الاسكندرية . 


ملذ معركة بور سعيد البحرية أنخذ الفكر البحرى العالمى 
يعمل فى اتجاهين متضادين أولهما هو كيفية التصدى لمواجهة هذا 
التدميرية الحائلة . أما الاتجاه الثانى والذى هو عكس الاول فهو 
كيفية تطوير ورفع كفاءة لشات الصواريخ التى تحمل الصواريخ 
الموجهة كى تتغلب على وسائل المقاومة وأساليب الخداع التى 
بدأت تتخذها السفن الكبيرة للوقاية من خطر هذه اللنشات 
والصواريخ التى تحملها . وبالنسبة للاتجاه الأول وهو كيفية 
مواجهة خطر لنشات الصواريخ أصبحت هناك مجموعتان من 
الاجراءات : 


© المجموعة الاولى : وتتركز فى محاولة منع لنشات الصواريخ 
من الاقتراب إلى مسافة إطلاق صواريخها وذلك بتدمير هذه 
اللنشات فى مراحل اقتراءها المختلفة بدءا بمكان تواجدها الأصلى 
فى قواعدها باستتخدام الطائرات وعناصر الضفادع البشرية 
والصاعقة البحرية التى تضع المفجرات الموقوتة على الجزء المغمور 
من جسم لنش الصواريخ . فإذا نجحت بعض هذه اللنشات 
وتمكنت من مغادرة قواعدها فيجب محاولة تدميرها بالبحر قبل 
دخوفا حدود المنطقة المحرمة حول السفن والتى تمثل نطاق الخنطر 


214 





صواريخ . 


© المجموعة الثانية : وتتركز فى محاولة منع الصاروخ الموجه 
بعد إطلاقه من الوصول إلى السفينة ويستخدم فى ذلك نوعان من 
الاساليب : 


١‏ أساليب إيجابية وهى عبارة عن استخدام الاسلحة 
المختلفة لتدمير وإسقاط الصاروخ على مسافة أمان كافية من 
السفيدة » ولتحقيق ذلك تم تطوير نوعيات محتلفة من المدافع 
الصغيرة العيار المتعددة المواسير التى فى مقدرتها نحقيق سرعة 
الاشتباك مع إطلاق أكبر كمية يمكن تصورها من النيران وقد 
حققت بعض هله المدافع معدلات قياسية إذ أصبح معدها 
٠٠‏ طلقة فى الدقيقة الواحدة . 


؟ - أساليب سلبية ‏ وهى عبارة عن الإجراءات التى تتخذ 
لخداع الصواريخ الموجهة وتعمية أجهزة التوجيه الذاتى بها لمنعها 
قذائف خاصة تنفجر فى الجو لينطلق منها عدد من الرقائق المعدنية 
والبواعث ا حرارية لتمئل مصيدة تجذب الصواريخ إليها فتسقط 
فى البحر بعيدا عن السفن أو قد تستتخدم طريقة أخرى وهى 
أجهزة إعاقة إلكترونية تعمل على إرسال موجات كهر ومغناطيسية 
بإشارات معينة لخداع رادار التوجيه الذائى بالصاروخ وتعميته 


وبالنسبة للاتجاه الثانى وهو المتعلق بتطوير ورفع كفاءة لنشات 
الصواريخ والصواريخ الموجهة التى تحملها ومحاولة التغلب على 
الأساليب الايجابية والسلبية لمقاومتها نجد أن الأجيال الحديثة من 





الصواريخ الموجهة حققت ميزات كبيرة على اليل الأول الذى 
كان يتمثل فى الصاروخ « ستايكس » الذى استخدمته البحرية 
المصرية فى معركة بور سعيد والذى أغرقت به المدمرة إيلات . 
وأهم هذه الميزات أن الصواريخ الحديثة تطير الآن على ارتفاع 
منخفض للغاية لا يتعدى حمسة أمتار فوق سطح البحر بعد أن 
كان ارتفاع الطيران يتراوح بين "٠١ . ٠٠١‏ متر بالنسبة للجيل 
الأول . وقد أعطى هذا للصاروخ ميزة تكنيكية كبيرة وهى إمكان 
تغلبه على وسائل مقاومته سواء الايجابية أو السلبية » وعلاوة على 
ذلك زادت كفاءة أجهزة التوجيه والمقدرة على مقاومة أساليب 
الاعاقة اللخداعية والالكترونية . كبا زاد المدى الذى تقطعه 
الصواريخ زيادة تعدت معه مسافة الاطلاق إلى ما وراء الافق 
الرادارى بكثير بحيث وصل إلى مسافة حوالى ٠٠١‏ ميل بحرى 
معتمدة فى الوصول إلى هدفها على وسائل متابعة التوجيه عبر 
الأفق مثل استتخدام طائرات الهليكوبتر أو الوحدات البحرية 
التى خصص لهذا الغرض . 


ولقد ساعد التقدم التكنولوجى ا حالى على تقليل حجم ووزن 
الصاروخ نفسه رغم زيادة قدرته مما أتاح الفرصة لزيادة الأعداد 
المحمولة من الصواريخ فى لنشات الصواريخ فضلا عن إمكان 
حمل وإطلاق الصواريخ من منصات مختلفة خلاف لنشات 
الصواريخ التقليدية . إذ أصبح فى الامكان فى الوقت الحاضر 
حمل وإطلاق هذه الصواريخ الموجهة من الطائرات والغواصات 
وسرايا الصواريخ الساحلية المتحركة التى هى عبارة عن عربات 
تحمل قواذف للصواريخ والتى أصبح لها دور رئيسى فى الدفاع 
عن السواحل إلى جانب المدفعيات الساحلية . 


وهذا التطور الأخير بتعدد منصات الاطلاق تطلب بالتالى 
أساليب من الاجراءات المضادة أشد تأثيرا لتدمير هذه المنصات 


اهمه 





الحاملة للصواريخ قبل دخوها المنطقة المحرمة حول السفن . 

ونتيجة لهذا التطور أصبح الاتجاه مركزا فى الوقت الحاضر على 

تصنيع لنشات الصواريخ المتوسطة والكبيرة التجم التى أخذت 

حمولتها تتدرج من 66 طنا مثل اللنشات التى استخدمت فى 

إغراق المدمرة إيلات إلى ٠٠١‏ طن حتى وصلت الآن إلى 
٠06‏ طن . 


؟*مهه 





ملحق رقم | ؟ | 





إفسراق إبسلات بين الوشائق الرسمية والوثائق 


الشعبية 
بقلم ا" عبد العظيم رمضان 


(أكتوبر فى ١١‏ توفمير 1984) 


اللواء جمال حماد صديق عزيز أجله وأحترمه » وهو يعد من 
أحسن الباحثين فى التاريخ , وقد كتب كتابا عن قيام ثورة 7 
يوليو تحت عنوان : « 7١‏ يوليو أطول يوم فى تاريخ مضر » يعد 
أفضل ماكتب عن قيام هذه الثورة » وهو يتمتع بأمانة واجتهاد 
صادق ورغبة جادة فى الوصول إلى الحقيقة التاريخية » كما يتمتع 
بنفس طويل يتمثل فى الدراسة المطولة عن حرب أكتوبر التى 
ينشرها على صفحاث مجلة ( أكتوبر) . وقد كتب فى عدد ١؟‏ 
أكتوبر الماضى من « أكتوبر» مقالا عن إغراق المدمرة إيلات 
بعئوان : ( معركة بور سعيد » نقطة تحول فى الفكر الاستراتيجى 
البحرى » قدم فيه حادثة إغراق المدمرة من خلال وثائق وسجلات 
وأوامر العمليات الخاصة بهذه المعركة » بمكتب الفريق على جاد 
قائد القوات البحرية المصرية » بمقر قيادته برأس التين 
بالاسكندرية . 


وهى رؤية مفيدة من هذه الزاوية لولا أنه يعتقد أنها رؤية 
تتشاقض مع رؤيتنا لهذه الحادثة ! 3 وأنه يصحح فيها حقائق 


ووه 


خجّهمه 





وردت مغلوطة فى دراستنا ! . ولذلك فقد قدم لدراسته بمقدمة 
ذهب فيها مذهبا يستحق التعليق » وهو أن « تسجيل المعارك 
الحربية وتحليلها تحليلا فنيا سليها » يختلف عن تسجيل وتحليل 
الأحداث التاريخية » إذ لابد فى الحالة الأولى أن يتهياأ للمؤرخ 
عاملان حيويان : أوله) : توافر مراجع موثوق بصحتها » أو 
وثائق رسمية معتمدة يمكن له عن طريقها أن يتصور الحو العام 
الذى دارت فيه المعركة » والظروف التى أحاطت بها . والعامل 
الثانى أن يكون لدى المؤرخ قدر كاف من الثقافة العسكرية يؤهله 
للقيام بالتحليل الفنى العسكرى عن علم وموضوعية » خاصة 
إذا ماحاول التعمق فى بحثه وتحليله » وتطرق إلى النواحى 
الاستراتيجية والتعبوية وإلى الخطط والأساليب التكتيكية » . 


ولعل اللواء جمال حماد قد وقع بذلك فى الخطأ الشائع الذى 
يتصور وجود مؤرخ عسكرى ومؤرخ مدنى ! . وهو تصور غير 
صحيح . لأنه لايوجد إلا مؤرخ فقط ! . ولايوجد إلا منيج 
بحث تاريخى واحد ! . « وتسجيل المعارك الحربية وتحليلها تحليلا 
فنيا سلي) ) - كما يقول ‏ يدخل فى باب العلم العسكرى ولا 
يدخل فى باب علم التاريخ . 


وماكتبته فى دراستى عن حادثة إغراق المدمرة إيلات لايمت 
بصلة لتسجيل المعارك الحربية وتحليلها تحليلا فنيا » لأنى لم 
أتحدث عن المعركة ذاتها إلا بعبارات ورجيزة » ولم أحللها فى ضوء 
العلم العسكرى من حيث مدى تطابقها مع قواعد هذا العلم أو 
اختلافها . وماجرى فيها من خطأ أو صواب مما يمكن الاستفادة 
منه أو تحاشيه فى المستقبل بالنسبة لدارس العلوم العسكرية 
البحرية ‏ وإنما كانت دراستى تنصب على الظروف التاريخية 
والسياسية والعسكرية التى جرى فى ظلها الحادث . والمناخ 
النفسى لضباط البحرية وجنودها فى الفترة السابقة على الحادئة ع 





وميزان القوى العسكرى البحرى بين مصر واسرائيل » والسياسة 
التى كانت تتبعها القيادة السياسية المصرية فى التعامل مع العدو 
الاسرائيل فى تلك الأيام التى أعقبت هزيمة يونية 19517 وتدمير 
الجيش المصرى فى سيناء » والحقائق التاريخية التى أسفرت عنها 
الدراسة للمعركة البحرية ‏ وكل ذلك مما يدخل فى باب علم 
التاريخ ولايدخل فى العلوم العسكرية ! . 


ومن هنا فإن ماذكره اللواء جمال حماد عا يجب توفره فى المؤرخ 
من قدر كاف من الثقافة العسكرية يؤهله للقيام بالتحليل الفنى 
العسكرى », نخاصة إذا ماحاول التعمق فى بحثه وتحليله وتطرق 
إل التونس »لاني ننه والتعبيية وإى اللققلط والأباليت 
التكتيكية » يخرج عن نطاق علم التاريخ ‏ فلست أظن أن مهمة 
المؤرخ تمتد إلى التحليل الفنى العسكرى ., الذى لايدخل فى 
طبيعة عمله » وإنما يدخل فى طبيعة عمل العسكريين . 


فمهمة المؤرخ استرداد الحدث التاريخى » وليس تحليل المعارك 
تحليلا فنيا عسكريا ! . فإذا تطلب الأمر منه ذلك » فلست أظن 
أن أى قدر يحصل عليه من الثقافة العسكرية يتيح له القيام مبذه 
المهمة ! » وإنما عليه الرجوع إلى كبار المحللين العسكريين 
الثقات لأداء هذه المهمة . إذا أراد أن يحترم نفسه ! . 


وهذا القول ينطبق أيضا على صديقى اللواء جمال حماد ! » 
فاعتراده على معلوماته العسكرية وحدها لايكفى لتقييم المعارك 
الحربية تقيبها كاملا شاملا » وإلم| يعبر هذا التقييم عن رؤيته 
وحده فقط , وعليه الرجوع بدوره إلى كبار المحللين العسكريين 
اللتخصصين لتقديم صورة شاملة ! . 


وهذا مافعلته القوات المسلحة حين أرادت تقييم حرب 


6م66 





أكتوبر » فقد عقدت الندوة الدولية لحرب أكتوبر » التى انعقدت 
فى جامعة القاهرة من /ا؟ إلى "١‏ أكتوبر 191/8 » ودعت إليها 
عددا عظيها من المحللين العسكريين من جميع أطراف العالم » 
حيث قدم كل منهم تحليله الجانب من جوانب هذه الحرب . ومع 
ذلك فان مثل هذه التحليلات لم تمر دون تعليق » إذ تعرضت 
لمناقشات واسعة . وإلى تفنيد ومناقضة أثناء الندوة وبعدها . 


هذا فيا يختص بالجوانب الفئية العسكرية » والتناول العلمى 
الصحيح لما من خلال تحليلات العسكريين المتخصصين » 
والحضاع هذه التحليلات للنقد والتحقيق والتمحيص فى ضوء 
منبج البحث التاريخى . وهذا ما يقوم به المؤرخ ؛ وهومايهب أن 
يقوم به أى باحث فى التاريخ » سواء كان يملك ثقافة عسكرية 
أو لايملك ! » لأن الاعتماد على ثقافة الباحث العسكرية وحدها 
يؤدى إلى تقديم رؤيته وحده ‏ كاذكرنا ‏ » ومع أهميتها إلا أنها 
تعد رؤية مبتسرة لأنها متأثرة بانساع هذه الثقافة أو ضيقها » كما 
أنها متأثرة بمدى ضلاعته فى العلوم العسكرية أوضعفه فيها ! . 


وعلى سبيل المثال » فإن تحليلا يقدمه روميل لمعركة حربية فى 
الصحراء » يختلف بالضرورة عن تحليل عسكرى يقدمه المشير 
عبد الحكيم عامر لمثل هذه المعركة ! وكلاهما خاص عن معركة 
صحراء . ولكن المؤرخ يعقد المقارنة بين التحليلين العسكريين » 
ويخرج منهما بالنتائج التى تخدم الحقيقة التاريخية . 


هذا فييا يتصل بالنقطة الأولى » أما فيا يختص بالنقطة الثانية 
التى أثارها اللواء جمال حماد » وهى ضرورة أن يتوافر للمؤرخ 
« مراجع موثوق بصحتها » أو وثائق رسمية معتمدة يمكن له عن 
طريقها أن يتصور الحو العام الذى دارت فيه المعركة والظروف 
التى أحاطت بها فهى ألف باء منبج البحث التاريخى ! . ولكن 





الصديق جمال حماد اعتمد على الوثائق التى قدمها الفريق على جاد 
له » التى تقدم المعركة التاريخية من وورجهة نظر القيادة 
العسكرية ‏ أو من نافذتها ىا نقول فى تعبيرنا التاريخى  !‏ واعتبر 
هذه الوثائق هى « الوثائق الرسمية المعتمدة  »‏ وأغفل ماما 
المعركة من وجهة نظر الأبطال من الضباط الصغار وجنود البحرية 
الذين خاضوها ببسالة وجسارة » معرضين أنفسهم لخطر اموت فى 
سبيل الوطن ! . 

وبالتالى فقد اعتقل أن ماقدمه من الاشارات والبرقيات 
اللاسلكية والمكالمات التليفونية فى مقر القيادة يصور معركة إيلات 
كما حدثت ! , مع أنها لاتمثل إلا قطرة فى بحر من الوثائق التى 
رجعنا إليها » والنى بدونها كان من المستحيل تصوير المعركة كى| 
صورها ! . بدليل أن هذه الاشارات كانت موجودة قبل الدراسة 
التى نشرناها » ومع ذلك فلم تستطع أن تكون صورة صحيحة 
عن الحادث فى ذهن قيادة البحرية ذاتهاء أو حتى فى ذهن 
الأبطال الذين خاضوا المعركة بأنفسهم ! . 


ولانجد فى التدليل على صحة ماذهينا اليه أكثر من استعادة 
مارواه قادة البحرية وقيادة الجيش عن حادثة إغراق المدمرة 
إيلات » قبل أن ننشر دراستنا » والتى توضح كيف كانت 
الصورة غائمة فى أذهاهم , لأنها اعتمدت فقط على تلك 
الاشارات والبرقيات اللاسلكية والمكالمات التليفونية وحدها . 


فقد أوردنا فى ردنا على السيد عبده مباشر كيف أدلى اللواء 
( الفريق فيها بعد ) على جاد بحديث لجحريدة الأخبار يوم 7١‏ 
أكتوبر 19/1 » روى فيه أنه بعد أن أطلق النقيب أحمد شاكر 
صاروينحا عل المدمرة . « تحرك اللنش الثانى وبسرعة » وعليه 
النقيب لطفى جاد الله » الذى أطلق الصاروخ الثانى » وكانت 


/اهه 





إصابة مباشرة انفجرت بعدها المدمرة » ثم هوت إلى القاع بعد 
سبع دقائق من الضربة الثانية » . وكيف أنه فى حديثه إلى جريدة 
مايو يوم ١‏ اكتوبر ١9/8‏ تراجع عن هذا الحديث » فقد نسب 
إغراق المدمرة إلى النقيب أحمد شاكر وحده ! » وم يورد أى دور 
للنقيب لطفى جاد الله » قائد اللنش الثانى » بل حسم ذلك 
بايراده الاشارة اللاسلكية التى أصدرها المقدم أحمد شاكر إلى 
المقدم لطفى جاد الله » وفيها يقول : «تم تدمير الهدف , 
ويراعى عدم الاشباك » . وقد ظل حديث اللواء على جاد كله 
فى جريدة مايو قاصرا على النقيب أحمد شاكر ! . 


وهذا الكلام يختلف عما أورده اللواء حمال حماد » استئادا ‏ كما 
قال على ماتحتفظ به قيادة القوات البحرية من وثائق وسجلات 
وأوامر العمليات الخاصة بهذه المعركة . فقد أورد فيها أن لنش 
النقيب أحمد شاكر أطلق صاروخه الأول فى الساعة الخامسة 
وخمس وعشرين دقيقة » وبعد أربع دقائق فقط . أى فى الساعة 
الخامسة وتسع وعشرين دقيقة » أطلق الصاروخ الثانى . وأن 
لنش النقيب لطفى جاد الله أطلق صاروخه الأول فى الساعة 
السابعة وتسع وعشرين دقيقة » وبعد ثلاث دقائق أخرى » أى 
فى الساعة السابعة واثنتين وثلاثين دقيقة تم إطلاق الصاروخ 
الثانق 1 : 


فهذا الكلام كيا هو واضح لم يظهر إلا بعد نشر دراستنا 
وشهادة المقدم لطفى جاد الله ونتائئج نحقيقنا التاريخى للحادثة | . 


ودليل أخر هو الحديث الذى أجراه الصحفى حمدى لطفى مع 
الفريق بحرى فؤاد ذكرى » قائد القوات البحرية فى ذلك 
الحين » فى المصوريوم ١6‏ نوفمبر 191/4 » أى بعد عام واحد من 
حرب أكتوبر . فلم يرد فيه أى ذكر للنش الثانى ولا للنقيب لطفى 





جاد الله ! . بل نشرت المصور مع الحديث صورة المقدم أحمد 
شاكر وحده. وحلفه طاقم زورقه . وكتبت تحت 
الصورة ١:‏ المقدم بحرى أحمد شاكر » وخلفه طاقم اللنش الذى 
أغرق المدمرة الاسرائيلية إيلات » اليوم ننفرد بنشر صورة واسم 
البطل المقاتل المصرى الذى دمر إيلات ) . ولم تورد صورة مماثلة 
للنقيب لطفى وطاقم زورقه ! . وبطبيعة الخال فلو أن الفريق 
فؤاد ذكرى كان يعرف دورا للنقيب لطفى جاد الله » لأورد ذكره 
لحمدى لطفى » ولنشرت المصور صورة لطفى جاد الله » أو 
أجرت معه حديثا » وهو مايزال حيا يرزق إلى الآن ‏ أطال الله فى 
عمره ‏ لابراز دوره فى المعركة » ختصوصا وأن هذا الدور هو الذى 
أجهز على المدمرة وأغرقها بالفعل ! » وهو- بالتالى ‏ دور لايمكن 
لقائد البحرية اغفاله لو كان يعرفه ! سولكن هذا الدور لم يعرف 
بشكل محدد وواضح إلا بعد أن أبرزناه ونشرنا شهادته على 
صفحات أكتوبر . 


ولاذا نذهب بعيدا فى التدليل على أن صورة المعركة لم تكن 
معروفة لأحد كما بيناها فى دراستنا » فلدينا شهادة المقدم لطفى 
جاد الله نفسه » وهى مسجلة لدينا بصوته على شريط تسجيل » 
وقد نشرناها على صفحات اكتوبر » وهى تبين حيرته فى الآمر . 
فقد تساءل : «هل كانت إيلات هى الهدف الأول ولكنها لم 
تغرق بالصارونمين ( اللذين أطلقه)| أحمد شاكر) وظلت فى 
المنطقة حتى اكتشفها الرادار المعطل بعد عودته إلى العمل » 
فكانت ضربتى هى التى أسكنتها القاع ؟ , أم أن إيلات كانت 
هى الهدف الأول » ثم دخلت المنطقة بحثا عن الهدف الأول » 
فضربتها ؟ . الشىء المؤكد أننى ضربت إيلات » ! . 

وأبلغ من ذلك فى فى ذكر جهل القيادة العسكرية بحقيقة 
الدور الذى لعبه الزورق » الذى يقوده النقيب لطفى جاد الله » 
فى اغراق إيلات » قبل أن ننشر دراستنا » ماأورده الفريق أول 


64م 


وده 





محمد فوزى », وكان قائد عام القوات المسلحة فى ذلك الوقت » 
فى مذكراته المنشورة حديثا ( 14817 ) بعنوان : م« حرب الثلاث 
سنوات » عن معركة إيلات . ففيها أوضح أن الذى أغرق المدمرة 
هو زورق النقيب أحمد شاكر وحده ! » ولاشىء إطلاقا عن 
الزورق الثانى بقيادة النقيب لطفى جاد الله ! . فقد كتب 
يقول : « هجم اللنش الأول » القائد , على جانب المدمرة » 
مطلقا صاروخه الأول » فأصاب المدمرة إصابة مباشرة » وأخحذت 
تميل على جانبها . فلاحقها بالصاروخ الثانى » الذى أكمل 
إغراقها ( كذا ! ) على مسافة تبعد ١١‏ ميلا بحريا شمال شرقى 
بور سعيك . وكان ذلك ظاهرا أمام القائد على شاشة الرادار . وقد 
غرقت المامرة « إيلات ) الاسرائيلية بعد الساعة الخامسة مساء 
يوم 9517/1١/1١‏ (كذا!). 


ومن هذا يتضح أن ماأورده صديقى اللواء جمال حماد عن 
معرفة القيادة العسكرية بحقيقة ماحدث بعد المعركة » هو خطأ 
تماما . فقد أورد أنه « اتضح من تحليل الموقف بعد المعركة بواسطة 
طاقم العمل الموجود فى قيادة القوات البحرية أن الصورة كانت 
خاطفة لدى قيادة قاعدة بور سعيد , وأن المدمرة الثانية التى 
أبلغت القاعدة أنه قد تم إغراقها فى الثامنة مساء .» كانت هى 
نفسها المدمرة إيلات » التى تم الابلاغ عن اغراقها فى السادسة 
مساء » وأن حقيقة ماجرى أن الضربة الأولى التى وجهها اللدش 
رقم 004 بقيادة النقيب أحمد شاكر ء بإطلاق صاروخيه على 
المدمرة فى الخامسة والنصف مساء ء لم تغرق المدمرة » وإنا 
أصابتها بإصابات خطيرة جعلتها عاجزة عن طلب النجدة 
وإرسال الاستغاثة ) . 


وى الحقيقة أن القيادة البحرية لم تعرف بحقيقة ماحدث إلا 
بعد نشر نتائج الدراسة التى نشرتها على صفحات أكتوبر ! . ولن 








أكتفى فى ذلك بإحالة القارىء إلى ماسبق من تصريحات الفريق 
على جاد وحديث الفريق فؤاد ذكرى وشهادة النقيب أحمد لطفى 
ومذكرات الفريق محمد فوزى ‏ وهى كافية تماما لاثبات أن القيادة 
العسكرية ظلت تجهل ماحدث » سواء فى أعقاب المعركة » أو 
بعدها لمدة ستة عشر عاما حتى ظهور دراستنا ‏ وإنما سوف أجهز 
على هذه المسألة وأحسمها بنشر التصريحات الرسمية التى أدلى بها 
اللواء مصطفى كامل » المتحدث بلسان 'القيادة العليا للقوات 
المسلحة . فى المؤتمر الصحفى الذى عقده للمراسلين الأجانب ىق 
القاهرة . يوم ؟ أكتوبر /1971 - أى بعد يومين من إغراق 
المدمرة ‏ وقد نشر فى .جريدة الأخبار يوم 4؟ أكتوبر /1951 » 
وأعادت نشره القيادة العامة للقوات المسلحة فى النشرة الخاصة 
بالقوات المسلحة رقم 7 ( أكتوبر 14517 ) . فقد سثل : ( متى 
وجهت الضربات المباشرة إلى المدمرة الاسرائيلية ؟ . فأجاب : 
« الضربة الأولى فى الساعة :© ؟ره . والثانية فى الساعة ره 
مساعء ) . وسئل : « هل أتيح للمدمرة الاسرائيلية أن تخرج من 
مياه الاقليمية بعد إصابتها ؟ » . فأجاب : « غرقت مباشرة بعد 
ضربها ) !1 . 


فأين إذن كانت معرفة القيادة البحرية بحقيقة ماحدث بعد 
المعركة بواسطة طاقم العمل الموجود فى قيادة القوات البحرية ؟ : 
ولاذا لم يظهر أثر هذه المعركة فى تصريحات اللواء مصطفى كامل 
للمراسلين الأجانب ؟ : أكثر من ذلك فانه من الثابت أن القيادة 
العسكرية كانت تعتقد أن اللنش الثانى قد ضرب هدفا آخر غير 
إيلات ! . وهذا ماصرح به اللواء مصطفى كامل للمراسلين 
الأجانب » عندما سئل : « ماذا عن الهدف الثانى الذى قيل إن 
حاسلاات الصواريخ المصرية أصابته ؟ » فقد أجاب : ( كان 
هدفا متحركا ظهر على شاشة الرادار بنفس حجم المدمرة 
الاسرائيلية إيلات » ووجهت إليه ضربتان مباشرتان » وكان 


اكه 





ذلك بعد ساعتين من إصابة إيلات نفسها , وعلى وجه التحديد 
ف الساعة 9١رلا‏ دقيقة » . 


هذه هى تصريحات القيادة العليا للقوات المسلحة المصرية بعد 
المعركة . فهل يتفق ذلك مع ما أورده الصديق جمال حماد من أن 
طاقم العمل الموجود فى قيادة القوات البحرية قد اتضح له حقيقة 
ماحدث بعد أن قام بتحليل الموقف بعد المعركة ؟ . وماذا خفيت 
هذه الحقيقة ‏ لان طوال ستة عشر عاما » حتى ظهرت نتائج 
الدراسة التى نشرناه على صفحات أكتوبر ؟. . وهل كان هناك 
مبرر لانخفاء دور النقيب لطفى جاد الله فى إغراق المدمرة طوال 
هذه السئوات الطوال بعد أن ظهرت لطاقم العمل الموجود فى 
قيادة القوات البحرية حقيقة ماحدث بعد المعركة بكل هذا 
الوضوح الذى تحدث عنه الصديق جمال حماد ؟ ‏ خصوصا ولطفى 
جاد الله مايزال حيا يرزق ؟ . 


نعم لماذا أخفى ا مرحوم الفريق فؤاد ذكرى دور لطفى -جاد الله 
ق حديثه للمصور المنشور يوم ١6‏ وفمبر 191/4 - أى بعد سبع 
سئوات من معركة إيلات - ولاذا أخفى الفريق محمد فوزى دور 
لطفى جادالله فى مذكراته المنشورة عا/ “19417 - أى بعد ستة عشر 
عاما ؟ . ولماذا أخفى اللواء على جاد دور لطفى جاد الله فى حديثه 
جريدة مايو فى يوم 74 أكتوبر 19/17- أى بعد ستة عشر 
عاما ؟ . 


وحتى حين أورد اللواء على جاد اسم النقيب لطفى جاد الله 
فى حديثه لحريدة الأخبار المنشور فى يوم 7١‏ أكتوبر 19817 - لماذا 
أورد دوره بشكل غير دقيق ! ؛ حيث ذكر أن الصاروح الأول 
أطلقه النقيب أحمد شاكر وأن الصاروخ الثانى أطلقه النقيب 
لمافى جاد الله مع ما هو ثابت الآن» بعد الدراسة التى 





نشرناها . من أن الزورق الأول أطلق صاروخين على إيلات 
فأعطبها وشل حركتها , وأن الرورقف الثانى للنقيب لطفى جاد 
الله أطلق صاروخين أجهزا على المدمرة وأسكناها القاع ؟ . 


فى الحق أننا لانمانع بطبيعة الخال فى استفادة القيادة البحرية 
والباحثين بنتائج الدراسة التاريخية التى نشرناها عن معركة 
إيلات » قالدراسات التاريخية تنشأ وتجرى لهذا الغرض . وهو 
إجلاء الحقيقة للشعوب والحكام » ولكن أليس من الغريب حقا 
أن تستخدم هذه الاستفادة فى الزعم بأن القيادة العسكرية كانت 
تعرف سلفا مبذه النتائج , وأكثر من ذلك الزعم بأن ماكتبناه كان 
خاطثا » والانتقال من ذلك إلى تلقيننا الدروس فى كتابة 
التاريخ ؟ : 


ولكن من حسن الحظ أن تصريحات الجميع , التى توضح 
رؤيتهم للمعركة قبل نشر دراستنا » منشورة ومثبوتة فى بطون 
الممنن ا اك لكر شيا للسدرانك العيدة 1ج وف لظو 
الفارق الحائل بين المحقيقة التى أسفرت عنها دراستنا وبين ما كانوا 
يعتقدون ! . 


وسنواصل فى مقالنا القادم مناقشتنا لمقال اللواء جمال حماد . 
د . عبد العظيم رمضان 


يلل 


ملحئ رقم 








| 





لغسز الفساء طلعسة الطميران فى مصسركسة 


ايلات ! 


بقلم : د . عبد العظيم رمضان 


(أكتوبر فى ١١‏ نوفمير )1١9414‏ 


فى مقالنا السابق أثبتنا من واقع تصريحات العسكريين على 
مدى السنوات الست عشرة منل تاريخ ضرب ايلات الى صدور 
دراستنا عن اغراق هذه المدمرة فى مجلة « أكتوبر» » وعلى كافة 
المستويات : من أول القائد العام للقوات المسلحة . الى قائد 
القوات البحرية » الى قادة زوارق الصواريخ التى ضربت 
ايلات » حتى جنود هذه الزوارق ‏ أن أحدا لم يعرف حقيقة 
ما حدث تماما قبل أن نميط عن اللحادث اللثام فى دراستنا . كا 
أوضحنا أن سجلات وأوامر العمليات الخاصة بالمعركة وكذا 
الاشارات اللاسلكية والتليفونية وحدها لم تكن كافية لرسم صورة 
الحدث التاريخى فى ذهن القادة بدون الرجوع الى الوثائق الأخرى 
المكملة » من شهادات وروايات ثاريخية وتصريحات وبيانات 
للعسكريين الذين لعبوا دورا فى الأحداث . 


ومن الملحقق أن ما نشره اللواء مال حماد بالاستناد الى 
السجلات العسكرية التى أطلعه عليها الفريق على جاد هو عمل 
مفيدا جدا فى اضافة تفاصيل توضح صورة ما كان يجرى فى 





جانب القيادة البحرية » وهى التى وجه اليها اللواء جمال حماد 
اهتامه » بعد ما بدا فيا نشرته فى هذا الصدد أنه يغفل دور هذه 
القيادة فى صنع المعركة » ويركز على دور قادة الزورقين ! . وى 
يكن ذلك قصدى بالمرة » لأن عمل قادة الزورقين هو فى نماية 
الأمر- عمل تنفيذى لحهود قامت بها القيادة البحرية . وم يكن 
ثمة خلاف على الاطلاق حول صدور تعلييات من هذه القيادة 
لقائدى الزورقين الصاروخيين بالخروج والاشتباك مع العدو. 
لأن هذه التعلييات هى الأصل فى خروج الزورقين الى عرض 
البحر ‏ وانها كان الخلاف حول ما اذا كانت القيادة فى سبيلها الى 
الغاء الاشتباك » بعد أن قامت فى أخر لحظة بالغاء طلعة الطيران 
التى كانت مقررة لتقديم الحاية الجوية لسرب الصواريخ - وهو 
الالغاء الذى فهم منه النقيب أحمد شاكر أنه مقدمة لالغاء 
الاشتباك » وتصرف على هذا الأساس بتعطيل جهاز اللاسلكى 
واصدار الأمر لطاقم زورقه باطلاق صاروخيه على المدمرة . 


وهذا الخلاف . سواء حول نية القيادة فى الغاء الاشتباك » أو 
تعطيل أحمد شاكر لجحهاز اللاسلكى » وثيق الصلة باشتباك يوم 
١‏ يوليه ١951/‏ ء الذى راح ضحيته النقيبيين عونى عازر 
وتمدوح شمس وأفراد طاقمهم| » بسبب الأوامر التى صدرت لم) 
بعدم الاشتباك مع العدو , ما أتاح له الفرصة لأخذ المبادرة فى يده 
وتوجيه ضرباته التى أسفرت عن تدمير الزورقين . فقد كان هذا 
الحادث هو الذى فجر مشاعر الغضب المكبوت فى صدور ضباط 
وجنود أسراب الصواريخ » الذين كانوا يثقون بقدرتهم على 
التعامل مع العدو . والذين حملوا القيادة مسئولية النتيجة التى 
أسفرت عنها الحكومة ؛ وأخذت مشاعرهم منذ ذلك الحين 
تشكل قوة ضغط على القيادة السياسية » للتخلى عن سياسة عدم 
الاشتباك مع العدو الى حين اعادة بناء القوة العسكرية لمواجهة 
ما يترتب على ذلك من احتالات . 


وده 


5ه 





وبالنسبة للمخلاف حول ما اذا كان الغاء طلعة الطيران مقدمة 
لالغاء الاشتباك . فان اللواء حمال حماد » فى مقاله الثالث حول 
المعركة » نسب الغاء طلعة الطيران الى عدم تدريب الطيارين 
المصرين على القتال الليل » وعدم تزويد الطائرات المصرية 
الاعتراضية ميج "١‏ بتجهيزات هذا النوع من القتال . ولكنا 
نلاحظ أن هذا الالغاء » الذى تقرر« بعد خروج السرب من بور 
سعيد بدقائق قليلة  »‏ على حد قوله ‏ كان سابقا لأوانه ! » لأن 
الظلام لا يخيم على البلاد عند الغروب . بل تبقى أضواء 
الغروب عادة فترة تسمح بالرؤية الواضحة . وبرجوعنا الى جريدة 
الأهرام يوم ” أكتوبر19517 تبين أن وقت المغرب كان فى 
الساعة /ا١‏ ,ه » ومعنى ذلك أن الغاء طلعة الطيران ‏ وهو الذى 
ذكر اللواء حمال حماد أنه كان فى الساعة الخامسة وعشر دقائق - 
كان قبل وقت الغروب بسبع دقائق ! . وقد جرت المعركة فى 
الساعة ©" ره 2 أى بعد ثهانى دقائق من غروب الشمس ٠.‏ وم 
تكن أضواء الغروب قد اختفت . وهذا ما ورد عرضا فى وصافف 
النثقيب أحمد شاكر للمعركة » فقد ذكر أنه بعد اصابة المدمرة 
بصاروخيه . « خرجنا جميعا من مواقعنا الى ظهر قاربنا نتطلع 
ناحية العدو المضروب . كانت أضواء الغروب وراءنا » وأمامنا 
على الأفق نحو الشرق وهج النيران المتصاعدة من مدمرة العدو 
المحترقة ) ! . 


ومن هنا فان الغاء طلعة الطيران فى هذا الوقت » مع أهميتها 
البالغة فى حماية سرب الصواريخ ضد أى هجوم من جانب 
الطائرات الاسرائيلية 04 وصع اعتراف اللواء مال حماد بأنه 0 
يكن فى مقدرة أية قطعة بحرية مصرية التحرك فى منطقة المعركة 
دون أية حماية جوية فى حالة وصول الطائرات الاسرائيلية لم يكن 
له مأ بررة 3 اذا وضع ف الاعتبار جلال وخحطورة المهمة الى 
خرج من أجلها سرب الصواريخ ٠‏ والتى يبدو أن أحدا لم يكن 





يدرك أبعاده ! » لأنه لم يسبق له مثيل فى تاريخ البحرية . 


وفى هذا الصدد يجدر ملاحظة أنه اذا كان قرار الغاء طلعة 
الطيران قد اتخذ قبل الغروب بسبع دقائق » فان الاعداد لهذا 
القرار لابد أنه كان قبل ذلك بمدة كافية ! . فقد صدق القائد 
العام على الطلعة الجوية » ومن الضرورى الحصول على تصديق 
القائد العام على الغاء تصديقه السابق . ومعنى ذلك أن الغاء 
الطلعة الجوية قد تقرر من قبل خروج سرب الصواريخ فى مهمته 
الخطيرة » بكل ما يترتب على ذلك من تعريضه للخطر - وهو أمر 
يلقى الشك على جدية التصديق على أمر الاشتباك ويوحى 
بسهولة بأن القيادة كانت فى طريقها لالغاء هذا الاشتباك . 


وهذا مافهمه النقيب أحمد شاكر . فمن الطبيعى أن تصل اليه 
اشارة الالغاء » ولا يتصور غير ذلك ؛ لأن هذا يمثل جزءا من 
امكانيات المعركة لابد أن يوضع فى اعتبار قائد زورق 
الصواريخ . فيعرف هل يقاتل تحت حماية جوية أو بدونها , 
ويتصرف فى حدود هذه المعرفة . وقد فهم الثقيب أحمد شاكر أن 
الغاء طلعة الطيران هو مقدمة لالغاء الاشتباك وتعريضه ‏ 
بالتالى - وزورقه الى نفس ما تعرض له زورقى النقيبين نمدوح 
شمس وعونى عازر » فقرر تعطيل جهاز اللاسلكى . 


على أن قصة تعطيل اللاسلكى تلقى مقاومة شديدة من يعض 
المصادر العسكرية . فقد ذكر اللواء جمال حماد فى مقاله الثانى : 
« وييمنا أن نسجل فى هذه الدراسة للمعركة . أن أجهزة 
اللاسلكى فى سرب لنشات الصواريخ لم يحدث بها أى تعطيل » 
سواء عن عمد أو عن غير عمد » طوال الفثرة التى أمضاها سرب 
لنشات الصواريخ فى عرض البحر منذ مغادرته للرصيف واطلاقه 
الصاروخين على المدمرة لحين عودته مرة أخمرى الى رصيف 


بده 


كه 





الميناء » وأن الأمر الذى حدث هو الاجراء العادى الذى تتبعه 
جميع الوحدات العسكرية » سواء كانت بحرية أو برية » وفقا 
لأوامر العمليات الصادرة والتعليهات المستديمة » وهى أن تلتزم 
الوحدة طوال التحرك الى حين الاشتباك بها يسمى صمت 
اللاسلكى . وهو اصطلاح يعنى أن تكون جميع أجهزة 
اللاسلكى فى الوحدة على وضع الاستقبال جاهزة لتلقى أية 
اشارات من رئاستها . ولكن دون أن تقوم هى بارسال أية 
اشارات لاسلكية » الا فى حالة انكشاف أمرها للعدو وزوال 
المفاجأة » . 


ولست أدرى كيف أمكن الحزم بذلك ؟ . ان الفريق على جاد 
فى سعيه لاثبات ذلك قد أكد أن « الاتصال لم ينقطع فى أى لحظة 
من اللحظات بين قيادة القوات البحرية وبين قيادة قاعدة بور 
سعيد وما بين السرب وما بين اللنش الأول بقيادة النقيب أحمد 
شاكر » وأنه لم تحدث ‏ بالتالى - أعطال فى اللاسلكى . على أن 
العميد بحرى حسن حسنى زكى » الذى كان مسئولا عن قسم 
الاشارة والانذار فى قاعدة بور سعيد البحرية » قد أكد . فى 
خطابه الذى أرسله لى » أنه «لم تصدر أية اشارات لزورق 
النقيب أحمد شاكر بعد تلقيه الأمر بالخروج والاشتباك مع العدو 
ومعنى هذا الكلام أنه لم تكن هناك اتصالات مستمرة أو غير 
مستمرة بين قيادة قاعدة بور سعيد وبين السرب ! . 


هذا التضارب فى المصادر العسكرية يسميح بالاجتهاد 
ولا يغلق باب الاجتهاد . فربم| قصد الفريق على جاد بدوام 
الاتصال بلنش النقيب أحمد شاكر » اشارة الغاء طلعة الطيران 
التى لابد أنها أرسلت له كها ذكرنا . ولكن نرد على ذلك بأن 
تعطيل اللاسلكى ‏ وفقا لرواية النقيب أحمد شاكر ‏ كان بعد هذه 
الاشارة بالغاء طلعة الطبران وليس قبلها . 





وعلى كل حال » فيبدو أن البعض يأخذ تعطيل اللاسلكى 
على معنى تخريبه أو تدميره ! » وهو أمر غير معقول » فلا يعقل 
أن يحرم النقيب أحمد شاكر نفسه من أداة الاتصال الأساسية بينه 
وبين قاعدته أو الزورق الآخرء وانما يجب أن يؤحذ ذلك على 
معنى التعطيل البسيط عن طريق نزع سلك أو نحوه ( ثم اعادة 
تركيبه سريعا بعد انتهاء المهمة . 


ونحن لم نكن لنتمسك طويلا بهذه القصة لولا أنها وردت على 
البحرية » بل معروفة فى أوساط الجيش » فقد رواها لى المرحوم 
اعادة كتابة التاريخ المصرى . فور سؤالى اياه عن الحادث » 
وكنت أعوده فى مستشفاه فى هارلى ستريت بلندن فى أعقاب اجراء 
عملية خطيرة له : ووالتال اقاذا كنا وعم لا تفط خاي 
كيف جرى التعطيل 2 فاننا ‏ على الاقل ‏ فى وضع يسمح لنا بأن 
نقول ان شيئا ما قد حدث للجهاز يمنع استقباله الاشارة التى 
كان يتوقعها النقيب أحمد شاكر بالغاء الاشتباك . 


وهذه هى صعوبة الحكم فى هذه القضايا المعقدة . فلعل 
القارىء قد لاحظ أنه لا يوجد بين هذه المصادر كلها سواء التى 
اعتمدث عليها أو اعتمد عليها اللواء حمال حماد ‏ أى مصدر 
مدنى » بل كلها مصادر عسكرية من الدرجة الاولى ! . وبالتالى 
فليس لأحد أن يجزم بشىء فى الوقت الراهن » بل ندع الباب 
مفتوحا لما قد جد من وثائق . 


على كل حال فقد سعدنا للتفصيلات التى قدمها اللواء جمال 


حماد عن معركة ١١‏ يوليو/ا951١‏ »2 والتى تفصل ماورد فى النشرة 
رقم ٠‏ للقوات المسلحة فى أكتوبر/ا195 التى رجعنا اليها فى 


214 


ولام 





تقديمنا للمعركة . وهذه التفصيللات تؤكل الأمر الذى صدر من 
قيادة القاعدة للنقيبين عونى عاز وكدوح شمس يعدم الاششاك 
مع العدو والا بعد أن يبدأ فى الاعتداء على السرب . 


ولست أرى فارقا كبيرا ‏ كذلك الذى رآه اللواء جمال حماد ‏ بين 
أن يطلب قائد السرب من القاعدة الأمر بالاشتباك مع المهدف 
المعادى فيرفض ذلك وبين أن يؤكد قائد القاعدة على قائد 
السرب منذ البداية بعدم الاشتباك ! . والرواية الاولى هى التى 
أوردناها . وأكدها الخطاب الذى وصلنا بتوقيع مجهولة تقول 
فيه : « سل حسين زاهر ياقوت : من الذى أعطى الأمر بأن 
يعودوا جميعا حين طلبوا أمرا حاسم بالضرب ؟ . ارجع يا 
بسرعة انت واخوانك ! . ستحاكم ! » هذه هى الأوامر؟ ) . 


ذلك أن الرواية التى أوردها اللواء حمال حماد تعترف بان « قائد 
السرت أبلغ قائد القاعدة » بعد ١6‏ دقيقة من انتصاف الليل , 
أن هدفا معاديا قد أخذ فى الاقتراب منه بسرعة » فأصدر قائد 
القاعدة بعد دقيقتين أمرا بتفادى الاشتباك » ! . فهل هناك أبلغ 
من هذه الاشارة من قائد السرب فى طلب عدول قائد القاعدة عن 
أوامره السابقة بعدم الاشتباك » بعد أن أسفر العدو عن نيته فى 
الاشتباك باقترابه بسرعة من السرب ؟ . واذا لم تكن هذه الاشارة 
من قائد السرب بمثابة طلب بالاشتباك . فلاذا فهم قائد القاعدة 
منها هذا المعنى تماما. وأصدر له « بعد دقيقتين  »‏ كما يقول 
اللواء حمال حماد ‏ أمرا بتفادى الاشتباك ؟ . ولماذا فهمت جهات 
التحقيق مع قائد القاعدة , بعد انتهاء المعركة » هذا المعنى 
أيضا » فاعتيرت تصرفه خاطئا » وقررت احالته الى التقاعد ؟ . 


بقيت ملاحظة تباين رد الفعل من جانب قيادة القاعدة فى 
حادثى ١١‏ يوليوو١؟‏ أكتوبر» والذى يؤيد تحليلنا للسبب الذى 





دفع القيادة فى يوم 1١‏ أكتوبر الى اصدار الأمر بالاشتباك » وهو 
الضغط الذى كان يارسه ضباط وجئود البحرية » وخاصة 
أسراب زوارق الصواريخ . على القيادة السياسية لكسر قاعدة 
عدم الاشتباك . 


فنلاحظ أنه بيدا تمثل رد فعل قيادة القاعدة فى ١١‏ يوليو فى 
تلقين النقيب عونى عازر » قائد سرب اللنشات » المهمة التى 
عهد بها الى سربه . وهى ‏ حسب رواية اللواء جمال حماد ‏ 
« استطلاع الهدف المشتبه فيه » ومحاولة استدراجه الى مرمى 
مدافع المدمرة السويس الراسية فى الميناء فى حالة دنخوله المياه 
الاقليمية » مع العمل على تفادى الاشتباك مع أية أهداف 
معادية » الا نى حالة الدفاع الشرعى فى النفس . أى اذا تعرض 
السرب للاعتداء المباشر عليه  )‏ فانه اتخذ فى يوم ١؟‏ أكتوبر 
شكلا اخرا ! . 


فقد تكون طاقم عمل برئاسة قائد القوات البحرية وقرر قائد 
القوات البحرية الاشتباك مع المدف البحرى المعادى وتدميره فور 
اختراقه المياه الاقليمية » كبا طلب تصديق القيادة العامة للفوات 
المسلحة » ووصله هذا التصديق » وصدرت الأوامر للسرب 
بالاشتباك مع العدو عند دخوله المياه الاقليمية قبل مغادرثه 
القاعدة . 


وهذا الفارق الائل بين ردى الفعل فى الحادثين » يعكس قوة 
الضغط الذى نجح ضباط وجنود أسراب الصواريخ فى فرضه على 
القيادة العسكرية والسياسية » للدخول فى معركة كانوا يشعرون 
فى قرارة أنفسهم بقدربجمهم على خوضها وتحقيق النصر فيهاء 
باستخدام صواريخ كانت القيادة العسكرية تملكها ملئذد 
عام ١9551‏ 2 ولم تفكر فى استسخدامها منذ ذلك الحين - حتى فى 


آلاه 





حرب يونية /1 1١95‏ - لأنها كانت تجهل امكانياتها الجبارة . 


فقد جاء استخدام ضباط وجنود سرب الصواريخ يوم 
١‏ أكتوبر هذه الصواريخ لأول مرة فى التاريخ » ليقلب وجه 
التاريخ البحرى » ويغير الاستراتيجية البحرية العالمية » ويلفت 
النظر ‏ لأول مرة أيضا ‏ الى تلك القطع البحرية الصغيرة ذات 
القدرة القتالية الحائلة التى تستطيع تدمير مدمرة ضخمة ذات 
تسليح متفوق ‏ وهى لنشات الصواريخ . وكانت النتائج التى 
حققتها معركة ايلات مفاجأة للقيادة السياسية فى مصر بقدر 
ما كانت مفاجأة للعالم الخارجى ! . 


بقى النقد الذى وجهه اللواء جمال حماد الى شهادة العقيد 
لطفى جاد الله » والتى روى فيها قصة عودته الى الاسكندرية » 
وما نعرض له من تحرش لنشات الطوربيد الاسرائيلية ومطاردتها 
له . ومحاولة الطائرات الاسرائيلية العثور عليه . وقد استند اللواء 
حمال حماد فى تنفيذ هذه القصة الى ما أعلنته اسرائيل من أنبا لن 
تقوم بأية اشتباكات لأن وحداتها تشترك فى عمليات انقاذ بحارة 
المدمرة ايلات » واستبعد قيام أربعة من لنشات الطوربيد 
الاسرائيلية ومجموعة من الطائرات النفائة بالتتخلى عن واجبها 
الانسانى خلال اشتراك فى عملية الانقاذ » لتتفرغ لعملية مطاردة 
« لنش صغير لانزيد حمولته على 8١‏ طنا وكل طاقمه عبارة عن 
48 ضابطا وجنديا ») ! . 


وأعتقد أن اسرائيل كان لديها من وفرة القوات ما يسمح لها 
بتخصيص أربعة زوارق طوربيد وبعض الطائرات للانتقام من 
الزورق الذى دمر مدمرتها » ورد الاعتبار- من ثم أمام الشعب 
الاسرائيل . ولايجب أن يعول فى ذلك على اعلان اسرائيل 
امتناعها عن أية اشتباكات لاشتراك قواتها فى عمليات الانقاذ , 





لأن وعود اسرائيل في هذا الصدد ليست مما يصدق بسهولة . 

كذلك فان تحضين النقيب لطفى جاد الله الشديد فى الساحل 
لتجنب عدوان العدو؛ حتى ولو أدى الى الدخخول فى مياه 
ضحلة » ليس مما يدفعه الى احتلاق قصة المطاردة ! . فبالاضافة 
الى أن واجبه يقتضى الابتعاد عن مرمى مدفعية بحرية العدو, 

بعد أن أطلق صاروخيه وأصبح مجردا من أية حماية بحرية أو 
جوية » فان انجازه العسكرى العظيم الممثل فى اجهازه على 
الحهدف البحرى الضخم الذى خرج لتدميره . والذى كان 
الاعتقاد السائد وقتها أنه المدمرة حيفا ‏ قد ارتفع به الى المستوى 
الذى لايتوقع فيه لوما لمجرد التحضين الشديد فى الساحل » وانما 
يتوقع الثواب والمكافأة . وبالفعل فقد استحق به وسام نجمة 
الشرف العسكرية . وفى هذا المستوى العسكرى الرفيع لا يكون 

الانسان فى حاجة للترير أو الاختلاق . 


على كل حال فيهمنا أن نؤكد استنتاجات اللواء جمال حماد فى 
نفى دعوة اسرائيل الوحدات المصرية للاشتراك فى عمليات انقاذ 
بحارة المدمرة ايلات . ولم يكن فى حاجة لحشد هذا الكم من 
الأدلة , لأنه لواطلع على جريدة الأهرام الصادرة يوم 71 اكتوبر 
17 .». لعرف أن قائد البحرية الاسرائيلية » شلومو اريل قد 
نفى بصراحة ماتردد فى ذلك الحين من أن اسرائيل طلبت من 
مضبر المساعدة ف عمليات الانقاذ » كما كذب أيضا المعلومات 
التى أذاعتها الصحف الاسرائيلية لتهييج الرأى العام ضد 
مصر . ومفادها أن المدفعية المصرية المضادة للطائرات قد وجهت 
نبرائها الى الطائرات الاسرائيلية التى كانت تقوم بعمليات 
الانقاذ . 


جمال حماد لا تمنعنى من الاشادة بموضوعيته » ومثابرته » ورغبته 


عام 


الم 





الحادة فى الوصول الى الحقيقة مهما تجشم لأجلها من مشاق 6 
وتمتعه بصفات باحث التاريخ الحقيقى التى نأمل أن يتمتع بها 
باحثو التاريخ اللحدد من الأكاديميين . 


وفى النهاية أحب أن أسجل كلمة تحية للأبطال الذين قادوا 
معركة ايلات وهم : المرحوم الفريق فؤاد أبوذكرى والفريق على 
جاد ( المقدم فى ذلك اللمين ) والعميد بحرى محمود عبد الرحمن 
فهمى » والعقيد بحرى محمد على محمد » والعقيد بحرى طلعت 
نصر - الذين قادوا المعركة . كما أسجل تحية الوطن وعرفانه 
للضباط الصغار وجنوب سرب الصواريخ الذين خاضوا 
المعركة , وهم : المرحوم النقيب أحمد شاكر القارح » والمقدم 
لطفى جاد الله ( النقيب وقتذاك ) والملازم أول السيد عبد 
المجيد » والملازم أول حسن حسنى أمين » والضابط البحرى 
سعد السيد . والمقاتل عبد الحميد عبد الفتاح » وبكرى فتح 
الله » وعبد العزيز ابرأهيم ؛ وصلاح حافظ . ومحمد جودة 2 
وسمير محيى الدين » وعلى عبد الله » وحمد عبد العاطى . 
ومحمد رجب , وعبد المادىئ شوقى » وعبد السلام جمعه » وتحمد 
شعبان . والسيد أحمد . ومحمد على » وفصيح صابر » وعبد 
اللطيف محمد . وعلى عبد العزيز» وحسين عمارة » وفودة 
البدراوى » وخيرث بركات » وأحمد الجوهرى . وحمدى فرغلى » 
ومعوض سرجيوس - وهذه الأسراء هى .كل ما أمكنتى حصرها . 
وترحما على الشهيدين تمدوح شمس وعونى عازر وأفراد زورقبهم| » 
الذين أهبت أرواحهم رغبة الثأرفى صدر ضباط وجنود البحرية » 
فأحرقت المامرة ايلات ! . 


د . عبد العظيم رمضان 





أهم أعصال المؤالف 


** تطور الحركة الوطنية فى مصر 1975-١918‏ ) 
( القاهرة : دار الكاتب العربى ١954‏ ) 
* تطور الحركة الوطنية فى مصر ١9181/(‏ - 144/8 )- مجلدان 
( بيروت : دار الوطن العربى 1١91/*‏ ) 
* الصراع الاجتماعى والسياسى فى مصر . من ثورة "5 يوليو إلى أزمة 
مارس ١9685‏ 
( القاهرة : مكتبة مدبولى 191/8 ) 
عبد الناصر وأزمة مارس 
( القاهرة : دار روز اليوسف 5/ا9١‏ ) 
* اليش المصرى فى السياسة ( 195-1841 ) 
( القاهرة : اطيئة المصرية العامة للكتاب /ا/91١‏ ) 
صراع الطبقات فى مصر (/ا957-18١).‏ 
( بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر 191/8 ) 
* الصراع بين الوفد والعرش (1 1918-1915 ) 
( بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر 181/94 ) 
* الفكر الثورى فى مصر . قبل ثورة "1" يولبو 
( القاهرة : مكتبة مدبول )١98١‏ 
* المواجهة المصرية الاسرائيلية فى البحر الأحمر ( 4-19149/ا9١‏ ) 
( القاهرة : دار روز اليوسف 1١987‏ ) 
* الاخوان المسلمون والتنظيم السرى 
( القاهرة : دار روز اليوسف يناير 191/87 ) 
4 الصراع بين العربف وأوروبا » من ظهور الاسلام إلى ائتهاء الحروب 
الصليبية 
( القاهرة : دار المعارف 1١94481‏ ) 
* حرب أكتوبر فى محكمة التاريخ 
( القاهرة : دار روز اليوسف ١984‏ ) 





2 مذكرات السياسيين والزعباء فى مصر 
( القاهرة : دار الوطن العربى 1984 ) 

2 تخطيم الآمة » جرب يونيو 1١951/‏ 
( القاهرة : دار روز اليوسف ١1984‏ ) 

إن الغزوة الاستعمارية للعالم العربى » وحركات المقاومة . 
( القاهرة .0 دار المعارف ١85‏ ( 

* مصر فى عهد الساداث ( نحت الطبع ) 

مع آخرين 
* مصر والحرب العاللمية الثانية » مع الدكتور حمال الدين المسدى والدكتور 
يونان لبيب رزقف 

( القاهرة : مؤسسة الآهرام 191/8 ) 

تاريخ أوروبا فى عصر الرأسمالية » مع د . يونان لبيب رزق ود . رءوف 

عباس 

( القاهرة : دار الثقافة العربية 19415 ) 

* تاريخ أورربا فى عصر الامبريالية » مع د . يونان لبيب رزق ود . 

رءوف عباس 
( القاهرة : دار الثقافة العربية )1١945‏ 
كتب مترجمة 

تاريخ الغبب الاستعيارى لمصر ( 179/8 - 1887 ) تأليف جون مارلى 

( القاهرة : الحيئة المصرية العامة للكتاب ١91/5‏ ) 





المقدمة 
التمهفيد 


الفصل الأول 


مقدعات حزببا يوالنية! 
ه قصة الحشود الإسرائيلية على حدود سوريا 
ه اغلاق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية 
اسرائيل فى الطريق إلى قرار الحرب 


الفصل الثائنس 


تسزلبا إبوانليةا /ا91/ 

ه الضرية الاسرائيلية وأحداث ه يونية 

ه جريمة الانسحاب من سيناء 

ه مسئولية جريمة الانسحاب بين المشير عامر وعبد الناصر 
كارثة الفرقة الرابعة المدرعة 

ه عبد الناصر والمشيرق حرب يونية 

ه لغز اختفاء عبد الناصر أيام حرب يونية ! 

ه حكومة مصر فى حرب يونية 

ه سقوط الحبهة الشرقية 








الفصل الثالث 
الصزاجع بين عبد الناصير والعشيز علقر 
ه يوم الحساب إِ 
ه المواجهة بين عبد الناصر والمشير 
ه أحداث 9 يونية المثيرة ! 
المواجهة بين اليش وعبد الناصر 
تحركات المشير عامر فى اسطال 


عبد الناصر يصفى جيش المشير 
ميليشيا الخلاليب فى بيت المشير 


ف امو م 


التتخطيط للاستيلاء على القيادة الشرقية 


المشير يستعد للزحف على القناة 
حطط اختطاف عبد الناصر 
اعتقال المشير عامر 

المشير عامر ومسرحية الانتحار 
اعدام المشير عامر 


الفصل الرابع 
عبة الناصز والسفيت ولعادةا بناء الجيش 
ه عبد الناصر والسوفيت واعادة بناء اليش 
الفصل الخامس 
لغز غراق السدصزا إبلات 
ه لغر اعراق المدمرة إيلاات 








الملاحق 


للسكسق) تر | : 
ه اغتيال المشير عامر 
تلستسهه) زفت ١‏ : 
ه المشير شرب من نفس الكاس 
تسق زفت ”| , 
0 تحليل موثق للمهندس حسن عامر عن وفاة شقيقه المشير عامر 
ملتسق رقم ا , 
ه الحقيقة وراء إغراق إيلات 
ملتسق زقعتر [1 , 
ه عودة إلى إغراق إيلات ! 
ملحق رفم 1 : 
ملتسق رقت /ا , 
ملحتسق زشتر / : 
60 التحليل الفنى والاستيراتيجى لمعركة بور سعيد البحرية 
تسق زفتر 9 : 
ه إغراق إيلات بين الوثائق الرسمية والوثائق الشعبية 


اللتسق زفت ٠١‏ : 
لق لغز الغاء طلعة العليران فى معركة إيلات ! 








رقم الايداع بدار الكتب 
1 الشف 


ندل لددك؟© ل نتالاك ٠‏ اعت تيل 1 





م تكن هزيمة يونية ١451/‏ هزيمة عادية فى تاريخ مصر ء بل 
قنك هريمة شافنة وغ الة معا ل يبي ا ديل .برف القت هذه 
ا هزيمة أَم 00 فادحة يأمتنا العربية ونبضضتها التحررية وحركتها 
0 منها إإى الآن ؛ كبا أصابت القضية الفلسطينية 

بكمة الجمة ناريك مميفر يها إلى لزاه لأستادتا - فى الزت 
+ إل الحيسكر واي اشر كمة. | صحريك بترجتفتها .قدت 


0 من ثقتها مبذا ا معسكر وبالفلسفة الاجتاعية , 


التى ينتمى إليها » وضيعت مكاسب التحول الاشتراكى التى 
حققها شعبنا فى السنوات السبع الأخيرة السابقة على ا هزيمة . 

ولأسباب كثيرة - مع ذلك - بعضها تر ويحليها أبن رخن 2 
أفلتت هذه ا ا خربب حتى لاعن 1 ا مساب التا التاريخى الصادق ا مرأ 

ا مهوى » حتى تصدى هذه ا مهمة الدكتور عبد العظيم 
رمفسات 4 سات الشاريخ ال مصديث وا معاصر » ورئيس قسم 
التاريخ » وعميد كلية التربية بجامعة ا منوفية » والكائب السياسى 
المعصروف - فكانت هذه 00 التاريخية ال حامة » التى تستخدم 
منبج البحث التارخى وأدواته العلمية » وتنطلق من منطلق فكرى 
تقدمى يؤمن بحركة التاريخ ا حدلية الى الأمام » وبدور الشعوب 
ىق صنع التقدم » ونخطم عبادة الأبطال وتظهرهم ق صورتهم 
البشرية . 

والسدكتور عبد العظيم رمضان يضيف بهذه الدراسة انجازا 
علدا هافيا ا يدانه الكذر فين ااسارضي :»رن كاين السا راق 
العلمية الشتابفة + الثى لذك ر متها <١‏ تطور الحركة الوطنية فق 
مصر ) ( ثلانة مجلدات ) » ور عبد الناصر وأزمة مارس ) » 
و« صراع الطبقات فى مصر » » و« الاخوان ا مسلمون والتنظيم 
السرى ») 2 و« حرب أكتوبر فى حكمة التاريخ » 5 و« الصراع 
بين الوفد والعرش » » و « ا مواجهة ا مصرية 





م لماع م00 
0